مستشار وباحث في تربية الأبناء
هناك مشكلة عامة عند طلبة المدارس تتمثل في عدم فهم مادة الرياضيات أو الخوف منها أو هناك ما يسمى بصعوبات تعلم الرياضيات. ما هي مظاهر صعوبات تعلم الرياضيات على الطفل؟
علم الرياضيات هو علم غريب وعجيب وجميل في نفس الوقت ولا يشعر بمتعته إلاّ من يفهمه, وأنا أعتقد أن كل شخص قادر على فهم مادة الرياضيات.
وهو علم تراكمي بمعنى أنه لا يمكن تعلم معرفة تالية أو مهارة تالية إلاّ إذا كنت على فهم كامل بالمعرفة والمهارة السابقة, وهو علم يتعامل مع العقل البشري بصورة مباشرة وغير مباشرة ويتكون من أسس ومفاهيم وقواعد ونظريات وهو رياضة للعقل. والشخص الذي يكون لديه مقدرة على ممارسة علم الرياضيات بشكل ممتاز تنمو لديه قيم واتجاهات وعادات إيجابية مثل (الصبر, والنظام , والدقة, والتعاون) وغيرها من العادات, بمعنى أن له انعكاسات أخرى إيجابية على حياة الفرد الممارس إذ تصبح لديه المقدرة أكثر من غيره على حل المشكلات والتعامل معها.ويجب التفريق بين الرياضيات والحساب, فالرياضيات هو دراسة البنية الكلية للأعداد وعلاقتها مع بعضها بينما الحساب هو إجراء العمليات الحسابية.
لذا سأبدأ كلامي انطلاقاً من الحساب لأنه العلم الذي يبدأ الطفل باكتسابه من المرحلة الابتدائية أو حتى في سن ما قبل المدرسة في أيامنا هذه, إذ يبدأ الطفل بتعلم مفهوم العدد, أي ما المقصود بالعدد خمسة أو العدد ثمانية. فإذا كان أساس الطفل به شيء من الخطأ سيستمر هذا الخطأ معه ويتراكم حتى يصل للمرحلة الثانوية, هنا تكمن مشكلة الحساب أو الرياضيات أن الأساس غير المدروس والخطأ يراكم خطأ,.... وتتطور المشكلة لتصبح في عداد ما يسمى بصعوبات الرياضيات.وقد تتطور المشكلة إلى ما يسمى (فوبيا الرياضيات) أو القلق من مادة الرياضيات.
وسأبدأ بشرح حول ما هي ملامح صعوبات الرياضيات على الطفل, ثم سننتقل إلى مرحلة التخلص منها وسنعرج إلى أسباب الصعوبات وقد يكون ذلك في حلقة أخرى قادمة.
ما هي ملامح صعوبات تعلم الحساب على الطفل؟
تشير الدراسات أن الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلم الرياضيات لديهم اضطراب في إدراك العلاقات المكانية وهي عدم إحساسهم بالفراغ والحجم والمسافة وهذه العلاقات يفترض أن تكون قد نمت في سن ما قبل المدرسة من خلال الروضة الأولى والثانية, لذلك فهم يعانون من صعوبة في المفاهيم المجردة للوقت : منذ عشر دقائق/خلال نصف ساعة/ بعد ربع ساعة....
هذه مفاهيم يفترض أن تكون من قاموسه وإن لم يستطيع أن يميّز ذلك كما ذكرنا فعنده مشكلة ظاهرة أو قد تظهر في تعلم الرياضيات, وكذلك صعوبة إدراك العلاقات والاتجاهات, مثل عدم القدرة على إدراك معنى:
أعلى / أدنى / قريب / بعيد / فوق / تحت / قمة / قاع .
فهذه مفاهيم يفترض أن تكون مدركة منذ عمر (5) سنوات أو ست سنوات ويكتمل تشكلها بعد سن دخول المدرسة بشكل ممتاز
وقد تكون المشكلة أوضح للأهل إذا لم يستطع طفلهم إدراك مفاهيم الأعداد والأرقام ومدلول كل عدد والمقصود بالمفهوم, معنى كلمة (5) , يعني إذا وضع للطفل (10) أقلام وقلت له أعطني (6) أقلام منها, إذا لم يستطع إدراك معنى (6) أقلام فهناك مشكلة......
