التدخل العلاجي والتربوي للأفراد التوحديين
يعتمد التدخل العلاجي والتربوي للأفراد التوحديين على وجهة النظر حول أسباب التوحد ، وعلى الخلفية النظرية للباحثين .
وحيث أن اضطراب التوحد يحظى باهتمام عدد من الاختصاصات الطبية والنفسية والتربوية ، فإن أساليب العلاج وطرائق التدخل التربوي تنبثق أساساً من تلك الاختصاصات ، وفيما يلي عرض لأهم برامج التدخل العلاجي والتربوي
(2004،الشيخ ذيب Zager,2005) .
1 ـ البرامج العلاجية الفسيولوجية وهي عديدة ومنها :
أ- العلاج باستخدام الأدوية والعقاقير الطبية وذلك للتقليل من المظاهر السلوكية للأفراد التوحديين على افتراض أن مثل هذه السلوكيات ناتجة أساساً خلل بيوكيميائي في الدماغ .
والأدوية العقاقير الطبية المستخدمة مع الأفراد التوحديين هي نفسها التي تستخدم مع الاضطرابات الأخرى التي يفترض أن أسبابها عضوية مثل الأدوية التي تستخدم مع حالات الفصام , والاكتئاب , والقلق , والتشنج (Shaw,2001) .
ويجب أن يكون اللجوء إلى استخدام الأدوية والعقاقير الطبية البديل الأخير في التدخل العلاجي للأفراد التوحديين بعد أن تفشل البرامج التربوية أو يجب أن تستخدم حتى يتم تهيئة الفرد التوحدي إلى التدخل التربوي .
بمعالجة السلوك التوحدي قد تصبح ضرورة لا بد منها هندما يعيق هذا السلوك البرامج التربوية والتدريب على المهارات اللازمة والتي يحتاجها الفرد التوحدي.
كما يجب الحذر من الآثار الجانبية للأدوية والعقاقير الطبية التي يكون تأثيرها سلبياً على تعلم الفرد التوحدي .
ب ـ العلاج باستخدام هرمون السيكرتين : إن هرمون السيكرتين متعدد الببتيدات ويوجد في البنكرياس والمعدة والأمعاء وله وظائف عديدة تتمثل في تنظيم السيروتونين ، وتحفيز البنكرياس على إفراز البيكربونات والإنزيمات الهاضمة في هرمون السيكرتين أن يؤدي إلى تحسن مظاهر السلوك لدى الأفراد التوحديين.
ج ـ العلاج باستخدام الفيتامينات ؛ بسبب الافتراض بأن أمعاء الأطفال التوحديين لها خاصية منفذة ، أي مرشحة ، فإن استفادتهم من الفيتامينات العادية قليله ، من هنا ، فإن تزويدهم بالفيتامينات المتعددة من شأنه أن يعوضهم عن الخسران في الفيتامينات العادية الموجودة في الأطعمة .
ومن الأمثلة على الفيتامينات والمعادن التي تستخدم في حالات التوحد فيتامين B،
والمغنيسيوم ، الزنك ، والكالسيوم .
وتشير الدراسات في هذا المال إلى أن تزويد الأطفال التوحديين بالفيتامينات من شأنه أن يحدث تحسناً في سلوكهم يتمثل في زيادة التواصل البصري وخفض سلوك الاستثارة الذاتية ونوبات الغضب .
د ـ الحميات الغذائية ؛ يفترض أصحاب هذا الاتجاه في العلاج أن بعض الأفراد التوحديين ليس لديهم القدرة على هضم بروتين الجلوتين الموجود في القمح ، وبروتين الكازين الموجود في الحليب مما يؤدي بالتالي إلى ظهور الببتيد غير المهضوم جيداً والذي يصبح له تأثير تخديري يشبه تأثري الأفيون والمورفين .
وفي هذه الحالة فإنه يتم اللجوء إلى تزويد الطفل التوحدي بمادة السيرنيد (Seren aId) وهو إنزيم يساعد الجسم على هضم الببتيدات أو تزويد الطفل التوحدي بطعام خال من بروتين الجولتين والكازين وهذا الإجراء الأخير يحتاج إلى دقة وتعاون جميع الأطراف المتعاملين مع الطفل التوحدي (Siegel,2003) .
ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه في العلاج بأن العمل على تسهيل هضم الطعام بشكل جيد والتقليل من امتصاص الكازومورفين والجلوتومورفين في جسم الطفل التوحدي من شأنه أن يزيد من استجابته الحسيه ، وينمي الوظائف المعرفية لديه ، بالإضافة إلى زيادة السلوك التفاعلي مع الآخرين (Grandim & Powers,2000) .
