دروس في الذكاء الانفعالي
تعليق دانيال جولمان على تعريف ديفيد كارسو الغامض للذكاء الانفعالي ما له وما عليه [1]=
د. محمد السعيد أبو حلاوة
مدرس الصحة النفسية وعلم نفس الأطفال غير العاديين
كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية
تعد اجتهادات ديفيد كارسو المتزنة والثاقبة فيما يخص التعليق على النماذج النظرية الرئيسية الثلاثة للذكاء الانفعالي في ضوء الإطار المرجعي الذي طرحه في مقال مع زميله إميرلنج من أفضل الكتابات النظرية في هذا المجال.
إذ يقترح كارسو وزميله أن النماذج النظرية الرئيسية الثلاثة المطروحة للذكاء الانفعالي في المجال تنتمي إلي مجالات مختلفة: حيث يعكس نموذج بار أون ما يعرف بمدخل السمة؛ في حين يعكس نموذجي منظور الكفاءة؛ بينما يمثل نموذج ماير وسالوفي نظرية الذكاء المؤسس على القدرة. وعلى الرغم من أن مثل هذا الاقتراح يبدو منطقيًا أشعر بالحاجة إلي المزيد من التوضيح لهذه التقسيمات أو الفئات استنادًا إلي التحليل الدقيق للعلاقة بين الكفاءة والذكاء الذي يبنى عليه. أعتقد أن في طرح كارسو وزميله مشكلة ذات طابع منطقي ولنكن محددين أكثر ونقول أن الذكاء الانفعالي وكفاءة الذكاء الانفعالي ((Emotional Intelligence and EI Competenceمرتبطان في الحقيقة بصورة قوية ولكن ليس وفق نفس النظام أو النسق. وبل ينتج أحدهما عن أو من الآخر. وبدلاً من القول التفاح والبرتقال يفترض أن العلاقة بين الذكاء الانفعالي وكفاءة الذكاء الانفعالي تمثل ما يصح تسميته التفاح وعصيرهInstead of apples and oranges, it’s apples and applesauce. لذلك فإن التقسيم المقترح ليس له تأثير مقصود لحجب العلاقات المختلفة بين أبعاد أو مكونات الذكاء الانفعالي من خلال جعلها تبدو غير مرتبطة بصورة أقل مما هي عليه في الواقع. ولتوضيح هذا المعني لنأخذ مثال قدرات المهندس المعماري الموهوب سنجدها تعتمد أساسًا على موهبته الفائقة في التفكير المكاني وتتضمن اختبارات معامل الذكاء التقليدية التفكير المكاني وفق معيار للقدرات المكونة له. ومع ذلك فإن إحراز درجات مرتفعة على الاختبار الفرعي الذي يقيس قدرات التفكير المكاني ليس كافيًا بذاته لنجاح هذا المهندس في عمله ـ إذ أن ما يحتاج إليه بالإضافة إلي التميز في التفكير المكاني سنوات طويلة يقضيها في تنمية ورعاية وتخصيب الطرق التي يمكن أن يطبق بها موهبته في التفكير المكاني علي ما يخطط له أو ما يقوم به من تصميمات هندسية.
بمعني آخر أن موهبة التفكير المكاني تقدم منصة أو قاعدة يمكن أن تؤسس عليها أو تنطلق منها مهنة التصميم المعماري. ويمكن بناء على ذلك أن ينظر إلي المهارة في التصميم كخاصية مرتبطة عضويًا بالقدرة المكانية وهي مهارة لا توهب هكذا تلقائيًا بل تكتسب خلال سنوات من التدريب الصحيح.
