الزنــــــــــا فـــــي التشريــــــــــع الإسلامـــــــي
مقدمة
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , ولن تجد له من دون الله ولياً مرشداً.
ونصلي ونسلم على رسول الرحمة المهداة والنعمة المسداة للبشرية جمعاء , حكم فعدل وحارب الظلم والظالمين . أقام الحدود والقصاص والتعازير بالقسط والعدل , ورضي الله عن صحابته أجمعين الذين استجابوا لله وللرسول حين دعاهم لما يحييهم , فأحياهم وجعلهم قادة مهديين , هدى الله على أيديهم العرب والعجم وحطم على أيديهم الكيانات السياسية الظالمة . قال تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ۚ).
من المسائل المطروحة في ضوء الشريعة الإسلامية، مسائل الجنايات التي ظهرت في العصور الماضية والحاضرة , وهي مسائل لابد فيها من بحث واضح يجلي ما ينبني عليها من أحكام , خاصة وقد وجدت في العصر الحديث أنواع جديدة، ووقعت نوازل خطيرة من الجنايات الحديثة.
ومن هنا تأتي أهمية البحث في مثل هذه المواضيع ولكن هنا سنقتصر على البحث في موضوع واحد قد تكررت فيه البحوث والرسائل والمؤلفات وهو الزنا فمن المشاهد المعروف أن الزنا من الجرائم الأخذة في الانتشار ، حتى إنها اقتربت من توصيفها كظاهرة أخذت تتفشى في مجتمعنا ، الذي كان يوصف يوما بأنه مجتمع محافظ تقل فيه هذه الأشياء وينظر لفاعلها نظرة المغضب ، ونظرا إلى أن الزنا يؤدى إلى جرائم أخرى ، مثل جرائم الشرف وهى قتل الفاعل ، كما انه يؤدى إلى اختلاط الأنساب ،وتفكك المجتمع ،وانحلاله وضعف الرابطة الأسرية ، لذلك وجب أن يكون له التوصيف المناسب في القانون والعقوبة الرادعة ، التي تحد من انتشار مثل هذه الجرائم .
ولذلك فإن من أهمية البحث في هذا الموضوع هو استشعار الكرامة الإنسانية والعقل الذي ميز الله به الإنسان عن سائر المخلوقات الحية . قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ).
وقد قمت بتقسيم هذا البحث إلى ستة فصول يندرج تحت كل فصل مباحث متخصصة في اتجاه معين عن موضوع البحث وقد يندرج تحت بعض هذه المباحث متطلبات لزيادة الإيضاح وعموم الفائدة.
الفصل الأول
تعريف الزنا وحكمه
المبحث الأول : تعريف الزنا في اللغة والاصطلاح.
المبحث الثاني : حكم الشرع في الزنا.
المبحث الثالث : سلبيات الزنا وأضراره.
المبحث الرابع : الإسلام حرم الزنا ودواعيه.
المبحث الخامس : تدرج عقوبة الزنا.
المبحث السادس : شروط وجوب حد الزنا.
تعريف حد الزنا :
اصطلاح حد الزنا مكون من كلمتين الأولى حد والثانية زنا أما الحد فهو عقوبة مقدرة من الله تبارك وتعالى لا يملك حاكم أو غيره الإنقاص من هذه العقوبة أو الزيادة عليها أو العفو عنها .
وأما الزنا فقد ورد بعدة معان.
فقيل العين تزني وزناه النظر .
وقيل الفم يزني وزناه القبلة .
وقيل البد تزني وزناها البطش .
وقيل الرجل تزني وزناها المشي .
الزنا أيضا يأتي بمعنى الجماع المحرم مع غير الزوجة وملك اليمين وهذا هو المعنى المتبادر للذهن .
حكم الشرع في الزنا :
لقد وردت نصوص في الكتاب والسنة تحرم الزنا تحريما قاطعا .
من كتاب الله :
أ- قال تعالى : ( وَلاَتَقْرَبُواالزِّنَىإِنَّهُكَانَفَاحِشَةًوَسَاءَسَبِيلاً).
فالآية نهت عن الاقتراب منه وعدته فاحشة وطريقا مستقبحا ومذموما في قضاء الشهوة الجنسية , فحرمته تحريما واضحا ونفرت كل من عنده أثارة من دين أن يقع فيه أو ان يقترب منه .
ب- وقال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
فالآية نصت على عقوبة الزانية والزاني بجلد كل منهما مائة , وهذه العقوبة تدل على تحريم الزنا , لأن الشرع لا يعاقب إلا على فعل المحرمات أو ترك الواجبات.
ومما يجدر ذكره أن الآية قدمت الزانية المرأة على الرجل , لأن الزنا في الغالب يفشو في النساءأقول بل هي الوسيلة التي تغري الرجل للوقوع بها وارتكاب الفاحشة فإن زجرته انزجر وإن أغرته وقع في الضرر والهلاك والإغراء فتهيج وسقط في حمأة الفاحشة .
ج- وقال تعالى : ( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا "15" وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا"16").
فالآية الأولى نصت على عقوبة الزانيات من النساء بالحبس حتى الموت أو حتى تأتي عقوبة أخرى ترفع حكم الحبس المؤبد , والآية الثانية أوجبت إيذاء الزناة من الرجال وهذه العقوبة لا تكونه إلا على فعل محرم وهو الزنا , والفاحشة المقصودة هنا هي فاحشة الزناوسبب وصف الزنا بالفاحشة ; لفحشه وقبحه وما يترتب عليه من آثار تهدم الأسرة والمجتمعوتختلط به الأنساب وغير ذلك من السلبيات.
