حجم ظاهرة صعوبات التعلم في المجتمعات العربية
مقدمة :
ظاهرة الصعوبات التعليمة كانت ومازالت محور حديث التربويين، على مختلف الأصعدة التربوية والتخصصات، في المؤسسات التربوية المختلفة؛ وقد باتت من القضايا العصرية التي يخصص لها الميزانيات والموارد البشرية والطاقات الفكرية لدى الدول العالم .تميِّز هذه الظاهرة، الطلاب الذين يظهرون عاديين في العديد من المواقف الاجتماعية والحياتية الاستقلالية، ولكنهم يظهرون كالمعاقين تعليمياً؛ ومع الوقت يحظون بألقاب جارحة وغير عادلة، مقارنة بأترابهم الذين قد يكون أداءهم العقلي أقل منهم، ومع ذلك يتقدمونهم في العديد من المجالات العلمية والحياتية. إنّ هؤلاء الأطفال الذين يعانون من الإعاقات المخبأة، يشعرون بعدم الثقة بالذات مما يؤخر أو يحبط تقدمهم بالشكل الطبيعي؛ وبالتالي يتعثرون في المضي قدماً نحو تحقيق الأهداف المتوقعة منهم كسائر رفاقهم من نفس العمر.
وصف وتعريف لظاهرة الصعوبات التعليمة:
العسر التعليمي، أو الإعاقات التعليمة أو الصعوبات التعليمة، كلها مرادفات مختلفة لنفس الاصطلاح العلمي المترجم عن اللغة الانجليزية (Learning Disabilities) حسب الاصطلاحات الأمريكية. ولكن لتوحيد الاصطلاحات المعربّة ولمنع البلبلة عند القارئ، سوف يتم التطرق إلى المصطلح تحت العنوان "الصعوبات التعليمة" وسوف يتم توضيح ماهية الاصطلاح بالتفصيل من خلال التعريف.
إنّ من أكثر التعريفات شيوعاً هو تعريف الجمعية الأمريكية الوطنية للصعوبات التعليمة و ينص على أنّ الإعاقات التعليمة، هو اصطلاح عام لمجموعة غير متجانسة من الاضطرابات الملحوظة في واحدة أو أكثر من العمليات العقلية الأساسية، المتضمنة في فهم اللغة، أو استخدامها سواء كانت شفهية أم كتابية. وهذه الاضطرابات تظهر على شكل عجز عن الاستماع، أو الكلام، أو القراءة، أو الكتابة، أو التهجئة، أو الحساب أو التفكير. هذه الاضطرابات تتضمن الحالات التي كان يطلق عليها إعاقات في الإدراك، إصابات دماغية، العسر القرائي، الأفازيا التطورية ..الخ. ويفترض أن يكون الأساس في تلك الاضطرابات ذاتي في الفرد، ويعود إلى سوء أداء الجهاز العصبي المركزي (CNS)، وقد يحدث خلال أي مرحلة من مراحل العمر. وتعتبر مشاكل الضبط الذاتي للسلوك العام، والإدراك الاجتماعي، والتفاعل الاجتماعي، من الظواهر الشائعة المترافقة للصعوبات التعليمة ولكنها لا يمكن أن تكون لوحدها السبب لتلك الإعاقات
وبالرغم من أنّ الصعوبات التعليمة قد تترافق مع إعاقات عقلية أو جسدية، أو اضطرابات انفعالية-سلوكية، أو إعاقات أولية في الحواس كالسمع أو البصر، أو أسباب خارجية، مثل حرمان بيئي أو طرق تعليم فاشلة؛ ألا أنها ليست نتيجة لتلك الإعاقات أو الظروف، بل هي إعاقة قائمة بحد ذاتها .
بشكل عام، تبدو القدرات العقلية لهؤلاء الأطفال متوسطة، أو فوق المتوسط (لدى قسم منهم، أداء عقلي ما دون المتوسط أو حدودي). هؤلاء الأطفال يواجهون صعوبات مختلفة بأدائهم العقلي، وبقدراتهم الحركية، وبالملائمة الحركية - الإدراكية. لدى العديد منهم اضطرابات مرافقة (على الأغلب، مشاكل سلوكية-انفعالية، نتيجة الفشل المستمر في التعلم؛ وأحيانا إحساس بالعجز، الذي يؤدي بدوره إلى تقييم ذاتي متدني وقلق مستمر).
