تعليم وتعلم التفكير
يقتصر عمل الكثير من المدارس على تزويد الأطفال بالمعلومات المنهجية في نواحي العلوم والفنون والآداب المختلفة، وهذا يمثل قصوراً كبيراً في قيام هذه المدارس بدورها في تنشئة الصغار؛ لأنها تغفل أمراً على درجة قصوى من الأهمية هو: تعلم واكتساب طريقة التفكير الصحيحة، بحيث يكون تفكير الفرد علمياً منطقياً سديداً، موضوعياً بعيداً عن التعصب، أو المصلحة الشخصية والعوامل الذاتية.
وطريقة التفكير الصحيحة هي عادة معرفية لها قيمة كبيرة في التقدم البشري، وهي من أهم ما يجب أن يركز عليه المشتغلون في ميادين التربية والتعليم.
أما الاقتصار على الحفظ والاستظهار، والاعتماد على الذاكرة وحدها، فإنه لا ينجح في إعداد الفرد المفكر الناقد المستنير، الذي يحسن الحكم على الأمور، وتقدير العواقب، وابتكار الحلول، والذي يستطيع أن يسير بمجتمعه خطوات إلى الأمام.
اللغة والتفكير
هناك صلة وثيقة بين اللغة والتفكير، ويتوقف التفكير إلى حد كبير على الصورة اللفظية البصرية والسمعية، وكذلك على الكلام الباطن، ولهذا فإن اللغة تمثل عوناً كبيراً على التفكير، وعلى تنظيمه وتيسيره وتوضيحه.
وكذلك نجد أن اللغة هي وسيلة تمثيل الأفكار، ونقلها بين أفراد الجنس البشري، وكلما زاد الثراء اللغوي، وتوفرت الكلمات المعبرة عن مختلف الأشياء والمفاهيم، زادت قدرة الفرد على التفكير والتعبير ونقل الأفكار، وأصبحت أكثر فعالية ودقة، ومن ثم فإن تقدم الفكر مرتبط أشد الارتباط بثراء اللغة، كما أن ضحالة اللغة وتخلفها، والفقر في الألفاظ، هي من العقبات الرئيسية في طريق التفكير ونموه ورقيه وتطوره (نجيب، 1994).
واستيعاب هذا الارتباط الوثيق بين اللغة والتفكير يوضح عمق أثر أدب الأطفال وتأثيره على كل من: اللغة التي يقوم الأدب بدور أساسي في غناها وثرائها، والتفكير الذي يمكن أن يقوم أدب الأطفال أيضاً بدور مهم في تنميته وتطويره، ودعم أسلوبه الصحيح بين الأطفال.
تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي
تقوم التربية الإبداعية بدور مهم في تنمية التفكير الابتكاري والإبداعي عند الأطفال بوسائل مختلفة:
1. إتاحة الفرص أمام الطفل للإسهام في حل مشكلاته الخاصة، وقيامه بدور إيجابي في هذا السبيل، بدلاً من أن نقدم له الحلول الجاهزة، مع تدريبه على إدراك المشكلة من جميع جوانبها، وافتراض الحلول، وتقييم هذه الحلول بطريقة موضوعية، ومحاولة وضعها موضع التنفيذ، وما إلى ذلك، ما ينمي التفكير العلمي والإبداعي عند الأطفال.
2. تنمية خيال الطفل بطريقة سليمة، والطفل لديه استعداد قوي لهذا، والخيال الإنساني مسؤول عن كل الأعمال الابتكارية في حياة البشر.
3. إتاحة الفرص أمام الأطفال للتجريب واكتشاف الأشياء واستطلاع البيئة المحيطة بهم، والكشف عن خواص الأشياء وتجريبها، وممارسة ألعاب البناء والتركيب، والرسم والقص والتكوين.
4. الاهتمام بالفروق الفردية بين الأطفال، والعمل على تنمية استعدادات الفرد وقدراته إلى أقصى حدودها وإمكانياتها.
