الفصل الثالث
التكفل الاجتماعي بالمتخلفين عقليا
1.3 – الاتجاهات الأسرية العامة نحو المتخلف عقليا.
2.3 – الإرشاد و التوجيه.... تصحيح للاتجاهات و المفاهيم.
3.3 – الإعداد و التأهيل المهني للمتخلفين عقليا.
لا يمكن الحديث عن التكفل النفسي بالمعاقين ذهنيا, دون الحديث عن الجانب الاجتماعي لهذا التكفل, ذلك أنه لا يُمكن الفصل بين الجانبين – كما قلنا في فقرات سابقة – و لا يُمكن أخذ العناية و الكفالة بهذه الفئة من باب واحد, سوى أن الفرق الذي يُمكن تسجيله هنا, هو أنه و من جانب التكفل الاجتماعي بفئة المتخلفين عقليا, يظهر دور الإرشاد و التوجيه واضحا من خلال علاقته الواضحة مع قطاعات المجتمع المختلفة, و مع فئة المعوقين ذهنيا من جهة ثانية, فإن كان الأخصائي النفسي و التربوي يلعب دوره في التكفل النفسي بالمعوق بحيث يكون لذلك انعكاس على الحياة الاجتماعية للمُصاب, فإن المرشد يلعب دورا موازيا في التكفل به من خلال سعيه لإحداث تغييرات تمس حياته الاجتماعية و تكون لها انعكاسات على حياته النفسية, لكن قبل ذلك لا بد من عرض للتصور العام للمجتمع – بخاصة المدرسة – و الأسرة تجاه المتخلفين عقليا, كيف يتعاط هؤلاء مع هذا التصور.
1.3 – الاتجاهات الأسرية العامة نحو المتخلف عقليا:
كثيرا ما يُضايق المتخلف عقليا موقف الأهل منه و موقف المجتمع و موقف المدرسة, ففي كل الأطراف غلبة لموقف من يعطف عليه لضعفه, أو من يريده, أو من ينكره, أو يستغله, و يؤدي ذلك لدى المتخلف عقليا نوع من تعلقه بالآخرين, و يغلب فيه أنه يميل إلى أحد الطرفين: التبعية أو الكره و العدوانية.
إن تصنيف المتخلفين عقليا في فئة خاصة من الناس يعني بشكل منطقي وجود وضع مختلف في حياة هؤلاء عن وضع الناس العاديين, و هذا ما يدفع بالضرورة إلى وجود اتجاهات و تصورات مختلفة لوضع هذه الفئة وسط المجتمع بدءا بالأسرة.
1 و تعتبر الأسرة المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تلعب الدور الأساسي في تربية النشء, و تلقينهم الأخلاقيات و المعلومات المتنوعة التي تساعد على تكوينهم و تحديد معاملاتهم مع الآخرين.
1- 1 ص 317-318.
و من المعروف أن الطفل المتخلف عقليا لديه قصور جسمي و ثقافي و عقلي, لا يمكنه من تحديد علاقاته و قيمه دون الاعتماد الأكيد على أسرته, التي توجهه بصورة مباشرة و غير مباشرة, حتى يكتسب خلال فترة زمنية معينة الخبرة و القدرة العقلية التي تؤهله للاعتماد على نفسه و التعامل مع الآخرين بإيجابية.
و تتنوع اتجاهات الوالدين و الأسرة نحو الطفل المعاق, إما بالإيجاب أو بالسلب, و التي ظهرت في العديد من الدراسات المختلفة, و قد أوضح " كيرك " و " جلانجر " إلى أن أي شخص من وضع نفسه كأب أو كأم لطفل معاق, فإنه سوف يُقدّر مدى الألم و الضيق و اليأس الذي يمثل جزءا لا يتجزأ من وجود طفل معاق في الأسرة, كما أنه سوف يتحقق من درجة الحاجة للسند الخارجي الواجب تقديمه لوالدي المعاق للاحتفاظ بتوازنهما في هذه الظروف المعيقة لحياة الأسرة, و أضاف أن معظم الآباء الذين لديهم طفل معاق يواجهون أزمتين أساسيتين1:
* الأزمة الأولى: و التي يسميها " كيرك ": نمطا من الموت الرمزي. حيث يُبدي الوالدين أو أحدهما شعورا بأن الطفل المعاق قد يكون عدمه أفضل من وجوده, و أن وجود طفل معاق ذهنيا مخيب لآمال الوالدين و محبط لهما في تحقيق هدفهما في العملية الوالدية, و ما يترتب عن ذلك من ظروف محبطة.
