مقدمة:
الحمد لله به نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أللهم يا من تجعل الحزن سهلاً .. وفقنا لما فيه الخير وبعد. قال تعالى: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (46)". سورة الحج. كل فرد ميسر لما خلق له. ولكل إنسان الحق في أن يتمتع بإنسانيته، وإذا كانت أنصبة الخلق من مزايا الإنسانية متفاوتة، فإنهم جميعاً متساوون في القيمة الإنسانية، فإذا نقص إنسان عن زملائه نقصاُ جسمياً أو عقلياً أو سمعياً أو بصرياً، فإن هذا النقص يجب ألا يعوقه عن تمتعه بإنسانيته مراعاة لها وحماية لنظم المجتمع وأهدافه. (لطفي بركات أحمد – سيد خير الله، 1982). لقد حظي ميدان الإعاقة البصرية باهتمام مبكر سبق جميع ميادين الإعاقة الأخرى، كذلك فإن فئة المعاقين قد نالت اهتماماً ورعاية كبيرين من جانب الأخصائيين والباحثين التربويين والنفسيين والإجتماعيين لم ينلها بعد أي ميدان من ميادين الإعاقة. يشكل المعاقون بصرياً فئة غير متجانسة من الأفراد، فهم – وإن اشتركوا في المعاناة من المشاكل البصرية – إلا أن هذه المشاكل تختلف في مسبباتها ودرجة شدتها وفي زمن حدوثها من فرد إلى آخر، فمن المعاقين بصرياً من يعاني من الفقدان الكلي للبصر، ومنهم من حدثت إعاقته مع الميلاد أو في مرحلة مبكرة جداً من عمره، ومنهم من حدثت إعاقته في مرحلة متأخرة من العمر. أدى عدم التجانس هذا إلى تنوع الأساليب والوسائل والأدوات التي تستخدم في تربية وتعليم وتأهيل هذه الفئة من المعوقين. وتجدر الإشارة إلى أنه تم استخدام مصطلح: ((الإعاقة البصرية أو المعوقين بصرياً)) في هذا البحث للدلالة على كل من الكفيف كلياً والمبصر جزئياً أو ضعيف الإبصار، أما عندما يقتصر الحديث على فئة معينة من المعاقين بصرياً، فإنه قد استخدم المصطلح الدال على هذه الفئة: ((الكفيف كلياً)) أو ((ضعيف الإبصار)). (كمال سالم سيسالم. 1988).
وفي هذه الدراسة التي تقوم بها الباحثة تسهم في إلقاء الضوء على جانب مهم في حياة فئة من الأشخاص تعتبر ككل لا ينفصل عن باقي البشرية. حيث سيتم عرض خلال هذا البحث ما لدى الكفيف من قدرات رهيبة في التعلم في أنه كيف يستطيع مثل هذا الشخص أن يعبر عن قدراته المختلفة؟ وما هو اتجاه هذا المدرس والمربي نحو هذه القدرات؟ وكيف يقبلها؟ وبأي طريقة يستطيع توجيهها وتنميتها والحفاظ عليها؟ حيث سيتم عرض ذلك إن شاء الله في هذا البحث وفي عدة فصول مختلفة حيث سنتناول في الفصل الأول المواضيع التالية: مشكلة الدراسة وأهمية الدراسة وأهدافها ووضع أسئلة الدراسة، ثم تعريف لكل المصطلحات، وكذلك حدود الدراسة، أما في الفصل الثاني فسنتناول بإذنه تعالى بعضاً من الدراسات والتي أقيمت بنفس ما ستقوم الباحثة في دراسته، فمنها دراسات عربية وأخرى أجنبية وذلك من أجل الحصول على أكبر قدر من تثبيت لما سنقوم به. ومن ثم الفصل الثالث والذي يحوي أيضاً منهج الدراسة ومجتمع الدراسة وعينة الدراسة ومحدداتها وكيفية تحليل النتائج. ثم الفصل الرابع وفيه نتائج الدراسة والتعليق عليها. وأخيراً الفصل الخامس والذي يحوي الإقتراحات والتوصيات. لنكون بإذنه تعالى قد أعطينا هذا البحث حقه في الكتابة والشرح وتوضيح جميع الأمور في كافة جوانبها دون الإغفال عن أية منها بإذنه تعالى.
