بطء التعلم، أسبابه وطريقة التعامل معه
عثمان آيت مهدي
كثيرا ما يتذمر الأستاذ من إجابة لا ترقى إلى مستوى ما بذله من جهد طوال الحصة، أو طوال الفصل الدراسي. تنتابه شكوك عن فاعلية طريقة التدريس التي ينتهجها، فيتهمها بالضعف والتقصير، وهو محق في ذلك. وقد تنتابه شكوك أخرى عن بلادة التلميذ وبطء تجاوبه مع الدرس، وهو مرة أخرى محق وصائب في تشخيصه. ولكن تبقى الشكوك عديمة الجدوى، مثبطة للعزائم إذا لم يحدد الأسباب التي تجعل إجابات الكثير من الطلبة والطالبات قاصرة وهزيلة، ثم لم يبحث عن أنجع السبل لعلاج هذه الظاهرة التي استفحلت في مدارسنا.
إنّ أسباب هذا الضعف كثيرة ومتنوعة، تتراوح بين البطء في التعلم، وصعوبات التعلم، التأخر الدراسي، ثم تأتي المناهج الدراسية، وطرق التدريس وغيرها.
ولعل أهمّ هذه الأسباب وأولاها بالدراسة والتحليل، ظاهرة بطء التعلم، وقد حدد التربويون نسبتها عند التلاميذ بعشرين في المئة، أي خمس التلاميذ المتمدرسين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بطيء التعلم حالة ميئوس منها وبالتالي نتركه يصارع مصيره بنفسه؟ أم هو حالة يمكن معالجتها عن طريق اتباع منهج علمي وتربوي يناسب قدرات الطفل وإمكاناته؟.
ينظر الباحثون إلى بطيئي التعلم من ثلاث زوايا مختلفة، وهي: الجانب العقلي، الجانب النفسي والجانب الاجتماعي مما يترتب عليه تعريف مختلف مطابق لزاوية الرؤية.
·الجانب العقلي: بطء التعلم هو نتيجة تدني القدرات العقلية للطفل. والعامل الأساسي لتصنيف هذا البطء في التحصيل هو انخفاض معامل الذكاء. وهذا التأخر يظهر قبل سن الثامنة عشر.
·الجانب النفسي: بطء التعلم هو نتيجة العوامل والظروف والمثيرات الخارجية التي تؤدي إلى الاضطرابات في شخصية الطفل فتسبب له القلق والخوف والانطواء.. وكل صعوبة في الاندماج الاجتماعي للأولياء ينتج عنه صعوبة في الاندماج المدرسي للطفل.
·الجانب الاجتماعي: هو نتيجة أوضاع اجتماعية صعبة تنعكس سلبا على شخصية الطفل، كالطلاق والتفكك الأسري، وعدم انسجام الطفل مع طبيعة البيئة المدرسية التي ينتمي إليها.
رغم هذه الاختلافات الجوهرية بين الباحثين، إلا أنهم يجمعون على التعريف التالي: بطيء التعلم هو كل طفل لا يكون قادرا على مجاراة الآخرين من زملائه في التحصيل العلمي والمعرفي، لأسباب نفسية أو اجتماعية أو عقلية.
وانطلاقا من هذا التعريف يمكن تحديد أهم أسباب بطء التعلم:
-أسباب اجتماعية: مثل التفكك الأسري، المستوى الثقافي للوالدين، المستوى المعيشي للأسرة.. فقد الصلة بين الأسرة والمدرسة، ضعف الرقابة الأسرية علي أفعال وسلوكيات الطلاب.. هذه العوامل تؤدي بالطالب إلي ارتكاب أنواع كثيرة من السلوكات غير السوية في غياب رقابة الوالدين...
-أسباب نفسية: كالخجل والقلق والانطواء، شعور الطالب بالدونية والنقص، شعوره بالكراهية من المحيطين به، التدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان بالمراهق إلى الاعتماد على الآخرين في حل مشكلاته. عموما أسباب بطء التعلم النفسية تكون نتيجة تعرض الطفل لمواقف سيكولوجية صعبة.
-أسباب تربوية تعليمية: كأسلوب المعلمين في التعليم، عدم جدية البعض منهم في الشرح داخل الفصول وميلهم للدروس الخصوصية، تفضيل بعض الطلاب علي الآخرين..
-أسباب وراثية: كالإعاقات البصرية والسمعية، وانخفاض القدرة العقلية لدى الطفل..