من السنة :
أ- روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ".
لقد نفى الحديث الإيمان عن الزاني حين يزاول هذه الفاحشة , وهذا يدل على تحريم قاطع وانخرام الإيمان في مرتكبها إن لم يتب توبة نصوحا.
ب- وروى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله : أي الذنب أعظم .
قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك .
قلت : ثم أي ؟
قال : أن تقتل ولدك من أجل أن يطعم معك.
قلت : ثم أي ؟
قال : أن تزاني حليلة جارك " .
فهذا الحديث عن الزنا وبخاصة في زوجة الجار من أعظم الذنوب عند الله عز وجل وأكبرها , بل جاء في بعض ألفاظ الحديث عن الأعمش : أي الذنوب أكبر عند الله , وفي رواية الأعمش عند أحمد وغيره : أي الذنب أكبر؟ وفي رواية الحسن بن عبيد الله ابن أبي وائل أكبر الكبائر.
ج-روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علي وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم , قال أبو معاوية : ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم , شيخ زان , وملك كذاب , وعائل مستكبر".
فالحديث كما ترى يحرم هؤلاء الثلاثة وفي مقدمتهم الزاني وبخاصة إذا كان شيخا من نظرة الله إليهم يوم القيامة ويتوعدهم بعذاب أليم .
سلبيات الزنا :
أ- الضرر الأخروي : إن أهم هذه السلبيات والأضرار هو الضرر الإيماني والأخروي إذ الزنا يفقد الزاني الإيمان ويدخله النيران ويحرمه من الجنان عند الواحد الديان , أعاذنا الله منه ومن الزناة الفاجرين .
ب- العزوف عن الزواج : إن مما لاشك فيه أن الرجل إذا أتيح له أن يصرف شهوته بهذا الطريق المحرم دون تكاليف مادية وكذلك المرأة فإن كل واحد منهما يعزف عن الزواج لأن الزواج مسؤولية تترتب عليه حقوق وواجبات .
ج- الزنا يهدم الأسرة ويقوض أركانها : إن الرجل والمرأة إذا تسنى لهما أن يقضيا شهوتيهما دون ارتباط في عقود والتزامات فإن ذلك يؤدي إلى إضعاف الرغبة في بناء الأسرة المسلمة الملتزمة العفيفة , ومن ثم هدم هذه الأسرة وتقويضها وتناقصها بدل بناء الأسر وزيادتها .
د- الزنا يؤدي إلى اختلاط الأنساب : إن مما لا شك فيه أن الإسلام شرع الزواج للمحافظة على الأنساب وما يترتب على ذلك من حقوق للأصول والفروع والأقارب من صلة الأرحام والوراثة والوصية وغير ذلك , والزنا هو الاتصال المحرم خلسة وخفية من شأنه يؤدي إلى حمل الزانية , والزاني سيتخلى عن ولده من الزنا , وربما نسب الولد إلى زوج الزانية إن كانت متزوجة فينسب إلى غير أبيه , ويترتب على ذلك أن يكون أولاد الزوج ذكورا وإناثا إخوانه وأخواته وهو أجنبي , فيرث معهم ويطلع على عوراتهم , ويتبع ذلك فساد ما بعده فساد .
هـ- الزنا يؤدي إلى الإجهاض : إن المرأة إذا وجدت نفسها حاملا سيضيق ذرعها بما في بطنها من جنين , وبخاصة إذا كانت بكرا أو متزوجة غاب عنها زوجها ولم يتصل بها منذ سنوات وقد يحملها ذلك إلى قتل هذا الجنين وإسقاطه , وهذا حرام شرعا , لأنه اعتداء على حياة مخلوق بريء .
و- الزنا يؤدي إلى شيوع الأمراض في الناس : وهذه الأمراض معدية كالزهري والسيلان وغيرها .
ز- الزنا يفقد الثقة بين الناس ويؤدي إلى التهارح والتقاتل وسفك الدماء : ذلك لأن الإنسان وبخاصة المسلم خلقه الله يغار على عرضه , فالغيرة من الإيمان والغيرة تعني البطش بمن يعتدي على عرضه بالزنا والبطش بالنساء اللواتي يتصلن بنسبه إذا وقعت إحداهن في الفاحشة , وهذا كما ترى يفقد الأمن في المجتمع والدولة , بل يدمر المجتمع ويقوض أركانه فبدل أن يكون مجتمعا متماسكا متوادا متراحما يتحول إلى مجتمع متباغض متنافر متنازع والله يقول : (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ).
ح- الزنا يفضح صاحبه عند الناس وينفرهم منه : فالناس إن علموا بزناه نظروا إليه بأنه خائن لله وخائن لدينه , وهذا الخائن لله ولدينه ينبذه الله ولا يصاهرونه , ولا يزوجونه بناتهم كما لا يتزوجون منه .
ط- الزنا يؤدي إلى اضطراب نفسي عند الزاني : فالقلق وعدم الاستقرار في حياته الذي يولده الزنا يجعله معذبا دائم العذاب ويفقد صاحبه الاطمئنان والسكن النفسي وتنتابه الحيرة والارتباك فلا هو إلى قرار ولا هو إلى استقرار .