* الأزمة الثانية: و تتعلق بمشكلة توفير الرعاية اليومية, حيث يندر أن تكون للأبوين خبرة في تنشئة الأطفال المعاقين ذهنيا, حيث أشار " عادل الأشول "( 1993 ) أن أهم الاستجابات الوالدية و ردود أفعال الأمهات و الآباء الشائعة عندما يظهر عندهم طفل متخلف عقليا:
- القلق،الشعور بالذنب والاٍحباط واليأس والعجز عن مواجهة المواقف.
- التشكك في التشخيص .
- الاٍعتراف بتخلف الطفل دون تبصر باٍعادة الشكلة.
- التبصر بمشكلة الطفل وقبول تخلفه والسعي اٍلى تعليمه وتأهيله.
وأوصى بأنه يجب على المرشد النفسي التعامل مع الميكانيزمات الدفاعية للوالدين،في عملية الاٍرشاد الأسري للأطفال المتخلفين والتي من أهمها:
* مواقف الحيرة والتذبذب.
* اليأس.
* الاٍفراط في الحماية.
* الرفض والتبرير.
* الاٍهمال.
هذا و قد أوضح " كانر"2 وجود ثلاث أنماط من الاستجابة الوالدية نحو التخلف العقلي و هي:
1- الاعتراف بالواقع الفعلي, بتقبل الأسرة لطفلها المتخلف عقليا, و تؤقلم أسلوب حياتها
1- 2- 1 ص 320.
وفق ذلك الظرف الخاص.
2- إنكار الواقع, بحيث تستمر الأسرة في التهرب من حقيقة أن لديها طفلا متخلف, و ذلك باختلاق مبررات ضعيفة تفسر بها حالة طفلها.
3- عجز كامل عن مواجهة الواقع الفعلي, عن طريق الرفض و الإنكار التام عن وجود أية إعاقة ذهنية للطفل, عن طريق الكذب على الذات و على الآخرين.
مبادئ أساسية في اٍرشاد أسرة الطفل المعاق عقليا:
1- ان مشكلة الطفل المعاق عقليا هي مشكلة الأسرة كلها ،وعلى المرشد النفسي أن يتبنى اٍتجاهات واقعية نحو الأسرة ،وأن يتفهم مشكلاتها وهمومها ومشاغلها الأخرى.
2- التعرف على هموم أسرة الطفل المعاق من وجهة نظرها ،لأن كثير من العلاقات المهنية بين الأخصائيين والأسرة تفشل مبكرا ،لأن المرشد عجز عن التعرف الصحيح على مطالب الأسرة الحقيقية.
3-
2.3 – الإرشاد و التوجيه....تصحيح للاتجاهات و المفاهيم:
بما أن الطفل المعاق يُواجه مشاكل في الاندماج داخل بيئته الأسرية و الاجتماعية منذ سن مبكرة, فهذا يؤشر لعدة مشكلات مستقبلية على المستوى التوافقي, سواء مع الذات أو مع المحيط, لذلك جاء الإرشاد و التوجيه ليُعاضد علم النفس في حل تلك المشكلات, و هو يتخذ من مختلف قطاعات المجتمع مجالا لتكفله بالمعاق ذهنيا, و محاولة حل أو التخفيف من مشكلاته التوافقية الاجتماعية و النفسية.
