د.الحامد:اكتشاف الحالات مبكراً «ضروري» والتشكيك في أرقام المصابين يعيدنا إلى الخلف..
الدمام–هيثم حبيب:
ثمن استشاري طب الأسرة والمجتمع بإدارة المراكز الصحية بقطاع الدمام الدكتور جمال الحامد اللفتة الكريمة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، لرعايته للمؤتمر المشترك بين الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وجمعية دعم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، والذي يحمل عنوان (الرعاية المتكاملة: الأسلوب الأمثل للتعامل مع مصابي "أفتا")، والمزمع إقامته خلال الفترة من 7-11 نوفمبر المقبل بالرياض، موضحا بأنه ليس مستغربا على الحكومة الرشيدة هذا الاهتمام بأبنائها، خصوصا وهي تحظى برؤيا واضحة من قائد حكيم يهتم بمعالجة كل ما من شأنه التأثير على سلامة المجتمع.
وأوضح الحامد أن مصابي فرط الحركة وتشتت الانتباه يعانون من جهل تعامل الأسرة والمدرسة والمتخصصين، مما ينتج عنه تعرضهم لكثير من قضايا العنف الأسري، وارتكاب الجريمة كما أكدته بعض الدراسات العالمية، والتي أوضحت بأن كثيراً من المجرمين كانوا يعانون من اضطرابات نفسية لم يتم الالتفات لها في الصغر فسببت لهم معاناتهم في الكبر.
أهمية الاكتشاف المبكر
وقال إن الاضطراب سلوكي يصيب الأطفال في سن مبكرة من أعمارهم قبل سن الدراسة، ويسبب اضطرابا في النواحي السلوكية والنفسية والاجتماعية لدى الأطفال، ما ينتج عنه تأخر في المستوى الدراسي والتحصيل العلمي، وقد يؤدي لجنوحهم و لولوجهم لعالم الإدمان والمسكرات في المستقبل.
وأشار إلى ان الاكتشاف المبكر للحالات المصابة قد يساهم بشكل كبير جدا في رفع أداء وكفاءة المدرسة، وتحسن تعامل الطفل المضطرب مع المجتمع، إلى جانب تخفيف معاناة أبويهم، وحمايتهم من التعرض للضرب المبرح والعقاب الناتج عن سلوكياتهم، ولإبعادهم عن شر تعاطي المخدرات والوقع في عالم الجريمة لدى بلوغهم.
وأوضح ان المصابين بهذا الاضطراب يجدون صعوبة في التحكم بأفعالهم وتركيزهم، ما يجعلهم كثيري الحركة بشكل ملاحظ وضعيفي التركيز، مع قابلية كبيرة للاندفاع وسرعة في فقدان الاعصاب والضجر السريع من الجلوس والتركيز مع الدروس، إضافة لصعوبة تكوين صداقات لهم مع زملائهم في المدرسة، وذلك بسبب السلوك العدائي في بعض الأحيان.
وعن طرق تشخيص حالات اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، شدد الحامد على عدم اقتصار البحث والفحص على بيئة واحدة كالمنزل، وذلك لاحتمالية ان تكون المعلومات غير دقيقة ولا تساعد على التشخيص الدقيق، لذلك ينصح بضرورة ان يكون التقصي في بيئتين مختلفتين على اقل تقدير، وذلك من خلال أسئلة توجه للوالدين والقريبين من الأسرة لمعرفة تصرفات الحالة المشكوك فيها ومقارنتها بأجوبة المعلمين في المدرسة، إضافة لضرورة عمل بعض الفحوصات الطبية والتي من شأنها المساعدة في التشخيص، كفحص الذكاء عند طبيب نفسي، والتأكد من سلامة السمع والنظر، والتي قد يغفلها البعض مما يساهم في عدم تركيز الأبناء.
لا تشككوا في الأرقام!
وحسب دراسة قام بها الدكتور جمال الحامد، يعاني ما يقارب 16% من طلاب مدارس الدمام من الاضطراب، وشملت الدراسة عينات عشوائية يبلغ عددها 1287 طالباً من عشر مدارس ابتدائية من مختلف أحياء مدينة الدمام بالمنطقة الشرقية، حيث تراوحت أعمارهم بين 6 إلى 13 سنة.
