عناصر ثقافة الإبداع العربي:
يشكل العقل العربي البنية الأساس في الثقافة العربية , والثقافة العربية هي الإطار المرجعي للعقل العربي , وكذلك فان التحليل البنيوي لأساسات الثقافة العربية , يكون تحليلاً لبنية العقل العربي و الذي يجب أن يسعى لتحقيق الوعي الحضاري , وإعادة تشكيل الحاضر , واستشراف صناعة المستقبل وبناء منظومات معيارية لسلوكيات الأمة , وحمايتها من الاحتواء , ومن الإلغاء فيتأثر تشكيل العقل العربي و أعماله باليات كثيرة تحيط بالإنسان العربي , منها على سبيل المثال الوكالات المجتمعية للتربية , كالمدرسة , و أجهزة الإعلام .
وبما أن الإبداع ليس حكراً على فرد دون آخر في المجتمع , وإنما يكون كامنا , ومن هنا فانه يمكن ( تربية الإبداع ) وتنمية القدرات الخاصة به باعتباره نشاط إنساني موجه لجميع أنماط التفكير المرغوب والسلوك التابع له ومن هنا أيضاً يمكن نشر ( الفكر الإبداعي ) ورفع مستوى الشباب العربي بأهمية التزامه , مما يؤثر بالإيجاب على تشكيل العقل العربي و تنميته و الحفاظ على ملامح هويته .
وقد أشارت الأدبيات إلى عناصر كثيرة لثقافة الإبداع أو مبادئ تقوم عليها نذكر منها :
1) الوعي النقدي :
يشير الوعي النقدي إلى محاولات الفرد الأخذ بالأسباب و تحديد القضايا و المعضلات المجتمعية في علاقاتها الداخلية والخارجية ثم محاولات اقتراح الحلول لها تتسق والمعطيات القائمة في الواقع المعقد و مع نتائج الإسقاطات المستقبلية الموضوعية . ويتطلب ذهناً أن يكون الوعي منسحباً إلى الآخر بثقافته و تشكيل إبداعه , وارتباطه بـ (( الأنا)) . لان الإبداع يعني فيما يعنيه إبدال لواقع ما في مجال ما بواقع أخر , وعادة ما يتم هذا الإبدال في سياق صراعات أو تناقضات أو تنافسات حضارية ألفها الواقع العربي بإفادة الأخر والإفادة منه عبر التاريخ.
2) إنمائية التثقيف:
والتثقيف النمائي , يعني توفر فرص النمو المعرفي و المهاري في مجالات متعددة للجميع من خلال خبرات و إنتاجات إبداعية سبقت , في الإطار القومي أو في الإطار الحضاري العام بحيث تكون عمليات الكسب الحادثة معتمدة على إعلان الاحتياجات الفعلية للإنماء وعلى تطوير الذوات . أو بمعنى أخر (( الاحتياجات الفعلية لكائن حي مبدع )) , يأتي إبداعه من الاحتكاك و التثاقف مع غيره بقصد التتنمية المتبادلة إلى جانب ما يتاح له من فرص معرفية ومهارية أخرى في كل مجالات الحياة , كسبنا من الموروث القومي .
3) الخصوصية التركيبية :
فعلى الرغم من النداءات بـ ( عولمة الثقافة ) و( الثقافة الواحدة ) , إلا أن ثقافة كل امة هي هويتها الحضارية المميزة , وهي المعبر عن ذاتها القائمة , وقد يتم تلاقح لمفردات الثقافات المتعددة , وقد يتم التزاوج بين عناصرها لينتج لنا مظهرا جديدا غير مألوف إلا أن هذا لا يعني إنكار (( التنوع الثقافي )) أو دحض محاولات الحفاظ على الكيان و المقومات الخاصة لكل ثقافة , وإنما يعني انه يمكن توليد إبداعات مشتركة وجعلها سبيل للمقاربات بين الأمم ... .
4) التوازن بين الأصالة والمعاصرة :
الأصالة و المعاصرة صنوان لا ينفصلان , وحتى يتحقق تواجد ثقافة الإبداع لابد من نقد التراث ( مصدر الأصالة ) وتنقيته مما يكون قد شابه , ومواكبة التغيرات الكونية المتسارعة ( مظاهر الحداثة / أو ما بعد الحداثة ) , باعتبار التحديث هو تحديث في مناهج الفكر والرؤى الخاصة وفي سلوك الأداء ومظهر الإنتاج , وفي القراءة المتأنية الواعية للتراث بما له من أبعاد قيميه يجب أن تظل دون مساس حرصاً على الكيانات الإيمانية للأمم .
