vi- أثار الإعاقة البصرية على مسارات النمو المختلفة:
تؤثر الإعاقة البصرية على مختلف مسارات النمو لدى المعاق بصريا والتي تكون على عدة مستويات وهي كالأتي :
4-1- مستوى النمو الحركي والجسمي :
إن النمو الجسمي للمعاق بصريا يسير بشكل طبيعي وخاصة من حيث الطول والوزن فهو لا يختلف عن النمو الجسمي للأطفال المبصرين.
لكن المعاق بصريا يواجه صعوبات فائقة وقصورا في ممارسة أنشطة الحياة اليومية وفي تنقلاته من مكان لآخر وقد يتضح القصور في مهارات التناسق الحركي والتآزر العضلي وذلك نتيجة لمحدودية فرص النشاط الحركي المتاح من جهة ونتيجة للحرمان من فرص التقليد لكثير من المهارات الحركية كالقفز والجري والتمارين الحركية , وقد يكون القصور نتيجة لعزوف الأفراد المعاقين بصريا عن الاشتراك في الأنشطة الحركية وتوقعا لفشلهم في الأداء هذه الأنشطة مقارنة بالعاديين , فنظرا لنقص المعرفة بمكونات البيئة ونقص المفاهيم والعلاقات المكانية التي قد يلاحظها ويستخدمها المبصرون , حيث إن كثير من المكفوفين يواجهون صعوبات في مجالات تتصل بواقع الأشياء وتحديد أماكنها ومعرفة اتجاهها فبعضهم يوجه صعوبات في استيعاب ابسط المفاهيم المتعلقة بالإدراك المكاني.
ومن الخصائص الجسمية والحركية للمعاقين بصريا ظهور السلوك النمطي اللازمات الحركية مثل فرك العينين واللعب بالأصابع , اهتزاز الجزء العلوي من الجسم إلى الأمام أوالى الخلف أو رفع الحاجبين باستمرار ...... وقد يرجع ذلك إلى محاولة التعويض لفقد البصر أو نتيجة الشعور بالحرمان الاجتماعي أو شعوره بالتوتر فقد يلجأ إلى استخدام هذه الحيل أي الحركات النمطية لإعادة توازنه وتكيفه.(عبد الصبور منصور, 2006,ص241 ص242 ).
4-2-على مستوى المعرفي:
حاسة اللمس والسمع هما أهم سبيل لاكتساب المعاق بصريا المعرفة, لهذا فان معرفته يشوبها نوع من النقص.
وقد حدد لونفيلد''lowenfeld '' ثلاث محددات أساسية للنمو المعرفي للمعوقين بصريا:
أ- محددات ترتبط بتنوع الخبرات ومداها
ب- محددات ترتبط بمجال الحركة والتنقل
ج- محددات ترتبط بإمكانية ضبط البيئة والسيطرة عليها.(عبيد ماجدة السيد, 2006, ص120 )
تبدأ مظاهر البطء في النمو المعرفي تظهر خاصة في الشهر الخامس ومن ثمة تظهر جليا في سن التمدرس حيث يجد المعاق بصريا صعوبة في عمليتي التمثيل والموائمة بسبب محدودية خبراته الحسية مثلا الوصول إلى الأشياء الكبيرة جدا أو الصغيرة جدا وبالتالي تكوينه للعلاقات المكانية والمفاهيم المجردة يكون مضطربا نوعا ما, وهنا نلاحظ انه لا ينجح كثيرا في ربط الكلمات بمعانيها .
ويمكن تلخيص الآثار الناجمة عن الإعاقة البصرية على الوظائف المعرفية في النقاط التالية:
4-2-1- الخبرة بعالم الأشياء: يبقى السبيل الوحيد للمعاق بصريا للتعرف على العالم المحيط به والأشياء والموضوعات التي يتضمنها, هو بقية حواسه خاصة اللمس والسمع لان المبصر يدرك الموقف بملاحظته البصرية التي تسمح بادراك الموضوعات في نطاق هذا الموقف طبقا لخصائص الحجم , الشكل , المسافة , الموضع واللون . في حين الكفيف يتطلب إدراكه لمس الأشياء خاصة التي لا تصدر الأصوات.
4-2-2- إدراك الشكل والعلاقات المكانية: ومن الباحثين الذين اهتموا بالإدراك المكاني المعاق بصريا من خلال حاسة اللمس هيلروستبرج وأكد آن حاسة اللمس هي الطريقة الوحيدة لاكتساب المدركات المكانية خاصة بالنسبة للمعاق بصريا ولاديا.