-أسباب فيزيائية بيئية: مثل بيئة القسم التي تفتقر إلى بعض شروط الصحة كالتهوية، أو البرودة الشديدة في المناطق الجبلية، الحرارة الشديدة في المناطق الصحراوية، اكتظاظ الأقسام، الصفوف الضيقة، الانتقال لمسافات طويلة وانعدام وسائل النقل للالتحاق بالمدرسة.. هذه الأسباب تحول دون رغبة التلميذ في مواصلة الدراسة والحصول على النتائج المرضية. ناهيك عن معاناة المعلم في إيصال المعلومات إلى التلميذ في هذه الظروف.
لن يجد المعلم صعوبة في التعرف واكتشاف بطيء التعلم، لأن أعراضه تثير اهتمامه وتجلب انتباهه: فالحركة المفرطة للتلميذ، وتشتت انتباهه، الصعوبة في الاستماع أو التفكير أو الكلام، المستوى الدراسي المنخفض في جميع المواد تقريبا، مشاكل في السلوك التكيفي مع المعلم أو التلاميذ من أقرانه، كلها علامات وأعراض تنم عن بطء التعلم.
بصفة عامة، الطفل الذي يحقق أقل من 50% من مستوى النجاح طوال العام الدراسي أو رسوب في مادة أو أكثر، مع بذل جهد كبير من قبل المعلم والوالدين، هو طفل لديه بطء في التعلم.
في القسم، المعلم ـ دون ريب ـ أول من يلاحظ ذلك، لأنه الأقرب والمؤهل علميا وتربويا لمعرفة جوانب القوة والضعف عند التلميذ. وبالتالي هو الأجدر بإيجاد الحلول المناسبة لهذه الصعوبات أو بتذليلها. لذا يجب على المعلم اعتماد منهج تربوي بأسلوب تعليمي مناسب ومتوافق مع قدرات الطفل وحاجياته.
وحتى يحقق المنهج أهدافه بشكل أفضل، على المعلم مراعاة الخطوات التالية:
1. ملاحظة الصعوبات التي تعترض التلميذ عند التعلم. للإشارة قد يرى المعلم في البداية، هذه الصعوبات عادية أو زائلة وهي في حقيقة الأمر غير ذلك..
2. إذا استمرت تلك الصعوبات على ما عليها، يقوم المعلم بتحليل معمق لحالة التلميذ من الناحية النفسية أو الاجتماعية..
3. الاتصال بإدارة المؤسسة لإقامة جسر تشاور بين المعلم وأسرة التلميذ.
4. تقييم حاجيات التلميذ وحصر جوانب قوته وضعفه، لمعرفة كيفية إقامة خطة لمعالجة الأسباب التي تعيقه على التحصيل الجيد..
5. وضع خطة للتدخل لمعالجة هذه الحالة التي يعاني منها التلميذ.
تحدد خطة التدخل الأهداف التي نرغب في الوصول إليها مع التلميذ. إلا أن بعض التلاميذ يعانون من مشاكل تعليمية مختلفة، يحتاجون إلى خطط متعددة الأهداف، في اللغة العربية، في الرياضيات، ما له علاقة بالسلوك..
من الأنشطة التي يمكن أن يجد فيها التلميذ صعوبة:
من الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم التلاميذ بطيئي التعلم وضعهم مع التلاميذ العاديين في الفصول الدراسية العادية، كما هو الشأن في كثير من دول العالم، أو توزيعهم مع العاديين في بعض المواد وعزلهم في مواد أخرى.
يقوم معلم مختص أو صاحب خبرة في مجال التدريس مع هذه الفئة بـ: عملية التقويم ـ عملية التدريس ـ عملية الاستشارة. إنّ تقويم المشكلات التربوية، ووضع وتنفيذ خطة التدخل، والتواصل المستمر مع المعلمين العاديين سوف تكون عناصر رئيسية لهذا الدور.
التقويم التربوي: يقوم معلمو بطيئي التعلم بتقويم المهارات الأكاديمية والسلوكية للتلاميذ المسجلين انطلاقا من المعلومات التي تعطى لهم من المعلم العادي، ثم يبنون عليها برنامجا تربويا.
خطة التدخل: الأسلوب الذي يطالب به الباحثون هو وضع خطة تدخل تعالج ضعف التلاميذ عن طريق التركيز على نقاط القوة لديهم.
التواصل مع معلمي الفصل العادي: يتوجب في البداية على هؤلاء المعلمين التعرف على احتياجات التلاميذ، ويتم ذلك عن طريق استبيان بسيط يتطرق للنواحي التالية:
·طبيعة اضطراب التلميذ.
·طرق ومواد ملائمة للتدريس.
·طرق لتقويم تقدم التلاميذ في الدمج.