وينطبق نفس الوصف على ما نقصده بكفاءات الذكاء الانفعالي إذ هي تؤسس على أو تبنى على ما يصح تسميته إذن قاعدة أو منصة الذكاء الانفعالي. وقد اقترحت في مقالي على صفحة الويب سايت هذه الذكاء الانفعالي المؤسس على نظرية الأداء An EI-Based Theory of Performance. في دراسة لذوي الأداءات الفائقة في مؤسسة جونسون وجونسون فوجدت أن لكل واحدة من كفاءات الذكاء الانفعالي تاريخ ارتقائي أو نمائي متميز عبر سنوات كثيرة من حياة الشخص(Dreyfus&Mangino,2001). على سبيل المثال وصفت سيدة تحتل موقع قيادي بارز لجماعة عمل كيف أنها رعت، شحذت، نمت كفاءة الذكاء الانفعالي بداية من التدريب الشاق على مهارات التفاعل مع الآخرين وقيادتهم وتفهم مشاعرهم وانفعالاتهم واتخاذ ردود أفعال سليمة بناء على هذا التفهم أثناء عضويتها في فريق كرة الهوكي بالمدرسة. وبالتالي يمكن أن نقول أنه بنفس مثل هذا التكرار خلال مسار الحياة يستطيع الناس بناء مجموعات المهارة التي صغناها في سياق تنظيمي تحت مسمي " كفاءة الذكاء الانفعالي". كما أن نقص مثل هذه الخبرات التفاعلية في الحياة لا يعني استحالة تعليم مجموعات المهارة هذه للناس بل يمكن من خلال استخدام نماذج ومداخل التعلم الصحيحة تعليم الناس أي من كفاءات الذكاء الانفعالي.
وأحد أسباب تحدثي وآخرون أيضًا عن مصطلح " كفاءات الذكاء الانفعالي " هكذا وليس الكفاءات الانفعالية لكي أضع حد فارقًا أو مميزًا لنماذج الكفاءة العامة التي أسس جون ماير وبيتر سالوفي رؤيتهما للذكاء الانفعالي عليها بوصفة مختلفًا عن الذكاء العقلي أو معامل الذكاء التقليدي.
والذكاء الانفعالي كما نتصوره يغطي أو دعنا نقول يستوعب الكثير من القدرات مثل الضبط والتنظيم الانفعالي الذي لا يقاس باختبارات معامل الذكاء التقليدية. كما أن قدرات الذكاء الانفعالي تتموضع في مناطق فرعية على القشرة المخية تختلف تمامًا عن المناطق غير القشرية التي تتضمن الشبكات العصبية الكامن فيها القدرات المعرفية المجردة. والذكاء الانفعالي(Bar-On, Tranel,Denburg,&Bechara,2003). مثله مثل الذكاء العام أو معامل الذكاء التقليدي يمزج أو يخلط بين المهارات الخاصة بما فوق القشرة المخية وتلك الخاصة بما تحت القشرة المخية مما يحدث نوعًا من الاندماج أو الامتزاج بين القدرات الوجدانية والقدرات المعرفية.
وهذه العلامات تجسد الفروق الأساسية للذكاء الانفعالي وكفاءاته عن الكفاءات الأخرى التي تتضمن مثلاً مهارات فنية أو حرفية تركز فقط على المعرفة ، قدرات نمط معامل الذكاء التقليدي. وليس لهذا الفرق بين أنماط الكفاءة أهمية نظرية فقط خاصة إذا تحدثنا عن التعلم في هذا المجال حيث يعمل المخ بطريقة مختلفة عندما يتعلق الأمر بالمشاعر والانفعالات عن الطريقة التي يعمل بها في حالة تعلم مهارة فنية أو حرفية. وبتجاهل المؤسسات هذا التمييز تضيع وقتًا طويلاً وتنفق مالاً كثيرًا في استخدام مداخل تدريب غير فعالة.
وتوضح الإرشادات العامة المعروضة على صفحة الويب سايت هذه (الممارسات الأمثل للتدريب على الذكاء الانفعالي بطرق فعالة تمكن المتدربين من تحسين مجموعات المهارة المجسدة للذكاء الانفعالي. ويصبح بالتالي استخدم المرء مصطلح الذكاء الانفعالي أو مصطلح كفاءة الذكاء الانفعالي للتعبير عن مجموعات القدرات الإنسانية الخاصة بتجهيز ومعالجة المعلومات الخاصة بالانفعالات والمشاعر وبالتالي ردود الأفعال التي تترتب على ذلك ليس له قيمة عملية ما لم نعمل على تبين العلاقات المتداخلة بين المصطلحين.
= References =
- Dreyfus, C. & Mangino, M. (2001, April). Developing emotional intelligence competencies. Paper presented at the meeting of the Consortium for Research on Emotional Intelligence in Organizations, Cambridge, MA.
- Bar-On, R., Tranel, D., Denburg, N. L., & Bechara, A. (2003). Exploring the neurological substrate of emotional intelligence. Brain, 126, 1790-2000.
[1]Daniel Goleman (2005).Comment on D. Caruso, Defining the Inkblot Called Emotional Intelligence: Apples and Applesauce Issues in Emotional Intelligence , Commentary 1, ( www.eiconsortium.org )