وأظهرت نتائج الدراسة ان معدل انتشار الاضطراب يتناسب عكسيا مع المستوى التعليمي والاقتصادي والاجتماعي للأبوين والإقامة معهم سويا، بينما تزداد الحالات المصابة بازدياد حجم الأسرة وانخفاض دخلها، إضافة للترتيب المتأخر للطفل بين أخوته.
وينعكس التأثير السلبي على الأطفال المصابين بهذا النوع من الاضطرابات من خلال تحصيلهم العلمي والأكاديمي، ما يساهم بشكل رئيسي في تأخرهم دراسيا.
ويذكر الحامد ان النتيجة التي توصل لها من خلال الدراسة هي ان معدل المصابين يفوق المعدلات المسجلة في الدراسات العالمية الأخرى، وهو ما يتطلب التكاتف والتعاون من أولياء الأمور أولا، ثم الأطباء والمعلمين والمشرفين على هؤلاء الأطفال المصابين ثانيا، دون تغافل دور الإعلام البارز في إظهار مخاطر هذا الاضطراب وبيان طرق علاجه لانتشال هؤلاء الأطفال من تلك السلوكيات غير السوية، وإحالتهم للمختصين ليتسنى لهم رعايتهم صحيا من اجل ان يكونوا عناصر فعالة في المجتمع.
ويوضح الحامد انه استخدم في دراسته احد مقياس أديس(ADDES) العالمي، وهو مقياس تقييم اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (Attention Deficit Disorder Evaluation Scale)، والذي يعبئ من قبل معلمي التلاميذ المختارين بشكل عشوائي، بهدف تقدير حجم ومعدل انتشار اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بين تلاميذ المدارس الابتدائية الذكور في مدينة الدمام، وتقييم بعض العوامل النفسية والاجتماعية المرتبطة به، كالمستوى التعليمي للأبوين ودخل الأسرة وحجمها ووظيفة الأب، إضافة لارتباط هذا السلوك مع التحصيل العلمي.
ويُرجع كثير من الأطباء والباحثين عن سبب هذا الاضطراب إلى عاملي الوراثة و العوامل البيئية الاجتماعية، وذلك كما نشر للحامد في دورية "صحي الشرقية"، حيث ذكر احد الباحثين ان عامل الوراثة يلعب دورا كبيرا في هذا الاضطراب، والدليل ان ما يربو عن 90% من الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب يوجد بين أفراد أسرتهم عضو آخر مصاب به، بينما ذكرت دراسات أخرى ان 25% من والدي هؤلاء الأطفال كانوا يعانون من نفس الاضطراب. بينما حلل باحثون بيئة الطفل المصاب، فوجدوا أنها تتميز بالتفكك الأسري وسوء التربية، وكثرة الخصومات داخل الأسرة، وغالبا ما تفتقد للاستقرار والأمن النفسي.
سليمون عقليا
ولم يلتفت الحامد لما أُثير عن تشكيك بعض الجهات في نتائج دراسته، خصوصا وانه لم يتلق أي خطابات رسمية توضح ذلك، معتبرا بأن ما سمعه لا يعدو عن أقاويل فردية لا تخدم هذه الفئة من المجتمع، بل تعيدنا إلى الخلف، مطالباً بدعم وزارتي الصحة والتعليم للحد من انتشار هذا الاضطراب بدلاً من التشكيك في الأرقام، مشيراً إلى أن هذه الفئة من المصابين لا يعانون من "تخلف عقلي"، وبالتالي إيواء بعضهم في "مدارس الفكرية" خطأ كبير جداً، والمطلوب فصول وبرامج خاصة بهم، مطالباً باهتمام اكبر بمصابي فرط الحركة أسوة بمصابي التوحد، والذين يشكلون نسبة 1 من 10آلاف، بينما نسبة المصابين باضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه أكثر من 15%، مع العلم بأن 80% منهم أسوياء عقليا، بينما نفس النسبة لمصابي التوحد متخلفين عقليا.