أسباب التفكك الأسري
أ.د. شادية التل
تمهيد:
الحمد لله الذي أرشدنا إلى ما فيه طاعته ورضاه، ودعانا إلى الإيمان والعمل الصالح، وحثنا على مكارم الأخلاق، وحبب إلينا الخير وأهله، وجعل أزواجنا سكنًا لنا، وأبناءنا أمانة في أعناقنا، وزينهم في نفوسنا، وبعد:
فقد رسم الإسلام الصورة المثلى للأسرة المسلمة، وحدد الأسس الشرعية لبنائها، كما حدد خصائصها وحقوق أفرادها وواجباتهم، ووضع الضوابط ورسم التشريعات التي تنظم العلاقات بين أفرادها، بما يكفل استقرارها ويحقق سعادتها، وبيَّن كل ما من شأنه أن يقوض بنيانها ويهدمه، وما يحصنها من الاضطراب والانهيار.
والحياة الزوجية حياة يصبغها التعاون وتسودها روح المسؤولية والتضحية، وبدون ذلك لا يكون الزواج ناجحًا.. ولا تخلو الحياة الأسرية من بعض المشكلات التي قد يتمكن أفراد الأسرة من حلها، في وقت من الأوقات. وقد تتخللها مشكلات أخرى تستدعي تدخل الأهل أو المصلحين. وقد يسود الصراع والشقاق الحياة الأسرية فيعكر صفوها ويعرضها إلى التصدع والانهيار.
وقبل الشروع في الحديث عن الأسباب والعوامل، التي تؤدي إلى التفكك، ينـبغي تحديد مفهوم التفكك الأسري وتحديد أنماطه.
مفهوم التفكك الأسري
لم يتفق علماء النفس الاجتماعي على تحديد مفهوم التفكك الأسري، كما لم يتفقوا حول تسمية المفهوم ذاته. فمنهم من يستخدم مفهوم "التفكك الأسري" ليعني فقدان أحد الوالدين أو كليهما أو الهجر أو الطلاق أو تعدد الزوجات أو غياب أحد الوالدين مدة طويلة. فيما يستخدم آخرون مفهوم "البيوت المحطمة" ليعني البيوت التي يحطمها الطلاق أو الهجر أو موت أحد الوالدين أو كليهما. ويستخدم فريق ثالث مفهوم "التصدع الأسري" ليشير إلى تصدع الأسرة جراء تعدد الزوجات أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما. فيما يذهب فريق آخر لاستخدام مفهوم "الأسر المحطمة" ليعني الأسر التي حطمها الطلاق أو الشجار المستمر أو الوفاة أو سجن أحد الوالدين أو غيابه لمدة طويلة(1).
وقد يعزى تعدد التسميات المذكورة لمفهوم التفكك الأسري إلى ترجمة المفاهيم الأجنبية. ولكن على الرغم من ذلك فثمة عناصر مشتركة في ما تتضمنه تلك التسميات من معان تتعلق بالطلاق أو الموت أو الهجر أو الغياب طويل الأمد لأحد الوالدين.
ويمكن إضافة عناصر أخرى للمفهوم تتعلق بالفقر وعمل الوالدين، وعدم قدرتهم على تنشئة أبنائهم التنشئة السليمة، وارتكاب أحد الوالدين أو كليهما الرذيلة.
ولأغراض الكتاب الحالي، فإن مفهـوم التفكك الأسري يشير إلى اختلال السلوك في الأسرة، وانهيار الوحدة الأسرية، وانحلال بناء الأدوار الاجتماعـية لأفـراد الأسرة، جـراء عدد من العوامل أو الأسباب، لعل أبرزها:
عدم الالتزام ببعض الأسس الشرعية للزواج ابتداء، والمشكلات الأسرية، وفشل الوالدين في التنشئة الأسرية السليمة، والفقر والبطالة، وعمل المرأة، ووجود الخدم في الأسرة، والطلاق، والخيــانة الزوجيــــة، وتحديات العولمة والإعلام، والزواج بغير المسلمة.
أنماط التفكك الأسري
يمكن تصنيف أنماط التفكك الأسري في ما يلي(1):
أ- التفكك الأسري الجزئي الناتج عن حالات الانفصال والهجر المتقطع، حيث يعود الزوجان إلى الحياة الأسرية، غير أنها تبقى حياة مهددة من وقت لآخر بالهجر أو الانفصال.
ب- التفكك الأسري الكلي الناتج عن الطلاق أوالوفاة أو الانتحار أو قتل أحد الزوجين أو كليهما.
وثمة تصنيف آخر للتفكك الأسري على النحو التالي:
أ- التفكك النفسي الناتج عن حالات النزاع المستمر بين أفراد الأسرة وبخاصة الوالدين، فضلاً عن عدم احترام حقوق الآخرين والإدمان على المخدرات والكحول ولعب القمار.
ب- التفكك الاجتماعي الناتج عن الهجر أو الطلاق أو وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو الغياب طويل الأمد لأحد الوالدين. وقد يضاف إلى ذلك غياب العدل في حالات تعدد الزوجات.
كما يمكن تصنيف التفكك الأسري إلى نمطين هما(2):
أ- التفكك الاجتماعي الناتج عن الانفصام أو النزاع بين أفراد الأسرة أو الصراع فيها.
ب- التفكك القانوني الناتج عن انفصام الروابط الأسرية عن طريق الهجر أو الطلاق.
وثمة تصنيف رابع يحدد أنماط التفكك الأسري في التالي:
أ- الانحلال الأسري الناتج عن الانفصال أو الهجر أو الطلاق أو غياب أحد الوالدين عن المنزل لفترة طويلة يوميًا.
ب- الأزمة الأسرية الناتجة عن الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين، بسبب الوفاة أو الكوارث (كالحرب والفيضانات...الخ) أو دخول السجن.
جـ- التغـير في الأدوار الاجتماعية الناتـجة عـن التـغـيرات الثقـافيـة، مما يؤدي إلى الصراع بين الآباء والأبناء (لا سيما مرحلة الشباب). د- الخلافات الأسرية التي تنشأ عن الفشل في أداء الدور نتيجة الأمراض العقلية أو النفسية، كالاضطرابات العقلية والنفسية والحالات الجسمية المزمنة والخطيرة لأحد أفراد الأسرة.
هـ- أسر "القوقعة الفارغة"، حيث يعيش الأفراد في أسرة واحدة غير أنهم يفشلون في إقامة علاقات طيبة بينهم، وتبقى علاقاتهم العاطفية ضمن الحدود الدنيا.