ي- الزنا يجمع خلال الشر كله : من قلة الدين , وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة , فلا تجد زانيا معه ورع ولا وفاء بعهد ولا صدق في حديث , ولا محافظة على صديق ولا غيرة تامة على أهله , فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم , وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته , ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله , ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة ومنها : سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت لذي يبدو عليه للناظرين , ومنها ظلمت القلب وطمس نوره , ومنها الفقر اللازم , ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه وأعين عباده , ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء وهي العفة والبر والعدالة ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن , ومنها الوحشة التي يصنعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني , ومنها قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم , ومنها أن الناس ينظرون إليه بعين الخيانة فلا يأمنه أحد على حرماته ولا على ولده , ومنها الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب مسلم , ومنها ضيقة الصدر وحرجه , ومنها أن الزنا يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله وربما قاد إلى سفك الدم الحرام .
قال ابن القيم رحمه الله :} ويكفي في قبح الزنا , أن الله سبحانه وتعالى , مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها , وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله , ومن قبحه أن الله سبحانه وتعالى فطر عليه بعض الحيوان البهيم الذي لا عقل له , كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قردا زنا بقردة , فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى مات وكنت فيمن رجمهما { .
الإسلام حرم الزنا ودواعيه :
إن النصوص من الكتاب والسنة قد حرمت الزن وحرمت دواعيه , لقد أمرت المؤمنين والمؤمنات بغض النظر , قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ) وحرم الإسلام على الرجل أن ينظر المرأة ويتابع النظرة , لأن النظرة بريد الزنا فالنظرة يتبعها ابتسامة والابتسامة يتبعها موعد وتواعد , ثم لقاء وخلوة تنتهي إلى فاحشة .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون أحدكم بإمراة فإن الشيطان ثالثهما , ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله : أفرأيت الحمو , قال : الحمو الموت ".
والمراد بالحمو أقارب الزوج من غير أصوله وفرعه والمعنى احذروا دخول هؤلاء الأقارب على النساء , وهذا يقتضي تحريم الخلوة ومنعها عل هؤلاء الأقارب والأجانب , وقد جرت العادة بين الناس قديما وحديثا أن يتساهلوا في ذلك دون نكير منهم أو من الناس والجيران والأقارب , وهذا التساهل يؤدي إلى الخلوة ثم الزنا وهو الهلاك والموت وبخاصة إذا كانت متزوجة فعقوبتها لرجم وكذلك الرجل المتزوج.
وإضافة إلى النظر باعتباره بريد الزنا فقد حرم الإسلام زنا الفم وزنا اليدين وزنا العينين وزنا الرجلين فهذه عبارة عن زنا مجازي يؤدي إلى الزنا الحقيقي الذي يستوجب الحد.
وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم زنا العينين وزنا هذه الجوارح فقال فزنا العينين النظر , وزنا اليدين البطش , وزنا الرجلين المشي , وزنا الفم القبل , ثم قال : والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج.
تدرج عقوبة الزنا:
إن المتتبع لتاريخ التشريع الإسلامي يجد أن عقوبة الزاني كانت متدرجة بدأت بقوله تعالى : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً"15"وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً"16" ).
لقد فادت الآيتان ما يلي :
ــ إن عقوبة المرأة المسلمة إذا زنت وثبت عليها بشهادة أربعة شهود أن تحبس في البيت حتى تموت أو أن يأتي حكم آخر غير الحبس في البيوت.
ــ والرجال إذا ارتكبوا جريمة الزنا تختلف عقوبتهم عن عقوبة النساء , وعقوبتهم أن يؤذوا , والأذى هنا هو التأنيب والتقريع والتعيير والجفاء والضرب.
ثم أصبح حكم المرأة الزانية من الحبس إلى الرجم إن كانت محصنة والجلد والتغريب إن كانت غير محصنة , فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبادة بن صامت رضي الله عنه قال :} فأنزل عليه ذات يوم فلقي كذلك , فلما سرى عنه قال : خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا , الثيب بالثيب والبكر بالبكر , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة , والبكر جلد مائة ثم نفي سنة{.
ثم نزلت آية النور التي تذكر عقوبة الزاني والزانية البكرين جلد مائة , قال تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) .
ثم استقر الأمر على رجم الزاني المحصن وجلد مائة الزاني غير المحصن , أما النفي مع الجلد فقد وقع فيه الخلاف بين الفقهاء , وقد ثبت الرجم بالسنة القولية والفعلية , روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر ابن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : } إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب , فكان مما أنزل عليه آية الرجم , قرأناها ووعيناها وعقلناها , فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده , فأخشى إنطال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة انزلها اللهوإن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف {.
شروط وجوب حد الزنا :
هناك شروط اعتبرها الشارع لوجوب حد الزنا , سواء كان الحد الجلد أو الرجم وهي :
1- أن تثبت جريمة الزنا بحقه بالإقرار أو الاعتراف .
2- التكليف : أن يكون بالغا عاقلا ,فلو ارتكب الزنا وهو مجنون أو صغير فلا يحد .
3- الحرية : فيشترط في إقامة حد الرجم أو الجلد أن يكون حرا لأن عقوبة الرجم لا تجب على العبد والأمة , كما أنهما لا يجلدان مائة , وعليهما نصف ما على الأحرار من الجلد دون الرجم لأن الرجم لا يجزأ , لقوله تعالى : ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ).
4- الاختيار : أن يقع منه الزنا باختياره دون إكراه من أحد عليه لأن الإكراه عذر يسقط العقوبة والإثم , فعن صفية بنت أبي عبيد } أن عبدا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخمس فاستكرهها حتى احتضنها فجلده عمر الحد ونفاه ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها{ . وبوب له البخاري في الإكراه فقال : } إذا استكرهت المرأة على الزنا فلا حد عليها {.