4-2-3-إدراك الخبرة بألوان : يبقى إدراك اللون لدى المعاق بصريا من الأمور الشبه مستحيلة , وانه لا يمكن القول سوى أن العين هي المسؤولة الوحيدة عن إدراك اللون وبالتالي فان الكفيف ولاديا أو فاقد البصر في سن مبكرة لا تكون لديه أية ذاكرة بصرية لونية لا تتكون لديه أية أفكار حقيقية عن ألوان , فيكونون أفكار بديلة عن الألوان , تقوم عن الارتباطات لفظية وحسية وعاطفية (عبيد ماجدة السيد , 2001, ص 153).
4-2-4- تكوين المفاهيم: إن الطفل الذي يفقد بصره في وقت مبكر , قبل سن الخامسة, يكون مجال بناء المفاهيم محدودا و قاصرا لحد كبير رغم الدراسة التي قام بها كرامر «استخلص منها أن الأطفال المكفوفين لا يعانون قصورا في العمليات التفكيرية وانهم فقط يتوصلون إلى نتائج بطرق مختلفة عما يحدث مع المبصرين»(عبيد ماجدة السيد, المرجع نفسه ,ص 127 ).
4-3- على المستوى اللغوي الكلامي :
إن الإعاقة البصرية لا تعوق الفرد عن تعلم اللغة ,فالمعوق بصريا يكتسب ويتعلم الكلام بالطريقة نفسها التي يتعلم بها المبصر إلى حد أن كلاهما يعتمد على حاسة السمع والتقليد الصوتي الذي يسمعه,إلا أن المعوق بصريا يعجز عن الإحساس بالتعبيرات الحركية والوجهية المرتبطة بمعاني الكلام والمصاحبة له, ومن ثم القصور في استخدامها. كما انه يختلف عن المبصر أيضا في انه يعتمد في طريقة كتابته وقراءته على حاسة اللمس ,
يعجز المعاق بصريا كذلك عن اكتساب معاني بعض الكلمات نتيجة عدم استطاعته الربط بين كل من الصوت والمدركات الحسية الدالة عليها أو وقائع الأحداث البصرية الممثلة لها .
كما تعتبر اضطراب الكلام عند المعاقين بصريا أعلى منها لدى العاديين نتيجة لحرمانهم من الملاحظة لحركة الشفاه و اللسان في تعلم النطق السليم ومن أهم العيوب الاستبدال والتشويه وقد ترجع عيوب النطق والكلام عند الأطفال المكفوفين إلى أن الطفل الكفيف ولاديا يتعلم الكلام دون أن يكون قادرا على تعلم إخراج الأصوات المطلوبة للكلام وما يصاحب هذه الأصوات من حركات بدنية وإشارات وإيماءات تكتسب عن طريق التقليد. (عبد الصبور منصور ,2002 ,ص140).
4-4- المستوى الاجتماعي:
يظهر النمو الاجتماعي وذلك مع إظهار الطفل التفاعل مع أبائه وأعضاء أسرته والآخرين من الكبار والصغار, فالأطفال يبدؤون حياتهم في التمركز حول الذات ثم يبدؤؤن بتعلم بناء العلاقات ,البحث عن الآخرين لرعايتهم وتبادل المشاعر معهم, وخلال سنوات ما قبل المدرسة فان الطفل يبدأ بتعلم المهارات الاجتماعية الرئيسية ويعتبر النمو الاجتماعي متطلب ضروري لدخول المدرسة والتفاعل مع خصائص مجتمعهم سواء كانوا معلمين أو طلاب .
ويشير البعض إلى أن المشكلات الشخصية ليست حالات ملاصقة او ملازمة لكف البصر والصعوبات الاجتماعية التي قد تظهر لدى المكفوفين وقد تكون بسبب ردود فعل المجتمع الغير مناسبة باتجاه كف البصر وهذا يكون نتيجة لعدم معرفة الأفراد في المجتمع بخصائص المكفوفين , وليس علينا فقط أن نقول على عاتقهم تقع مسؤولية تغيير الاتجاهات نحوهم ولكن أيضا المبصرون هم مسؤولون عن ذلك .
وفي العموم فان الأطفال المعاقين بصريا يظهروا محددات في نموهم الاجتماعي والانفعالي إذ أن بعض الأطفال الرضع لا يظهرون تواصل جسمي قريب مع الأم وأعضاء الأسرة لعدة أشهر من الميلاد ويحتاج الآباء بعد فترة طويلة من الانفصال إلى التكيف مع الطفل ومساعدته .
كذلك يعاق انتماء الطفل المعاق بصريا إلى جماعة الرفاق بسبب عدم قدرته على رؤية رفاقه ولاستفادة من التواصل غير اللفظي , كما إن إعاقته البصرية تمنعه من معرفة وتعلم ما هو مقبول من الزملاء وفي هذا الاتجاه فان نمو الأطفال المعاقين بصريا الاجتماعي والانفعالي يختلف عن الأطفال الغير معاقين .
