جماعة الأقران والوقاية من العنف
د. دينا الظاهر
إن الطفل الذي يشاهد العنف في منزل أسرته سواء لفظي أو بدني هناك احتمال 10 أضعاف أن يكون عنيفًا في المستقبل فما يمر به الطفل من خبرات في حياته هو مجموعة القواعد التي تحدد سلوك الفرد في المستقبل، ولابد أن نضع في عين الاعتبار أن البرمجة العقلية للطفل تتشكل من الصغر، والدراسات تقول إن 50% من عقلية الطفل تتشكل في السنوات الأولى، 75% عند بلوغه 8 سنوات، 75% عند بلوغه الثامنة عشرة فإذا وُجِد الطفل في بيئة تشجع على العنف بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
الممارسات والضرب المبرح والعقاب القاسي الذي قد لا يتناسب مع حجم الخطأ ولا سن الطفل، فالعنف في مؤسسات رعاية المعاقين أحد الظواهر المباشرة التي لها تأثير على الطفل المعاق، فالتربية أساس بناء المجتمع ورقيه وتقدمه. وبصرف النظر عن عملية التعليم فإن العنف المدرسي له آثار بعيدة المدى على الفرد، وإذا كان النظام الداخلي مضطربًا فتصبح ظاهرة العنف منتشرة على مستوى الأطفال أنفسهم أو بينهم وبين معلميهم. والأطفال المعاقون معرضون بصفة خاصة للاعتداء الجنسي والعاطفي اللفظي وهي قضية مهمة تحمل سلبيات تؤثر على سلوك الأطفال في كثير من الأحيان، حيث يحاول الطفل الأكبر سنًا فرض سيطرته فقط لدواعٍ كيدية مثل الإيذاء البدني والتراشق بالرمل وشد الشعر، أحيانًا يمكن سلب الطعام أو الممتلكات الخاصة للأطفال. هناك مواقف يوجد فيها العنف على سبيل اللعب، مثل الإمساك بالرقبة والرمي بعنف إلى الأرض أو إثارة مشاكل ضده وضد الأطفال الآخرين والتي تؤدي في النهاية إلى شعورهم بالخوف الدائم وسرعة الاستثارة والغضب، ويشتد التأثير هذا عند الأطفال الأصغر سنًا إذا ارتبط العنف بالظلم والقسوة والتعنيف الشديد أو إذا كان مرتبطًا بوجود أقران للطفل من زملائه أو أصدقائه ، مما يولد حالة عدوانية، عند الطفل تعكس رغبته في الانتقام لما يجده من معاملة قاسية وعدوانية ويزداد تأثير العنف فيما بين بعضهم البعض إذا لم يجد الطفل من يدافع عنه أو يعاقب المعتدي. إن الممارسات تحتاج إلى جدارة الإخصائيين في تربية الطفل ومحاولة استيعاب وتفهم حاجات الأطفال، الأمر الذي يسهم في منع ممارسة العنف بين الأطفال سواء بين العاديين أو ذوي الإعاقات؛ وبالتالي منع هروب الأطفال من الأنشطة سواء كانت صفية أو لا صفية بجانب الآثار النفسية والاجتماعية التي تتضح في عدم الإحساس بالسعادة بشكل عام وانخفاض الثقة بالنفس والشعور بالغضب وضعف التوافق الاجتماعي، كالشعور برفض البيئة الاجتماعية معبرًا عنها في شكل عدم مشاركة الطفل في جميع الأنشطة والانسحاب والعزلة. الضغوط النفسية تظهر في مستويات عالية من القلق والاكتئاب والمرض الجسمي وأعراض مرضية واضحة وهي بالأساس من منشأ نفسي مثل الاضطرابات الهضمية والشعور بفقدان الشهية. السؤال هنا لماذا يؤذي طفلاً طفل آخر؟ بشكل عام يكون التعبير عن إحدى المشكلات، لأن من يمارس العنف يكون قد تعرض بأحد الأشكال المختلفة للعنف والإساءة ضمن أسرته، قد تكون هنا إساءات لفظية أو جسدية أو معنوية وهذا العنف يقوم بترجمة ما تعرض له وإعادة إنتاجه وتطبيقه على بعض أقرانه كرد فعل وكأثر لتلك الإساءات التي تلقاها سابقًا، وهنا تكتمل صورة الظاهرة. فالعنف ضد الأطفال بقدر ما هو ظاهرة معقدة إلا أنه يرتبط بعوامل وأسباب متعددة ومتشابكة، فتقديم الخدمات النفسية وتحسين مستوى المعاملة وتصحيح مفهوم الذات وفترة المعاملة النفسية عن نفسه والتوافق معها- هو من أهم الأمور التي يتضمنها العلاج والإرشاد النفسي والعلاجي.
وباختصار أرى أن ظاهرة الإساءة كلسيناريو بدأ من ميلاد الطفل حين عرفت الأم إنه معاق فرفضت احتضانه ورعايته وتبدأ مشاكل داخل الأسرة؛ وبالتالي ترفض الطفل ويوضع داخل المؤسسة متشبعًا بكمية العنف من داخل الأسرة.