5. إثارة اهتمام الأطفال بالمشكلات المختلفة، والإحساس بها، وإثارة حماستهم للبحث في هذه المشكلات، والتماس الحلول المبتكرة المناسبة لها.
6. الاهتمام بممارسة الأنشطة الإبداعية وتذوقها، مثل الرسم، والتصوير، والأشغال الفنية، والهوايات، والابتكارات التقنية، والتصميم، وكتابة الشعر والقصة ... الخ. وهنا يجد الطفل نفسه مبتكراً، يبدأ إنتاجه الفني بمعارفه السابقة، ثم يضيف إليها من ذاته وأحاسيسه وعواطفه وأفكاره، فيخرج إبداعاته الأولى التي تمهد لإعداده ليكون فرداً مبدعاً.
7. تنمية قدرة الأطفال على الملاحظة الدقيقة، والتقاط الظواهر ذات القيمة، التي تبدو كأنها حدثت مصادفة (مثل سقوط التفاحة عن الشجرة)، وتشجيعهم على تفسير هذه الظواهر، واختبار التفسيرات المختلفة، والتحقق من صحتها.
8. تدريب الأطفال على الصبر والمثابرة وبذل الجهد المتصل، فالمبدعون يتميزون دائماً بالقدرة الفائقة على تحمل العناء.
9. تدريب الأطفال على التفكير الناقد الذي يحسن التعليل والتحليل وربط الأسباب بالنتائج، وتقييم الأمور بطريقة موضوعية (نجيب، 1994).
البيئة المساندة للإبداع
مهما كانت قدرات الأطفال الإبداعية الكامنة، فإنها لن تؤتي أكلها ما لم تكن محاطة ببيئة مساندة دافئة، تكشف عن هذه القدرات وتوجهها وتساعدها على النمو والتطور. فكل الأطفال يولدون ولديهم قدرات إبداعية، ولكن الأمر يعود إلينا لتوفير البيئة المساندة لجهود الطفل الإبداعية.
"وعالم النفس كارل روجرز يقول: "إن الناس يحتاجون إلى شرطين إذا أرادوا أن يقوموا بعمل مبدع: الأمن النفسي، والحرية النفسية. وإحساس الطفل بالأمن النفسي ينتج من ثلاث عمليات مترابطة:
1. تقبل الطفل كفرد ذي قيمة غير مشروطة، والإيمان بالطفل بصرف النظر عن وضعه الحالي.
2. تجنب التقييم الخارجي، ودعم تقييم الذات.
3. التعاطف مع الطفل، ومحاولة رؤية العالم من وجهة نظره، وتفهمه وتقبله" (Fisher.2001: 35).
وبإمكان الشخص البالغ الذي يرشد الطفل، سواء أكان أحد الوالدين، أو المعلم أن يقول للطفل "لا يعجبني تصرفك"، ولكن عليه أن يكون حذراً في استخدام بعض الألفاظ التي تقيم الطفل ذاته مثل: "أنت سيئ، مخطئ، كسول". ومع أن الفرق بين الأسلوبين دقيق، وقد لا يتنبه له البعض، إلا أنه مركزي لبيئة الإبداع، فهناك فرق بين أن نقيم أو ننتقد سلوك الطفل، وبين أن ننتقده أو نقيمه هو ذاته، فقد سبق أن ذكرنا أنه يجب علينا أن نتقبل الطفل كما هو دون شروط.
وقدرة الطفل الإبداعية تُغذَّّّّى بالاستحسان الإيجابي والدافئ من قبل البالغين المهمين في حياته. فالأطفال يميلون للخلق من أجل من يحبون.
أما الحرية النفسية فإنها تقوي الإبداع بإتاحة حرية التعبير لدى الأطفال. ويجب أن يشعر الأطفال بدرجة كافية من الأمان تتيح لهم تجربة الأشياء الجديدة، وأن يعطوا الحرية للقيام بذلك ضمن حدود، ولكن بحيث لا تكون حريتهم عائقاً أمام حرية الآخرين. وفي ظل مناخ مساند للإبداع يُقَدِّر الراشدون والأطفال عالياً الأصالة وليس المسايرة لأفكار الآخرين، ويُقَدِّرون كذلك اختلاف الأفكار وليس التشابه. ومن الممارسات التي تساند الإبداع تشجيع الذات الساعية إلى التجريب وليس الذات الساعية إلى حماية نفسها (Fisher, 2001).
