أفهمونا يا ناس ... الصم يجاهدون لتقديم أنفسهم للمجتمع
محمد هليل الرويلي – جوف – سكاكا:
عالم الصم والبكم.. عالم ليس ببعيد عنا ولكنه عالم غامض يجهله الكثيرون.. وبالرغم من أنهم بيننا إلا أن نظرة المجتمع الخاطئة عن عالمهم الخاص وحركاتهم ولغة الجسد بينهم وإشاراتهم وتعابيررمزية يفهمها القلة القليل ويجهلها كثير من الخلق مما ساهم في خلق العزلة لهم بين الناس.. فمن المسؤول عن كل ذلك؟، الصم لهم أحلامهم وطموحاتهم ويعبرون عن أفراحهم وأحزانهم.
إذا كان الله تعالى لحكمة لايعلمها إلا هو حرمهم من نعمة السمع والنطق فإنه تعالى أسبغ عليهم نعماً عديدة فقدراتهم تفوق سليمي الحواس بل إن بعضاً منهم مثلو الوطن خير تمثيل على المستوى الإقليمي والعربي والدولي ونالوا المراكز العليا والمواقع المتقدمة في عدد من الاختراعات العلمية والأنشطة الرياضية.
جريدة الجزيرة تنقلت بينهم والتقت بشريحة منهم.
بداية كان لنا وقفات مع صاحب أكبر تجربة مع الصم والبكم في منطقة الجوف المربي والمشرف التربوي عبدالله المريح والد مشعل أحد الصم البكم من مواليد 1405هـ بعدما أحس المريح أن ابنه يعاني من مشكلة عندما بلغ عامه الثاني دون أن (يحاكي) أصواتنا أوالحركات والمشافهات البسيطة التي نصدرها له ولكنه كان يقابلها بصمت مطبق.
وقال: فتم عرضه على عدد من المراكز و العيادات التخصصية بالأردن لعدم وجود مراكز أخصائية بالجوف لتشخيص مثل هذه الحالات وعلاجها ثم سافرت به إلى مصر وفي القاهرة أكدوا لي أيضاً أن ابني مصاب بالصمم وأن إمكانية إجراء العملية (زراعة القوقعة) ونجاحها ضئيل جداً فأسلمت أمري لله وفوضت له شأني لقد كان الوحيد من بين أبنائي الـ 12 المصابين بالصمم فعملت جاهداً بعدها على أن أعمل كل جهدي وحيلتي لتجاوز هذا الوضع الصحي الذي يعاني منه ابني وبعد أن بلغ عامه السادس قررت أن أنقل مقر عملي لمنطقة تبوك لكونها تسبقنا بوجود مدارس ومعاهد متخصصة للصم ولكن الله يسر الأمر بعد أن افتتح بالجوف مركز لتعليم الصم تشرف عليه جمعية البرالخيرية في ذلك الوقت فالتحق بالدراسة ولتعاطفي الشديد مع حالة ابني مشعل استطعت أن أتعلم لغة الإشارة من خلال القراءة والاطلاع وزيارة معلميه والسؤال الدائم حول كل ما يتعلق بتعليمهم ولا يوجد في منزلنا من يتعرف على متطلبات واحتياجات مشعل سوى أنا وإحدى بناتي، أما بقية إخوته مع والدته فيجدون صعوبة شديدة في فهم احتياجاته لا أخفيك لقد تعلمت منهم أشياء كثيرة في حياتي !!
ويضيف المريح ولكوني ذا اهتمام رياضي وأحد أعضاء مجلس إدارة نادي العروبة سعيت منذ سنوات لدمج مثل هؤلاء الفئات مع شرائح المجتمع فتواصلت كثيراً مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب وبعد أن أخبروني بأن هناك اتحادا سعوديا لرياضة المعاقين برئاسة الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- فطلبوا مني أن أعمل مشرفاً متطوعاً للمركز ومنذ ذلك الوقت ليومنا هذا وأنا أسعى جاهداً لدمج أبنائنا الصم مع شرائح المجتمع الاجتماعية والرياضية فما كان من أمين منطقة الجوف المهندس محمد الناصر سوى أن وجه بمنح الصم أرضا وتخصيصه لمساحة 10.000متر على طريق الأمير عبدالإله الحضاري (الإقليمي) كما أشكر أندية الانطلاق والعروبة والقلعة لتسخيرها لملاعبها للصم كلما استدعت الحاجة لذلك.
وفي مجال التوظيف لابد القول بأن الأمانة والتعليم والشؤون الإسلامية من أكثر الدوائر اهتماماً بالصم من ناحية التوظيف..
الإعاقة المظلومة
أما مشعل فيرى أن مشكلتهم تكمن في عدم وجود من يتعاطف معهم فإعاقتهم تسمى (الإعاقة المظلومة) والناس لاتتعاطف إلا مع المعاق صاحب (الكرسي) أما نحن فينظرون لنا ونحن نمشي ونلعب ونلبس ولكننا رغم ذلك نعاني من وحدة في المنزل وفي الشارع وفي كل مكان الجميع يتحدث ويضحك ونحن نكتفي بتقليب أبصارنا فقط دون معرفة لماذا يضحكون وعلى أي شيء يضحكون، وهذا سبب عزلتنا وعندما كنا أطفالا كان الجميع لايلعب معنا لأننا بمثابة العبء على الفريق لكوننا لانسمع ولا نتكلم.