إن الأطفال المعاقين بصريا يواجهون مشكلات بسبب إعاقتهم وأثرها على حياتهم الاجتماعية فهم أحيانا انعزاليين عن رفاقهم بسبب الإعاقة البصرية وإضافة إلى ذلك فان بعض المراهقين المعاقين بصريا لا يتقبلون أنفسهم كأشخاص معاقين ولذلك فان من المهم أن يعلم المعاق بصريا على تقبل ذاته كشخص أولا ثم تدريبه على تقبل ذاته كمعاق , فالمراهقة هي المرحلة تظهر بها الاستقلالية وتعطي أهمية قيمة بسبب ظهورها ولأسباب مرتبطة بالإعاقة البصرية فان المصابون بها يكونون اعتماديين لفترات طويلة كما تمنعهم من ممارسة بعض الأنشطة .
ومن هذه المناقشة فإننا نرى فان الإعاقة البصرية لها تأثير كبير على النمو الاجتماعي للمعاق.( إبراهيم فرج الزريقات , 2006 , ص56ص59 ).
v- سمات شخصية المعاق بصريا:
إن التحدث عن سمات الشخص الكفيف لا يعني أبدا أننا وضعناه في خانة محددة لا يمكنه الخروج منها , أو أننا نحكم عليه انه يجب أن تكون فيه هذه السمات .
القضية هي إن البحوث والدراسات تجدها في بعض الأحيان تتشابه في نتائجها , لهذا سنحاول رصد السمات المتفق عليها تجريبيا , ولكن قبل أن نسرد بعض السمات العامة التي نرى أنه من الواجب الإشارة إلى أهم العوامل التي تساهم في ظهور وضمور هذه السمات منها:
5-1- توقيت حدوث الإعاقة :إن السن الذي تحدث فيه الإعاقة البصرية له تأثير كبير على شخصية المعاق بصريا وتوافقه , فهناك أطفال ولدوا فاقدين البصر وأطفال أصيبوا بكف البصر في سن الخامسة من العمر أو قبلها وهؤلاء يتساوون مع من ولدوا فاقدين البصر, نظرا لنزوع الصور والمعلومات البصرية التي اكتسبها الى التلاشي التدريجي من مخيلته وذاكرته بمرور الأيام ومن ثم يعتمد بشكل كلي على الحواس الأخرى كالسمع واللمس في اكتساب المعلومات والمعارف والتنقل والحركة .
هناك فئة من الأطفال أصيبوا بفقد البصر بعد سن الخامسة من العمر وهؤلاء الأطفال تبقى لديهم صور ومعلومات وأفكار وخبرات بصرية مختزنة تميل إلى أن تبقى نشطة وفعالة في مجالاتهم الإدراكية , بحيث يمكنهم استرجاعها واستحضارها والإفادة منها كمادة خام في بناء انساق وتركيبات تخيلية عديدة وفي تكوين المفاهيم وفي تعليمهم وتدريبهم .(عبد الصبور منصور, 2006,ص 148).
-2-5 درجة الإعاقة البصرية : تتفاوت استعدادات المعوقين بصريا و قدراتهم تبعا لاختلاف درجة الفقدان البصري كلية أم جزئية وأي عيب في النظر يؤثر على شخصية الكفيف وعلى قدرته على التنقل أو العمل وعلى درجة اعتماده على نفسه وعلى انجازه المهام الخاصة به.
5-3- كيفية حدوث الإعاقة: تحدث الإعاقة البصرية إما بشكل مفاجئ تدريجيا وببطء والإعاقة المفاجئة تحدث كصدمة لا يفقد فيها الشخص أغلى حاسة لديه فحسب , بل يحس أيضا نحو الإعاقة حينئذ بنفس الشعور والاتجاه الموجود لدى الجمهور العادي اتجاه المصابين بالإعاقة وتنسجم لديه الأفكار بأنه أصبح عاجزا , كما انه يشعر بالخوف من الظلام وربما ينتج عنها الانطواء والتبلد الانفعالي الشديد كما قد تنتابه أفكار تتجه نحو الانتحار.
أما في حالة الإعاقة التدريجية فيغلب الشعور بعدم الاستقرار ومن ثم لا يقتنع الشخص برأي واحد بل يتعلق بأي إشارة تؤدي إلى الأمل.(ماجدة السيد عبيد , 2006 , ص165).
5-4- حالة العين ومنظرها: إن إحساس الشخص بتغير حالة العين او بخطر حدوث هذا التغير يسبب له القلق والاضطراب , وتشوه الوجه بسبب العين التي تستدعي أحيانا الاستئصال وتلقى اعتراض قوي من طرف المريض كونها تقضي على كل أماله في استعادة نظره.