و إذا كان المختص النفسي ينطلق عادتا من تشخيص المستوى العقلي و حالة المتخلف النفسية من أجل وضع برنامج الكفالة و التربية الخاصة المناسب, فإن المرشد ينطلق عادتا من واقع أسرة المصاب, و يضع خطته للبدء في تغيير الأفكار و الاتجاهات الوالدية و الأسرية نحو حالة الابن المعاق, ثم مدرسته – سواء كانت عامة أم خاصة – و كذا المتخلف ذهنيا بنفسه في مراحل متقدمة.
أ – تكوين الاتجاهات الأسرية الإيجابية نحو المتخلف عقليا:
و لهذا بات الإرشاد و التوجيه يركز في السنوات الأخيرة على ما يُعرف 1" بالنموذج البيئي ", الذي يرتكز على التكفل بالمعاق ذهنيا في وسطه البيئي ( الأسرة و المدرسة بشكل أساسي ), و كما أسلفنا الذكر, فإن الكثير من الآباء يواجهون صعوبة كبيرة في تقبل حالة ابنهم و عاهته العقلية, خاصة في السنوات الأولى بعد ولادته, فإما أن تتميز هذه الاتجاهات
1- صلاح الدين حسين شريف – إمام مصطفى سيد- تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة - 2004. ص 14.
بالرفض و من ثم ينتج عنها الإهمال, و إما أن تتسم بقبول حالة الابن لكنها تكون استجابات سلبية لأنها قد تسفر عن الرعاية المفرطة, التي يكون لها أضرارها على سير حياة المعاق, لذلك فإن التكفل الاجتماعي بالمعاق يبدأ من الأبوين...
و يرتكز دور المرشدين في هذه المرحلة على مُحاولة تصحيح نظرة الآباء للإعاقة الذهنية في حد ذاتها, و بأنها ليست بذلك الشبح المرعب الذي يهدد مستقبل الأسرة أو مستقبل العلاقة الزوجية, و بأنها موضوع شائع و يُمكن التعامل و التعايش معه بتعلم أساليب التربية الخاصة.
1 فالآباء الذين يكونون اتجاهات إيجابية نحو أبنائهم المتأخرين عقليا, متقبلين لهم, و مقبلين عليهم بصدر رحب و تعاطف في جو ملؤه الدفء و المحبة و الرعاية. فإن هذا من شأنه أن يساهم في تنمية شعور المتأخر عقليا بتقديره لذاته و رضاه عن نفسه, و يجعل كذلك أفراد الأسرة الآخرين يكوّنون نفس الاتجاه الإيجابي نحو الطفل المتأخر عقليا, فيندمج معهم و يحاول تقليدهم و الإتيان بالسلوك السوي.
لذلك تظهر المهمة الأساسية للإرشاد في تحسين الظروف البيئية التي يعيش فيها المتخلف ذهنيا, عن طريق تصحيح نظرة الوالدين و أفراد الأسرة بشكل عام نحو التخلف العقلي, و نحو الفرد المصاب, ثم إرشادهم و تبصيرهم بخصائصه و مطالب نموه و تدريبهم على كيفية التعالم معه, بكل مسؤولية و وعي و تقبل, مما يساهم في إيجاد بيئة اجتماعية مستقرة من الأساس لهذا الفرد المتخلف, و هذا يعني بالضرورة تجنيبه الكثير من المشكلات الانفعالية المبكرة, التي قد تعقد من حالته خاصة عند وصوله إلى سن التمدرس.
بـ - الإرشاد و التوجيه للمعلمين و المربين في المدرسة:
نظرا لأن الطفل المتخلف ذهنيا في حاجة لتعلم كيفية استخدام حواسه الجسمية, لما يتصف به من ضآلة خبراته الحسية و الإدراكية, إذن فهو بحاجة إلى غرس المبادئ و العادات الضرورية لتنشئته تنشئة اجتماعية سليمة, و بعد أن تتكفل الأسرة بتجهيزه بالأساسيات من تلك السلوكيات, يأتي دور المدرسة التي تكمّل دور المحيط الأسري, سواء
1- بشير معمرية – بحوث و دراسات متخصصة في علم النفس – 2007. ص 120.