ويضيف مشعل وبعدما توظفت بتعليم البنات وقررت الزواج أصررت على الزواج من صماء لشعوري بالمعاناة نفسها ولإيماني بأن هذا طريقنا المشترك ولكن العقبة والخوف على الأطفال فمن سيستيقظ إذا بكوا ومن سيفتح لهم الباب إذا دقوا الأجراس؟!
أما محمد النومان الموظف في شركة خاصة للإسكان ويتقاضى مرتباً شهرياً قدره 3000 ريال فيقول بأنه الموظف الوحيد من بين ثلاثة إخوة جميعهم صم فأخوه وليد حاصل على الدبلوم وينتظر التوظيف منذ ثمانية أشهر.. النومان يتمنى ألايكون للإعاقة دور في عدم توظيف إخوانه الصم وعن أبرز الصعوبات التي تواجههم في حياتهم.
يقول محمد: إن عدداً من الإشكاليات والمشاكل التي تواجههم عند عدم حملهم للبطاقة الخاصة بالصم فما يحدث هو أننا نواجه صعوبة في إقناع من يواجهنا سواء أكان من جهة حكومية أو غيره أننا صم ويضيف ولكننا ورغم ذلك نعيش حياتنا اليومية بشكلها المعتاد نحتفل ونفرح ونعبر عن شعورنا ومشاعرنا وقد شاركنا مؤخراً في احتفالات المنطقة بالأعياد وحيينا سمو أمير منطقة الجوف فهد بن بدر بلغة الإشارة وهنأناه بالعيد كما شاركنا في مسيرة فرحة أبناء الوطن بعودة قائد الشعب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بمناسبة عودته سالماً معافى إلى أرض الوطن كان الجميع ينظر إلينا بحيرة وعجب ولكنهم في الوقت نفسه معجبون بهمتنا وبروحنا العالية فهم يعون أننا بتلك الإشارات والحركات الصامتة المعبرة نحتفل جنباً إلى جنب معهم ونشاركهم فرحتهم بعودة قائد مجدنا.
وعن التعاملات الخدمية والمحلات التجارية كيف لاتقف لغة الإشارة عائقاً بينهم وبين أصحاب المحلات يقول النومان: إن لنا مطاعم ومقاهي ومحلات نرتادها باستمرار ومع المخالطة والممارسة الدائمة بيننا وبين عمال تلك المحلات استطعنا أن نحصل على أي شيء.
أما إداري ومترجم فريق الصم سلطان الدرعان وهو أحد موظفي شركة الكهرباء فيقول: إن سبب قربه من فئة الصم واندماجه معهم بسبب وجود أحد أقربائه (ابن عمه) من بين هؤلاء حتى تمكن من مخالطتهم الدائمة والتعرف على لغتهم الخاصة.
من هو الأصم: (الدكتور بدر النصيري)..
أما الأخصائيون فلهم رأي قريب جداً من واقع حياة هذه الفئة يقول الدكتور بدر النصيري الأستاذ المتخصص في التربية الخاصة ومستشار المدير العام للتربية والتعليم بالجوف تعد حاسة السمع واحدة من النعم التي وهبنا الله إياها، وحدوث أي خلل في هذه الحاسة من شأنه أن يُحدث صعوبات من أهمها لغة التواصل بين هذه الفئة والمجتمع.
وتلعب حاسة السمع دوراً رئيسياً في نمو الإنسان من حيث النمو النفسي والاجتماعي والنمو المعرفي والتحصيل الأكاديمي.
ومن الأهمية بمكان التمييز بين الأفراد الصم وضعاف السمع، فالأصم هو الشخص الذي يعاني من عجز سمعي يعيقه عن المعالجة الناجحة للمعلومات اللغوية من خلال السمع باستعمال السماعة الطبية أو بدون استعمالها.
أما ضعيف السمع هو الشخص الذي يوجد لديه بقايا سمعية يستطيع من خلال استعمال السماعات الطبية معالجة المعلومات اللغوية بنجاح من خلال حاسة السمع.
وذلك يمكن تحديده من قبل الأخصائي السمعي، وتقاس بوحدة القياس السمعي (الديسيبل (dB وهي درجة الفقدان السمعي لدى المفحوص.
من هنا أود القول: إن الأفراد الصم يصفهم المجتمع بأنهم يميلون للعزلة والانطوائية، كما أنهم يوصفون أيضا بأنهم يتقوقعون حول أنفسهم وحول مجتمعهم الخاص بهم من نفس الفئة، والحقيقة أنهم كذلك ولكن ليست هذه رغبة منهم وهم في الأصل لا يتمنون أو يطمحون لهذه العزلة ولكن محدودية الإعاقة هي من فرض عليهم هذه العزلة، والسبب يعود لعدم وجود لغةً للتواصل بينهم وبين المجتمع المحيط بهم، فالأفراد الصم يتواصلون بلغة الإشارة وهو ما يزيد من صعوبة المجتمع لقبولهم على اعتبار أن المجتمع لا يمتلك هذه اللغة.