نتائج البحث:
لما كان الاهتمام فى البحث ينصب على اختبار النموذج المتصور الذى يتضمن المتغيرات الثلاثة – التحصل الدراسى ، مفهوم الذات ، الأعراض الاكتئابية - فقد تم حساب المصفوفة الارتباطية لهذه المتغيرات مع ضبط أثر كل من العمـر والصف الدراسى ، ثم استخدمت المصفوفة التى تتضمن هذه الارتباطات الجزئية فى اختبار النموذج وذلك باستخدام برنامج AMOS 4 Analysis of moment structure . ويوضح جدول (2) مؤشرات حسـن المطابقــة goodness of fit بين بيانات البحث والنموذج المتصور:
جدول (2)
مؤشرات حسن المطابقة بين بيانات البحث والنموذج المتصور
AGFI
GFI
P
df
X 2
n
Sample
0.978
0.996
0.206
3
4.568
421
Total
0.978
0.996
0.206
3
4.568
213
Male
0.978
0.996
0.206
3
4.568
208
Female
ويتضح من جدول (2) أن النموذج المتصور ينطبق على مجموعات المفحوصين الثلاثة : الكلية ، الذكور ، الاناث وذلك لصغر كا2 وعدم دلالة قيمة P، وأن قيمة GFI أكبر من 0.90 وتقترب من الواحد الصحيح(Byrn,1994 .,Loehlin,1998 In Smith & Betz, 2002, P443).
أولا : التأثيرات المباشرة للتحصيل الدراسى ومفهوم الذات فى الأعراض الاكتئابية لمجموعة المفحوصين الكلية ويوضحها شكل (2) الآتى:
أن المسار من التحصيل الدراسى إلى الأعراض الاكتئابية = -0.02 وهو غير دال ، أى أن التحصيل الدراسى لدى مجموعة المفحوصين الكلية لا يؤثر فى الأعراض الاكتئابية ، وأن المسار من التحصيل الدراسى إلى مفهوم الذات = 0.10 وهو دال عند مستوى 0.05 وهذا يعنى أن التحصيل الدراسى يؤثر فى مفهوم الذات ، أما المسار من مفهوم الذات إلى الأعراض الاكتئابية وهو = -0.73 فهو دال عند مستوى 0.001 وهذا يعنى أن مفهوم الذات يؤثر فى الأعراض الاكتئابية لدى مجموعة المفحوصين الكلية.
وبالنسبة للنتائج المرتبطة بجموعة الذكور يوضح شكل (3) الآتى :
أن المسار من التحصيل الدراسى إلى الأعراض الاكتئابية = -0.02 وهو غير دال ، أى أن التحصيل الدراسى لدى مجموعة الذكور لا يؤثر فى الأعراض الاكتئابيـة ، وأن المسـار من التحصيل الدراسى إلى مفهوم الذات = 0.15 وهو دال عند مستوى 0.05 وهذا يعنى أن التحصيل الدراسى يؤثر فى مفهوم الذات ، أما المسار من مفهوم الذات إلى الأعراض الاكتئابية وهو = -0.77 فهو دال عند مستوى 0.001 وهذا يعنى أن مفهوم الذات يؤثر فى الأعراض الاكتئابية لدى المفحوصين الذكور.
وبالنسبة للنتائج المرتبطة بجموعة الاناث يوضح شكل (4) الآتى:
أن المسار من التحصيل الدراسى إلى الأعراض الاكتئابية = -0.08 وهو غير دال ، أى أن التحصيل الدراسى لدى مجموعة الاناث لا يؤثر فى الأعراض الاكتئابية وان كانت قيمة المسار لدى الاناث 4 أضعاف قيمته عند الذكور ، ونجد أيضـا أن المسـار من التحصيل الدراسى إلى مفهوم الذات = 0.12 وهو غير دال وهذا يعنى أن التحصيل الدراسى لا يؤثر فى مفهوم الذات ، أما المسار من مفهوم الذات إلى الأعراض الاكتئابية وهو = -0.69 دال عند مستوى 0.001 وهذا يعنى أن مفهوم الذات يؤثر فى الأعراض الاكتئابية لدى المفحوصين الاناث.