5- أن يكون الزاني عالما بحرمة الزنا , ولا يشترط أن يكون عالما بالحد سواء أكان جلد مائة أم رجما بالحجارة .
6- أن يكون محصنا إذا كانت العقوبة الرجم , ويقصد بالإحصان أن يكون متزوجا قد جامع زوجه .
7- الإسلام : وهي مسألة مختلف فيها , فمن الفقهاء من اشترط الإسلام في إقامة الحد إذا توافرت فيه شروط وجوب حد الزنا الأخرى , ومنهم من رأى أنه ليس شرطا , وعليه فإن غير المسلم إذا زنا يعاقب بالحد على قول من رأى أن الإسلام ليس بشرط في إقامة الحدوالمسلم وحده هو الذي يقام عليه حد الزنا , قال بهذا مالك وأحمد والذين اشترطوا الإسلام استندوا إلى قول رسول الله صلى الله علي وسلم لحذيفة بن اليمان حين أراد أن يتزوج يهودية : " دعها فإنها لا تحصنك ",فالإسلام ليبس شرطا في إقامة الحد وهذا قول عند أبي يوسف الشافعي.
وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين الزانيين , ولو كان الإسلام شرطا في الإحصان وإقامة الحد ما رجم اليهوديين واحتجوا بعموم قوله : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ).
وعموما فإن الرأي الراجح عندنا هو أن حد الزنا يطبق على المسلم وغير المسلم لعموم النصوص الواردة في الكتاب والسنة .
الفصل الثاني
في عقوبة الزاني البكر
المبحث الأول : عقوبة الجلد.
المبحث الثاني : عقوبة التغريب للرجل.
المطلب الأول : القائلون بتغريب الرجل وأدلتهم.
المطلب الثاني : المانعون من تغريب الرجل وأدلتهم.
المبحث الثالث : تغريب المرأة.
عقوبة الجلد :
لقد أجمع الفقهاء على أن عقوبة الزاني البكر أي غير المحصن سواء كان ذكرا أم أنثى يجلد مائة جلده , لقوله تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
لقد جاءت هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص توجب جلد الزاني والزانية إذا كانا بكرين مائة جلدة , وحرمت على الأمير أو القاضي أو الحاكم أن يقبل الشفاعة لهؤلاء الزناة بالعفو أو إنقاص العقوبة أو تخفيف الضرب من الجلد بحيث لا يؤلم الألم المطلوب الزاجر والرادع , وجاءت السنة القولية والفعلية بوجوب جلد البكرين الزانيين مائة جلدة , فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه : . . . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني فقد جعل لهن الله سبيلا , الثيب بالثيب والبكر بالبكر , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة ثم نفي سنة ", وجاء في الحديث العسيف على ابنك جلد مائة وتغريب عام , وقد اختلف الفقهاء في جمع التغريب إلى جلد مائة للزاني البكر والزانية البكر إلى مذاهب وكل مذهب أو قول في المذهب أهله بأدلة سنوردها فيما بعد إن شاء الله.
تغريب الرجل :
فقد اختلفوا الفقهاء في هل يشفع الجلد تغريب ؟
والتغريب المقصود هو نفي الزاني بعد جلده مائة جلدة عن بلده الذي يقيم فيه وزنا فيه مدة سنة وإبعاده مسافة القصر إلى البلد الذي يراه الإمام أو نائبه.
وفي هذا المبحث قولان :
أولا: القائلون بتغريب الرجل الزاني وأدلتهم :يغرب الرجل لزاني عاما بالإضافة إلى جلده.
قال بهذا القول الإمام الشافعي وهو الصحيح في مذهبه , بل قالوا يسجن إن غرب وخيف هربه لإفساده , قال الرملي : كل ما خيف فساده يسجن.
وقال به المالكية وقالوا بالسجن كذلك في بلاد الغربة , حتى يذوق ذلة الغربةوقال بهذا الحنابلة وهو المعتمد في مذهبهم.
ورجح هذا القول الإمام المفسر الشنقيطي صاحب أضواء البيان.
أدلة أصحاب هذا القول واستدل القائلون بالتغريب بما يلي:
1- روى الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه وزيد بن خالد الجهني رضي الله عنهما أنهما قالا :" إن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله , فقال الخصم الآخر : وهو أفقه منه : نعم , فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قل , قال : إن ابني كان عسيفا عند هذا , فزنا بإمرأته وإني أخبرت أن على ابني الرجم , فافتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم , فأخبروني إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام , وأن على امرأة هذا الرجم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله : الوليدة والغنم رد , وعلى إبنك جلد مائة وتغريب عام , واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها , قال : فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت ".
2- عن زيد بن خالد الجهني قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام , ثم لم تزل تلك السنة".
3- وروى الإمام مسلم في صحيحه عن عبادة بن صامت رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا ....." ).
4- أفعال الخلفاء الراشدين : وقد ورد ن الخلفاء الراشدين أنهم قد جمعوا بين الجلد والتغريب فروى الإمام البيهقي في السنن الكبرى أن أبا بكر رضي الله عنه جلد الزاني البكر مائة جلدة ونفاه إلى فدك وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب وغرب وأن علي بن أبي طالب ضرب وغرب وجلد ونفى من البصرة إلى الكوفة.
وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال : البكران يجلدان وينفيان.
ثانيا : المانعون من تغريب الرجل وأدلتهم :وقال فريقا من الفقهاء لا يغرب الزاني مطلقا , وحدّه جلده فقط , وللإمام أو نائبه يعزّره إن رأى في ذلك مصلحة .