وللتعابير والألفاظ التي نقولها للأطفال أهمية في إضعاف ثقتهم بأنفسهم، وتدمير تقدير الذات لديهم، أو على العكس دعم التفكير الإبداعي لديهم، ودعم ثقتهم بأنفسهم. وهذه بعض الأمثلة على التعابير المحبطة:
من أين أتيت بهذه الفكرة السخيفة؟
لا تسأل مثل هذا السؤال الغبي.
ألا تستطيع أبداً أن تفكر بطريقة صحيحة.
ألا تفكر أبداً.
هل هذا كل ما تستطيع قوله/عمله/التفكير به؟
ومن الأمثلة على التعابير التي تدعم التفكير الإبداعي:
هذه فكرة رائعة.
أخبرني المزيد عن ذلك.
كيف توصلت إلى هذه النتيجة؟
هل فكرت ببدائل أخرى؟
جرب ذلك بنفسك، وإن احتجت إلى مساعدة أخبرني.
هذا سؤال جيد.
أنا واثق أنك تفهم بشكل صحيح.
وعلينا أن نتقرب من الأطفال بتفهم كبير، هادفين إلى تقليل أخطائهم، ومكافأة جهودهم. "والدراسات البحثية أظهرت أهمية وجود توقعات كبيرة من الأطفال. فتوقعات البالغين من الطفل، سواء الإيجابية أو السلبية تؤثر على استجابات الطفل إلى التفكير والتعليم. ويذكرنا تورانس أن الإبداع يتطلب الجرأة؛ فبمجرد أن يمتلك الفرد فكرة جديدة، يصبح أقلية مكونة من فرد واحد " (Fisher, 2001: 37).
ومن المهم أن نذكر أن البيئة المساندة للإبداع، هي بيئة تقدم الدعم والمساندة والتشجيع للإناث كما تقدمها للذكور، فكما يستطيع الطفل الذكر أن يبدع، تستطيع الأنثى كذلك.
"وفي إطار البحث عن العوامل التي تساعد في تنمية الإبداع وتطوره، وجد أن آباء وأمهات الأطفال المبدعين أقل ميلاً إلى التسلط، ويتيحون لهم الحرية الكاملة لاتخاذ القرار الذي يراه الطفل المبدع مناسباً، كما يتيحون لأطفالهم فرصة اكتشاف البيئة من حولهم. أضف إلى ذلك قيام الآباء والأمهات باصطحاب أطفالهم إلى المكتبات، وكثيراً ما يقرأون الكتب والقصص أمام أطفالهم، فهؤلاء الآباء والأمهات يفضلون أسلوب التوجيه، ونادراً ما يلجأون إلى العقاب الجسدي" (قطامي وقطامي، 2001: 510).
"وتؤثر العوامل الثقافية تأثيراً كبيراً على سير تطور الإبداع، ومستوى وظائفه، ونمطه. ويحصل الطلبة الذين يعيشون في بيئات مدعمة وغنية ثقافياً على درجات إبداع أعلى من الدرجات التي يحصل عليها الطلبة الذين يعيشون في بيئات محبطة ومحرومة، أو فقيرة ثقافياً" (قطامي وقطامي، 2001: 511).
دور أدب الأطفال في تشجيع الإبداع
يمكن لأدب الأطفال أن يدعم بقوة تربية الأطفال التربية الروحية الصحيحة، التي تدعم بدورها بناء شخصية الفرد السوي، الذي يتسم بالصفات التي تدعم الفكر والابتكار والإبداع، فهو الإنسان القارئ، المفكر المتأمل، العامل الجاد، الصابر المثابر، المدقق الذي يتقن عمله، الذي يطلب العلم طوال الحياة، والذي يعيد النظر في أفكاره وأعماله بهدف تقييمها وتطويرها، والذي يهتم بشؤون مجتمعه ومشكلاته، والذي تتسم تصرفاته بالموضوعية بعيداً عن الأهواء الشخصية.