هـ ـ العلاج باستخدام التكامل السمعي ؛ يتضمن العلاج بهذه الطريقة تحديد العتبة السمعية للفرد التوحدي .
في حالت ظهور ما يسمى بالحساسية السمعية لديه ، يتم علاجه من خلال برنامج تدريبي يعتم على الاستماع إلى الموسيقى والتي يزال منها الأصوات المسببة للحساسية السمعية باستخدام الحاسوب .
وتعتمد هذه الطريقة في العلاج على افتراض مؤداه أن بعض الأفراد التوحديين لديهم حساسية سمعية تجاه بعض المثيرات السمعية ، وهذه الحساسية هي التي تؤدي إلى ظهور السلوكيات التوحدية .
و ـ العلاج باستخدام التكامل الحسي ؛ حيث أن هذه الطريقة في العلاج تفترض أن الأفراد التوحديين لديهم مشكلات في التكامل الحسي نتيجة عدم قدرة أدمغتهم على دمج المثيرات البيئية من الحواس ، فإن البرنامج التدريبي المعتمد على هذه الطريقة يتضمن تدريب اللمس ، وتدريب الحس الدهليزي وتدريب الحس المرتبط بموقع الجسم وغيرها من التدريبات التي تزيد كفاءة التكامل الحسي .
2 ـ البرامج العلاجية التي تعتمد على المهارات :
تقوم هذه البرامج على فكرة أن الأفراد التوحديين يظهرون مشكلات في عدد من المهارات التي تحد من تفاعلهم مع الآخرين ، من هنا ، فإن تدريبهم على تلك المهارات من شأنه أن يحسن سلوكياته الاجتماعية والتواصلية ويقلل من سلوكياتهم التوحدية .
ومن أهم تلك البرامج (الشيخ ذيب ، 2004 Lockshin et al.,2005) .
أ ـ نظام التواصل المعتمد على تبادل الصور ؛ ويسعى هذا النظام إلى تعليم التواصل الفعال عن طريق وسائل بديلة مثل الصور .
وهذه الطريقة سهلة التطبيق ، ولا تحتاج إلى أجهزة أو تدريب مكثف بحيث يسهل على المعلمين أو الوالدين استخدامها ، ومن الكثير من المواقف الحياتية وليس فقط في المدرسة .
ب ـ التواصل الميسر ؛ وتعتمد هذه الطرقة على التواصل اللفظي بتدريب الأطفال التوحدي على نطيق الكلمات وعلى التعبير عن أنفسهم وتقديم التلقين الجسدي لهم.
ج ـ القصص الاجتماعية ؛ وتهدف هذه الطريقة إلى تزود الأفراد التوحديين بالسلوك الاجتماعية المرغوب فيه عن طريق القصص الاجتماعية الهادفة التي تتضمن عبارات وصفية وإرشادية وتوجيهية بحيث تزويد الأفراد التوحديين بمعلومات هامة عن الأشخاص والأوضاع ووصف السلوك المناسب بالإضافة إلى وصف المشاعر .
هـ ـ جداول النشاط المصورة : تتمثل أحداث الاستراتجيات المستخدمة في هذا الصدد كما يرى عادل عبد الله (2004 - 2002) في جداول النشاط المصورة وهي تلك الجداول التي يأخذ كل منها شكل كتيب صغير يتضمن خمس أو ت صفحات تحتوي كل منها على صورة تعكس نشاطاً معيناً يتم تدريب الطفل على أداته .
ولكل نشاط مكونات خمسة تتمكن في إمساك الطفل بالجدول وفتحه .
ثم قلب الصفحة والوصول إلى الصورة المستهدفة والإشارة إليها ، ويجب أيضا على الطفل أن يضع إصبعه على تلك الصورة ويسمى ما بها من أدوات إذا كان يعرفها أو ينتظر الوالد أو الباحث أو المعلم ليسمي له كل منهم ثم يقوم هو بترديد تلك الكلمات وراءه .
ويتمثل المكون الثالث في إحضار الأدوات اللازمة في أداء النشاط الذي تعكسه الصورة ثم أداء هذا النشاط والانتهاء منه والذي يمثل المكون الرابع .
أما خامس تعلك المكونات وآخرها فيتمثل في إعادة تلك الأدوات إلى مكانها الأصلي الذي أخذت منه .