كانت مدارس عامة يقصدها ذوي الإعاقة الذهنية الخفيفة, أو خاصة لذوي الإعاقات الذهنية المعقدة.
و يرتكز عمل المرشدين في هذا الجانب على تشكيل اتجاهات المعلمين تجاه التلاميذ أو الطلاب المتخلفين عقليا – في المدارس العامة – و تلقينهم التقنيات و الأساليب التربوية المناسبة التي يتعاملون بها مع هذه الفئة, أما في المدارس الخاصة أين تضم عددا من المختصين المدربين أساسا على التعامل مع هذه الفئة, فإن دور المرشدين في هذا الجانب يرتكز على تقييم و تصنيف قدرات المتخلفين العقلية, و التي على أساسها يقوم المختصون التربويون ببناء برامج التعليم و التأهيل بما يتوافق و تلك المعطيات التي يقدمها المرشدون.
و قد ظهرت الكثير من الدراسات التي اهتمت باتجاهات المدرسة نحو المتخلفين عقليا, و قد جاءت بالكثير من النتائج و الاستنتاجات, 1منها ما قام به " رينتون " ( 1978 ) و " ماير " و " كار " ( 1975 ), و " صالح هارون " ( 1981 ) و " صبيحة فرج " و " جيلان قباني " ( 1991 )...., و قد أجريت هذه الدراسات حول اتجاهات المعلمين نحو المتخلفين عقليا, و عن فاعلية تدريبهم و تأثير برامج الإرشاد التي استفادوا منها في تشكيل تلك الاتجاهات, و قد كانت بعض النتائج كالتالي:
- كانت هناك اتجاهات إيجابية أكثر نحو الأطفال المتخلفين عقليا بدرجة شديدة.
- كانت هناك اتجاهات إيجابية أكثر نحو إدماج تلاميذ مستويات التخلف العقلي الشديد في فصول عادية.
- هناك ضرورة لإعداد و تدريب و إرشاد مدرسي و مدرسات التلاميذ المتخلفين عقليا, و تعديل أو صقل اتجاهاتهم قبل و أثناء ممارستهم لمهنة التدريس مع أطفال هذه الفئة.
- أوضحت النتائج أن الإعداد التربوي يؤدي إلى زيادة إيجابية اتجاهات معلمي المتخلفين عقليا, و إلى زيادة معلوماتهم التربوية حول أفراد تلك الفئة.
- فاعلية نظام الورش التعليمية في تعديل اتجاهات معلمي المدارس العادية نحو المتخلفين, و زيادة تقبل هؤلاء المعلمين لأطفال تلك الفئة.
1- 1 ص 322-323.
جـ - الإرشاد و التوجيه للمتخلف عقليا:
إذا كان المعالج أو المختص يعالجان الاضطراب الذي يعاني منه المتخلف, فإن دور المرشد هنا هو 1 علاج حالات سوء التوافق التي يعيشها هذا المتخلف, لأن أول خطوة يقوم بها المرشد في علاقته الإرشادية مع المصاب, هو تصحيح أفكاره و اتجاهاته – كما فعل من قبل مع الوسط الأسري و المدرسي – نحو إعاقته الذهنية, و تهيئته لتعلم و تلقي السلوكيات المختلفة, التي تمكنه من العثور على التوازن و التوافق الذاتي و البيئي اللذين يبحث عنهما لاحقا, من خلال ما سيكتسبه في المدرسة, و على هذا الأساس فإن التدخل الإرشادي المباشر مع المتخلف يأتي في مرحلتين أساسيتين:
المرحلة الأولى هي في سن التمدرس, حيث يخضع الطفل المتخلف ذهنيا للقاءات مع المرشد, إذ يقوم هذا الأخير بتوجيه الطفل إلى الصف التعليمي المناسب له, على ضوء ما يسفر عنه تقييم قدراته الذهنية, إضافة إلى المساهمة في ضبط برامج الرعاية الخاصة رفقة فرق العمل المكلف بالعناية بالطفل المتخلف.