ويمكن لأدب الأطفال أن يعدهم للحياة في عالم الغد، بمتغيراته وتكنولوجياته المتقدمة. وأدب الأطفال العام والخاص بألوانه المختلفة، يقدم هنا لخدمة الحياة في مناخ المستقبل: المادة المعرفية والمعلومات والمهارات والقيم، ما يعين الأطفال على التكيف مع المستقبل، والتحلي بالمرونة، والتفكير العلمي، والقدرات الابتكارية والإبداعية اللازمة لمواجهة المتغيرات الجديدة.
كما يقوم أدب الأطفال بدور مهم في إثراء لغة الطفل، واللغة -كما رأينا- وثيقة الصلة بالتفكير. وتقوم القصص والمسرحيات والأغاني والأناشيد، وغيرها من ألوان الإنتاج الأدبي، بدعم القيم والصفات اللازمة لعمليات التفكير الإبداعي والابتكاري، مثل: دقة الملاحظة، والصبر والمثابرة، والتفكير الجاد المستمر، وتنمية الخيال، والتفكير الناقد ... الخ. وألوان الإنتاج الأدبي المقدم للأطفال تصل إلى دعم هذه الصفات والقيم الإيجابية بوسائل شديدة الفعالية، مثل: التقليد والقدوة، الاستهواء (وهو تقبل آراء الآخرين ممن يعجب بهم الطفل ويقدرهم من غير نقد أو مناقشة)، والانطباعات، والاندماج ، والتعاطف الدرامي، والتقمص، وغيرها.
ويقدم أدب الأطفال قصص العلماء والمخترعين، وأهل الإبداع، ليتخذ الأطفال من حياتهم وسيرهم وتصرفاتهم نماذج وأمثلة تحتذى. كما يقدم أدب الأطفال أنماطاً للتفكير المستهدف، ونماذج للتصرف السليم في مختلف المواقف، ومن خلال تصرفات الأبطال الذين يعجب بهم الطفل ويقدرهم، فيقلد تصرفاتهم ويتبنى أساليبهم من غير تردد، على أن يكون هذا مما يخدم أساليب التفكير العلمي، والتفكير الابتكاري والإبداعي.
وكتب الأطفال التي تقدم لهم أنشطة عملية وفكرية، تقوم بدور مهم في القيام بعمليات التصنيف، واكتشاف المختلف والمتشابه، والتدرب على دقة الملاحظة، وابتكار الحلول، والخروج من المتاهة، وإكمال الصور والرسوم، وحل الأحاجي والألغاز وما إلى ذلك.
وأدب الأطفال في قصصه وبرامجه التلفزيونية والإذاعية وغيرها، يتيح مواقف تستدعي من الأطفال: دقة الملاحظة والتأمل، والربط والتعليل، والاستنتاج، وحسن إدراك الأمور، وتشجع الرغبة في تفسير المسائل وحل المشاكل، وللقصص البوليسية دور في تنمية مهارات التفكير السابقة.
"وتستطيع الكتب المدرسية - باعتبارها من أهم قطاعات كتب الأطفال - أن تنمي قدرتهم على الإبداع إذا راعت أموراً منها:
1- عرض المادة بتسلسل منطقي.
2- عرض بعض المادة عن طريق أسئلة ومشكلات تثير قدرات الطالب على الحل والبحث والدراسة.
3- ألا تقتصر التمارين على أسئلة الاستدعاء والتذكر، بل يجب أن تتضمن أسئلة عن تحليل المواقف وإعمال الفكر، وأسئلة تقتضي من الطالب أن يعرض رأيه، ويدافع عنه ويبرره، ويبرهن على صحته.
4- أن تتضمن المادة – كلما أمكن – عرضاً لبعض المواقف التي يتضح فيها إبداع العلماء وقدرتهم على الابتكار، وأساليبهم في حل المشكلات، وفي التفكير العلمي وما إلى ذلك.