5-5- الاتجاهات الاجتماعية نحو الإعاقة البصرية: إن اتجاهات الأفراد المحيطين بالطفل المعاق بصريا اثر بالغ في التأثير على شخصية وخصائصه والتي تتراوح بين اتجاهات إما يغلب عليها الإهمال والنبذ أو العطف المبالغ فيه وهذه الاتجاهات تسبب التوتر وعدم الثقة في النفس .
وإما اتجاهات يغلب عليها الاعتدالية والمرونة فتساعدهم على تنظيم شخصياتهم بما يحقق لهم النضج النفسي والاستقلالية والشعور بالاكتفاء الذاتي (عبد الصبور منصور, 2006, ص149).
5-6- الحالة النفسية:عجز المعاق بصريا يفرض عليه عالما محدودا فحين يرغب في الخروج من عالمه الضيق والاندماج في عالم المبصرين. حتى ينالهما فهو محتاج إلى الاستقلالية والتحرر ولكنه حينما ينالهما يصطدم بآثار عجزه التي تدفعه مرة أخرى إلى عالمه وحينئذ يتعرض لاضطرابات نفسية حادة نتيجة لشعوره بعجزه عن الحركة بحرية وعلى السيطرة على بيئته كما يفعل المبصرون وقد يلجأ إلى أنواع من الحيل الدفاعية اللاشعورية التي قد تساعده على الهروب من هذه الحالة النفسية القلقة .
وفي ضوء ما ذكر سالفا يمكن عرض صورة عامة لشخصية المعاق بصريا في الحدود التي ترتسم الشخصية بوجه عام بالعوامل الفسيولوجية من جهة وبالعوامل الاجتماعية من جهة أخرى , فالنسبة للأولى لا يمكن إهمال هذا الجانب فصحة باقي الحواس والجسم من شأنه أن يغطي العجز الذي يحس به المعاق بصريا جراء فقده لبصره.
ويمكن إبراز السمات العامة لشخصية المعاق بصريا وفق النقاط التالية :
§ الشعور الزائد بالنقص :حيث إن مقارنة المعاق بصريا نفسه بالمبصرين الذين ينظرون إليه بشكل غير عادي ينقص من قيمته ( ماجدة السيد عبيد , 2000 ,ص 185).أما فيما يخص المراهق فمرحلة المراهقة هي مرحلة إثبات وإعجاب بالقدرات البدنية خاصة الذكور .
فالمراهق المعاق بصريا يشعر بالنقص الذي يحد من طموحه ويؤدي به إلى رفض ذاته وكراهيتها ويولد لديه مشاعر الدونية التي تعوق تكيفه الاجتماعي السليم .(فوزي محمود فرغلي, 2004,ص34).
§ الشعور الزائد بالعجز :إن عدم إدراك المعاق بصريا للبيئة المحيطة به وإمكانياتها في لتكيفه مع البيئة , محصور في إطار ضيق تحدده مدى معرفته بها وكذا عرقلة حركته إلي تتسم بالحذر الشديد والتخوف من الاصطدام بعقبات والتي تؤثر على علاقات المعاق بصريا الاجتماعية مع الأفراد المحيطين به , فيتأثر بكل ذلك المراهق بصفة كبيرة , حيث تعرف مرحلة المراهقة بمرحلة التحرر والفطام السيكولوجي والاجتماعي للفرد والثورة على المفاهيم السابقة والميل إلى توسيع دائرة العلاقات الاجتماعية لتشمل الجنس الآخر , بيد أن المعاق بصريا وتبعا لشعور العجز والاستسلام والذي يسيطر على سلوكه لا يقوى على مجاراة متطلبات هذه المرحلة.( فوزي محمود فرغلي, المرجع نفسه, ص35).
§ عدم الشعور بالأمن : ينتاب المعاق بصريا نتيجة الصراعات بين الدافع إلى التمتع بالحياة و الدافع إلى الانزواء طلبا للأمان فهو يخشى أن يرفض ممن حوله ويخشى أن يستهجن سلوكه فهو في خوف دائم من أن يفقد الأشخاص الذين يعتمد عليهم ويخشى أن تقع له حوادث.(ماجدة السيد عبيد , 2000,ص186).
فعلاوة على ما تتميز به فترة المراهقة من عدم الشعور بالأمن والتوتر , فان الإعاقة البصرية تقوي من الشعور ليبلغ مداه متمثلا في بعض الأزمات الحركية أو التقلبات الانفعالية التي قد تسقط الكفيف في بعض الاضطرابات السيكوسوماتية .(ماجدة السيد عبيد , المرجع نفسه ,ص35).