تثبت الأبحاث والمعلومات التي أجريت ووثقت، فيما يتعلق بذوي الصعوبات التعليمة، أن الإصابة قد تحدث أثناء فترة الحمل نتيجة للأمراض أو تعرض الحامل للأشعة أو تناول المواد السامة والعقاقير، أو أثناء الولادة نتيجة لولادة قيصرية، أو عسر في الولادة أدى إلى نقص الأكسجين؛ أو بعد الولادة نتيجة لحوادث أو أمراض قد تصيب الجهاز العصبي والدماغ للطفل نفسه. كما ويوجد لدى البعض منهم تاريخ عائلي لصعوبات تعلميه، حيث يعاني المقربون من الدرجة الأولى من ظواهر شبيهة .
تبدأ الصعوبات التعليمة منذ الطفولة المبكرة وقد تستمر مدى الحياة. هذه الصعوبات تصيب الذكور والإناث على السواء، وتتواجد في جميع الطبقات الاجتماعية على اختلاف تنوعها، والحضارات على اختلاف تشعبها. أمّا بالنسبة لنسبة انتشار الظاهرة، تفيد الإحصائيات العالمية، أنّ نسبة الأفراد الذين يعانون من الصعوبات التعليمة، قد تصل إلى 30%، حيث يعتمد ذلك على نوعية وشمولية أدوات وطرق التشخيص، إضافة إلى القرارات المتعلقة بمدى شدة أو بساطة الإعاقة. فإذا كانت المعايير المستخدمة متشددة وتصر على إجراء جميع الفحوصات اللازمة (مثل: فحوصات طبية، وعصبية، ونفسية، وأكاديمية، ..الخ) فإنّ ذلك يقلل بشكل ملموس من نسبة المصنفين بتلك الصعوبات. ومن جهة أخرى يمكن لتلك النسبة أن ترتفع عندما يتم اختيار هؤلاء الأطفال دون اللجوء إلى معايير متشددة، وعندما يتم دمج ذوي الصعوبات الطفيفة إلى القائمة. إضافة إلى ذلك فقد تزيد النسبة في المجتمعات النامية عنها في المجتمعات المتقدمة.
تلخيص :
تتواجد ظاهرة الصعوبات التعليمة بشكل طبيعي لدى جميع المجتمعات على اختلاف قدراتها الاقتصادية وتوزيعها الجغرافي، و تنتشر بين الذكور والإناث على جميع الفئات العمرية والقدرات العقلية، وقد تتجاوز نسبتهم 10%. وتشير الأبحاث إلى أنّ الظاهرة تحدث أثناء الحمل والولادة أو في فترة الطفولة المبكرة نتيجة لأسباب أولية عديدة، من بينها فقدان الأكسجين أو التعرض لأمراض عديدة، تؤثر بالأساس على أداء الدماغ والجهاز العصبي المركزي. يتميز الطلاب الذين يعانون من تلك الظاهرة بعجز قدراتهم عن الإصغاء والتركيز، وصعوباتهم في المهارات الأساسية المتعلقة بالقدرات الحركية والذاكرة والإدراك وتوظيف اللغة. هذه المؤشرات التي تميزهم، تتطلب القيام بخطوات وإجراءات تربوية علاجية، تشمل تعديلات عدة تركز على طرائق التدريس والتعامل مع احتياجاتهم النفسية والاجتماعية.
أخيراً، يتمتع الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال بقدرات عقلية متوسطة أو فوق المتوسطة، لدرجة يصل بها البعض منهم إلى قمة الإبداع والاختراعات؛ حيث يمكنهم القيام بالكثير من المهارات التي يعجز عنها الفرد العادي أو المتفوقون تعليمياً في المدرسة. لذا فإن العناية التربوية السليمة بهم تساهم في أبراز قدراتهم الحقيقة الدفينة، وتضعهم في مراتبهم الطبيعية في المجتمع.