((يا رب افتح أبواب رحمتك، ويسر مهمة عبدتك)) آمين
تحديد المشكلة:
تختلف اتجاهات المدرسين نحو القدرات التعليمية للطفل الكفيف، وما علينا تقديمه في هذا البحث هو عملية تحديد لما سيتم إيجاد الحل له ومعرفة جوانبه المختلفة والأسباب التي أدت إلى مثل هذا الاختلاف ليسهل علينا الأمر في إيجاد حل لهذه المشكلة الخاصة التي تواجهنا، وفي هذا المجال تدور من حولنا مثل هذه الأسئلة:
1- ماذا يعتقد المدرسون عن قدرة الأطفال المكفوفين على التعليم.
2- ما هي اتجاهات المدرسة نحو حواس الطفل – وذلك غياب حاسة البصر؟
3- ما هي القيمة وراء تعليم المكفوفين كما يتصورها المدرسون؟
4- ماذا يعتقد المدرسون عن القدرات اليدوية للأطفال المكفوفين؟
5- ماذا يعتقد المدرسون عن القدرات اليدوية للأطفال المكفوفين؟
وما إلى ذلك من أسئلة نحاول إن شاء الله في الفصول القادمة معرفة أسبابها ونتائجها والحلول المناسبة والمريحة لها. (سيد خير الله. 1982. ص142). من أجل تحقي هدفنا الأسمى إن شاء الله تعالى .. ألا وهو محاولة إعلام جميع القائمين على تربية الكفيف والعاملين معه بقدرات ذلك الإنسان وما تحمل هذه الشخصية من قوة وآمال وطموحات كثيرة كأي فرد عادي من أفراد المجتمع. وسنعمل جاهدين على تحقيق هذا الهدف بإذنه تعالى.
أهمية الدراسة / فوائد الدراسة:
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى". صدق الله العظيم. (سورة عبس. آية: 1-4). تكون أهمية هذه الدراسة والحاجة إليها في عدد من النقاط منها: 1- القيمة العلمية لمثل هذا النوع من الدراسات في مجال التربية والتعليم، حيث أنها تزيد من خبرة المعلمين وتوسع آراءهم وأفكارهم وما يحملون من اتجاهات مختلفة حول الطفل الكفيف. 2- إن معرفة القدرات التعليمية لدى الكفيف لهم مطلب ضروري وخطوة سابقة لمحاولة دعم قدراته بالطرق المناسبة ومحاولة الحفاظ على هذه القدرات وتنميتها بكل الوسائل والطرق من أجل ضمان حياة أفضل للكفيف. 3- التعرف على مصادر دعم مثل هذه القدرات والوسائل المناسبة لذلك. 4- التعرف على دور المدرس وما يمكن أن يقدمه لمثل هذا الإنسان. 5- كما أن معرفة القدرات التعليمية لا تقل أهمية في دورها في المحافظة على الحاجات النفسية ومدى تأثيرها في سلوك الفرد وتصرفاته ومدى انعكاس ذلك وأثره على مجتمعنا. وكما كانت مقدمة هذا الموضوع في الآية الكريمة أعلاه فيظهر الهدف واضحاً في المحافظة على هذا الإنسان ومحاولة اكتسابه للخبرات والمعرفة. وإنه لمن الضروري في هذا المجال أن نؤكد أن إدراكنا لبعض نواحي القصور وعدم الكفاية في المكفوفين يجب ألا يعطي صورة من اليأس للمدرسين. إن المدرسين يجب ألا يقللوا من أهمية فقد البصر ولكن يجب أن يدركوا أم كثيراً من الأفراد المكفوفين قد تغلبوا على الكثير من المتاعب والصعاب. (سيد خير الله. 1998. ص 132).