وعند تعليم الطفل استخدام مثل هذه الجداول وإتباعها يجب أن يتم تدريبه على تلك المهارات اللازمة حتى يتمكن من استخدامها بسهولة ، وهناك ثلاث مهارات تعد ضرورية حتى يتمكن الطفل باستخدام مثل هذه الجداول ، وأداء الأنشطة المتضمنة .
وتتمثل هذه المهارات فيما يلي :
1 ـ التعرف على الصورة وتمييزها عن الخلفية .
2 ـ التعرف على الأشياء المتشابهة ، وإدراكها ، وتمييزها .
3 ـ إدراك التطابق بين الصورة والشيء الذي تشير إليه .
وتتمثل الأهداف الرئيسية التي تسعى إلى تحقيقها من خلال استخدام هذه الجداول في ثلاثة أهداف رئيسية تسهم بدرجة كبيرة في التغلب على بعض نقاط الضعف التي يتسم بها الطفل التوحدي ، كما يمكن أن تساعد على تحقيق قدر معقول من التطور المنشود .
وتتمثل هذه الأهداف فيما يلي :
1 ـ تعليم الطفل السلوك الاستقلالي .
2 ـ إتاحة مدى أوسع من الاختيار أمام الطفل .
3 ـ تدريب الطفل على التفاعلات الاجتماعية .
وبالإضافة إلى ذلك يمكننا أن نقوم باستخدام مثل هذه الجداول في سبيل تحقيق بعض الأهداف الأخرى التي يمكن أن نحددها فيما يلي :
1 ـ تعليم الطفل مهارات معينة تعد ضرورية بالقيام بأنشطة محددة .
2 ـ إكساب الطفل بعض السلوكيات المرغوبة .
3 ـ الحد من بعض السلوكيات غير الرغوية اجتماعياً .
3 ـ البرامج العلاجية التي تعتمد على النظريات النفسية
يعتمد العلاج النفسي للتوحد على وجهات النظر السائدة حول أسباب اضطراب التوحد .
وحيث أن اضطراب التوحد كان يعتمد سابقاً على أنه اضطراب انفعال يساهم الوالدان في مساهمة أساسية ، فقد كان العلاج عن طريق التحليل النفسي هو الأسلوب السائد حتى السبعينيات من القرن الماضي (National Academic.Council,1991) ومن الأهداف الأساسية لتحليل النفسي إنشاء علاقات قوية مع نموذج يمثل الأمة المتساهلة المحبة ، وهي علاقة لم تستطع أم الطفل التوحدي أن تزوده بها ، وإن هذه العلاقة قد تأخذ سنوات حتى تتطور خلال عملية العلاج النفسي .يتضمن العلاج مرحلتين ، في الأولى يزود المعالج الطفل بأكبر كمية ممكن من الدعم وتقديم الإشباع وتجنب الإحباط مع التفهم والثبات الانفعالي من قبل المعالجة ، وفي الثانية يتم التركيز على تطور المهارات الاجتماعية وتأجيل الإشباع والإرضاء .
وتنفيذ معظم برامج المعالجين النفسيين للأطفال على شكل جلسات للمريض الذي يجب أن يقيم في المستشفى وتقديم بيئة بناءة وصحية من الناحية الانفعالية .
كما يستخدم أسلوب لعلاج البيئي كأحد أساليب النظريات النفسية ، ويتضمن هذا الأسلوب تقديم برامج الطفل التوحدي والتي تعتمد على الجانب الاجتماعي عن طريق التشجيع والتعلم على إقامة علاقات شخصية .
هذا ، وتعتبر هذه البرامج مثار جدل واسع بين المختصين (Siegel,1998) .
4 ـ البرامج التربوية للأطفال التوحديين
هناك الكثير من البرامج التربوية التي اقترحت للأطفال التوحديين بسبب التباين في وجهات نظر الاتجاهات النظرية التي تعتمد عليه مثل هذه البرامج والفلسفة التي يتبناه الباحثون .
وتقوم البرامج التربوية للأطفال التوحديين في الأساس على استخدام إجراءات تعديل السلوك ، ذلك أن إجراءات تعديل السلوك تقوم على أسس موضوعية وليس على انطباعات ذاتية ، كما أنه أسلوب لا يضع اللوم على الوالدين ، وعلى العكس من ذلك فإنه يشرك الوالدين في عملية العلاج .
كذلك فإن إجراءات تعديل السلوك ، تعتمد على مبادئ وقوانين التعلم التي بمكن أن يتقنها المعلمون بسهولة مقارنة بالأساليب الأخرى .