§سيادة مظاهر السلوك العدواني : قد يلجأ المعاق بصريا إلى الحيل الدفاعية كالتبرير والكبت والتعويض والانطواء حيث يكون مدفوعا بشعوره بأنه اقل كفاءة من المبصر لهذا تعاني شخصيته وتتعرض إلى حالة من الكآبة واليأس , حيث إن المراهق يسعى دائما إلى حماية ذاته المهددة من طرف الآخرين إما من السخرية أو الإهمال أو عدم الاهتمام به , تنمى لديه مظاهر الدفاعية السالفة الذكر.
§ عدم الاتزان الانفعالي :يعتبر عدم الاتزان الانفعالي من أهم مميزات فترة المراهقة , غير أن الأمر مع المراهق المعاق بصريا يكون أكثر حدة وعمقا , وقد يتطور هذا الشعور و ويتنامى ليولد بعض المخاوف الوهمية المبالغ فيها والتي تؤدي إلى العصاب أو الذهان.
تلك إذن هي الصورة العامة يمكن أن نستخرجها لشخصية الكفيف وهي تتفق في كثير من الجوانب مع ما أكدته الدراسات التربوية والنفسية.(ماجدة السيد عبيد , 2006,ص187).
vi-العلاقات الاجتماعية والمراهق المعاق بصريا:
تتميز فترة المراهقة باتساع شبكة العلاقات الاجتماعية وأخذها بعدا أكثر حدة وتطورا عما كانت عليه في مرحلة الطفولة التي اقتصر نشاطها الاجتماعي على أفراد الأسرة والأقارب, لكي يشمل في هذه المرحلة علاوة على أفراد جنسه أفراد الجنس الآخر وتتسم المواقف الاجتماعية للمراهق المعاق بصريا باضطراب العلاقات سواء تعلق الأمر مع أسرته أو في أدائه لدوره الاجتماعي مما ينجم عنه سوء التكيف مع البيئة الاجتماعية .
وتلعب الاستعدادات الفطرية لدى المراهق المعاق بصريا وتوزيع الأدوار بين الجنسين دورا في تكيف الاجتماعي فقد أوضحت سومرز في دراسته لشخصية المعاق بصريا أن المعاقة بصريا تفوق المعاق بصريا في القدرة على التكيف .
وفيما يلي عرض لأهم العلاقات الاجتماعية التي تربط المعاق بصريا بالمحيط :
6-1- العلاقة مع الأسرة :إذا كان التوازن على مستوى الأمثل للعلاقات الأسرية الايجابية التي تتميز بالتساند والتكامل فان إعاقة المراهق المعاق بصريا, افتقاده لأداء دوره تمثل مصدرا لاضطراب وعبئا على أداء الآخرين وبالتالي يمثل إعاقة لأسرته .
وتنمي المراهقة من حدة سلوك المعاق بصريا المسرف بالغضب والقلق والحساسية وتنعكس آثار هذا السلوك المضطرب على الأسرة فتقابله هي كذلك بسلوك مفرط في الشعور بالذنب وبالحيرة أو بالحماية الزائدة الأمر الذي ينعكس على توازن الأسرة وتماسكها ويؤثر على وظيفتها الطبيعية نحو تنشئة باقي أعضائها .
وقد انتهت دراسة بومان في دراستها التي تناولت تكيف المعاق بصريا في الأسرة إلى نتيجة مؤداها أن تقبل الأسرة لابنها المعاق بصريا وتوفير الظروف والمناخ التربوي السليم الذي يتحاشى كلا من الحماية الزائدة التي تحد من نشاطه وحريته أو إهمال واللامبالاة فإنها تسهم ايجابيا في توافقه النفسي والاجتماعي وتعمل على بث الثقة في نفسه وتتيح له فرص التعليم والتأهيل المهني .
6-2- العلاقة مع المجتمع : تحد الإعاقة البصرية من تطور المراهق المعاق بصريا وتنعكس بقوة نامية على نشاطه فان كانت العين هي الحاسة التي تتغلب على المسافة وتعطي في نفس الوقت تفاصيل الشيء وهي التي تسمح الاتصال بالمجتمع ومراقبته أكثر مما تسمح به الحواس الأخرى فان المراهق المعاق بصريا يعاني انقطاع عن العالم الخارجي وعن العالم الاجتماعي الأمر الذي يحد من تعلقه بالمجتمع ويؤثر على قدرته في مسايرة وتيرته وبالتالي فانه يجد صعوبة كبيرة ومعاناة في امتصاص قيم ومعايير المجتمع والانضباط لأوامره ونواهيه مما يؤثر سلبا على فرص الحصول على مبادئ السيرة المرتكزة على المحاكاة والاقتداء النظري التي تلعب دورا مهما في نموه خصوصا فيما يتعلق بحديثه وسلوكه ......... الخ ( فوزي محمود فرغلي, 2004, 36).
