هل الطلاب الصم بحاجة إلى المعلم الأصم؟
د / يوسف التركي
يتناول الكاتب ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول والذي يتطرق إليه كاتب المقالة في هذا العدد يتضمن نبذة مختصرة عن تاريخ أول معلم أصم، المحور الثاني سوف يتضمن العوائق التي تحول دن انخراط المعلمين الصم في مجال تربية وتعليم الصم، أما المحور الأخير فسوف يتضمن الإجابة على سؤال هذه المقالة: هل الطلاب الصم بحاجة إلى المعلم الأصم؟
للمدرسين الذين لديهم صمم مساهمات فاعلة في تربية وتعليم الطلاب المعوقين سمعياً عبر مراحل التاريخ. فقد أرسى de Lpee قواعد أول مدرسة لتعليم الصم الراشدين في فرنسا عام 1771م. لقد عرف de L Epee مدى النجاح الوظيفي لهؤلاء الصم الراشدين، لذا فقد شجع الطلاب الصم المتفوقين دراسيا على دخول المجال الوظيفي. أما Samuel Heinicke فقد كان له الفضل في إرساء قواعد أول مدرسة لتربية وتعليم الصم في ألمانيا عام 1778م وكانت تتبنى فلسفة طريقة قراءة الشفاه في تربية وتعليم الصم مما ترتب عليه عدم منح الفرصة الوظيفية للمعلمين الذين لديهم صمم (Van Cleve, 1987), ولكن في المقابل نجد أن –pee Sicard & de Le قد عملا في فرنسا (1742-1822) على مساعدة الصم الراشدين في إيجاد بعض الوظائف المناسبة لهم مثل أعمال الطهي، وتنسيق الحدائق، ومساعدي معلمين، ومعلمين، ومشرفين (Lane, 1984).
وقد قام كل من & clerc Sicard & massieu ،بجولات في أوروبا بهدف إلقاء بعض المحاضرات عن الصم، وفي هذه الأثناء حدث أن تقابلوا مع Thomas (1787-1851) Hopkins Gallaudet في يبحث عن طريقة للتواصل مع الطلاب الصم في الولايات المتحدة الأمريكية، ليقوما بافتتاح أول مدرسة للصم في عام 1917. والتي تستخدم لغة الإشارة كطريقة في تربية وتعليم الصم .(Lane, 1984)
وتعتبر لغة الإشارة التي استخدمها Clerc في تربية وتعليم الصم في الولايات المتحدة الأمريكية عبارة عن دمج بين لغة الإشارة الفرنسية ولغة الإشارة الأمريكية والتي استخدمت فيما بعد في جميع مجتمعات الصم بالولايات المتحدة الأمريكية. ويعتبر Clerc أول رائد تربوي ومعلم للصم يتخرج في هذا المدرسة. خلال ذلك التاريخ كان حوالي 50% من مدرسي الصم هم من الصم أنفسهم (Lane, 1984) . ويعتبر Clerc من أبرز الرواد التربويون الذين وضعوا حجر الأساس للمدارس الخاصة بالصم في الولايات المتحدة الأمريكية. فيما بلغ بين العام 1980 – 1817 عدد مدارس الصم التي تم إنشاؤها بواسطة هؤلاء الرواد من الصم حوالي ست وعشرين مدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية (Gannon, 1981) .ولكن توظيف الصم الراشدين أغفل بسبب توصيات مؤتمر إيطاليا عام 1880. حيث ترتب على هذا المؤتمر استخدام الطريقة الشفوية عوضا عن لغة الإشارة لتربية وتعليم الصم، فأبعد المدرسين الصم عن مهنة التدريس ليحل محلهم مدرسون سامعون، ولكن كان عدد محدود جداًً من الصم آنذاك يتدربون على بعض الأعمال المهنية (Moores, 1996) .
لقد حرم الصم من استخدام لغة الإشارة لأن التربويين مؤمنون أنها تحول دون فهم واستيعاب هؤلاء الصم لثقافة المجتمع الأمريكي. كما أن زواج الصم من الصم أنفسهم كان غير مقبول بسبب إن هذا الزواج سوف يزيد عدد الصم (Van Cleve, 1987). ولكن كما هو معروف اليوم فإن الغالبية العظمى من الأطفال الصم مولودون من آباء وأمهات سامعين (Shaver – Arnos & israell, 1995 ).