وبالإضافة إلى إجراءات تعديل السلوك ، فإن البرامج التربوية يجب أن تتضمن تركيزاً على الجوانب اللغوية النطقية عند الطفل التوحدي ، وذلك بإجراءات تهدف على تحسي التواصل اللغوي الذي يفتقده الأطفال التوحديون بالإضافة إلى إجراءات التعلم المباشر على مهارات أساسية ضرورية في الجوانب الأكاديمية ومهارات الحياة اليومية .
والاهتمام بالأطفال التوحديين والسعي إلى تقديم برامج علاجية وتربوية لهم جعل الكثير من الباحثين يجتهدون لتصميم برامج فعالة تهدف إلى تلبية احتياجاتهم ، ومن أشهر البرامج العالمين ، وما يلي : (الشيخ ذيب ، 2004) .
أ ـ برنامج علاج الحياة اليومية ؛ وه وبرنامج ياباني ، يهدف إلى العم إلى استقرار انفعاليات الأطفال التوحديين ومشاعرهم والعمل على إعادة التوازن إلى جميع مجالات حياة الطفل ، بالإضافة إلى تطويره من النواحي المعرفية والمهاراتية .
ويستخدم في هذا البرامج منحى تحليل السلوك التطبيقي من خلال استخدام عدد من إجراءات تعديل السلوك ، أهمها التلقين ، والإخفاء ، والإطفاء ، والتعزيز التفاضلي للسلوك البديل .
ب ـ برنامج التدريس المنظم ؛ علاج وتربية الأطفال التوحديين وذوي الإعاقات التواصلية .
وهو من البرامج الأكثر شهرة في مجال التدخل التربوي لدى للطلبة التوحديين وذوي الإعاقات النمائية ، ويستخدم في العديد من دول العالم ، وقد أسسه إيرك سكوبلر (Eric Schopler) عام 1964 في أمريكا .
ويعتمد البرنامج على المثيرات البصرية كأفضلية على المثيرات اللفظية مع التشديد على ضرورة التعلم المنظم باعتباره أفضل من طرق التعلم الأخرى .
وذلك عن طريقة تكيف الفرد من خلال تطوير مهاراته الشخصية بإجراء التكيف والتعديل في البيئة ، وكذلك تصميم برنامج تربوي فردي اعتماداً على التقييم .
ويستخدم هذا البرنامج العلاج السلوكي والمعرفي باستخدام المثيرات البصرية والتركيز على الإرشاد الفردي وإشراك الوالدين .
ج ـ برنامج دينفر للعلوم الصحية ؛ يعتمد هذا البرنامج على الاتجاه النمائي حسب نظرية بياجية في النمو المعرفي ، ويطبق من قبل فريق متعدد الاختصاصات ويشمل منهاج هذا البرنامج مجالات التواصل ، واللعب ، والمجال الاجتماعي ، والمجال الحسي ، والمجال الحركي .
ويتبنى البرنامج فلسفة تعتمد على التأكيد على أهمية مشاركة الأسرة في البرنامج العلاجي وتزويد الأطفال التوحديين بالأنشطة التعليمية .
كما يركز البرنامج على التواصل اللفظي والرمزي في وقت واحد ، بالإضافة إلى تنظيم واستخدام اللعب والتركيز على التعليم النهاري .
د ـ برنامج مشروع الأطفال التوحديين ، وهو برنامج يعتمد على التطبيقات العلمية للاشتراط الإجرائي المرتبط بالعالِم سكنر ، والذي يرى أن السلوك الإنساني متعلم من خلال إجراءات ضبط المثير وكذلك من خلال التعزيز وغيرها من التطبيقات العملية لنظرية سكنر .
ويؤكد هذا البرنامج على تشكيل السلوك وليس التلقين كما تقوم عليه البرامج الأخرى .
ويكز البرنامج على السلوك التوحدي أكثر من التركيز على التشخيص ، كما يركز على البيئة الحالية .
هـ ـ برنامج الخبرة التعليمية : برنامج بديل ؛ وهو برنامج حديث نسبياً تم تطويره عام 1994 .
ويعتمد هذا البرنامج على الدمج وتطوير المهارات الاجتماعية في الأوضاع الطبيعية باستخدام المجموعات والاستفادة من خبرات الأطفال الآخرين في عملية التفاعل .
ويعتمد البرنامج على فكرة أن الأطفال التوحديين يستفيدون من برامج الطفولة التي تتبنى فلسفة الدمج ، بالإضافة إلى أهمية إشراك الوالدين ، وأن النشاطات المنهجية يجب أن تنسجم مع الجوانب النمائية .