قال بهذا الإمام أبو حنيفة وأصحابه وهو القول المعتمد في المذهب.
وقال الكاساني في بدائعه : وهل يجمع بين الجلد والتغريب؟ اختلف فيه : قال أصحابنا لا يجمع إلا إذا رأى الإمام المصلحة في الجمع بينهما فيجمع , وقال الشافعي رحمه الله يجمع بينهما, من هذا القول فإن الحنفية لا يرون التغريب جزءا من الحد , بل يرونه من باب التعزير إذا رأى الإمام المصلحة فيه فهو مفوض له .
وجاء في أحكام القرآن للجصاص الحنفي ما مفاده : أن الحد على البكر غير المحصن الجلد مائة فقط ويجوز للإمام أن يعزر بعض الزناة بالحبس أو النفي كما يجوز حبسه حتى يحدث توبة لله تعالى من هذه الكبيرة.
قال بهذا أبو حنيفة وأصحابه الثلاثة أبو يوسف ومحمد بن الحسن وزفر بن الهذيل وقال بهذا ابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري, وفي رواية في مذهب الحنابلة يجلد فقط ولا يغرب.
أدلة أصحاب هذا القول :
1- قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ), والاستدلال بهذه الآية من وجهين :
أحدهما : أنه عز وجل أمر بجلد الزانية والزاني ولم يذكر التغريب , فمن أوجبه فقد زاد على كتاب الله والزيادة علي نسخ , ولا يجوز النسخ بخبر الواحد .
والثاني : أنه سبحانه وتعالى جعل الجلد جزاء والجزاء اسم لما تقع به الكفاية مأخوذ من الاجتزاء وهو الاكتفاء فلو أجبنا التغريب لا تقع الكفاية بالجلد وهذا خلاف النص .
2- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة :" إذا زنت فاجلدوها , فإن زنت فاجلدوها , فإن زنت فجلدوها , ثم بيعوها ولو بضفير" وجه الاستدلال أنه لو كان النفي ثابتا لذكره م الجلد والضفير الحبل .
3- قول الإمام علي رضي الله عنه كفى بالنفي فتنة : فهذا القول من الإمام علي رضي الله عنه يدل على تعريض المنفي إلى الفتنة وإلى الزنا , وعنه أيضا البكران يجلان ولا ينفيان وإن نفيهما من الفتنة .
4- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن نفى رجلا فلحق بالروم : لا أنفي بعدها أبدا.
5- بالنسبة للتغريب في حق الأمة إما أن يكون مشروعا أو غير مشروع ولا يجوز أن يكون مشروعا لأنه يلزم منه الإضرار بالسيد من غير جناية صدرت منه .
6- أن التغريب لو كان مشروعا في حق الرجل لكان إما أن يكون مشروعا في حق المرأة أو لا يكون والثاني باطل لأن التساوي في الجناية قد وجد في حقهما , وإن كان مشروعا في حق المرأة , فإما أن يكون مشروعا في حقها وحدها أو مع ذي محرم , والأول غير جائز للنص والمعقول , أما النص فقوله عليه السلام , لا يحل لامرأة أن تسافر من غير ذي محرم وأما المعقول فالتغريب يخرج المرأة من أيدي الأقارب فيقل حياؤها ويفتح عليها باب الزنا .
7- النفي أو التغريب تعريض للمغرب على الزنا لأنه مادام في بلده يمتنع عن العشائر والمعارف حياء منهم وبالتغريب يزول هذا المعنى فيعرى الداعي عن الموانع فيقدم عليه , والزنا قبيح مما أفضى إليه مثله .
8- ما روى أن شيخا وجد على بطن جارية يحنث بها في خربة فأتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اجلدوه مائة , فقيل إنه ضعيف عن ذلك , فقال : خذوا عثكالافيه شمراخفاضربوه بها وخلوا سبيله " ولو كان النفي واجبا لنفاه .
9- التغريب نظير القتل لقوله تعالى : ( أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ) فهما بمنزلة واحدة , فإذا لم يشرع القتل في زنا البكر وجب ألا يشرع أيضا نظيره وهو التغريب .
وعموما بعد النظر والدراسة لأقوال الفقهاء في هذه المسألة نجد عقولنا ترجح على تغريب الزاني والزانية بمحرم مدة عام بالإضافة إلى الجلد لقوة الأدلة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء كانت سنة قولية أو فعلية , وكذلك أفعال الخلفاء الراشدين دون نكير.
تغريب المرأة :
إن الذين قالوا بتغريب الرجل اختلفوا في تغريب المرأة , وإن الذين نفوا التغريب نفوه عن المرأة والرجل .
فيتبين مما تقدم أن للفقهاء أقوالا في تغريب المرأة .
القول الأول : لا تغرب المرأة والرجل ويكتفي بجلد الزاني والزانية مائة جلدة لكل منهما , قال بهذا القول الحنفية وفي قول للإمام أحمد بن حنبل إذ نقل عنه لا يجب على الزانية غير الجلد , ومستند هؤلاء هو مستند المانعين من تغريب الرجل وقد سقناها سابقا , ولم أيضا أن التغريب سفر ولا يحل للمرأة أن تسافر وحدها بلا محرم , واحتجوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم "
القول الثاني : تغرب المرأة إذا زنت عاما بالإضافة إلى جلدها مائة جلدة وهذا التغريب لا يكون وحدها بل تكون مع ذي محرم , ومسافته مسافة القصر ونفقة المحرم عليها إن كانت ذا مال وإن لم تكن ذات مال فنفقة المحرم في بيت مال المسلمين , واشتراط المحرم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم "وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم , ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " , قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك والأوزاعي.
واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في عقوبة الزاني والزانية البكرين وهي الجلد والتغريب , فالنصوص في الذكور والإناث الذين يرتكبون جريمة الزنا , قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل والإمام مالك والأوزاعي.
القول الثالث : تنفى الزانية بغير محرم إذا لم تجد محرما يسافر معها ويقيم معها ولا امرأة ثقة تستأجرها وهذا هو المعتمد في مذهب الإمام أحمد , وجزم به صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في المغني , والشرح , والرعايتين والحاوي الصغير , ومستند أصحاب هذا القول عموم النصوص التي جاءت عامة ومطلقة من قيد المحرم إذ يجب على المرأة الزانية لبكر الجلد والتغريب .
الفصل الثالث
عقوبة الزاني المحصن
المبحث الأول : رجم المحصن.
المبحث الثاني : عقوبة الجلد مع الرجم.
المطلب الأول : في منع الجلد مع الرجم.
المطلب الثاني : في اجتماع الجلد مع الرجم.
المطلب الثالث : في جلد الشيخ ورجمه دون الشاب.
رجم المحصن :
اتفق العلماء والفقهاء قديما وحديثا بأن الزاني المحصن إذا ثبت أنه ارتكب جريمة الزنا مستوفيا شروطها وأركانها دون شبهة قوية تمنع الحد فإن عقوبته الموت رجما بالحجارة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برجم الزانيين المحصنين , وأخبر أمته بهذا الحكم , وألزمهم به ,
وقد قامت الأدلة على ذلك ومنها :
أمر رسول الله صلى الله علي وسلم برجم ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه بعد أن أقر بارتكاب الزنا.
وأمر رسول الله صلى لله عليه وسلمبرجم الغامدية رضي الله عنها التي جاءته معترفة بالزنا وأنها حامل , فأمر برجمها بعد أن وضعت جنينها وفطمته .
وكذلك رجم الزانية من جهينة الحامل بعد أن وضعت ما في بطنها .
ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين الذين زنيا في المدينة .
هذا وأنكر الخوارج الرجم لأنه ليس في كتاب الله وحاججهم الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله وقطع حجتهم قال في المغني : } وجاء رسل الخوارج إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم , وقالوا ليس في كتاب الله إلا الجلد , وقالوا الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة والصلاة أوكد فقال لهم عمر : وأنتم لا تأخذون إلا بكتاب الله؟ قالوا : نعم قال فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها , أين تجدون ذلك في كتاب الله تعالى؟ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ومقاديرها ونصابها؟ قالوا :انظرنا , فرجعوا يومهم ذلك , فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن , فقالوا : لم نجده في القرآن قال فكيف ذهبتم إليه؟ قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله , وفعله المسلمون من بعده , فقال لهم : فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النبي رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون {.
عقوبة الجلد مع الرجم :
لقد اتفق الفقهاء على أن الزاني المحصن يرجم واختلفوا في اجتماع الجلد مائة مع الرجم , وسنعالج هذا خلال هذه النقاط :
في منع الجلد مع الرجم :
ذهب فريق من الفقهاء إلى أن الزاني المحصن يجلد ولا يرجم , قال بهذا القول الحنفية والشافعية والمالكية , والإمام الزهري والنخعي والثوري والأوزاعي فقيه الشام , وفي إحدى الروايتين في مذهب الإمام أحمد , كما ذهب إلى هذا أهل الظاهر كداود وابن حزم.
أدلة أصحاب هذا القول :
واستدل جمهور الفقهاء على مذهبهم القائل لا يجلد الزاني المحصن بل يرجم فقط بالأدلة التالية:
1- لقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعز بن مالك ولم يجلده, قال الإمام الشافعي : قصة ماعز نسخت الجلد وأبقت الرجم وكانت بعد حديث خذوا عني الثيب بالثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة.
2- رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية ولم يجلدها.
3- رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين اللذين زنيا ولم يجلدهما.
4- وعن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي , فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وليها فقال : " أحسن إليها , فإذا وضعت فأتني بها , فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها , ثم أمر بها فرجمت , ثم صلى عليها , فقال عمر : تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت فقال :
لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى " فالرسول صلى الله عليه وسلم كما ترى رجمها فقط ولم يجلدها قبل الرجم .
الجمع بين الجلد والرجم :
قال بجمع الجلد مع الرجم الإمام أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه , فذهب إلى أن الزاني المحصن يجلد أولا ثم يرجم.
ولصاحب هذا القول الأدلة التالية:
1- قول الرسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا عني قد جعل الله سبيلا , الثيب بالثيب , الثيب جلد مائة ثم رجم بالحجارة ".
2- عن مجالد بن عامر قال : { حملت وكان زوجها غائبا فانطلق بها مولاها إلى علي فقال لها علي : لعل زوجك جاءك أو لعل أحدا استكرهك على نفسك؟ قالت : لا وأقرت بالزنا , فجلدها علي رضي الله عنه يوم الخميس وأنا شاهده ورجمها يوم الجمعة وأنا شاهده }.
قال في مختصر بلوغ الأماني : أخرجه البخاري والنسائي والدارقطني.
وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله أن رجلا زنا فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم الحد فجلد ثم أقر أنه محصن فأمر الرسول برجمه.