أما المرحلة الثانية التي تستوجب تدخل المرشد, فهي مرحلة العمل, أين يتوجب دمج المتخلف ذهنيا في الحياة العملية, و ذلك ليس بالأمر الهين, إذ يستوجب دراسة متأنية لحالة الفرد المُصاب, و دراسة سير تطوره في التعليم أو التربية الخاصة, و ما هي أهم الخطوات الإيجابية التي حققها في طريق التغلب على الصعوبات التوافقية التي يعاني منها, و إلى أي نسبة وصل ذلك التحسن, و كل ذلك يندرج ضمن دراسة الاستعدادات و القدرات و الميول, التي يوجَّه على أساسها المتخلف إلى العمل الذي يُناسب وضعه.
3.3 – الإعداد و التأهيل المهني للمتخلفين عقليا:
سيرا مع التكفل الاجتماعي بالمتخلفين عقليا, و بعد كل الذي سبق, لا يمكننا الحديث عن إيجاد مكانة اجتماعية لأفراد هذه الفئة, تحفظ لهم كرامتهم الإنسانية و تجنبهم التبعية المستمرة للآخرين, دون الحديث عن ميدان العمل و الشغل الذي يعد تعبيرا هاما عن مفهوم " الاستقلالية و الاعتماد على النفس " الذي يبحث عنه كل إنسان.
1- صلاح الدين شريف – إمام مصطفى سيد. تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة. 2004. ص15.
إلا أنه في بعض الحالات أو المناهج الخاصة, فإن تجهيز المتخلفين عقليا للحياة المهنية يبدأ منذ سن مبكرة, أي من فترة المدرسة الخاصة, لكن عموما يحتل الإعداد و التأهيل المهني حيزا هاما من برامج التربية الخاصة, و يمكن تلخيص بعض أهدافه في النقاط التالية:
- الشخص الذي لديه إعاقة – مهما كان نوعها – هو إنسان يجب دمجه في المجتمع عن طريق الحياة المهنية, التي تكفل له احترام الآخرين و احترام نفسه و توفر له دخلا يمكنه من إعالة نفسه.
- يهدف التأهيل إلى إعداد المعوق للعمل في مهنة أو حرفة, تناسب قدراته دون أن يعتمد على الآخرين في تأديتها بأكبر قدر ممكن.
- إكسابه العادات السلوكية الممكنة التي تمكن له بأن يكون عنصرا فعالا و منتجا و متوافقا مع محيطه المهني و الاجتماعي.
هذا و تشير بعض الأبحاث و الدراسات إلى أن 1 الدافعية للتحصيل و الإنجاز لدى المراهقين من المعوقين ذهنيا ليست مرتبطة بالذكاء, و التنافس الذي يدل على الدافعية قد يوجد عند بعض الأشخاص ذوي الذكاء المنخفض, و تشير تلك الدراسات إلى أن الدافعية عند المراهقين المعاقين ذهنيا لا تتأثر بسبب نسب الذكاء المنخفضة لديهم, بل تتأثر بسبب الظروف الاجتماعية التي يعيشونها وسط عدم تقدير الآخرين لهم..., لهذا السبب تركز برامج التربية الخاصة على الإعداد المهني للمتخلفين عقليا, و هو ما سنبينه في الفقرة التالية:
* إعداد الأطفال المعوقين ذهنيا إعدادا مهنيا:
2 في السنوات القليلة الماضية ظهر الاهتمام واضحا نحو العمل على إعداد ضعاف العقول للمهن التي تتفق و إمكاناتهم و قدراتهم, و يتضمن هذا الاتجاه العمل على إعداد برنامج أو برامج مختلفة, يمكن عن طريقها مواءمة هؤلاء الأطفال مع نوع العمل الذي يوافقهم, و مادام هؤلاء الأطفال غير متفوقين من النواحي الأكاديمية كالقراءة و الكتابة
1- السيد جمعة السيد. تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة. 2004. ص 24.
