أركان المسئولية الاجتماعية من المنظور الإسلامي

[معلم متقاعد]

 

أركان المسئولية الاجتماعية من المنظور الإسلامي

الدكتورة / ابتسام عبد الله الزعبي

عندما ننظر إلى المسئولية الاجتماعية في الإسلام نظرة أكثر تخصصاً يمكننا أن نحدد لها أركاناً ثلاثة تقوم عليها هي : الرعاية، الهداية، الإتقان.
فإذا كان "الاهتمام، والفهم، والمشاركة"وهي العناصر المكونة للمسئولية الاجتماعية، بمثابة الدم الذي يمدها بالطاقة والقوة والتجدد، فإن "الرعاية، والهداية، والإتقان" تمثل البنية المتحركة الفاعلة المؤثرة.

أولا : الرعاية :
يضع القرآن الكريم الإنسان أمام مسئوليته الكبرى عندما يجعله خليفة في الأرض، قال عز وجل في كتابه : )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعلٌ فِي اْلأرْضِ خَلِيفَةً((1)
ومسئولية الخلافة في الأرض هي مسئولية الرعاية لكل ما استُخلِف الإنسان فيه، فمسئولية الرعاية موزعة في الجماعة بلا استثناء، لكل عضو من أعضائها نصيبه منها مهما كان وضعه الاجتماعي، فالكل راعٍ، القائد الرسمي للجماعة الكبيرة، و هو الأمير، عليه مسئولية الرعاية ولا يختلف عنه في هذه المسئولية العبد الذي على مال سيده .
عن عبد الله بن عمر يقول:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها،والخادم راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته)(2)

ثانيا : الهداية :
وهي نابعة من الفهم للجماعة ولدور الفرد المسلم فيها، وأصلها في الخواص الاجتماعية والجماعة في حاجة دائماً إلى هداية. فالجماعـة في حاجـةٍ إلى الهـادي بالأمر بالمعروف حاجتها إلى الهادي بالنهي عن المنكر، قال تعالى:)اْهْدِنَا الْصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ اْلذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلْيهِمْ وَلاَ الْضَّآلٍّيِنَ((3).

ثالثا: الإتقان :
وهي تتصل بالمشاركة تقبلاً وتنفيذاً وتوجيهاً، وهي ذات صلة بالوعي والرحمة، والإتقان ليس مهارات أو أي ظاهرة بقدر ما هو تعبير عن قوة نفسية، قوة توازن وطمأنينة وثقة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)(1)
(عثمان :1986(أ)،51-53 )
مما سبق يُلاحظ أن هناك اقتران بين أركان المسئولية الاجتماعية وعناصرها وتتصاعد بترتيبها ابتداءً من الرعايـة (الاهتمـام ) ثم الهدايـة (الفهـم ) وأخيرا الإتقـان (المشاركـة ) وهـو أرقى مستوى للمسئولية الاجتماعية .

مجالات المسئولية الاجتماعية :
تعددت مجالات المسئولية الاجتماعية وتناولت جوانب مختلفة لدى أفراد المجتمع ،حيث لم تعد قاصرة على مسئولية الفرد نحو نفسه وأسرته فحسب؛ بل نجد أنها تنوعت وتعددت كما أوضح بعض الباحثين، فنجد أن الحارثي(1995 :3 ) قد قسَّم المسئولية المستمدة من تعاليم الدين الإسلامي إلى أقسام وجوانب متعددة وهي كالآتي :
o مسئولية الفرد نحو نفسه، وهي تشمل تحمله لأعباء وضروريات الحياة،كالأكل والنوم وغيرها من الدوافع الفطرية، كذلك صيانة الفرد لذاته وسمعته وتحمله المسئولية نحوها .
o مسئولية الفرد نحو الأسرة وهي تشمل: الأب، الأم، الأخوة، الزوجة والأطفال، بقية الأقارب0
o مسئولية الفرد نحو الجيران .
o مسئولية الفرد نحو القبيلة والحي والمدينة .
o مسئولية الفرد نحو الزملاء والأصدقاء .
o مسئولية الفرد نحو الوطن .
o مسئولية الفرد نحو العالم والكون وهي تشمل عمارة الأرض، والاهتمام والرفق بالحيوان والكائنات الحية0

أما فراج(1989:10) فقد حدد المسئولية الاجتماعية في ثلاثة مجالات هي :
(1)المسئولية في مجال المجتمع : وهي مسئوليات الفرد تجاه أفراد المجتمع وتجاه الممتلكات والمرافق العامة وقضايا المجتمع .
(2)المسئولية في مجال المدرسة : وتعني مسئوليات والتزامات المتعلم تجاه أفراد المدرسة .
(3) المسئولية في مجال الأسرة : وتعني مسئوليات والتزامات الفرد تجاه أفراد أسرته وأقاربه وجيرانه.
وفي ضوء ما سبق يُلاحظ وجود تشابه واتفـاق بين "الحارثي" و" فراج" في مجالات المسئوليـة الاجتماعيـة إلا أن "الحارثي" يضيف مـجال مسئولية الفرد نحو العالم والكون، وذلك مستمد من توجيهات ديننا الإسلامي الحنيف في حمـل الأمانـة وأن يكون الإنسان المسلم مسئولاً عن كل ما يدور حوله كل على قدر استطاعته .
وبالنسبة لمسئولية الفرد نحو الوطن يرى "فروم From" أن عدم الاهتمام بالوطن دليل على انعدام المسئولية الاجتماعية وضعف التماسك الإنساني، حيث لابد للإنسان أن يحرر عقله ويضاعف انتمائه بدرجة أعلى، ولابد له من أن ينشئ عالماً يقوم على التماسك الإنساني الشامل وعلى العدالة المطلقة.(المرواني:2009، 60)

(1) البقرة آية (30)
(2) أخرجه البخاري في باب:المرأة راعية في بيت زوجها ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ،ج 5، ص1996، ح 4904، مكتبة الأسرة الإلكترونية،الحديث النبوي الشريف وعلومه، الاصدار (1.0)،مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي(1422هـ)0
(3) الفاتحة آية (7،6)0
(4) مجمع الزوائد في باب:نصح الأجير وإتقان العمل، عن عائشة رضي الله عنها ،ج4،ص 98، مكتبة الأسرة الإلكترونية،الحديث النبوي الشريف وعلومه، الإصدار (1.0)،مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي(1422هـ)0

الدكتورة / ابتسام عبد الله الزعبي
كلية التربية - قسم علم النفس
جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن- الرياض