إن كف البصر مسؤول عن ابتعاد المراهق المعاق بصريا عن مجتمعه مهما كانت مقدرته على التحكم في اللغة المنطوقة , باعتبارها من أهم مرتكزات التواصل الإنساني , ذلك أن العملية التواصلية الإنسانية عملية تتكامل فيها مجموعة من المكونات المرتبطة بالبصر وإتقان اللغة والإشارات .
غير انه على عكس ما قد يخلفه الانطباع الاولي والتحليل السطحي والذي يرتكز على الإعاقة باعتبارها مصدرا وحيدا وقطبا موردا لسوء التوافق حيث إن أغلب الدراسات والأبحاث التي أجريت على المراهق المعاق بصريا تؤكد أن سوء توافقه واضطراباته الانفعالية ترتبط أساسا بعوامل اجتماعية ممثلة في اتجاهات الآخرين نحوه وخاصة اتجاهات الآباء والأمهات أكثر من ارتباطها بالإعاقة البصرية بشكل مباشر ويرى كتسفورت«إن العمى وحده لا يمكن أن تفسر العجز الجسمي والاجتماعي والاقتصادي الذي يوجد لدى المعاق بصريا بل إن العجز والقصور ناشئان من صلة المعاق بصريا بالمجتمع ومواقفه منه».
6-3- العلاقة مع الجماعة :تتميز فترة المراهقة بتبلور الوعي الاجتماعي والمتمثل في الزيادة الواضحة المتصلة بالحاجة الملحة للانتماء إلى الجماعة باعتبارها بديلا عن المجتمع الأسري الذي لا يلبي مطالب المراهق ولا يعترف برجولته , وباعتبارها مجالا مناسبا لإشباع حاجات النمو الاجتماعي القائم على تبادل الأدوار وتحقيق الذات . غير إن المراهق المعاق بصريا لا يقوى على مجاراة نمط ونظام جماعة المبصرين فيشعر بعدم المساواة مع زملائه وعدم شعور هؤلاء بكفاءته لهم , مما ينمي لديه الاتجاهات السلبية ويؤدي به إلى الانسحاب من الجماعة والتقوقع على نفسه ( فوزي محمود فرغلي, 2004 , ص37).
iiv- الرعاية النفسية والاجتماعية للمعاقين بصريا:
يحتاج المعاق بصريا إلى رعاية خاصة ممن يحيطون به , وهذه الرعاية ضرورية جدا في حياته وتتضمن هذه الرعاية شقين هامين الشق النفسي والشق الاجتماعي وهي كالتالي :
7-1- الرعاية النفسية للمعاقين بصريا:إن القاعدة الذهبية للتعامل مع المعوقين عموما والمعوقين بصريا على وجه الخصوص هي قبولهم على ما هم عليه وهذا ما له الأثر البالغ في إتاحة الفرصة لهم في اكتساب المعلومات والخبرات المعرفية والاجتماعية .
ويجمع الكثير على إن الإصرار على وصف المعاقين بصريا بالعمى أو تعييرهم بهذا النقص يخلق لديهم عندهم إحساسا بالمهانة والضعة وهو ما يولد في نفوسهم إحساسا بالألم مما قد يؤدي بهم إلى الشعور بالعدوانية , ويرفض ما يقدم إليه ثم لا يستفيد من الخبرات والنصائح التي يقدمها له الآخرون, لذا وجب الاهتمام بالمعاقين بصريا وهذا بتنمية المهارات اللازمة, حيث أن تنمية الحواس المتبقية منها اللمس والسمع للتمكن من معالجة واقعه واستثمار مدركاته القادمة إليه من هذا الطريق أفضل استثمار وهذا ما يجعلهم يتقبلون إعاقاتهم ويعدلون طرق تفكيرهم , وهذا طبعا لن يتأتي إلا بالرعاية النفسية, من الوقاية والتشخيص والعلاج المستمر من طرف أطباء نفسانيين ويبداغوجيين ومعرفيين لوضع برامج متكاملة يعمل بها المربون والمعلمون في المدارس الخاصة .(احمد سعيد يونس , 1991 ,ص 68).
7-2- الرعاية الاجتماعية للمعاقين بصريا:
إن الأسرة من أهم الأماكن التي يمكن أن يلقى فيه المعاق بصريا الرعاية المبدئية والمستمرة طوال حياته تقريبا ثم يأتي بعدها المجتمع ككل من الأقارب, الجيران, المدرسة, حي......الخ .والتي نعرضها كالأتي:
7-2-1- واجب الأسرة نحو المعاق بصريا : تمر علاقة المعاق بصريا بأسرته بعدة مراحل , فهم قد ينزعجون في البداية عندما يصاب طفلهم بالعجز , ويترجمون هذا الانزعاج في أشكال متعددة من السلوك , حيث يذهبون إلى الأطباء المختصين أوالى مراكز الرعاية وإذ هناك أيضا من يهملون أبنائهم في حالات إصابتهم بأمراض في العين , فالواقع كما سبقت الإشارة , إن الأسرة بعد أن يتضح لها حجم الضرر الذي أصاب طفلها تبدأ تنزعج, وقد تنفق من الجهد والمال ما كان يمكن أن تنفق منه القليل من الاهتمام عند بدء الظهور أعراض العجز .