في جلد الشيخ ورجمه دون الشاب :
ويجلد الزاني ثم يرجم إذا كان شيخا أو شيخه ويرجم الزاني المحصن إذا كان شابا نقل هذا لقول ابن المنذر وابن حزم عن أبيّ بن كعب وذكره ابن حجر في الفتح.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- أخرج ابن أبي شيبة عن أبيّ كعب البكران يجلدان وينفيان والثيـّبان يجلدان ويرجمان.
2- وأخرج عبد الرازق عن الثوري عن الأعمش عن مسروق البكران يجلدان وينفيان والثيبان يرجمان ولا يجلدان والشيخان يجلدان ثم يرجمان .
قال ابن حجر : ورجاله رجال الصحيح.
الفصل الرابع
إثبات جريمة الزنا
المبحث الأول : الإقرار.
المطلب الأول : الإقرار وشروطه.
المطلب الثاني : نصاب الإقرار.
المطلب الثالث : الرجوع عن الإقرار.
المبحث الثاني : الحكم بشهادة أربع شهود.
المبحث الثالث : في حمل المرأة من غير زوج وأقوال الفقهاء في ذلك.
المبحث الرابع : في الحكم بعلم القاضي وأقوال الفقهاء في ذلك.
الحكم بإقرار الزاني على نفسه :
تثبت جريمة الزنا بإقرار الزاني على نفسه بأنه ارتكب جريمة الزنا الموجبة للحد , وهي الجلد للبكر والرجم للمتزوج .
شروط الإقرار:
ويشترط في الإقرار ما يلي:
1- أن يكون الإقرار صحيحا وذلك بأن يصرح المقر أنه أدخل فرجه في فرج المرأة ؛ لأن لفظ الزنا مشترك يطلق على الذي يوجب الحد , ويطلق على الذي لا يوجب الحد , فيطلق الزنا على زنا الفرج بالإيلاج وهذا الذي يستوجب الحد كما يطلق على زنا النظر وزنا الفم وزنا اليد و المفاخذة , وهذه لا تستوجب الحد من رجم وجلد.
والمطلوب من القاضي أو الحاكم أن يتحقق من توافر شروط الجريمة المستوجبة للحد بالسؤال عن ماهية الجريمة وعن أهلية الجاني.
وأما الإقرار بحد مبهم لم يسم لا يحد عليه وتكفره الصلاة , فقد جاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال :" إني أصبت حدا فأقمه علي ولم يسأله , وحضرت الصلاة فصلى مع النبي , فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم , قام إليه الرجل فقال : إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله قال : أليس قد صليت معنا؟ قال نعم , قال : فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك " أخرجه مسلم وغيره , مع مراعاة أن يستمر على إقراره حتى إقامة الحد عليه , فلو رجع عن إقراره بعد ذلك أو أثناء إقامة الحد فلا يقام عليه الحد .
2- أن يكون المقر بالغا عاقلا : فلو كان صغيرا أو مجنونا فلا يقام عليه الحد , لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاثة , عن الصغير حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق".
3- أن يكون المقر مختارا : فإن كان مكرها على الزنا فلا يقام عليه الحد عند جمهور الفقهاء , وعند آخرين يقام عليه الحد , لأن الإكراه في الزنا غير متصورا , إنما يكون الزنا عن رغبة وانتشار وشهوة , والقول بوجوب حد المكره لأبي حنيفة رحمه اللهوحجة الذين رأوا الإكراهعموم قوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " , فقال السيوطي في الجامع الصغير : } صحيح وخالفه غيره , وعن عبد الله ابن وائل عن أبيه أن امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد عنها الحد , والإكراه على الزنا أقل ما يقال فيه أنه شبهة والحد يدرأ بالشبهة وهو متجه {.
4- أن يكون المقر مما يتصور منه الزنا : فإذا كان مما لا يتصور منه الزنا كالمجبوب, فلا يقام عليه الحد وإن جاء معترفا بذلك , وكذلك المرأة الرتقاءوالقرناء فإنه يتعذر وطؤها لانسداد فرجها وعدم الإيلاج .
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يقتل رجلا فدخل عليه فوجده يغتسل ووجده مجبوبا فتركه وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
5- أن يكون المقر عالما بتحريم الزنا لا بعقوبة الزنا : فإذا لم يكن عالما بحرمة الزنا فلا يقام عليه الحد لأن الجهل بالحكم عذر لجاهله , ولا يشترط أن يكون عالما بالعقوبة وهي الحد , كمن يعيش في بادية بعيدة وحديث عهد بالإسلام أو قريب عهد بكفر , فقد كان ماعز بن مالك رضي الله عنه يعلم حرمة الزنا لكنه لم يعلم بعقوبة الزنا وهي الرجم , بل قيل له لن يقتله الرسول مع هذا أمر الرسول برجمه.
قال بهذا عامة أهل العلم , وفي مقدمتهم , عمر بن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , فقد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا قال معترفا بالزنا : زنيت البارحة , ما علمت أن الله حرمه , فأجاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن كان علم أن الله حرم الزنا فحدوه , وإن لم يكن يعلم فأعلموه , فإن عاد فارجموه.
6- أن يكون الإقرار نصابا , أي أن يتكرر الإقرار من المقر أربع مرات : وهذا مختلف فيه عند الفقهاء فمن الفقهاء من رأى ذلك كالحنفية وغيرهم , ومنهم من رأى الإقرار مرة واحدة كالشافعية وغيرهم .