5- أن تصاحب المادة المكتوبة الصور والخرائط التوضيحية الجذابة المناسبة.
6- أن تشجع الكتب المدرسية الطالب على التعلم الذاتي.
7- أن تتضمن المستحدثات العصرية المناسبة في مجال المادة الدراسية " (نجيب، 1994).
وأدب الأطفال الناجح يحبب الأطفال في الكتب والقراءة، وكل أوعية العلم والمعرفة الحديثة، ويحقق الألفة بينها وبين الأطفال.
الكتابة الإبداعية
"يقصد بالكتابة الإبداعية قيام التلاميذ بالتعبير عن أحاسيسهم، وخلجات نفوسهم، وانطباعاتهم، عما رأوه، أو سمعوه، أو اتصلوا به، تعبيراً نابعاً من الوجدان، وأهدافها:
تنمية قدرات التلاميذ التفكيرية.
تعويد التلاميذ على الطلاقة في التعبير.
تنمية الخيال لدى التلاميذ، وإفساح المجال لخيالهم في التعبير الهادف.
توسيع خبرات التلاميذ ومعلوماتهم، وتنمية ثروتهم اللغوية.
تدريب التلاميذ على جمع الأفكار، وترتيبها ترتيباً مترابط العبارات.
تدريب التلاميذ على الكتابة " (الحسن، 1990: 115).
وإذا كان الطفل لا يستطيع الكتابة بنفسه (طفل الروضة مثلاً) بسبب عدم امتلاكه مهارة الكتابة بعد، فإنه يلجأ للتعبير عن أفكاره ومشاعره شفوياً، ويقوم المعلم أو المعلمة بكتابة ما يمليه الطفل.
ويمكن للمعلم أن يشجع كتابة الطالب الإبداعية بوسائل عدة، منها:
1- الدفتر الشخصي:
يتمثل الإبداع أصلاً في الكتابة الحرة خارج الصف، وبدوافع ذاتية داخلية، يكتب التلميذ إبداعه في دفتر شخصي، قد يُطلع معلمه أو زملاءه على محتواه وقد لا يطلعهم. وفي هذا الدفتر يكتب التلميذ النوع الأدبي الذي يستهويه، كقصة واقعية عاشها، أو خيالية نسج أحداثها بنفسه، أو قصيدة نظمها، أو خلجات وخواطر يجد متنفساً في البوح بها.
2- فرص الكتابة الإبداعية في الصف:
على الرغم من أن الكتابة الإبداعية تتم أساساً خارج الصف، فإنه قد تتوفر بعض الفرص في الصف لتشجيع الإبداع، كوقوع حادثة مؤثرة، أو مرور الصف بتجربة جمالية معينة، كمشاهدة منظر يثير الإعجاب أو فيلم أو رسم أو سماع قصة أو قصيدة وغيرها. وعلى المعلم أن يكون عوناً للتلاميذ إذا طلبوا الكتابة في أحد هذه المواضيع.
3- منابر لتشجيع الإبداع:
حلقات للكتابة الإبداعية وأخرى للتمثيل (تشجيع الحواريات والمسرحيات، وتمثيل الملائم منها).
صندوق البريد المدرسي لتشجيع الكتابة الشخصية المغفلة (غير الموقعة).
قراءة نتاج التلاميذ في الصف أو في اللقاءات (بموافقتهم).
جريدة الصف أو المدرسة.
الإذاعة المدرسية.
ساعات الإرشاد:
من الضروري تخصيص أوقات محددة يتلقى فيها التلاميذ الراغبون إرشاداً شخصياً من المعلم، فيتباحث معهم في سبل رفع مستوى كتابتهم، دون أن يُملي على التلميذ ذوقه في النوع الأدبي أو الأسلوب. كما يستطيع المعلم اختيار بعض هذا النتاج، بشرط موافقة أصحابه، لإفادة تلاميذ آخرين في الصف، أو في ساعات الإرشاد (أبو خضرة وآخرون، 1995).