ثانيا : بالنسبة للتأثيرات غير المباشر للتحصيل الدراسى ومفهوم الذات فى الأعراض الاكتئابية :
بالنسبة لتأثير التحصيل الدراسى فى الأعراض الاكتئابية مرورا بمفهوم الذات كوسيط ، أى المسار التحصـيل الدراسى مفهوم الذات الأعراض الاكتئابية ; يتكون هذا التأثير من حاصل ضرب معاملات الانحدار فى هذين المسارين وبذك يكون التأثير غير المباشر للتحصيل الدراسى فى حالة توسط مفهوم الذات على الأعراض الاكتئابية للمجموعات الثلاث ( الكلية ، الذكور ، الاناث ) كما يلى :
· مجموعة المفحوصين الكلية ( ن = 421 ) = 0.10 × -0.73 = -0.073 ، وهذا يعنى أنه يوجد تأثير غير مباشر من التحصيل الدراسى فى الأعراض الاكتئابية مرورا بمفهوم الذات ، وهذا يعنى توسط مفهوم الذات فى العلاقة بين التحصيل الدراسى والأعراض الاكتئابية ، لأن قيمة التأثير غير المباشر تعادل حوالى أربعة أضعاف قيمة التأثير المباشر للتحصيل الدراسى على الأعراض الاكتئابية بدون توسط مفهوم الذات .
· مجموعة المفحوصين الذكور ( ن = 213 ) = 0.15 × -0.77 = -0.12 ، وهذا يعنى أنه يوجد تأثير غير مباشر من التحصيل الدراسى على الأعراض الاكتئابية مرورا بمفهوم الذات ، وهذا يعنى توسط مفهوم الذات فى العلاقة بين التحصيل الدراسى والأعراض الاكتئابية ، لأن قيمة التأثير غير المباشر تعادل حوالى ستة أضعاف قيمة التأثير المباشر للتحصيل الدراسى على الأعراض الاكتئابية بدون توسط مفهوم الذات .
· مجموعة المفحوصين الاناث ( ن = 208 ) = 0.12 × -0.69 = -0.082 ، وهذا يعنى أنه يوجد تأثير غير مباشر من التحصيل الدراسى على الأعراض الاكتئابية مرورا بمفهوم الذات ، وهذا يعنى توسط مفهوم الذات فى العلاقة بين التحصيل الدراسى والأعراض الاكتئابية ، لأن قيمة التأثير غير المباشر تعادل حوالى ضعف قيمة التأثير المباشر للتحصيل الدراسى على الأعراض الاكتئابية بدون توسط مفهوم الذات . ويلاحظ بالنسبة لضآلة تأثير مفهوم الذات كمتغير وسيط بين التحصيل الدراسى والأعراض الاكتئابية فى مجموعة الاناث قد يرجع إلى أن المسار بين التحصيل الدراسى والأعـراض الاكتئابية كان مرتفعا بعض الشئ فى الأصل فقد كان التأثير المباشر بين المتغريـن – 0.08 وهو أربعة أضعاف التأثير المباشر فى التحصيل الدراسى لدى الذكور -0.02.
وتلخيصا للنتائج يتضح أنها على وجه العموم دعمت صحة الفرض الرئيسى للبحث وهو أن التأثير المباشر للتحصيل الدراسى فى الأعراض الاكتئابية يختلف عن التأثير غير المباشر ، وعلى الرغم من أن كلا نوعى التأثير لم يكن دالا إلا أن التأثير غير المباشر للتحصيل الدراسى فى الأعراض الاكتئابية بعد توسط مفهوم الذات قد تضاعف عدة مرات للتأثير المباشر ، مما يعنى أن مفهوم الذات يلعب دور توسطى mediating فى العلاقة بين التحصيل الدراسى والأعراض الاكتئابية. اما فيما يتعلق بعدم وجود اثر مباشر للتحصيل الدراسى- بوصفه موقف ضاغط- على الاعراض الاكتئابية للمجموعات الثلاث – الكلية , الذكور على حدة والاناث على حدة – فان ذلك يمكن ان يفسر و يناقش فى ضوء طبيعة المفحوصين الذين تم دراستهم و انهم من دولة خليجية ، قد لا يشكل فيها الموقف التحصيلى موقف ضغط بنفس القدر الذى يشكله فى البيئات الاخرى.. علما بان معامل الارتباط بين التحصيل الدراسى و الاعراض الاكتئابية لمجموعة المفحوصين الكلية قد بلغ –0.103 وهو معامل دال عند مستوى 0.05 . أن نتائج البحث دعمت النموذج التوسطي mediational model والذي يلعب فيه متغير مفهوم الذات دور وسيط بين ضغط من ضغوط الحياة ـ المجال الدراسي ـ والأعراض الاكتئابية . وتنسجم هذه النتيجة مع نتائج دراسات أخرى مشابهة وفي مقدمتها الدراسات السابقة التي عرضت في القسم الرابع من هذه الدراسات ، وخاصة دراسات (Cole,1991., Cole& Turner, 1993., Tram& Cole, 2000) والتي أوضحت أن كفاءة الذات المدركة لا تزال تحت التكوين في مرحلة المراهقة ، وأن المرور بخبرة أحداث حياة ضاغطة سلبية خلال هذه المرحلة له تأثير سلبي كبير على هذه العملية . وتوضح دراسة ترام وكول (Tram& Cole, 2000) ان الأحداث السالبة في الحياة ربما تنقل أو تحمل معلومات حقيقية أو متخيلة مرتبطة بكفاءة الذات لدى المراهقين وذلك أكثر من أحداث الحياة الإيجابية، ويمكن لهذه المعلومات السالبة أن تعرقل مهام نمائية هامة مثل تكوين إحساس بكفاءة الذات .