إن الجهد الذي ينبغي أن توجهه الأسرة نحو المعاق بصريا متعدد الجوانب ويمكن إجماله في الصور التالية :
§ متابعة العلاج إذا كانت توجد فرصة للعلاج أو متابعة الرعاية إن كان في ذلك ما يضمن عدم تدهور حالته.
§ بالنسبة لمن استقرت حياتهم على شكل معين من أشكال العجز ينبغي أن تعرف الأسرة حدود التوافق وأسباب سوء التوافق الذي يمكن أن يتعرض له المعاق بصريا, فالجانب الوجداني المحتاج لقدر كبير من الاهتمام وخاصة إذا كان المعاق قد وصل إلى مرحلة من العمر يدرك معها حدود عجزه و مدلوله , كما هو الحال في مرحلة المراهقة .
§ للاستعانة بأجهزة الرعاية الاجتماعية المتاحة مثل النوادي المهيأة لاستقبال المعاقين بصريا مما يشغل الوقت ويتيح لهم التعرف على صداقات من شانها أن تنسيهم ألامهم ولو قليلا , لأن طاقاتهم تصرف في الرياضة والاتصال الاجتماعي بالآخرين.
7-2-2- واجب المجتمع نحو المعاق بصريا: ويشمل دور المجتمع في الجهات التي تهتم برعاية المكفوفين وهو الأمر الذي سينتج عنه بالضرورة نوع ما من أنواع التأهيل التي يمكن أن تجعلهم طاقة منتجة , لا يعولون أنفسهم فحسب بل يقدمون إنتاجا له أهميته إلى غيرهم , هذا من جهة ومن جهة أخرى يحتاج المعاق بصريا إلى حق التعليم في المدارس الخاصة وتوفيرها للمعاقين بصريا باعتبار التعليم العادي لا يخدم هذه الفئة وكذا توفير الوسائل التعليمية السمعية لضمان تعويض حاسة البصر ( احمد السيد سعيد , 1991,ص 71).
iiiv - ردود الأفعال المتباينة اتجاه الإعاقة البصرية:
تتلخص ردود الأفعال اتجاه الإعاقة البصرية فيما يلي:
8-1- ردود فعل المعاق بصريا اتجاه إعاقته:
يلعب اتجاه الكفيف اتجاه إعاقته دورا في توافقه النفسي والاجتماعي ويظهر هذا التأثر في سلوك المعاق بصريا بصورة أو بأخرى على النحو التالي:
8-1-1- ردود فعل تعويضية: وفيها يعترف الشخص بنواحي قصوره الناجمة عن عجزه ويحاول أن يقلل منها وذلك عن طريق التعويض السوي أو أن يبدى استجابات تعويضية مفرطة وهذه الحالة تتمثل في العدوانية الزائدة والاستياء من النقد الذي يوجه إليه .
8-1-2- ردود فعل انسحابية: حيث تتركز أفكار المعاق بصريا ونشاطاته حول عجزه البصري , ويتجنب الاتصالات الاجتماعية والتنافس مع غيره,ويسيطر عليه الشعور بالدونية ويستغرق في الألوان النشاط الفردية وأحلام اليقظة .
8-1-3- ردود فعل دفاعية:وتتمثل في استجابات إنكارية حيث لا يعترف المعاق بصريا بنواحي القصور الفعلية الناتجة عن كف بصره ,و تتجلى ذلك في خطط التعليمية وميوله وينكر أن كف البصر معوق له, ويتجنب المشكلات المتصلة بعجزه ,وكذا يستخدم الشخص التبرير لإعطاء أسباب مقبولة اجتماعيا لسلوكه حتى يحمي نفسه من ضرورة الاعتراف بالأسباب الحقيقية لإخفاقه وبلوم المجتمع لتحيزه ضد المعاقين بصريا ويشعر انه يعامل بطريقة غير عادلة (وليد السيد ,2007, ص117).
8-2- ردود فعل الأسرة نحو الإعاقة البصرية:
ردود أفعال الوالدين نحو الإعاقة تشكل حاجزا حقيقيا يحد من قدرة المعاق فبالرغم من التباين الشديد في ردود فعل النفسية من أسرة إلى أخرى إلا إن معظم الأسر تتولد لديها ردود فعل متشابهة , وفيما يلي عرض موجز لردود الفعل تلك:
- الصدمة: وهي تعني عدم تصديق أولياء الأمور للحقائق كون ابنهم معاق رغم حاجة المرحلة إلى التفهم والدعم .