وإذا كان الطفل في الصف الأول أو الثاني, فالكل يعلم أنه يجب أن يفرّق بين الحقائق الرياضية وهي العمليات الأربعة (+ , - ,× , ÷ ) فإذا لم يفرّق بين هذه الحقائق ويدرك عملها فهناك مشكلة لدى الطفل. وبعضهم تظهر عليه في عدم قدرته على فهم التسلسل التصاعدي أو التنازلي للأعداد وقراءتها, والعدد الأكبر والعدد الأصغر , السابق واللاحق..
وعدم القدرة على قراءة الأعداد المكونة من خانات متعددة, وهناك أطفال تظهر عندهم المشكلة في عدم قدرتهم التمييز بين الأرقام المتشابهة في الكتابة ولكن مختلفة في الاتجاه مثل (2 , 6 ) , (7 , 8), فبعضهم يكتب العدد (17) على أنه (71) والعكس.
والبعض يعاني من إدراك الفرق بين الأشكال الهندسية والعلاقة بين الأطوال والأوزان.
هذه بعض المشكلات التي يمكن أن تظهر على الطفل منذ الطفولة والتي قد تدلل على وجود مشكلة في تعلم الرياضيات والحساب . ونحن إذ نذكر هذه المشكلات والملاحظات إنما هي للفائدة, ويجب العلم أن تعلم وتدارك مثل هذه المشكلة عند أطفالنا هي قضية سهلة جداً, فالعجز في أداء المهام الحسابية ينتج من نقص في التنظيم البصري عند الطفل, أو قد يكون بسبب اضطراب بسيط في عمليات الذاكرة أو حتى يتمكن أن تكون بسبب صعوبات في القراءة والفهم للغة, وفي كل الأحوال فإن علاج ذلك سهل من خلال التدريب الأكاديمي وهو متوفر في كثير من المراكز المختصة بذلك.
أيً كانت المشكلة فهناك أساليب سهلة لإظهار المشكلة من خلال التشخيص والتقييم بأساليب عملية وواقعية وسهلة ثم معالجة المشكلة ولكن كلما كان الطفل أصغر كلما كان العلاج أسهل وأنجع.
ما هو الأسلوب الصحيح في تعليم أبنائنا الرياضيات حتى لا تظهر مظاهر الضعف أو صعوبات تعلم الرياضيات؟
تكلمنا في الحلقة السابقة عن صعوبات التعلم وكيف يمكن تحسسها, وما هي مظاهرها على الطفل ...
وتكلمت عن مظاهر عديدة من صعوبات الرياضيات من حيث عدم إحساس الطفل في الفراغ والحجم والمسافة وكذلك الزمن وتكلمنا أن طفل الصعوبات يمكن أن يكتب العدد (6), (2) أو العدد (8) ,(7) وفي كثير من الأحيان لا يستطيع التفريق بين الإشارات أو الحقائق الرياضية الأربعة وهي (+ , - ,× , ÷ ) , ولكن الأهم من ذلك, كيف يمكن تفادي وقوع الطفل في مشكلة ضعف الحساب؟
وللكلام عن كيفية علاج صعوبات التعلم يجدر الذكر أولاً , أن علم الرياضيات حتى يكون علم راسخ عند طفلك وينشأ قادر على ممارسة هذا العلم بسهولة وأن لا يواجه مشاكل فيه يفترض أن يقوم على مبادئ أربعة :
أولاً: مرحلة الأساس القوي.
وهذا يجب أن يعيه الوالدين منذ الطفولة, ومنذ أن كان ابنهم في الصف الروضة (ما قبل المدرسة) فيتأكدون من أنه يستطيع العد حتى العشرة أو العشرين ويعي مفهوم العدد الذي تكلمنا عنه الحلقة السابقة, ويجدر الذكر أن هذه المرحلة تسمى مرحلة (التعلم الحسي) والمقصود أن المعلم يعالج ويدرس محتوى المنهاج ومهاراته من خلال أشياء حقيقية وفعلية ملموسة, مثل : المكعبات والأدوات والألوان والتعامل مع جميع هذه الأدوات من خلال الحس والعمل.