وتتفق نتائج البحث الحالي أيضاً مع ما جاء في دراسة ابرامسون وزملاؤه (Abramson., Metalsky& Alloy, 1989) حيث أظهرت هذه النتائج أن عملية استنتاج صفات سالبة عن الذات في حالة وقوع أحداث حياة سالبة أحد الأنماط الاستنتاجية الثلاثة التي يتخذها الأفراد والتي تضمن modulate إما أن يصبحوا أو لا يصبحوا يائسين وبالتالي تنمو لديهم أعراض اكتئاب اليأس في مواجهة أحداث الحياة السالبة (النمطان الآخران هما : استنتاج أسباب ثابتة وعامة لأحداث الحياة وربطها بدرجة عالية من الأهمية ؛ واستنتاج عائدات outcomes سالبة لأحداث الحياة السالبة) وبالنسبة لنمط الاستنتاج الأول والذي يتفق مع نتائج البحث الحالي وهو استنتاج صفات سالبة عن الذات في حالة وقوع أحداث حياة سالبة ، يعني أنه في حالة وقوع أحداث الحياة السالبة ، فإن استنتاج مواصفات عن الذات ربما يتوسط mediate في احتمالية تكوين اليأس وبالتالي أعراض الاكتئاب الفرعى الذي أسماه الباحثون اكتئاب اليأس . أن استنتاج مواصفات عن الذات يعني تلك التي يستخلصها الفرد نفسه عن قيمته وقدرته وشخصيته ومرغوبيته .. وما إلى ذلك ، وذلك نتيجة لوقوع حادثة حياة سالبة محددة . وفي رأي ـ ابرامسون وزملاؤه ـ فإن استنتاج صفات سالبة عن الذات يجب أن يؤدى إلى اليأس عندما يعتقد الشخص أن هذه الصفات غير قابلة للتحسن أو التغيير ، وان الاتصاف بها سوف يعوقه عن الحصول على عائدات أو نواتج هامة في مجالات عديدة في الحياة ، أما إذا نظر الفرد إلى مواصفاته السالبة للذات على أنها سوف تعوق حصوله على عائدات أو نواتج في مجالات محددة جداً في الحياة ، فإن تشاؤماً يجب أن يحدث بدلاً من اليأس المعمم .
وبناء على نتائج البحث الحالي ، فإنه ينظر إلى مفهوم الذات بوصفه منظم أو معدِّل للعلاقة بين أحداث الحياة السالبة والأعراض الاكتئابية ؛ وبالنسبة للصغار ، فإن السلسلة النظرية لأحداث الحياة تتعقد بموضوعات نمائية ، فإن المعتقدات المرتبطة بالذات في حد ذاتها تعتبر مطلب نمائي developmental task ، ولذلك فإن الصغار يبنون هذه المعتقدات مستخدمين المعلومات المتوفرة حولهم أو التي يستدل عليها من مدى واسع ومتعدد من الأحداث. ان العائدات أو النتائج الناجحة وغير الناجحة والتغذية الراجعة الإيجابية والسلبية من جانب الآخرين ، وحتى الظروف المحببة وغير المحببة تمثل فئات رئيسـية من الأحداث التي يمكن أن تنقل معلومات عن الذات وكفاءة الذات . وبمعني آخر ، أن أكثر الأحداث التي تتفاعل بتزامن مع إدراك الذات ربما تكون جزئياً مسئولة عن نمو كفاءة الذات في المحل الأول ، وبالإضافة إلى أن الفشل في بناء مثل هذه المعتقدات في الطفولة والمراهقة ربما يؤدي إلى طائفة متنوعة من العائدات المُشكلة بما في ذلك الأعراض الاكتئابية. ووفقاً لهذا التنظير . فإن الإدراكات عن الذات ـ مفهوم الذات ـ ربما تعمل كوسيط mediator وليس معِّدل moderator للعلاقة بين أحداث الحياة السالبة والأعراض الاكتائبية لدى الصغار.
أن بناء العلاقات الذي تم الحصول عليه في البحث الحالي يقترح أن الجهود التي تبذل للتقليل من الاكتئاب والأعراض الاكتئابية يجب أن تركز على إثراء مفهوم الذات والمهارة في مجال التحصيل الدراسي كطريقة لتخفيف أو إبطال التأخر التحصيلي وغير ذلك من المشاكل عندما يكون التأخر التحصيلي هو مصدر الاكتئاب ، فإن المشكلة لا تكون فقط في مساعدة التلميذ على التحصيل الجيد ، ولكنها تكون أيضاً في تعديل معتقداته عن قدرته الأكاديمية.
