= الذكاء الانفعالي: فلسفة الطفل/ المراهق الكلي أو المتكامل [1]=
د. محمد السعيد أبو حلاوة
مدرس الصحة النفسية وعلم نفس الأطفال غير العاديين
كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية
أولاً مقدمة:
تشير الكثيرُ من النظريات المعاصرة إلي أن الذكاء الانفعالي نمط منفصل من الذكاء الاجتماعي (غير مرتبط بالذكاء المجرد التقليدي) وهو فكرة جديدة في الثقافة الشعبية المعاصرة. ويعرف دانيال جولمان الذكاء الانفعالي " بأنه قدرة المرء على رقابة مشاعره وانفعالاته ومشاعر وانفعالات الآخرين، التمييز بينها، واستخدام المعلومات الناتجة عن ذلك في توجيه تفكيره وتصرفاته" . وتختلف هذه الفكرة الجديدة نسبيًا عن الاتجاه التقليدي الذي مازال سائدًا في الكثير من المواقف المدرسية ومفاد هذا الاتجاه التقليدي أن الذكاء يمكن تقسيمه إلي أنماط لفظية وأنماط غير لفظية وبالتالي تقاس القدرات اللفظية وغير اللفظية المجسدة للذكاء باستخدام اختبارات معامل الذكاء التقليدي.
وكشف الكثيرُ من الباحثين السيكولوجيين منذ عقود طويلة في واقع الأمر عن أنماط أخرى مما يمكن تسميته بصيغة الجمع الذكاءات تم تصنيفها لدي ثورندايك في النصف الأول من القرن العشرين مثلاً تحت تجميعات متمايزة هي : الذكاء المجرد؛ الذكاء المادي أو الملموس أو العياني؛ والذكاء الاجتماعي. ثم جاء هوارد جاردنر 1983 ليطرح رؤية جديدة للذكاء تم تطبيق دلالاتها أو مضامينها التربوية في الكثير منالمناهج التعليمية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول ولكن تم دمج أو تطبيق هذه المضامين بصورة شديدة البطء في واقع الأمر. وقد أسس جاردنر ما يصح تسميته نظريته إذن على أسس بيولوجية وثقافية استنادًا في الواقع إلي نتائج دراسات ومشاريع بحثية قام بها هو وغيره من الباحثين وتقسم هذه النظرية الذكاء إلي سبعة ذكاءات هكذا بلغة الجمع تشمل: الذكاء المنطقي الرياضي؛ الذكاء اللغوي؛ الذكاء المكاني؛ الذكاء الموسيقي؛ الذكاء البدني الحركي، الذكاء الشخصي. وتتضمن الفئة الأخيرة (الذكاء الشخصي) نمطين منفصلين من الذكاءات: (1) الذكاء بين الشخصي أو ما يصح ترجمته بذكاء العلاقة مع الآخر (القدرة على فهم/تفهم مشاعر ومقاصد الآخرين). (2) الذكاء الذاتي أو ذكاء العلاقة مع الذات (القدرة على فهم/تفهم المرء لمشاعره ودوافعه الشخصية).
والذكاء الانفعالي كما عرفه دانيال جولمان هو في حقيقة الأمر تسمية أخرى لنمطي أو فئتي الذكاء الشخصي كما صاغه جاردنر. ومؤخرًا أدركت ثقافتنا (يقصد هنا الثقافة الأمريكية) عبر المقالات الصحافية والعروض التليفزيونية أهمية امتلاك أو حتى تنمية نمط الذكاء هذا (الذكاء الانفعالي) ربما أكثر من الذكاء المجرد التقليدي من أجل أن نتفاعل مع الآخرين بطرق ناجحة ومن أجل أن نتوافق بصورة سوية مع عالم اليوم بالغ التعقيد.
ثانيًا فلسفة الطفل/ المراهق الكلي أو المتكامل THE WHOLE CHILD/ADOLESCENT PHILOSOPHY.
إذا لم يكن لدي الآباء/المعلمين القدرة أو المعلومات التي تمكنهم من مساعدة أبنائهم/تلاميذهم علي اكتساب و/أو تعلم مثل هذه المهارات المهمة (يقصد هنا مهارات الذكاء الانفعالي) فإنه يتعين عليهم السعي النشط إلي إيجاد المصادر التي تنمي لديهم هذه القدرة وتكسبهم هذه المعلومات بالغة الأهمية في الحقيقة إذا ما أريد ضمان توافق أبنائهم/تلاميذهم مع خبرات أو عطاءات عالم اليوم بالغة التعقيد. وقد بدأ الكثير من المعلمين في تفهم حتمية مساعدة الأطفال خاصة الأطفال الموهوبين في اكتساب وتعلم المهارات الانفعالية والاجتماعية بنفس قدر الاهتمام بتعليمهم المهارات المعرفية والدراسية بل قد يكون أكثر. وتتطلب فلسفة الطفل/المراهق الكلي أو المتكامل تغييرات جوهرية في مناهج وخبرات وأنشطة وطرق التعليم المتبعة حاليًا. وبقراءة ما يطرح في الوقت الحالي عن الذكاءات المتعددة والذكاء الانفعالي على أرضية فلسفة الطفل/المراهق الكلي أو المتكامل خاصة بالنسبة للأطفال الموهوبين يجب أن ندرك أن كل الأطفال/والمراهقين أذكياء ولكن كل بطريقته ونمطه وأسلوبه الفريد وبالتالي لا بد من تنمية قدراتهم ومهاراتهم ومواهبهم المتمايزة لتتاح لهم فرص النجاح في المجتمع. وبالتالي لا بد من تعظيم جهودنا لإقناع المسئولين عن رسم السياسة التعليمية بأن لهذه القدرات والذكاءات المتباينة أهمية قد تفوق أهمية الذكاء المجر التقليدي وأنها ذات علاقة مباشرة بجودة الصحة النفسية للأطفال والمراهقين التي تدني سقفها في الآونة الأخيرة وكثرت بصورة مخيفة المؤشرات المرضية السلوكية الدالة سوء التوافق الذاتي والاجتماعي لدي الأطفال والمراهقين في عالم اليوم.
وقد أسست بناء على هذه الفكرة البسيطة (فلسفة الطفل/المراهق الكلي أو المتكامل) في الغرب الكثير من المعاهد والمراكز التي تركز مجهودها على العمل مع الآباء، والمعلمين والأطفال لقياس وتنمية مهارات وقدرات الأطفال بغض النظر عن طبيعتها وتبايناتها مما يؤشر بصورة واضحة على تحسن تقدير هؤلاء الأطفال لذاتهم وتبنيهم اتجاهات اجتماعية إيجابية نحو التعليم ونحو المواطنة والانتماء والمسئولية ... الخ.
ومن أمثلة هذه المراكز الرائدة المركز الذي أصدر المقال الحالي وهو مركز الطفل/المراهق الكلي.
The Whole Child/Adolescent Center,
وهو من المراكز التي لها فروع كثيرة في الكثيرة من المدن بالولايات المتحدة الأمريكية. ويمكن زيارة موقع هذا المركز على شبكة المعلومات العالمية بمجرد إدخال العبارة السابقة في أي محرك من محركات البحث المتعارف عليها وليكن Googel