كتابة القصة كمثال على الكتابة الإبداعية:
لقد ذكرنا سابقاً أن من المجالات التي يمكن أن يكتب فيها الطفل: المذكرات الشخصية، والقصة، والشعر، والرسائل الشخصية، وغيرها. وسنتناول هنا بشيء من التفصيل كتابة القصة، وكيف يمكن للمعلم أن يدرب طلابه عليها.
وقد ذكر (Tompkin, 1982) في (Essex, 1996) سبعة أسباب توضح لنا أهمية أن يكتب الأطفال القصص، وهذه الأسباب نفسها تنطبق على كتابة الشعر، وفيما يلي هذه الأسباب:
1- للمتعة.
2- لتقوية التعبير الفني.
3- للكشف عن قيمة ووظائف الكتابة.
4- إثارة الخيال.
5- تنقية التفكير.
6- البحث عن الهوية.
7- لتعلم القراءة والكتابة.
والأسباب السابقة تبين مدى أهمية جعل الكتابة الإبداعية جزءاً مهماً من البرنامج اليومي للصفوف الابتدائية. ومن المهم توضيح هذه الأسباب للإداريين والآباء، الذين قد يعتبرون الكتابة مجرد لعب عابث لا يفيد أطفالهم.
ويجب أن يستمتع الأطفال بالكتابة الإبداعية، ويجب أن تتاح لهم فرصة اختيار مواضيع وطرق الكتابة. وعلى المعلمين أن يؤكدوا للطلاب أن القصة الجيدة تتطلب تتابعاً منطقياً وتسلسلاً حقيقياً؛ لذلك يجب أن يكون كاتب القصة عالماً بتفاصيل الأشياء التي يكتب عنها، وكذلك مدركاً وملماً بكثير من الأشياء التي حوله، وفي عالمه.
قد يكون من الصعب على الطالب أن يدرك معنى "قصة"، فهو قد تعرض للعديد من القصص منذ الصغر، سواء بالاستماع إليها أولاً، ثم بقراءتها بنفسه ثانياً. وهو قد يدرك معنى القصة بطريقة حدسية في البداية. وبعد ذلك ينمو مفهوم القصة لديه من خلال قراءة القصص في الصف، وبعد ذلك مناقشتها، وهو أمر مهم جداً، فإذا تمت عملية مناقشة القصة بطريق ناجحة، فإن الطالب يبدأ بملاحظة أوجه الشبه والاختلاف بين الكتب ذات أساليب الكتابة المختلفة، وكذلك ذات المحتوى المختلف، ويبدأ بتشكيل فكرة عن الأساليب وأنماط البناء التي تتبعها القصة عادة.
ومناقشة القصة تكون من خلال تحليل عناصرها (الشخصيات، الزمان، المكان، الأحداث، الفكرة المركزية والمغزى، الأسلوب والألفاظ) وكل ذلك بطريقة مبسطة تناسب المرحلة العمرية للطفل.
وقد يكتب القصة طالب واحد، وقد يكتبها مجموعة من الطلاب، أو طلاب الصف جميعهم، وتسمى القصة في هذه الحالة "القصة الجماعية".
مفهوم القصة الجماعية: هي القصة التي يقوم بتأليفها مجموعة من طلاب الصف أو جميعهم بمساعدة المعلم وإرشاده غير المباشر، معتمدين في ذلك توارد الأفكار، وقصف الأذهان وابتكار الكلمات، التي تتم في بيئة اجتماعية تخلق فيها فعاليات التعلم والأنشطة المتنوعة داخل الصف بشكل جماعي وتعاوني مكمل.
ويتم تأليف القصة الجماعية بإحدى الطريقتين التاليتين:
1- يؤلف طلاب الصف القصة كاملة.
2- يقسم الصف إلى مجموعات، وتؤلف كل مجموعة قصة مختلفة عن الأخرى.
خطوات كتابة القصة من قبل جميع طلاب الصف:
تبدأ القصة بجملة من المعلم أو الطالب.
يكوِّن الطلاب جملاً مفيدةً وذات صلة بالجمل الأخرى لإكمال القصة.
يكتب المعلم الجمل على السبورة بعد سماعها من الطلاب.
