أورد فيما يلي ما نشرته من مقال تعليفا على الدراما السورية القيمية التي عرضت كمسلسل رمضاني على شاشة الفضائية اللبنانية إل بي سي في تمام الساعى ٤ بعد الظهر والتاسعة من مساء كل يوم
«وراء شمس»: الدراما القيمية
موسى شرف الدين
() إن قضية الإعاقة واحتياجات الأشخاص المعوقين وأسرهم ليست منة أو شفقة أو برا أو تبرعا أو نذرا أو كرم أخلاق آو عملا أريحيا أو عملا خيريا اختياريا أو صدقة أو فطرة أو دفع بلاء. إنها قضية قيمية محورها الحق الموروث وليس التعاويذ وكتب العرافات وفك السحر والطلاسم وأسرار المنجمين والفلكيين وملوك الجن. حقوقه المعوقين مشروعة أسوة بسائر بني البشر أللهم الا إذا اعتبرناهم مواطنين من خارج الوجود أو مشروعا للترحيل إلى الفردوس المفقود. ومن يحلو له إطلاق تسميات مخففة مثل «ذوي احتياجات الخاصة» نقول: أنهم لم يقرروا يوما تبوؤ هذا الحيز الاجتماعي حركيا أو حسيا أو تفكيريا، ولا طاقة لهم على رفض ما هم فيه حتى لو أرادوا ذلك, ويسعون على مدار حياتهم التمثل بنا والعيش ضمن مواصفاتنا. وأن حاجاتهم الخاصة ليست ترفا أو غنجا أو ضربا من الكماليات بل أنها من الضروريات في الحياة، كالماء والغذاء والهواء والكساء والدواء، صبحا وظهرا ومساء. فهم إذا «ذوو حقوق منتهكة». يعتبر الأشخاص المعوقون عقليا وأسرهم الحلقة الأضعف بين سائر المعوقين، وان نوعية حياتهم تكاد تكون الأكثر هشاشة والأكثر تعرضا للتهديد والأقل قدرة على التكيف مع المتغيرات والأضعف في مهارات تواصلهم. إن حقوق الأشخاص المعوقون عقليا وأسرهم عرضة للانتهاك على مدار الساعة، وغالبا ما تؤخذ قرارات تتعلق بمصائرهم بالنيابة عنهم. فلا يسألون عن رأيهم وعن مدى موافقتهم على موقع معين أو نمط حياة أو حتى وجبة طعام أو لون قميص أو حذاء. وقلما يؤخذ برأيهم إذا ما عبروا عنه- وكثيراً ما يُوبخون ويحاصرون باللاءات والممنوعات وتجلد رغباتهم بالرفض والزجر والصراخ ويطاردون بالتوصيات والإنذارات والتنبيهات دون بذل الجهد في شرح ما يطلب منهم, أو الإصغاء لرغباتهم وتلبية المتيسر منها. إن الأشخاص المعوقين عقليا يمارسون، هم وأسرهم، حياة مقيدة بكافة أنواع الشروط. والكثير منهم يحبط عند أية محاولة أو أية مبادرة لأنهم يكفًرون في قدراتهم وإمكانياتهم حتى يتكرس لديهم الشعور بالقصور والإحباط والعجز والسلبية مدمنين على تلقي المساعدة والأخذ، والإقلاع عن اقتناص فرص العطاء. الأشخاص المعوقون عقليا وأسرهم هم ضحية التمييز بامتياز فهم المكون الناقص بين الأخوة وبين أفراد المجتمع لناحية ما يتمتع به سواهم من أفراد الأسرة ,ناهيكم عن أسرتهم المسكونة بالوصمة مجتمعيا, وكل احتياجاتهم الغذائية والمنزلية والتربوية والصحية والتشغيلية والسكنية والترفيهية تاتي مستهلكة ومستعملة، وقلما يتمتعون بالحصول على حاجاتهم وفق رغباتهم بل وفق مزاجيات وميزانيات وموازنات الآخرين. وهم الحرف الناقص من تقاطع الكلمات والخطابات والقصائد والمعلقات، وهم الكلمة الساقطة في البرامج والإستراتيجيات والأجندات, وأرقامهم دائما سلبية في الموازنات والميزانيات. فهم أبعد من أن يزودوا بالجديد والجميل والمكلف إذ لا طاقة لهم على رفض ما يقدم لهم من أثاث وثياب وبرامج ترفيهية وصحية وسوى ذلك من الأمور. وإذا ما وصلوا إلى الحياة الجنسية فهناك الانتهاك الأقصى ولا مجال للسماح لهم بممارسة هكذا محرمات مع فرص استغلالهم على شتى الصعد. أما الأمومة والأبوة فالتعقيم سمة مفروضة في الكثير من مجتمعات العالم. والكثير منهم يتعرض للمعاملات غير اللائقة لناحية الوصمة والملاحقة بالتسميات المهينة والكثير منهم يجبر على تناول العقاقير والأدوية المخدرة دون ضرورات طبية، بل رغبة ومراعاة لمزاج ولراحة المحيطين بهم. فالتغني بالحقوق الثقافية والمدنية والحماية من المعاملات المهينة والتعذيب تبدو ضربا من ضروب الآمال والأحلام المستحيلة المنال إلا في ما ندر. هذا غيض من فيض مما لا يمكن التصدي له إلا عبر إجراءات تنطلق من الأحاسيس والمشاعر وليس من الشعائر، ومن القلوب والنفوس وليس من التمنيات والطقوس، ومن تلافيف الألباب وليس من اتساع الممرات والمنحدرات والأبواب. و لابد من إرساء مرتكزات ومداميك في الوعي والثقافة الاجتماعية التي تتعزز بتراكم التجارب والمشاهدات والنقاشات والتي يشكل الإعلام بكافة أنواعه ووسائله، مقروءة كانت أم مرئية أم مسموعة. إن اتخاذ القيمين أحد المسلسلات الرمضانية السورية قرار الخوض في هكذا مواضيع يعتبر ظاهرة فائقة التطور والالتزام بمواضيع تطال الشرائح الأضعف في المجتمع. والملفت في الأمر هو نجاح المسلسل في توفير كافة المهارات والمواهب والمعرفة والقدرات التي من شأنها ترجمة هكذا مواضيع مصيرية وتكاد تلامس المحرمات ونقلها إلى الواقع بسلاسة وانسيابية ودون تصنع. بالرغم من الهواجس والإشكاليات التي يمكن أن تتأتى عن العرض المتسلسل وبشكل يومي ولفترة زمنية طويلة (30 حلقة) وما تفرضه من تحديات في تأمين فترات التشويق وشد انتباه المشاهدين على مختلف قناعاتهم، إضافة إلى ندرة الشركات الراغبة في استثمار إعلاناتها عبر عروض هكذا مسلسلات والتي توضع عادة في خانة مغايرة وغير المشوقة. إن هكذا أمور جرى تخطيها منذ زمن بعيد في الإعلام الغربي الذي ذهب بعيدا في تلك المجالات نظرا للانتقال التدريجي عبر فترات زمنية طويلة. أما في عالمنا العربي فقد كانت هناك محاولات من وقت لآخر دون أن ترسم منهجية متتابعة.
موسى شرف الدين ()رئيس جمعية أصدقاء المعاقين ورئيس المنطقة العربية في منظمة الاحتواء الشامل.
السطور أعلاه كتبت لتكون تحية لمن أولوا تلك الأهمية النادرة للمعوقين في مسلسل «وراء الشمس» الدرامي، الذي أخرجه سمير حسني وكتب نصوصه محمد العاص، وأنتجه هاني العشي.