·كيفية التواصل مع والد التلميذ.
·برنامج التلميذ التربوي الفردي.
·دور ومسؤوليات المعلم الخاص.
معلم بطيئي التعلم هو عضو في فريق متعدد التخصصات، وبالتالي، هو عضو في الفريق المتكون من الأخصائي النفسي المدرسي، الأخصائي الاجتماعي المدرسي، مدير المدرسة، طبيب المدرسة. ومن الواجب أن يكون واعيا بدور ومسؤوليات كل عضو من أعضاء الفريق حتى يتمكن من إعطاء المعلومات المفيدة.
تقوم البرمجة الأكاديمية في المرحلة الابتدائية على المهارات الأساسية التي تمكن التلاميذ بطيئي التعلم من النجاح. ولا تختلف أهدافهم عن أهداف جميع التلاميذ، ولكن قد تختلف الوسائل المطلوبة لتحقيقها اختلافا واضحا.
والنواحي التي يجب تغطيتها هي القراءة، الخط، الإملاء، اللغة المكتوبة، الرياضيات.
أما البرمجة الأكاديمية للمرحلة الثانوية فتتطلب توجها مختلفا عنه في المراحل الابتدائية، حيث يواجه الطالب الذي لديه مشكلات في التعلم اتساعا في الفجوة بين القدرة والتحصيل. إضافة إلى أن الطرق والأساليب العلاجية المستعملة من قبل المعلم في الابتدائي لم تعد ملائمة للمستوى الثانوي، لأن التركيز في المرحلة الثانوية يكون على تنمية مهارات تنطبق على جميع المواد.
والطالب في هذه المرحلة، يمر بفترة حرجة، يظهر فيها العديد من المشاكل والميول والاتجاهات والرغبات والشهوات والحاجات. إذا لم يتم فيها توجيههم من قِبَل الآباء والمعلمين توجيها سليما في ظل إطار تربوي مَرِنٍ، بعيدا عن التهاون والتساهل والتخلِّي عن المبادئ والمثل والقيم، وبعيدا عن التصرفات العصبية الرعناء، فإن الشباب في هذه المرحلة يضيعون في لُجج الفتن ومزالق الرذيلة، وهو ما يؤدي بهم إلى الانحطاط والفشل وعدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة.
من هنا تعتبر المرحلة الثانوية من المراحل الدراسية المهمة، حيث يقطف الطلاب فيها ثمرة جهودهم التي بذلوها في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة.
إنّ تعليم التلاميذ (كيف يتعلمون) بتدريسهم استراتيجيات التلخيص، أو إدارة المواد التي يجب تعلمها في الدراسات الاجتماعية مثلا، بدلا من تعليمهم المحتوى الفعلي للدراسات الاجتماعية، يجعل من هؤلاء متعلمين فاعلين. بهذا ينمي المعلم استراتيجيات يمكن استخدامها عبر المواد المتنوعة.
إنّ منهج استراتيجيات التعلم منظم في فروع ثلاثة رئيسية:
1. الاستراتيجيات التي تساعد التلاميذ على اكتساب المعلومات في المواد المكتوبة.
2. الاستراتيجيات التي تساعدهم على تحديد وإيداع المعلومات المهمة.
3. الاستراتيجيات التي تسهل التعبير التحريري وإظهار الكفاءة.
هناك نوعيات واسعة من التلاميذ عجزهم غير مقصور على الأداء الأكاديمي، لأن السلوك غير المناسب، الصادر من التلاميذ في الفصل العادي يمثل مشكلة أكبر للمعلم من العجز الأكاديمي.
تهدف أساليب تعديل السلوك إلى تحقيق تغيرات في سلوك الفرد، لكي يجعل حياته وحياة المحيطين به أكثر ايجابية وفاعلية، وفي ما يلي بعض الأساليب التي يمكن استخدامها في تعديل السلوك لدى التلاميذ:
-التعزيز: وهي إثابة الطالب على سلوكه السوي، بكلمة طيبة أو ابتسامة عند المقابلة أو الثناء عليه أمام زملائه، أو الدعاء له بالتوفيق والفلاح، أو الاهتمام بأحواله، وغير ذلك مما يعزز هذا السلوك ويدعمه ويثبته، ويدفع بالمتعلم إلى تكرار نفس السلوك إذا تكرر الموقف. كما يمكن استخدام هذا الأسلوب في علاج حالات كثيرة عند النشاط الحركي الزائد، الخمول، والانطواء ..إلخ.
-العقاب: هو إخضاع التلميذ إلى نوع من الجزاء بعد إتيان سلوك غير مرغوب فيه. فالطالب إذا ناله العقاب كلما اعتدى أو أذى الآخرين نفسيا أو جسديا كفّ عن ذلك العدوان. هنا يقوم المرشد أو المعلم باستخدام أسلوب من أساليب العقاب: اللوم الصريح، التوبيخ، التهديد، المنع من الاشتراك في النشاط الذي يميل إليه التلميذ... الخ. ويستحسن استخدام هذا الأسلوب بعد استنفاذ الأساليب الإيجابية. فقد ثبت أن العقاب يؤدي إلى انتقاص السلوك غير المرغوب أسرع مما تحدثه الأساليب الأخرى، بحيث يؤدي إلى توقف مؤقت للسلوك المعاقب، ومن ثمة إلى ظهور السلوك مرة أخرى.
إنّ قياس مدى تحقيق الأهداف عند التلميذ بطيء التعلم يتضمن ولا شك إصدار الحكم (إعطاء قيمة لذلك القياس)، ولتوضيح هذا المفهوم نضرب المثال التالي: التلميذ الذي يحصل على 18 من عشرين في اختبار مادة الرياضيات، يقول المعلم أن التلميذ من فئة الممتازين. فالعلامة 18 تعتبر قياسا لأنها وصف كمي ودرجة على مقياس معين. أما الحكم على التلميذ فهو تقويم لأنه يشمل التقدير الكمي والنوعي للسلوك.
التقويم عملية مستمرة، تواكب سيرورة التعليم عند بطيء التعلم خلال السنة الدراسية، في بدايتها وأثنائها وفي نهايتها:
-التقويم القبلي: يتم فيه تقويم التلاميذ قبل بداية عملية التدريس، وذلك للوقوف على الأهداف التي يتقنها التلاميذ والأهداف والمهارات التي لم تتقن. ونتائج التقويم القبلي تفيد المعلم في مراجعة الأهداف التي لم تتحقق وإعادة تدريسها بأساليب جديدة.
-التقويم التشكيلي: ويسمى كذلك بالتقويم البنائي أو التكويني أو التقويم المرحلي. يكون أثناء عملية التدريس وذلك للكشف عن مدى التقدم الذي يحرزه التلميذ، ويتم من خلال الملاحظة المستمرة لنشاط التلميذ وتعلمه وذلك عن طريق: الاختبارات، المسائل والتدريبات العملية، الحوار والمناقشة داخل القسم، الواجبات المنزلية والأنشطة الخارجية. ثمّ يعدل المعلم خططه وأساليب تدريسه على ضوء نتائج التقويم التكويني. وهكذا نلاحظ أن التقويم التكويني يوجه عملية التدريس.
-التقويم الجمعي: هو التقويم الذي يتم في نهاية الوحدة الدراسية أو في نهاية الفصل الدراسي أو السنة الدراسية. ويسمى بالتقويم الفصلي أو التقويم الإجمالي. وتظهر أهمية هذا التقويم من خلال إعادة ترتيب التلاميذ في قاعات الامتحان، تعيين مراقبين وحراس في قاعات الامتحان، سرية الامتحان الإجابات النموذجية ومراعاة الدقة في التصحيح.
لا يولد الطفل فاشلا ولا متفوقا، إنما الأسرة والمدرسة معا المسئولتان عن التفوق والفشل. فالطفل بطيء التعلم، إن أحسن الاعتناء به، وأخذت حالته مأخذ الجد، يستطيع تجاوز هذه العاهة واعتناق النجاح في أيّ مجال شاء. سئل أديسون ـ ذات مرة ـ إلى ماذا يعزى نجاحك الباهر في اكتشاف المصباح الكهربائي؟ أجاب أديسون: إلى الذكاء بنسبة واحد من المئة، والمثابرة بنسبة تسع وتسعين من المئة.
الأستاذ: عثمان آيت مهدي
يوم الجمعة 23/01/2009
المراجع:
1. د. نبيل عبد الهادي ـ د. عمر نصر الله ـ أ. سمير شقر. بطء التعلم وصعوباته. دار وائل للنشر. 2000
2. باري مكنمارا غرفة المصادر (دليل معلم التربية الخاصة) (معرب). النشر العلمي والمطابع 1997
3. د. زيد الهويدي أساسيات القياس والتقويم التربوي دار الكتاب الجامعي العين 2004
4. Genevieve Chabert-Ménager. Des élèves en difficulté. L'Harmattan. 1996
5. Georgette Goupil. Gaetan morin Les élèves en difficulté d'adaptation et d'apprentissage. 1997