يقوم الطلاب بمساعدة المعلم بالتصحيح بالحذف أو الإضافة، مع الاهتمام بعلامات الترقيم.
بعد الانتهاء من كتابتها، تقرأ من قبل المعلم ثم الطلاب.
يختار الطلاب عنواناً مناسباً للقصة، وتوقع باسمهم.
يمكن كتابة القصة على لوحة كرتونية تعلق على الحائط داخل الصف.
تتم قراءة القصة عدة أيام متتالية من قبل الطلاب وبمساعدة المعلم، وتجري خلال هذه الأيام فعاليات متنوعة حول القصة نفسها.
تأليف القصة ضمن المجموعات:
كل مجموعة تؤلف قصة باتباع الطريقة السابقة في تكوين الجمل.
طريقة أخرى أن يوزع المعلم على كل مجموعة عدة صور، وتقوم المجموعة بتأليف قصة حولها حسبما يراها أفراد المجموعة نفسها، أو حسبما توحي هذه الصور لهم.
وعندما يكتب الأطفال القصة، لا نتدخل في رؤيتهم الخاصة للأمور، فلا نتدخل في سير الأحداث مثلاً، أو في اختيارهم لأسماء الشخصيات، ونشجعهم على إضافة الرسومات لكتاباتهم؛ فقد يعبر الطفل بالرسم عما لا يستطيع التعبير عنه بالكلمات، كما أن استخدام الألوان يبهج نفسه، ويضفي قيمة جمالية على عمله الإبداعي.
التغذية الراجعة:
قد يخشى بعض المعلمين من إبداء الملاحظات حول كتابات الطلاب الإبداعية، لأن ذلك حسب اعتقادهم قد يكون عملاً غير موضوعي وغير عادل؛ ولذلك يمكن جعل الطلاب يقومون بقراءة أعمال بعضهم البعض وإبداء الملاحظات حولها، وذلك يكون مفيداً لكل من القارئ والكاتب. والكثير من الأطفال يتقبلون الملاحظات من زملائهم أكثر من تقبلهم لملاحظات معلميهم.
التقييم:
كما ذكر سابقاً، فإن الكثير من المعلمين يرون أن الكتابة الإبداعية أمر مستحيل تقييمه، وأن أي شكل من أشكال التقييم هو بالضرورة ذاتي، وبالتالي غير عادل. وبناءً على ذلك، فإنهم يعتقدون أنه إذا لم يكن بالإمكان الحكم على عمل الطالب بعدالة، فإنه لا توجد هناك طريقة للمراقبة الدقيقة لنموهم وتطورهم.
وقد أدركت (Glazer, 1994) في (Essex, 1996) هذه المخاوف، ولكنها تقول أن التقييم يمكن أن يكون عملياً، ومفيداً، وعادلاً، وذلك بأن يضع المعلم معايير تقييم واضحة وثابتة للعمل الذي سيتم تقييمه. وتركز هذه المعايير على مهارات الكتابة مثل: الوصف، والتنظيم، وعلامات الترقيم، بالإضافة إلى انطباع المعلم العام عن جودة العمل، أو المقارنة بأعمال الطلاب الأخرى. وهذه المعايير قد توضع بناءً على قوة أو ضعف التلاميذ، وقد تعدل حسب تطور قدرات الطفل.
النشر:
نشر عمل الطالب الإبداعي أمر مهم جداً، ويمكن نشر عمل الطالب في عدة مواقع مثل: النشرات الشهرية أو السنوية التي تصدر عن المدرسة ونشاطاتها، أو في مجلة الحائط. ويمكن تشجيع الطالب على نشر عمله في مجلات الأطفال، أو الصفحة الخاصة بالأطفال في الصحف. وعندما يرى الطالب عمله منشوراً، فإن ذلك يكون مصدر فخر له، وطريقة لمشاركة كتابته الإبداعية مع عائلته وزملائه. والنشر يزود الطالب بدافعية للقيام بالمزيد من مراجعة العمل والتصحيح اللازمة في الطباعة.
