"التحرش" بالأطفال.. ثقافة العيب تخفيه.. ولابد من قوانين صارمة
دراسة لمركز الأمير جلوي بن مساعد لتنمية الطفل: واحد من كل أربعة أطفال في السعودية تعرَّض للتحرش
- السواد الأعظم من أُسَر المتحرَّش بهم فضَّلوا التكتم خوفاً من الفضيحة ويخجلون من الحديث عن التحرُّش مع أطفالهم
- المتحرِّش إما فاشل مهنياً واجتماعياً أو متزوج ومرموق أسرياً لكن شخصيته تميل للسادية
- معتوق الشريف: ننتظر لائحة تنفيذية ونظام صارم يجبر على احترام الطفل
- القراش: الطفل المتحرَّش به يصبح غير سوي في المستقبل ويبحث عن الانتقام من المتحرِّش أو المجتمع
- هند خليفة: ضرورة تفعيل قانون يحمي الطفل من التحرُّش
- مها السراج: ليس للإعلام أي دور إيجابي في توعية الطفل
- المحيمد: التحرُّش يخضع للعقوبات التعزيرية التي يحددها القاضي
ريم سليمان- سبق- جدة: جاءت حادثة الطفل "راشد" الأخيرة، الذي قتله قريبه في شرورة لرفضه التحرش به، لتزيد من المطالبات بقانون حازم؛ يحمي الأطفال من التحرش. فمع كل حادثة تحرُّش جديدة بالأطفال تتعالى الأصوات محذرة، ومطالبة بالاهتمام الكافي من المسؤولين، وتطبيق الأنظمة بحسم ضد كل "متحرِّش" يستغل براءة الأطفال.
وكانت دراسة صادرة من مركز الأمير جلوي بن مساعد لتنمية الطفل قد أوضحت أن نسبة التحرش الجنسي بالأطفال في السعودية تبلغ (22.5) %، أي واحداً من كل أربعة أطفال تعرَّض للتحرش، وهو معدل خطير، ودليل على أن التحرش نسبته في تزايد. كما أوضحت الدراسة أن من أهم أسباب انتشار التحرش بالأطفال انتشار الإباحية بجميع أشكالها، مع انحلال القيم، وتعدد طرق الاتصال التي قد تعرِّض الطفل للتحرش.
وتبيِّن بعض القصص الواقعية التي وردت على ألسنة المتحرَّش بهم من الأطفال أن غالبية الجرائم التي وقعت بحقهم كان أبطالها من الأقارب وأصدقاء العائلة والمنحرفين من أفراد المجتمع والسائقين، وأن السواد الأعظم من أسر المتحرَّش بهم فضلوا التكتم خوفاً من الفضيحة.
وعن الحاجة لسرعة تطبيق القوانين والأنظمة الصارمة لحماية الأطفال من التحرش يدور تحقيقنا الآتي:
دور الأسرة
قالت الباحثة في مجال التربية الجنسية للأطفال هند خليفة: "حادثة الطفل الذي قُتل على يد أحد أقاربه تُعدُّ من الحوادث النادرة التي يقتل فيها المتحرِّش مَنْ تحرَّش به من الصغار، على عكس المغتصِب". لافتة إلى أنه "ربما كان يعاني مرضاً نفسياً، أو حاول كثيراً التحرش بالطفل، ورفضه المستمر أدى إلى قتله".
ورأت أن الأسرة عليها الدور الأكبر في الحد من ظاهرة التحرش بالطفل، ملقية باللوم على كثير من الأسر التي تخجل من الحديث عن التحرش مع أطفالها، وتعتبره من ثقافة العيب. وقالت: "على الأم تحذير الأطفال المستمر من لمس أحد لجسدهم، حتى من الأقارب، وإذا وقع ذلك فعليه إبلاغها على الفور، مثلما تحذره من عدم لمس السكين وخلافه".
وتابعت: "يشعر الطفل بالأمان عندما يرى أن أسرته تقف بجواره، وتأتي له بحقه حتى من أقاربه".
وأفادت "خليفة" بأن حالات التحرش بالأطفال سهل علاجها، ومحو أثرها إذا حدثت مرة، أما إذا تكررت مع الطفل فمن الصعب علاجها، وتترك آثاراً نفسية كبيرة، وقد تكون لها ردود فعل شاذة عند الكِبَر.