وفي الواقع أن فهم المعتقدات التي تعزز القدرة على مواجهة الضغوط الحياتية يُعتبر شيء حيوى للممارسين النفسيين ، فمثل هذه المعرفة يمكن أن تساعدهم في معالجة العملاء الذين يعانون من الأعراض الاكتئابية أو الاكتئاب . فلو تأكد أن معتقدات وإدراكات الفرد عن ذاته ـ مفهوم الذات ـ يمكن أن تعمل بوصفها مخففاً للضغوط ، فإنه في هذه الحالة يمكن للمرشد أو الأخصائي النفسي أن يقضي وقتا ًأطول لمعاونة العميل في تعضيد مفهومه عن ذاته. وتوضح نتائج البحث أيضاً أن المتغير الذي يجب أن يُلْقَى عليه التركيز في التدخل لدى الصغار المكتئبين ، والذي بدا أنه عامل خطر في نمو ونشأة الأعراض الاكتئابية هو: التعرض لأحداث حياة سلبية مثل : صراع الوالدين ، تعطلهم أو أيهما عن العمل .. وغير ذلك من أحداث مرتبطة بالمجال المدرسي ، لذلك يجب أن يركز التدخل مع هؤلاء الصغار على التقليل من الأحداث المقلقة في حياتهم ، وقد يكون ذلك بالطبع أمراً صعباً ، فإن الوالدين أنفسهم قد يكونوا مكتئبين ، لذلك فإن العلاج الأسرى يكون هو العلاج المفضل في مثل هذه الحالات . وعامل الخطر الثاني لإصابة الصغار بالاكتئاب أو الأعراض الاكتئابية والذي يجب أن يوضع في الاعتبار عند التدخل لمساعدتهم هو عجزهم في المجال التحصيلي والاجتماعي، ويكون التدخل الناجح مع هذين الظرفين هو باستخدام التدريب أو التدريس المُدِّعم أو الخاص tutoring مع هؤلاء لمساعدتهم على التخلص من النقص أو العجز في المجال التحصيلي ومواجهة الإحباط في الأعمال المدرسية بالوصول بهم إلى مستوى أقرانهم واندماجهم في الأنشطة التعليمية داخل الفصل ؛ كذلك يمكن استخدام التدريب على المهارات الاجتماعية للتعامل مع سلبية هؤلاء في علاقاتهم مع أقرانهم .
أن زيادة استهداف الصغار للأعراض الاكتئابية لا يعتبر مشكلة شخصية فقط ، ولكنه يعتبر مشكلة اجتماعية أيضاً ، والحل جزئياً يكون في تغيير الممارسات التربوية التي تقف وراء إدراك ومعتقدات الذات للصغار وطموحاتهم ؛ لذلك ينبغي ألا يكون الصغار هم مركز التدخل الوحيد أو الرئيسي ، سواء في مجهودات الوقاية أو العلاج من الاكتئاب والأعراض الاكتئابيـة ، حيث أن اكتئاب الوالدين يزيد من احتمالية حدوث اكتئاب الصغار ، فالمساهمات النسبية للاستهداف الوراثي، وعدم الاستجابة أو عدم الحساسية الوظيفية الانفعالية للآباء تجاه أبنائهم، والعلاقات الأسرية المعرقلة أو المُعَجِّزَة impairment عن طريق ضعف عزيمة الوالدين ، يجب أن يتم التعامل معها .
وفي نهاية التعليق على نتائج البحث ، يجب الإشارة إلى أن الدراسة قد ركزت على الأعراض الاكتئابية شبه الكلينيكية ، لذلك يبقى سؤال يجب الإجابة عليه ببحوث مستقبلية ، وهو هل نظرية مفهوم الذات في الاكتئاب يمكن تطبيقها مع حدوث ودوام الأعراض الاكتئابية الكلينيكية أم لا ؟
وأيضاً ركز البحث الحالي على ردود الفعل الاكتئابية لحادثة حياة سالبة واحدة ـ الضغط المدرسي ـ لذلك يظهر سؤال ثان وهو هل نظرية مفهوم الذات في الاكتئاب والأعراض الاكتئابية تنطبق على نشأة الاكتئاب والأعراض الاكتئابية عندما يواجه الفرد بمصدر ضغط رئيسي وتراكم من مصادر ضغط أخرى ؟ !
ويبقي التحدى الرئيسي أمام الباحثين ألا وهو تحديد إذا ما كان النمط الفرعي لاكتئاب مفهوم الذات يعتبر نوع محدد من الاكتئاب له أسباب محددة وبالتالي يكون له برامج إرشادية علاجية تظهر التأثيرات الفارقة فيما يتعلق بالوقاية والعلاج ؟