وقد يتم استبدال النشر بتقديم عمل الطالب للجمهور من خلال مسابقة كتابية مثلاً، أو بقراءة عمل الطالب الإبداعي في الاحتفالات المدرسية، أو في الإذاعة الصباحية.
خلاصة:
إن الكشف عن الأطفال المبدعين ورعايتهم، ليس بالأمر السهل، بل أمر يحتاج إلى تخطيط تربوي، وحشد هائل للطاقات المادية والبشرية.
وتقع على عاتق الأسرة والمدرسة كمؤسستين تربويتين مسؤولية احتضان الأطفال ورعايتهم، والبحث باستمرار عن القدرات الكامنة فيهم، وجعلها تظهر في أعمال إبداعية تعبر عن أفكارهم ومشاعرهم.
ويجب أن تتوفر للطفل البيئة المساندة للإبداع، ومن ميزات هذه البيئة أنها داعمة لشخصية الطفل، فهي تقدره لذاته وتوفر له الأمن النفسي الذي يستطيع في ظله أن يعبر عن أفكاره بحرية، وأن يظهر أعماله الإبداعية. ومن ميزات البيئة المساندة أيضاً أنها داعمة للقراءة، والمقصود هنا قراءة أدب الأطفال الذي يقوم بوظائف التربية الجمالية والأخلاقية والنمو اللغوي.
وهناك علاقة جدلية بين القراءة ومفهوم الإبداع، فالقراءة تدفع الأطفال للإبداع، الذي بدوره يزودهم بالثقة بالنفس، وبطرق ذات معنى لاستخدام اللغة، وأخيراً يشجعهم على القراءة أكثر، وهكذا تبدأ الدائرة من جديد.
والكتب المدرسية جزء من أدب الأطفال، فهي نتاج عقلي مدون في كتب موجهة للأطفال، ولذلك عليها أن تراعي الخصائص العقلية والنفسية لهم. ويجب أن تشتمل الكتب المدرسية على الكثير من النماذج الأدبية الشائقة والجميلة (القديمة والحديثة) التي تمتع نفس الطفل بقراءتها، وتنمي ثروته اللغوية، وتوسع آفاقه الفكرية، وتجعله يتصل فكرياً وعاطفياً بأفراد الشعوب الأخرى، فيخلق لنفسه أصدقاء من الكتاب، وأصدقاء خياليين من شخصيات القصص.
وعندما يقرأ الطفل كثيراً، ويتذوق فنياً النصوص التي يقرأها، تتغذى ميوله وقدراته الإبداعية، وقد يصبح راغباًً في الكتابة بنفسه، وهنا يأتي دور الوالدين لتشجيعه، ودور المعلم في المدرسة ليأخذ بيده ويدربه على الكتابة. وعلى المدرسة أن تضع خططاً لتدريب الطلاب على الكتابة الإبداعية، فلا يبقى الأمر خاضعاً للصدفة، ومزاج المعلم، وفسحة الوقت.
سناء العطاري - معلمة ومرشدة للغة العربية
المراجع:
أبو خضرة، فهد وآخرون. (1989). منهاج تدريس اللغة العربية وآدابها للمدارس الابتدائية العربية. القدس: وزارة المعارف والثقافة.
أبو خضرة، فهد وآخرون. (1995). التعبير والفهم للمرحلتين الإعدادية والثانوية. القدس: وزارة المعارف والثقافة .
أبو فنة، محمود. (2001). القصة الواقعية للأطفال في أدب سليم خوري. حيفا: دار الهدى للطباعة والنشر.
الحسن، هشام. (1990). طرق تعليم الأطفال القراءة والكتابة. عمان- الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع.
قطامي، يوسف وقطامي، نايفة. (2001). سيكولوجية التدريس. عمان - الأردن: دار الشروق للنشر والتوزيع.
نجيب، أحمد. (1994). أدب الأطفال علم وفن. القاهرة - مصر: دار الفكر العربي.
يحيى، رافع. (2001). تأثير ألف ليلة وليلة على أدب الأطفال العربي. حيفا: دار الهدى للطباعة والنشر.