المثانة البديلة الحلم الذي أصبح حقيقة ! !
د.صلاح القاضي
أستاذ جراحة المسالك البولية
منذ أن بدأ جراحي المسالك البولية بإستئصال المثانة لإصابتها بالأورام أو غيرها قبل حوالي مائة عام أستنبطت عدة عمليات تكميلية لتحويل مجرى الإدرار الى الجلد أو الجهاز الهضمي ، لم تمن أي منها مثالية . فالربط على جلد جدار البطن أقتضى أقتناء وتثبيت أكياس لجمع الإدرار مع ما يصاحب ذلك من مشاكل ورائجة مستمرة ، بينما أدى الربط بالقولون الى مشاكل مختلفة مثل إلتهاب تدهور عمل الكليتين وأختلافات أيضية في الدم .
إن حلم إستعادة مسار الإدرار لمجراه الطبيعي لابد أن يكون قد راود مخيلة جراحي المسالك البولية منذ أمد بعيد ، لذا عندما قام (كامي) في بداية الثمانينات بعزل جزء من الأمعاء الدقيقة وربط منتصفها بالنهاية الخلفية للأحليل بعد إستئصال المثانة ثم ربط الحالبين كل على أحدى الفتحتين للقطعة المذكورة . أعتقد الكثير أن المشكلة المستعصية قد حلت أخيراً . لكن مشاكل جديدة في السيطرة والسلس البولي بدأت تظهرمع أرتداد البول الى الكليتين عند التفريغ، فلم تكتسب هذه الطريقة الجديدة الإنتشار الذي كان يؤمل ها مما حدا بكثير منالجراحين البقاء على الطرق السابقة حتى نهاية الثمانينات . إلا أن البحث المستمر علم الباحثين أن السلس مؤداه من زيادة الضغط داخل التجويف وأن تحويل قطعة الأمعاء الأنبوبية الى كرة بفتحها وإعادة تصنيعها أدى الى صنع مثانة بديلة على شكل كروي يحتمل جوفها خزن الإدرار لحين تفريغه ، كما أن التحسن الذي طرأ على زرع الحالبين بتقنية جديدة ومحسنة منع أرتداد الإدرار الى الكليتين أثناء التفريغ مما قد يؤدي الى تلفها . في نفس الوقت قام الأستاذ ( كوخ) بتصنيع مثل هذه المثانة لكنه ربطها بجدار البطن حيث يتم تفريغها من قبل المريض نفسه بواسطه أنبوب ( قسطرة) بصورة دورية . بعد ذلك فكر العلماء بربط هذه المثانة البديلة بالمجرى الطبيعي للإدرار ووضعها محل المثانة المستأصلة.
لقد ساهم الكثير من الجراحين والمؤسسات الطبية بالبحث والدراسة عن أمثل الطرق وأحسنها لتصنيع هذه المثانة البديلة ، وأستخدموا أجزاء مختلفة من الأمعاء الدقيقة والغليظة بل أحياناً من المعدة ، حتى قام الأستاذ الدكتور/ محمد غنيم من جامعة المنصورة في مصر بنشر دراسة موسة وبنسبة نجاح علاية في عام 1993م. بعد ذلك أدى تقدم المعرفة بإختيار الجزء الأمثل والطول الأنسب من المعي الدقيق وتحويله الى مثانة بديلة تخزن الإدرار وتفرغه بإرادة المرض وإختياره الى تبدَل في نوعية حياة المرضى الذين تم إستئصال مثانتهم وأتاح لهم العودة الى حياة طبيعية خالية من مشاكل إلتهاب الكليتين وإضطراب شوارد الدم ومضاعفاتها كما أغناهم عن إقتناء أكياس لجمع الإدرار على جدار البطن . أنه حقاً لتقدم كبير في ميدان الجراحة البولية يستحق عليه الثناء والشكر كل من ساهم فيه من ( كامي ) الى ( كوخ) الى الأستاذ الكبير د. محمد غنيم ، وكثيرين آخرين غيرهم لا مجال لذكرهم هنا. أننا اليوم بعد أن أدخلنا هذه الجراحة الى أقطارنا العزيزة في السنين النهائية للقرن الماضي وبنسبة نجاح نفتخر بها تمكننا أن نرى السعادة والعرفان في وجوه مرضانا الذين أجرينا لهم هذه العملية منذ الوهلة الأولى لعودة التبول الطبيعي لديهم .
هذا الحلم الذي أصبح حقيقة .
مجلة نبض الحياة - قطر