لقد أشارت الغالبية العظمى من الدراسات إلى إيجابية استخدام الطريقة الشفوية مع بعض الطلاب المعوقين سمعيا المصابين بالصمم بعد تعلم اللغة، إلا أن هذه الطريقة أخفقت مع الطلاب المعوقين سمعيا المصابين بالصمم قبل تعلم اللغة (Vernon & Dagle). فالطريقة الشفوية في تربية وتعليم الصم استخدمت حتى أوائل الستينات، حيث أشار العديد من الباحثين إلى النتائج الإيجابية للغة الإشارة المستخدمة مع الطلاب المعوقين سمعياً (Moores, 1996). وقد بدأ مدرسو الصم في توحيد واستخدام الطريقتين الشفوية ولغة الإشارة تحت مسمى فلسفة التواصل الكلي الذي عرف على أنه استخدام جميع طريق التواصل الشفوي، ولغة الإشارة، والأبجدية الإصبعية، والقراءة، والكتابة، والإيماءات، والتدريب السمعي (Stedt & Moores, 1990).
بدأ تشجيع الآباء والأمهات على استخدام لغة الإشارة بمجرد تشخيص الطفل بالصمم. هذا وتستخدم حوالي 90% من برامج المعوقين سمعياً طريقة التواصل الكلي في تدريس وتعليم المعوقين سمعيا. ولكن هناك أيضا بعض المدرس الخاصة التي تستخدم طريقة التواصل الشفوي ولكن عدد الملتحقين بهذه المدارس قليل جدا إذا ما قورن بالبرامج التي تستخدم طريقة التواصل الكلي.
خلال الأربعين سنة الماضية كان هناك تغيير واضح في تربية وتعليم الصم. ففي بداية الستينات استطاع عالم اللغويات Stokoe وبعض المهتمين في هذا المجال إجراء بعض الدراسات في مجال النظام اللغوي للغة الإشارة الأمريكية من التوصل إلى أن لغة الإشارة تحتوي على النظم اللغوية الأربعة من حيث نظام دلالات الألفاظ، النظام التركيبي، النظام الصوتي، النظام المورفولجي الصرفي إذا ما قورنت باللغة الملفوظة كاللغة الإنجليزية (Stokoe, 1960).
وكنتيجة لنتائج الدراسات في مجال النظام اللغوي للغة الإشارة الأمريكية فقد أصبحت لغة الإشارة تستخدم في الغالبية العظمى من المدارس والجامعات التي توجد بها برامج تدريب وتأهيل مدرسين في مجال الإعاقة السمعية.
في أوائل السبعينيات والثمانينيات ابتكر المختصون في تربية وتعليم المعوقين سمعيا طريقة جديدة أطلق عليها الطريقة اليدوية الإنجليزية. وتتضمن هذه الطريقة استخدام لغة الإشارة الأمريكية بنفس النظام التركيبي البنائي الخاص باللغة الإنجليزية. استخدمت هذه الطريقة في مرحلة ما قبل المدرسة والتعليم الابتدائي للطلاب المعوقين سمعيا في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن هناك نقاشا حول جدوى هذه الطريقة من قبل المتخصصين في تربية وتعليم المعوقين سمعيا (Johnson, Erting, & Liddell, 1989). فنجد أن بعض الأبحاث تشير على أن الطريقة اليدوية الإنجليزية مفيدة بسبب معرفة الطلاب الصم قواعد اللغة الإنجليزية من حيث تركيب الجمل ودلالاتها، في حيث أن أبحاثا ودراسات أخرى تشير على عكس ذلك. بسبب أن هذه الطريقة اليدوية الإنجليزية لا تساعد الطلاب الصم على معرفة النظام المورفولوجي الصرفي ناهيك عن النظم اللغوية الأخرى (Bornstein et al., 1980).
وخلاصة الحديث أن كثير من الصم الراشدين لا يرغبون في استخدام الطريقة اليدوية الإنجليزية لاعتقادهم بأنها طريقة زائفة تعوزها السلاسة في الحركة والتعبير ويفضلون لغتهم الأم لغة الإشارة الأمريكية (Bienvenu, 1994; Baker & Cokely , 1980).