نظرية بياجية للنماء المعرفي والتفكير والذكاء
يعتبر النمو المعرفي والتفكير لدى الأطفال من أهم مجالات المعرفة وأحدثها سواء في علم النفس والنمو أو علم النفس التربوي حيث يساعدنا فهم عمليات نمو الأنظمة المعرفية على تجنب تعليم الأطفال مواد أو اشياء قبل أن يكونوا مستعدين لتعلمها ، كما تساعد مثل هذه المعرفة على تجنب فقد الفرص الذهبية لعمليات التعلم بالإنتظار حتى تمر اللحظة المناسبة ويتبادر إلى أذهاننا عدة أسئلة :
§ كيف يظهر التفكير عند الأطفال ؟
§ كيف تتطور خلال المراحل العمرية المختلفة ؟
§ من يأتي الطفل بمنطق التفكير الخاص به ؟
ومن خلال هذا السياق بودي أن اعرض نظرية جان بياجية والتي تعد أهم نظرية على الإطلاق في مجال النمو المعرفي والتفكير لدى الأطفال ولكن كبداية أريد أن أعرض بعضاً من سيرة العالم جان بياجية حيث ولد جان بياجيه في مدينة نيو شاتيل بسويسرا في 9 أغسطس من عام 1896 وتوفي في 16 سبتمبر من عام 1980. حصل على الدكتوراه في العلوم الطبيعية عام 1918 وعمره اقل من 22 عاما من جامعة University of .Neufchatel, Switzerland.
احتل العديد من المناصب الأكاديمية والإدارية بالجامعات ومنها جامعة تيوشتيل والسربون ، عين مديراً للدراسات بمعهد جان جاك روسو في جنيف حيث نشر بعد ذلك كتابين من أشهر كتبه " اللغة والفكر عند الطفل " و " الحكم والاستدلال عند الطفل " .
لقد كرس بياجية حياته كلها التي زادت عن الثمانين عاماً لدراسة النمو العقلي عند الأطفال فاشتهر بياجيه بنظريته في النمو المعرفي والتي جعلت منه واحدا من أهم المؤثرين في علم النفس المعاصر ووجهت العديد من الباحثين والمنظرين من بعدة من أمثال كولبرج وديمن وسيلمان ولافنجر وغيرهم.
وقام بدراساته بعد الدكتوراه بين عامي 1918-1919 في التحليل النفسي. نشر العديد من البحوث بداية من عام 1907 وعمر 10 سنوات في علم الأحياء. و نشر أول دراسة له في علم النفس عام 1921 عن الذكاء، ثم توالت دراسته عن الطفولة والنمو المعرفي والمعرفي الاجتماعي بشكل خاص.
يعتبر بياجية من أبرز علماء النفس النمو في القرن العشرين ، عمل في معمل " بينيه " في باريس من أجل إعداد اختبار ذكاء للأطفال ، فانصب اهتمامه على الإجابات الخاطئة التي وردت بنتائج هذه الاختبارات ، فأمدنا بمعلومات مفادها أن إجابات الأطفال الخاطئة لم تحدث لأن قدرات الأطفال العقلية أقل من قدرة الكبار العقلية ، بل حدثت لأنهم يفكرون بطريقة تختلف كلياً عن الطريقة التي يفكر بها الكبار ، ولأن نظرتهم إلى العالم المحيط بهم تختلف عن نظرة الكبار إلى نفس المحيط . فأضحت تلك النظرة وذاك التفكير هما المشكلة التي تشد انتباه " بياجية " فاسماها أصل المعرفة . أي ماذا يعرف الأطفال ؟ .. وكيف يكتسبون المعارف ؟ .. وماذا يعرف الكبار ؟ .. وكيف استمدوا هذه المعرفة ؟!! .
المدخل إلى النظرية:
لقد اختلف بياجية في تناوله لموضوع الذكاء عند الأطفال عن غيره من علماء النفس فكان اهتمام بياجية منصب على الجانب الكيفي في الذكاء . فالذكاء ليس هو السمة الغامضة التي لدى كل الناس بدرجات قليلة أو كثيرة ، كما يبدو عند معظم علماء النفس بل الذكاء هو طريقة السلوك كما ينعكس في تكيف الفرد في الموقف . وقد انتهى بياجية في هذا الصدد إلى مجموعة هامة من النتائج وهي أننا يجب أن لا نهتم بالكم أي بعدد ما يعرف الطفل أو كم مشكلة استطاع حلها ، بل يجب أن نهتم بكيفية تفكير الطفل وطريقته لحل المشكلات ،
وكذلك نوع المنطق الذي استخدمه للمعلومات المماثلة ، وهذا الكيف للتفكير يمكن الكشف عنه بصورة أفضل عن طريق استخدام أخطاء الأطفال وليس استخدام الإجابات الصحيحة فالأطفال في أعمارهم المختلفة لديهم طرقاً مختلفة تماماً في معالجتهم لمشكلاتهم .
ومنذ عام 1960م أثرت أفكار بياجية تأثيراً عظيماً في علم النفس في الولايات المتحدة الأمريكية ، كما امتزجت آراءه ببعض النظريات الأخرى واتسعت عن طريق بعض العلماء الأمريكيين .