وتساءلت: "لماذا لا توجد في مدارسنا من الروضة دراسة تعلِّم الأطفال كيفية الحفاظ على الجسد مثلما يتعلمون الألوان والنباتات وغيرها، بما يتلاءم مع المرحلة العمرية، وتكبر مع أطفالنا، حتى تصبح ثقافة عامة، ينشأ عليها الطفل منذ الصغر؟".
وأكدت أن "الأم عليها الدور الأكبر في الحد من ظاهرة التحرش؛ فالمشكلة أساسها المنزل الذي يرفض الحديث مع الأطفال في الثقافة الجنسية، ثم يلوم على المجتمع إذا وقعت حادثة". وقالت: "لا بد من الحديث مع الطفل مراراً حول كيفية الحفاظ على جسمه، وكيفية التصرف إذا حاول أحد لمسه".
وطالبت "هند" بضرورة تفعيل قانون يحمي الطفل من التحرش به، كما طالبت بوجود هيئة خاصة تتبنى الأفكار حول كيفية الحد من التحرش، وبرمجتها، وتوظفيها في جهات متعددة؛ حتى نحمي الطفل.
وأعربت عن أمانيها بفتح القضية، والبحث عن الحلول.. ثم قالت: "ما يحدث الآن هو أننا ننام طويلاً، ثم نصحو على حالة جديدة، وبعدها ننام ثانية إلى أن تأتي أخرى". مؤكدة أن القضايا لا تُحل بهذا الشكل.
كارثة أخلاقية
وتحدث عضو برنامج الأمان الأسري، عبدالرحمن القراش، لـ "سبق" موضحاً أن "الاعتداء الجنسي على الطفل يعدُّ كارثة بكل المقاييس الإنسانية، وانتهاكاً صارخاً للقيم"، متسائلاً: "هل يمكن أن يعيش الطفل حياة سوية بعد تعرضه لحادث تحرش؟ وهل توجد له فرصة لاستكمال حياته بطريقة طبيعية؟ وهل سيعاني أزمات نفسية؟". معبراً عن خوفه من أن يصبح الطفل شخصية غير سوية في المستقبل؛ تبحث عن الانتقام من المتحرِّش أو الانتقام من المجتمع.
وعن شخصية المتحرِّش قال القراش: "غالباً ما تكون شخصية الجاني هشة، تعالج إحباطها وفشلها بالعنف الجنسي، غير مكترثة بفداحة هذا الأمر. كما أن هناك أسباباً قد تحول الشخص إلى متحرِّش، وربما مغتصب، أهمها: التفكك الأسري، والتعطش للحب والحنان". لافتاً إلى أنه "ليس بالضرورة أن يكون المتحرِّش فاشلاً مهنياً أو اجتماعياً؛ فربما يكون متزوجاً ومرموقاً، ولكن النزعة النفسية لهذا السلوك المشين متغلغلة في تركيبته الشخصية التواقة للسادية".
غياب القانون
وأوضح القراش أن "ضعف الوازع الديني، مع غياب الرادع القانوني الواضح، وتكتم المجتمع، زادت من حالات التحرش والاغتصاب". وطالب بعقاب المتحرش بالأطفال على درجة القسوة نفسها، وعدم التهاون معهم، وعدم التستر؛ لما يسببونه من آثار نفسية، قد تؤثر في الطفل طوال حياته.
وأكد عضو برنامج الأمان الأسري أن "حماية الطفل تعد مسؤولية مشتركة بين ثلاث جهات: أولهما الأسرة، ثم المدرسة، وبعدها المجتمع. وكلٌّ له دوره تجاه الطفل. فالأسرة مصدر الأمان الأول، وعليها التوعية والمراقبة. والمدرسة يجب ألا يقتصر دورها على التلقين والتعليم. أما المجتمع فيجب أن يكون هناك توعية تثقيفية من مراكز التنمية الاجتماعية والأسرية في كل مدينة للآباء والأمهات حول كيفية التعامل مع الأبناء ومتابعتهم".
برامج تافهة
وأنحت الإعلامية مها السراج باللائمة على غياب دور الإعلام بأنواعه المتعددة في توعية الأطفال، وقالت: "الإعلام المرئي الموجَّه للطفل ينقسم إلى برامج تافهة، لا ترتقي إلى المستوى التوعوي والمفيد، وأخرى أفلام كرتون مدبلجة، تساهم بشكل سلبي في انتشار تلك الظواهر السلبية الموجودة".