5) وجوبية التجديد :
إذا كان الإبداع في احد مترادفاته يعني طرحاً مغايرا للمألوف , ومحاولة صياغة اطر جديدة للنظرية والتطبيق . فان هذا يعني أن التجديد كعملية وكصفة للمنتج الثقافي لابد أن تحتل الصدارة في أولويات أهداف برامج التنمية الإنسانية بما تتضمنه من أبعاد لتطوير الأفراد و المجتمعات , ومؤشرات للجهد المستمر للحفز , ولتحريك الدوافع الذاتية لدى الأفراد للتحدي , وقبول نواتج التغيير و التوسل بها لتغيير أخر.
6) حرية الفكر :
وتعني حرية الفكر أعمال العقل وفقاً للميل والاتجاه , تخلصنا من قيود تعودها الناس , وباتوا يقدسونها , فحرية الفكر تضفي قيمة على سلوك الفرد , وكلما زادت الحريات المنضبطة , كلما كان الإبداع الفكري وما يستتبعه من إجراء , أكثر خصوبة وأفصح معنى , وكلما ازداد القسر كلما انتشر تقلص الفكر الإبداعي و بالتالي المنتج الإبداعي المنظور , وكلما تحولت العمليات الإبداعية إلى اجترار وتكرار غير مرغوب .
7) ديمقراطية التفاعل :
ونعني بديمقراطية التفاعل منح الفرد المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات . وهذا يعني ممارسة المسئولية , وتوقع المساءلة . وبالتالي يتطلب استقلال الذات الإنسانية وإطلاق مكنوناتها الإبداعية وتقدير مبادراتها الثورية أو الإصلاحية في محاولات التعبير الفردي أو الجمعي عن مدى تحقق حاجاتها المعنوية أو المادية , وفق ما تستشعره وترتضيه .
8) التحديث اللغوي :
فكما أن مظاهر الإبداع على اختلافها تدعوا إلى القول بان هذه لغة العين , وتلك لغة اليد , وهاتيك لغة القلم .. فان لغة التفاعل ( اللفظية ) المعاصرة هي مؤشر لمدى إبداع الفرد . وإبداع ذاته لغة , وكلما ازداد المبدع إبداعاً كلما تمايزت لغة اتصاله بالآخر , وكلما ازدادت قدرته على التعبير عن كوامنه بلغة دقيقة معبرة , تدعوا إلى إبداع جديد يثري الثقافة ويدعم نشرها . ومن هنا فالسعي إلى تطوير اللغة العربية بالتبسيط والتكامل في صياغة محتوى مناهجها الدراسية هو سبيل لدعم الفرد العربي .
9) سيادة التفكير العلمي :
يقوم الإبداع على العلم مثلما يقوم على عناصر أخرى , بل وهناك إبداع علمي , يرى و يحس في المكتشفات و المخترعات وكل ما يتعلق ببقاء الإنسان ولولا استناد العلماء على المنطق , واجترائهم على التجريب , وإيمانهم العلمي بجهدهم و نتائجه ما تم الكشف و لا الاختراع , وبذلك فالتفكير العلمي أداة رئيسية من أدوات الإبداع في كل مجالات الحياة , يجب أن يسود و يجب أن يدعم , ويجب أن يصبح علاقة في الحيوات العامة و الخاصة للأفراد.
10) انتشار المشاعر الإنسانية :
فإحساس الفرد بالآخر في أفراحه وأتراحه , في توجهاته ومواقفه ... ييسر عمليات التواصل بينهما بما تشمله من تبادل الخبرة وتجميع القوى وتوحيدها , وتجميع الطاقات نحو التطوير , وبالتالي نحو إبداع معلن أو غير معلن , يفيد منه الفرد الآخر , وتتميز به الأمة , وهذا الانتشار للمشاعر الإنسانية يقلل من الم المعاناة الذي يعيشه المبدع , ويبعث الروح في مقاومة التحيز أو التنميط أو قهر العقل , فكما سبق القول لا يوجد ( أنا ) إلا بـ (الهو).
المصدر :
· أ.د مصطفى عبد السميع محمد ,(( ثقافة الإبداع .. وتشكيل العقل العربي مقاربات أولية )), المنظمة العربية للتربية و الثقافة والعلوم إدارة برامج التربية.