ثانياً : مرحلة ممارسة الرياضيات.
فمادة الرياضيات علم يعتمد كما ذكرنا على إضافة معلومة جديدة فوق المعلومة السابقة, فإذا لم يكن التعلم السابق قوي ستكون المعلومة المضافة أيضاً ضعيفة.
لذا يجب أن يدرك الوالدين في الدرجة الأولى أن ممارسة حل تمارين وأسئلة إضافية على كل درس يدرسه ابنهم هو من الضروريات في علم الرياضيات, ويا حبذا أن تكون الأسئلة تراكمية, بمعنى كل درس يأخذه الطالب يُعطى أسئلة وتمارين على جميع ما سبق ولكن بالمنطق والمعقول ونركز على المفاهيم الأساسية الضرورة للمستقبل, أقصد بهذا طلبة الصف الأول والثاني والثالث لأن هذه الصفوف تأسيسية.
والتدريس هنا يفترض أن يعتمد على التدريس التمثيلي, باستخدام الصور والأشكال والرسوم المختلفة لأشياء حقيقية أو فعلية وجعل الطفل يمارس بيديه ويتعرف بنفسه على كل شيء حوله في البيئة لذلك تسمى (المرحلة التمثيلية).
وهذه المرحلة حقيقة تعتمد على ما سبقها, فإذا كان أساس الطفل قوي في الروضة (المرحلة الحسية) ومارس الرياضيات والعمليات الحسابية بسهولة أثناء المرحلة التمثيلية , ووجد المعلم والأهل المتفهمين لطبيعة التدريس في هذه المرحلة فإن انتقاله للمرحلة الثالثة سيكون سهلاً وتلقائياً, لأنه هذه المرحلة تبدأ في الظهور في الصف السادس والسابع وما بعد من خلال دراسة القوانين, مثل: مساحة المربع والمستطيل, والأوزان والأطوال والفرق بين المتر والسنتمتر والكيلومتر وكيفية التحويل بينهما, وفي هذه المرحلة أيضاً , إذا مزجت بالتدريس التمثيلي فإنها ستكون أفضل من خلال إحضار الوسائل التعليمية على الصف, ويا حبذا أن تكون هذه الوسائل من صنع الطلبة أنفسهم, وتوجيه الطالب نحو الانترنت وطرق استخدامه بالطريقة الصحيحة, سواء للرياضيات أو المواد الأخرى.
ثالثا : مرحلة الذاتية .
إذا استطاع التلميذ المرور من المراحل الثلاث السابقة بسهولة فإنه سيدخل ذاتياً للمرحلة الرابعة والأخيرة وهي ممارسة الرياضيات ذاتياً, وهذه المرحلة نتيجة طبيعية, لأي عمل تراكمي متسلسل منطقياً قائم على أساس قوي .
واذكر على سبيل النصيحة أيضاً والتأكيد: احرص أخي المربي / أختي المربية أن توفر لتلميذك فرصة ملائمة لمراجعة ما تم تعلمه وباستمرار, واختبار مدى هضمه وتمثل وديمومة الاحتفاظ بالمعلومات.
ولا بد من العلم أن الطالب بحاجة للممارسة المباشرة والدائمة, لذا :
- احرص على التنويع في طرق وأساليب التدريس.
- تقديم تغذية راجعة فورية على هذه الممارسات.
- احرص على تمكين الطالب من تعميم نواتج التعلم في المواقف الحياتية الجديدة, ومن ثم حل المشكلات ذات الطبيعة الحياتية والواقعية, لأن الأساس في علم الرياضيات أن يصل بالطالب إلى القدرة على التفكير العلمي وحل المشكلات والحكمة في حياته, بحيث تصل به إلى الابتكار وإثارة الأفكار.