وتابعت: "أما الإعلام الإلكتروني فيوجِّه رسائل تدعو إلى العنف والذبح؛ ما ينتج منه طفل بدون مشاعر ولا رحمة، حتى أدب الطفل هناك إهمال كبير له، وتجاهل لمخاطبة الطفل عن طريق الكتاب للتعرف على الطرف الآخر وكيفية التعامل معه".
وقالت السراج: "للأسف، الإعلام الموجَّه للطفل لا يخلق أجيالاً واعية. لماذا لا يوجد برامج موجهة للأطفال، تجتمع عليها الأسرة بأكملها، بدلاً من برامج الرقص التي انتشرت بشكل لافت؟".
نظام صارم
"سبق" تواصلت مع رئيس الجمعية السعودية للطفولة معتوق الشريف، الذي أبدى تفاؤلاً كبيراً بإقرار مجلس الوزراء نظام حماية الطفل "بيد أننا الآن في انتظار اللائحة التنفيذية، التي سوف تحد كثيراً من الحوادث الموجهة للأطفال".
وبسؤاله عن التشريع وكيفية حمايته للطفل، قال: "التشريع يعتمد على الشريعة الإسلامية، ثم الاتفاقيات التي وقَّعت عليها السعودية، ولا يتم التغافل عن العادات والتقاليد؛ ما يجعله نظاماً يحمي الطفل إذا تحقق ونُفِّذ كما يراد له".
وأعرب عن مخاوفه من بطء التفعيل كما كان سابقاً "بيد أن بارقة الأمل الآن هي وجود الأمير خالد الفيصل رئيس اللجنة الوطنية للطفولة؛ ما سيعجل بظهور النظام إلى النور قريباً". وعن وجود إحصاءات متعلقة بنسب التحرش بالأطفال قال الشريف: "العنف ضد الأطفال بات ثقافة يومية سائدة، ويختلف من اللفظي مروراً بالتحرش والعنف البدني".
كما لام على الإعلام تقصيره تجاه الطفل وتوعيته، لافتاً إلى نتائج دراسة تحليلية قام بإعدادها، وخلصت نتائجها إلى أن كبرى الصحف في السعودية لا تتناول أي توعية للطفل، بل تساهم بأشكال متعددة في الإساءة إليه. لافتاً إلى البرامج التي تدعو إلى انتهاك حقوق الطفل.
وأنهى معتوق حديثه بتأكيد ضرورة وجود نظام صارم وسلطة تجبر الجميع على الالتزام، وذلك بلائحة قوية، توضح آليات العمل على الواقع.
عقوبات تعزيرية
وبدوره، أوضح المستشار القانوني عضو الأمان الأسري الوطني أحمد المحيمد أن "قضايا القتل وانتهاك العِرض والاغتصاب من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف. وفي مثل هذه الجريمة نحن أمام جريمة مركَّبة؛ تشدَّد فيها العقوبة، ويُقام فيها الحد الشرعي على الجاني، وفق حكم القضاء الشرعي، كما أنها تُعد من الدعاوى الجنائية التي تختص بها الشرطة وهيئة التحقيق والادعاء العام".
وتابع: "يتم التحقيق في الجريمة والمطالبة القضائية وفق نظام هيئة التحقيق الادعاء العام ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المرافعات الشرعية، ولذوي المجني عليه إقامة الدعوى في الحقين العام والخاص، وإن كان الحق العام يطبق بمجرد ارتكاب الجريمة. وعلى المحكمة أن تنظر الدعوى، وتصدر فيها حكماً شرعياً بالإدانة، ومعاقبة الجاني بالعقوبات الحدية والتعزيرية المشددة فوراً".
وقال المحيمد: "التحرش بحد ذاته يخضع للعقوبات التعزيرية التي يقدرها القاضي، ومنها السجن والجَلْد على حسب نوع الجريمة وضررها، كما يطبق نظام الحماية من الإيذاء على حالات التحرش التي تحدث داخل نطاق الأسرة إذا كانت من الأقارب".
وأعرب عن أمانيه بتقنين وتنظيم نظام عام وشامل للحماية، يشمل العنف والإيذاء والتحرش والعنصرية والاستغلال، وكل ما من شأنه الإساءة للإنسان، خاصة المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة.