عمل ذو القدرات الخاصة
بقلم
د أيمن زهران
أستاذ التربية الخاصة المساعد
أغلبنا يعرف من هم ذوو الاحتياجات الخاصة (المعاقين قديما) وقد آثرت أن أطلق عليهم ذو القدرات الخاصة وذلك تمشيا مع الاهتمام العالمي بهم، فبعد أن كانوا مهملين من أغلب القطاعات الآن أصبحوا ثروة موجودة داخل المجتمع لا يمكن الاستغناء عنهم، فبعد أن كانت فئاتهم المعاقين حركيا وسمعيا وبصريا وفكريا اليوم أصبحت تلك الفئة تشملالمتفوقون والموهوبون في شتى المجالات على اعتبار أن الفرد ذوي القدرات الخاصة هو الشخص الذي يختلف أدائه عن الأداء العادي سواء بالارتفاع أو الانخفاض، والأشخاص ذوي القدرات الخارقة والخاصة على اعتبار أنهم أيضا في حاجة إلى الرعاية والاهتمام بمجال تفوقهم، ولذا فقد اختلف مفهومهم اليوم عن الأمس وأصبح الاهتمام بهم على قدم وثاق في شتى المجالات لدرجة أن أصبح الاهتمام بدمجهم محور الكثير من المؤتمرات والملتقيات العربية والعالمية.
فبعد أن لاقوا الكثير من الإهمال أصبح اليوم حتما على المجتمع بأسره الاهتمام بهم وبفئاتهم المختلفة، ولنا أن نتخيل جميعا كعرب تفوقهم في شتى الرياضات عن العاديين!!!!!، نعم فتقام دورة الألعاب الأولميبية كل أربعة أعوام والأفواج العربية غالبا ما تشارك بالكثير من اللاعبين المتميزين في لعبتهم سواء الجماعية أو الفردية، إلا أن البعثات العربية تعود دائما بخفي حنين وإن حصلت على ثلاثة ميداليات أو أكثر قليلا يكون التهليل والفرحة والسعادة، وعادة ما يتبع الدورات الأوليمبية الدورات البارالمبية والمقصود بها أنها أوليمبياد لذوي القدرات الخاصة، والعجب كل العجب أن تجد العرب في اللعبات الفردية والجماعية في تلك الأولمبياد يتفوقون على أقرانهم من الغرب والأمريكتين ويعودون محملون بالكثير من الميداليات المختلفة، أليس من الأحق أن نهتم بهم على تشريفهم لنا، ولذا آثرت أن أطلق عليهم ذوو القدرات الخاصة.
وأعود لموضوعي ألا وهو عمل ذوي القدرات الخاصة، فلا شك أن أغلب الفئات منهم يعانون من عدم العمل ويجدون صعوبة بالغة في الحصول على الفرص نظرا لعجزهم أحيانا عن القيام بالمهام التي يستطيع العادي القيام بها، وهم هنا في أشد الحاجة لمساعدتهم، لكي يعيشون عيشة كريمة ولا يتسولون، على الرغم من أن الكثير من الأعمال تناسبهم مثل الكتابة والخياطة والطباعة والبرمجة وصيانة الأجهزة الكهربية والالكترونية.
وأنا اليوم اقترح على قرائي نوعا جديدا من العمل يتناسب مع تلك الفئات ولا شك يدر عليهم دخلا جيدا، لا يقل عن أي نوع من العمل بل يتفوق كثيرا ألا وهو العمل عن بعد، وقد شرفت بأن نشر أحد ابحاثي في مؤتمر دولي بثلاثة لغات هي العربية والإنجليزية والفرنسية بدولة تونس الشقيقة بمدينة الحمامات في مايو 2012 قدمت فيه بحثي عن العمل عن بعد لذوي الاحتياجات الخاصة من وجهة نظر العاملين بالمجال، والأكثر من ذلك أنني قدمت الفكرة كورشة عمل في مؤتمر دول شرق آسيا والمحيط الهادي والذي أقيم بدبي في يوليو 2012 والذي ترعاه جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز وكانت ورشة العمل بعنوان"العمل عن بعد لذوي الاحتياجات الخاصة: إبداع وموهبة" ثم قدمت نفس ورشة العمل برؤية أخرى بالمؤتمر السنوي الثاني بكلية التربية بجامعة قطر بعنوان "العمل عن بعد: رؤية جديدة لعمل ذوي الاحتياجات الخاصة" وقد لاقت الفكرة النجاح في الدول العربية وهنا أقدم توضيحا لعل وعسى أن تكون نواة لمشروع أكبر مستقبلا يستفيد منها تلك الفئات وأسرهم.
والعمل عن بعد ظاهرة العصر الإلكتروني في القرن العشرين والحادي والعشرين، والعمل في المنزل قديم قدم البشرية، ففي بريطانيا وفي مستوطنات المهاجرين الأوائل لأمريكا في القرن السابع عشر الميلادي كان معظم الناس يعملون من منازلهم أو على مسافات قريبة من أعمالهم، ومن ذلك ما كان متبع في سويسرا مثلا من قيام العاملين بصنع الساعات في منازلهم وهذا من أسباب اشتهار سويسرا بصناعة الساعات، وكذا الحال في اليابان، حيث كان الدور التقليدي للمرأة في اليابان العمل في منزلها، مما دعا بعضهن التعاقد مع بعض المصانع لإنتاج بعض المنتجات اليدوية، وقد وصف مارتينو وورث العمل عن بعده بقوله "العمل عن بعد طريقة جديدة للعمل والحياة معا" حيث أشار بأن العمل عن بعد يشير إلى استخدام المعلومات والاتصالات التكنولوجية بمرونة بالنسبة لمكان العمل وبدون التقيد بالحدود الجغرافية والمكانية كما أ،ه يساعد على الخصوصية في الأعمال، وقد تصدرت فكرة العمل عن بعد الكثير من المناقشات والندوات في العقد الماضي التي دارت حول كيفية تنظيم العمل عن بعد وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لخدمة الفئات الأقل حظا في العمل في المجتمع، ولذا فقد اهتمت العديد من الدراسات بمناقشة هذا الموضوع ووضع مفهوم محدد له، في حين انشغل آخرون بكيفية تنظيم وإدارة العمل عن بعد ووضع القوانين المنظمة له.
وذوو القدرات الخاصة جزء من المجتمع ومن المنظومة التعليمية لابد من تسخير التقنيات الحديثة في تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم، وهذا ما أكدته توصيات مؤتمر التربية الخاصة الواقع والمأمول (2007) على ضرورة تطويع التقنية الحديثة في خدمة وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، واستخدام التقنيات في تحقيق الكثير من أهداف التربية الخاصة كعملية الدمج وتطبيق الخطط التربوية الفردية التي تتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة كل منهم حسب إمكاناته وقدراته، ولن يتوفر ذلك بدون تثقيفهم وتوفير الدعم التكنولوجي لهم وتوفير البيئة الملائمة لهم،ويسمح العمل عن بعد لذوي القدرات الخاصة بالبقاء في المنزل مع الأهل كما أنه وسيلة تتيح لهمالجمع بين شيئين محببين بدون أن يخسر أحدهما وهو عدم الخروج من البيت والعمل, كما أن العمل عن بعد يقدم العديد من الفوائد للأسر التي يوجد بها ذوي احتياجات خاصة، حيث يقدم للأسرة حل للعديد من المشاكل التي قد تواجهها أثر تنقل الفرد المعاق خارج المنزل, كما تتسابق الدول على دعم العمل عن بعد لإدراكهم الفوائد الجمة التي تعود على المجتمع بالمقام الأول وعلى الأسرة وعلى وضع حد للبطالة التي يعاني منها الكثير، وأكبر دليل على الاهتمام بتطبيق العمل عن بعد لذوي الاحتياجات الخاصة في الدول المتقدمة الدراسة التي قام بها الباحثون بجامعة لويزيانا بألمانيا حيث تأكد أن بعض فئات ذوي الاحتياجات الخاصة يمكنهم الاستفادة من خدمات العمل عن بعد من خلال خدمات الانترنت.
ومن فوائد العمل عن بعد لذوي القدرات الخاصة فتتمثل في منح تلك الفئة والفئات الأقل حظا في العمل التقليدي مثل المرضى والنساء الفرصة للتوفيق بين العمل والبيت وتجنب صعوبة الحركة والشفقة من الآخرين، والاستفادة من القدرات الكامنة لتلك الفئات التي عوضها الله بها، إضافة إلى فتح مجالات جديدة للعمل لذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع، وخلق مجالات للعمل في المناطق المعزولة والبعيدة عن الاهتمام، وإضافة الفرصة للعمل لكبار السن والمتقاعدين من تلك الفئة أيضا، وتنشيط الأعمال الحرة المستقلة والصغيرة لهم، وهناك فوائد أخرى تعود أيضا على البيئة ذاتها من حيث تقليص الاستهلاك الكبير للوقود، وتخفيض الحركة في الشوارع مما يقلل من الحوادث ويقلل من الضوضاء،وعادة ما يعاني ذوي القدرات الخاصة من الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية نتيجة إعاقتهم الظاهرة ومن أمثال تلك الاضطرابات والمشكلات الانسحاب والقلق والعزلة، وضعف الانتباه والنشاط الزائد والاكتئاب والعدوانية والهروب من المواقف الحياتية، وانخفاض جودة الحياة لديهم، ومن هنا فالدراسة الحالية قد ركزت على تناول قضية جديدة لم تتناولها الكثير من الدراسات العربية والتي قد تساعد على حل الكثير من مشكلات تلك الفئة، وتوجيه المحيطين بهم لفكرة عملهم عن بعد الذي يجنبهم الكثير من المشكلات في حياتهم، إضافة إلى أن العمل عن بعد يتماشى مع حالتهم الصحية والتي يصعب معها الحركة في الكثير من الأماكن، فيساعدهم على العمل وهم بالبيت بدون الخروج منه وعدم مواجهة الكثير من المواقف المحرجة التي تؤثر في نفسياتهم.
وفقني الله وإياكم
د أيمن زهران