- النكران : قد ينكر الوالدين حالة الإعاقة لدى طفلهم خاصة عندما تكون غير واضحة وفي العادة يسهم الأخصائيون والأقارب والأصدقاء في تطور النكران وذلك من خلال محاولاتهم طمأنة الأسرة والأولياء الذين لا يستمعون إلا إلى أراء الإيجابية وهم يتنقلون من أخصائي لآخر .
- الندم الغضب: كثيرا ما يشعر الأولياء بالندم على شيء فعلوه أو لم يفعلوه وقد يلقون باللوم على أنفسهم أو على بعضهم البعض, أو على الأطباء ويرافق هذه العملية الشعور بالغضب العارم.
- اليأس:من أهم خصائص ردة الفعل النفسية هذه, فقدان للأمل نهائيا بتحسن حالة الطفل والبكاء على حلم بطفل عادي كان منتظرا.
- الخجل والخوف: قد يحدث خوف وخجل نتيجة توقعات الوالدين وتقربهم لاتجاهات الآخرين ,وخاصة المهمين منهم ,وقد يميل الوالدين في هذه المرحلة إلى تجنب مخالطة الناس والتفاعل معهم .
- الرفض والحماية الزائدة: يتبنى بعض الوالدان مواقف سلبية جدا من طفلهم المعوق مما قد يعرض الطفل للاهتمام أو إساءة المعاملة الجسمية والنفسية وبالمقابل يلجأ البعض إلى الحماية المفرطة لطفلهم فيعملون كل شيء نيابة عنه .
ومن الواضح أن كلا من الرفض أو الحماية الزائدة تحرم الطفل من فرص نمو والتعلم.
- التكيف والقبول : تتمثل ردة فعل الوالدين الأخيرة عادة في الاعتراف بالحقيقة ومواجهتها فمنهم من يدرك آجلا أم عاجلا أن لدى طفلهم حالة من العجز (خليل معايطة , 2000, ص128ص130).
إن الموقف السلبي للأسرة يلعب دورا كبيرا في عدم التوافق النفسي والإجتماعي للكفيف لأن ردود الأفعال مع هذا الموقف تسبب ميولا غير إجتماعية تؤدي إلى نقص في تربية الأسرة لأبنائها , كما يترتب عنها مجموعة من النتائج وهي :
- فقدان الشعور بالأمن والطمأنينة : يفقد المعاق بصريا خلال الاتجاه السلبي للأسرة الشعور بالطمأنينة النفسية التي يتولد منها امن وسلامته الشخصية , وبمرور الوقت يزداد فهم وإدراك المعاق بصريا لمظاهر عدم الطمأنينة ونقص في الشعور بالأمن يؤدي إلى ممارسة سلوك غير اجتماعي وصراع نفسي ,انعزال والعدوانية ومعاداة المجتمع.
- الوضع الغير عادي في الأسرة : عادة لا يأخذ الفرد المعاق بصريا في أسرته مكانه العادي مثل أخوته , فهو عادة ما يدلل أو يرفض ونتائج ذلك تنحصر في خلق أنماط من السلوك تتميز بحب الذات أو العدوانية. فالاهتمام يؤدي إلى الرغبة والميل إلى الحقد والقلق أو الكراهية , وأما الرعاية الزائدة تؤدي إلى اضطرابات إجتماعية تتميز بها شخصية وسلوك المعاق بصريا .
- نقص في الخبرة: يعطي ولدا المعاق بصريا اتجاها سلبيا عند التعامل فيعيق ذلك تحصيل الخبرة من الأشياء المحيطة من الكفيف ومن خلال هذا لا يتعلم الواجبات الأساسية له ويؤدي ذلك إلى عدم الإستقلالية وعدم تنمية القدرات التحصيلية.
ومما سبق يتضح أن سلبية موقف الأسرة نحو المعاق بصريا تؤدي إلى إعاقة النمو الطبيعي الاجتماعي والنفسي. (خليل معايطة, المرجع نفسه ,ص135
خلاصة الفصل :
من خلال كل ما تقدم تبين أهمية حاسة البصر وينجم عنها آثار سلبية إذا ما فقدت,والتي ترجع بدورها التي عدة عوامل موضوعية تتعلق بمحيط المعاق وعوامل ذاتية تتعلق بشخصية المعاق بصريا وخاصة تقبله لإعاقته و هذا لا يتأتى إلا في ضل الرعاية النفسية و الاجتماعية التي توفر له كل احتياجاته.