وطبعاً يكون ذلك بفضل الظروف المحيطة بذلك الكفيف والتي سمحت له بأن يظهر قدراته المختلفة ويحاول أن يتغلب على الناس من حوله والذين يتهمونه بالعجز أحياناً.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى ما يلي:
1- التعرف على اتجاهات المدرسين نحو قدرات الطفل الكفيف وذلك سيتم إن شاء الله في المراحل الأساسية وفي مدارس الضفة الغربية، أي من عمر (6-11) سنة من الذكور والإناث.
2- التعرف على القدرات التعليمية لدى الطفل الكفيف ومداها ومستوى هذه القدرات بمقارنتها مع قدرات الطفل العادي من وجهة نظر المعلمين.
3- التعرف على دور التربية والمعلمين في إشباع تلك القدرات ودورهم في رعاية الإنسان الكفيف والطرق المتبعة في ذلك.
أسئلة الدراسة:
1- ما هي اتجاهات المعلمين نحو القدرات التعليمية للطفل الكفيف في المرحلة الأساسية في مدارس الضفة الغربية؟
2- ما دور القدرات التعليمية من حيث الهمية بالنسبة للكفيف؟
3- هل هناك فروق ذات دلالة من حيث الإتجاهات حسب الجنس؟
4- هل هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الطلاب والطالبات من حيث القدرات التعليمية حسب الفئة العمرية أم لا؟
مصطلحات الدراسة:
1- ((الطفل الكفيف)): العمى من الناحية الفيزيولوجية: العمى بلغة الطب هو الحالة التي يفقد فيها الكائن الحي القدرة على الرؤية بالجهاز المخصص لهذا الغرض وهو العين. المكفوف في نظر التربية: المكفوف بحسب التعريف الذي أقرته هيئة اليونسكو التابعة لجمعية الأمم المتحدة هو الشخص الذي يعجز عن استخدام بصره في الحصول على المعرفة. ومن الواضح من هذا التعريف أن الكفيف قد يستفيد من حواسه الأخرى ليحصل على المعرفة، ولهذا كانت تولى الحواس الأخرى أهمية كبيرة في عملية تربية المكفوفين. وأهمها حاسة السمع. (سيد خير الله. 1982. ص 8+9).
2- ((القدرات التعليمية)): ناحية مهمة تتصل بشخصية الكفيف وهي القدرات التي يختلف فيها المكفوفون عن المبصرين وتتعلق بمستوى الذكاء وبعض العمليات النفسية كالتصور البصري والتخيل ..... (سيد خير الله. 1982. ص 33). القدرة (ability): وهي كل ما يستطيع الفرد أداءه في اللحظة الحاضرة من أعمال عقلية أو حركية سواء كان ذلك نتيجة تدريب أو من دون تدريب كالقدرة على ركوب الدراجة، وقد تكون القدرة بسيطة أو مركبة، فطرية أو مكتسبة. (أحمد عزات راجح. الطبعة العاشرة لعام 1982. ص360).
3- ((الاتجاه)): استعداد وجداني مكتسب نسبياً يحدد شعور الفرد وسلوكه إزاء موضوعات معينة من حيث تفضيلها أو عدم تفضيلها. (أحمد راجح. 1982. ص95).
حدود الدراسة:
- تعد هذه الدراسة بمثابة دراسة مسحية على مستوى المدارس الابتدائية في الضفة الغربية للعام الدراسي 1992-1998 فيما يتعلق باتجاهات المدرسين نحو القدرات التعليمية للكفيف وطرق البحث عن هذه الاتجاهات وإيجاد ووضع الحلول والتوجيهات المناسبة لتوجيهها الوجهة السليمة. - كما أن هذه الدراسة محدودة بمجتمع الدراسة الذي تمثله العينة وهو مجموع مدرسي ومدرسات الأطفال المكفوفين في مدارس الضفة الغربية والأساسية منها. (بين سن 6-11 عام). - أما جانب الدراسة والذي يتعلق بما يمكن أن تقدمه لتوجيه هذه الاتجاهات والعمل على تطويرها وتنميتها، فهو محدود أيضاً بمجتمع عينة المدرسين والمدرسات القائمين على العمل مع الطفل الكفيف.