القيمة العلمية للنظرية:
تبرز القيمة العلمية لنظرية " بياجية " في تفسير النمو في الأبعاد المنهجية والسيكولوجية الآتية :
1. أنها نظرية شاملة ذات إطار نظري ومنهجي متكامل يتناول الجانب النمائي للنمو المعرفي عند الأطفال .
2. أن هذه النظرية قد أعطت تفسيراً جديداً أو نظرة جديدة للذكاء ذلك أنها تجاهلت النظرة القديمة التي تؤكد على ثبات وتوقف الذكاء عند مرحلة الميلاد .
3. أنها أكدت على الدور الهام والحاسم للخبرة في قدح وتشكيل الذكاء في إطار متميز عن أصوله وجذوره البيولوجية .
4. أن النمو المعرفي للطفل يمر عبر سلسلة من المراحل المنتظمة والثابتة منذ الميلاد حتى الرشد وهذه المراحل أربعة أساسية في النظرية البياجينية .
5. أن كل مرحلة من المراحل النمو المعرفي تعتبر وحدة ذات كيان منفرد لكنها بالرغم من ذلك تعتمد على مراحل النمو التي تسبقها فكل مرحلة تعتبر مقدمة أساسية ومنطقية ترتكز عليها المرحلة التي تليها .
6. أن النمو المعرفي يحتل مركز القلب في نظرية بياجية وأنها تتضمن كلا من التعلم والتفكير فهما محوران يرتكز عليهما النمو المعرفي عند بياجية .
آراء بياجية عن التطور المعرفيللفرد:
ينظر بياجيه إلى التطور المعرفي من منظورين هما : البنية العقلية والوظائف العقلية ، وتشير البنية العقلية إلى حالة التفكير التي توجد لدى الفرد في مرحلة من مراحل عمره ، أما الوظائف العقلية فتشير إلى العمليات التي يلجأ إليها الفرد عند تفاعله مع مثيرات البيئة التي يتعامل معها .
ويرى بياجيه أن للتفكير وظيفتين هما : التنظيم والتكيف ، وتتمثل وظيفة التكيف في نزعة الفرد إلى التلاؤم مع البيئة التي يعيش فيها .
وينظر " بياجيه " إلى التكيف على أساس أنه " يتكون من عمليتين متكاملين هما : التمثل والملاءمة . فالتمثل عبارة عن نزعة الفرد لأن يدمج أموراً من البيئة المحيطة في بنيته العقلية في حين أن الملاءمة إذا نزعة الفرد لأن يغير استجابته لتتلاءم مع البيئة المحيطة وهذا يؤدي إلى حدوث عملية التوازن.
فعندما يواجه الفرد موقفا تعليميا جديدا يحدث لديه إعادة بناء التوازن بين بنية العقلية وعناصر البيئة المحيطة.
وهنا لا بد من حدوث عملية التفاعل التي يتم بموجبها ما يلي:
§ يضطر الفرد إلى تغيير بنيته العقلية لكي يتكيف مع البيئة المحيطة ( الملاءمة
§ يحاول الفرد التكيف مع البيئة مستخدما ما لديه من البنى العقلية ( التمثل )
وبعد التطور المعرفي- من وجهة نظر (بياجيه)- سلسلة من عمليات إعادة التوازن واستعادته في أثناء التعامل مع البيئة,باستعمال عملية التمثل والملاءمة بصورة متكاملة, لذلك يحدث اختلال التوازن عند الفرد عندما لا تسعفه البنى العقلية على إدراك البنية بشكل واضح, مما يؤدي إلى عملية الملاءمة التي تحدث التغير والتطور في البنى العقلية السائدة ليتمكن من إدراك البيئة, ويتم ذلك باكتساب وتعلم بنى عقلية جديدة تساعد على استعادة التوازن ,ويحتفظ الفرد بهذا التوازن إلى أن يواجه مواقف جديدة أخرى, فيتمثل توازنه من جديد ويعمل على استعادته من جديد, وهكذا يتعلم ويكتسب ويرقى من مرحلة نمائية إلى المرحلة التي تليها.
ويلاحظ مما سبق, أن عملية التطور المعرفي تقوم على التباين بين الموقف والبنى العقلية في أثناء التعامل مع البيئة , ثم حدوث تلاؤم بينهما – أي بخفة حدة التباين بين الموقف والبنى العقلية. لذا ينبغي أن يشتمل المحتوى على معلومات مألوفة تيسر عملية الإستيعاب والتمثل ومعلومات حديثة تيسر عملية التلاؤم. كما ينبغي أن تقدم المعلومات والمواقف الحديثة من خلال المحتوى بشكل يتحدى تفكير الطلاب والمستوى العقلي الذي هم فيه, ولكن بحد معقول لا يصل إلى درجة التعقيد. وينبغي – أيضا – تنظيم المحتوى, بحيث يسمح بتفاعل الطلاب مع البيئة تفاعلا مثمرا بناء. وبهذا يكون قد تم إضافة تلك المعايير إلى ما ذكره (برونر).