2- 2 ص 208-209.
و الحساب, فإن أحسن برنامج لهم هو فصول تعدهم للنواحي العملية و المهنية, و لقد وضع المسح الذي قامت به إحدى الدراسات, أن الأطفال ضعاف العقول من سن البلوغ لم يكونوا مهرة بدرجة كافية في الأعمال التي التحقوا بها, و ذلك لافتقادهم إلى التدريب, و نصحت بأن يتعلموا عادات و اتجاهات العمل الذي سوف يمارسونه في المستقبل.
بل إن بعض المدارس الخاصة بهذه الفئة قد اهتمت بإعداد هذه الفئة من الأطفال بالطرق الملائمة لهم, لذلك أعدت قائمة بالأعمال التي تناسبهم ثم بنوا نشاطهم و مشروعاتهم على هذا الأساس, أي إتاحة الفرصة للمتخلف عقليا بدرجة تسمح له بإنماء قدراته حتى يستطيع الاعتماد على نفسه بدرجة كبيرة, فضلا عن أن التعليم يزوده بالمهارات المهنية و الاجتماعية و يُسيَّر البرنامج الذي قام لاعداد الأطفال ضعاف العقول للمهن المختلفة في خمس خطوات:
1- التعريف بالعمل فيزود الأطفال بمعلومات عن المهن و التحليل المهني و مدى أهمية الفرد.
2- التوجيه و الإرشاد – كما سبق و ذكرنا – و هو أن يوجه الطفل إلى بعض الأعمال التي تتفق مع استعداداته و قدراته.
3- التدريب المهني, فيدرب الطفل على المهارات اليدوية الخاصة بالعمل الذي يوجه له. ( و تلك المهارات تلعب دورا آخر في تحسين المستوى العقلي و الكفاءة العصبية و الإدراكية للطفل المتخلف أيضا ).
4- مساعدة الطفل على إيجاد عمل له.
5- مساعدة الطفل على المواءمة بينه و بين العمل الذي يحصل عليه, و أن يصل إلى درجة طيبة من تكيفه الشخصي و الاجتماعي.
عندما يصبح الفرد المعاق ذهنيا جاهزا للعمل, فإننا نكون على مشارف آخر خطوات التكفل الاجتماعي به, و هي عملية " تشغيله " في العمل الذي تم إعداده له, أي أننا نكون بصدد جعله يصنع مكانته الاجتماعية بنفسه, إلا أن ذلك يستوجب مراعاة بعض المبادئ و القواعد, التي يلتقي فيها الجانب الموضوعي مع الجانب الأخلاقي في تشغيل المعاق, و التي يمكن اختصارها كالتالي1:
- أن يكون التشغيل مرتبطا بالتدريب الذي تلقاه المعاق.
- تجنب تخصيص وظائف لمجموعات محددة من المعاقين.
- أن لا يؤدي العمل الذي يقوم به المعاق إلى تعريض نفسه أو الآخرين للخطر.
- دراسة بيئة العمل و ظروف الاستخدام.
- عدم التمييز و التفريق بين المعاقين و الأسوياء في أماكن العمل و عدم معاملتهم معاملة خاصة.
نصل إلى نتيجة أن التكفل الاجتماعي بالمتخلفين عقليا, يستمد جوهره من الدور الذي يلعبه جميع أفراد المجتمع, بدءا من أفراد الأسرة, و المعلمين و المدربين في المدرسة, و كل المختصين و المرشدين, و انتهاء بأرباب الشغل و العمل و باقي الأفراد, في مساعدة هذه الفئة من أجل إثبات ذاتها و قدراتها و كذا تحقيق أكبر قدر من التحسن و التغلب على مشكلاتها التوافقية.