نصاب الإقرار :
هو الاعتراف من الزاني أنه ارتكب جريمة الزنا التي تستوجب الحد , وقد ذهب الفقهاء إلى الأقوال التالية :
القول الأول :لا يثبت الإقرار إلا إذا كرر المقر إقراره أربع مرات بالزنا ولا يكتفي بإقرار واحد , ولو أقر بإقرار واحد لا يحد : إذ لا يثبت الحد , قال بهذا القول الإمام أبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى والإمام أحمد بن حنبل.
مستند هذا القول:
1- حديث ماعز صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما اعترف ماعز في المرة الأولى أعرض عنه , ولو كان الاعتراف في المرة الأولى يوجب الحد لرجمه , ولكنه لم يفعل , بل استمع له حتى اعترف أربع مرات .
2- جاء في حديث ماعز قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنك شهدت على نفسك أربع مرات , ولو كان الواحد مثل الأربع في إيجاب الحد كان هذا القول لغوا .
3- روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لماعز بعدما أقر ثلاث مرات : لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله .
4- عن بريدة الأسلمي قال : كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول : لو لم يقر ماعز في الزنا أربع مرات ما رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5- قياس الإقرار على الشهادة فكما أن حد الزنا لا يثبت بالشهادة إلا بأربعة شهود وكذلك الإقرار ينبغي أن يثبت بأربعة أقارير , والعلة السعي في كتمان هذه الفاحشة .
القول الثاني :الاعتراف مره واحده يثبت الحد ويوجب العقوبة , قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام مالك , وبهذا القول قال داود أبو ثور والطبري وجماعة.
ما استدل به أصحاب هذا القول:
1- قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنيس : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا , فإن اعترفت فارجمها , فاعترفت فرجمها .
وهذا يدل على أن المطلوب إقرارها بالزنا مرة واحدة , فأقرت مرة واحدة فرجمها , ولم يطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتكرر إقرارها أربع مرات حتى يقيم عليها الحد , وكذلك إقرار العسيف كان مرة واحدة .
2- وحادثة الغامدية التي جاءت تعترف بالزنا فرجمها بعد أن وضعت وفطمت ولدها ولم يشترط أربعة أقارير منها حتى يقيم عليها الحد .
3- وحادثة الجهنية التي جاءت معترفة بزناها , وأنها حامل , فلم يطلب منها الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أقارير , بل حكم برجمها بعد أن تضع , وكان كذلك .
4- واستدلوا أيضا بحديث ماعز لما جاء معترفا بالزنا , وطلب من الرسول أن يطهره لم يشترط عليه أن يقر أربع مرات .
5- لو كان شرطا لما وقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافه , فقد حكم بالإقرار مرة واحدة .
الرجوع عن الإقرار :
حالات الرجوع عن الإقرار إما أن تكون قبل الحكم , وإما أن تكون أثناء تنفيذ الحكم على النحو التالي :
الحالة الأولى :
وهي الرجوع عن الإقرار بالزنا قبل الحكم : وهذه الحالة تكون عندما يأتي الزاني مقرا بالزنا لمرة واحدة والمطلوب أن يكرر اعترافه أربع مرات عند فريق من الفقهاء حتى يحكم عليه بعقوبة الزنا , فإذا اعترف مرة واحده ثم تراجع فلا يحكم عليه قال ابن القيم تعقيبا على حديث ماعز والغامدية , تضمنت هذه القضية رجم الثيب وأنه لا يرجم حتى يقر أربع مرات وأنه إذا أقر دون الأربع , لم يلزم بتكميل النصاب , بل للإمام أن يعرض عنه , ويعرض له بعد تكميل الإقرار, وقد استنبط رحمه الله هذا من إعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماعز حينما جاء معترفا في المرة الأولى وفي الثانية وفي الثالثة .
وجمهور الفقهاء على أنه إذا تراجع قبل الحكم عن إقراره لا يحد بعقوبة الزنا سواء كانت الجلد أو الرجم.
بل ذهب الفقهاء إلا استحباب إلا يذهب الزاني إلى الحاكم ويعترف , بل استحبوا له أن يتوب إلى الله ويستغفر الله فيتوب الله عليه .
لئن جاز سقوط الحد بالرجوع عن الإقرار أثناء إقامة الحد فلن يجوز قبله أولى.
الأدلة:
ويستدل هؤلاء بأن رجلا أقر عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالزنا , ثم رجع عنه فتركه وقال : لأن أترك حدا بالشبهة , أولى من أن قيم حدا بالشبهة , ووافق أبو بكر رضي الله عنه على مثل هذا , وليس لهما في الصحابة مخالف.
الحالة الثانية :
وهي الرجوع عن الإقرار بعد الحكم وأثناء التنفيذ .
للفقهاء في هذه الحالة قولان :
القول الأول:يسقط الحد ولا تقام العقوبة إذا تراجع المقر عن إقراره بعد الحكم وأثناء التنفيذ.
قال بهذا القول الإمام الشافعي والإمام أحمد وأبو حنيفة وفي رواية عن الإمام مالك والرجوع عنه يكون بالكلام كأن يكذب نفسه وينفي أنه زنا , وقد يكون بالهرب أثناء إقامة الحد , أو بأي صورة أخرى تدل على الرجوع.
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
1- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادرأوا الحدود بالشبهات"ورجوع المقر عن إقراره شبهة , لاحتمال صدقه في الرجوع عن الإنكار , ويحتمل أن يكون كاذبا فيه , فإن كان صادقا في الإنكار كان كاذبا في الإقرار وإن كان كاذبا في الإنكار كان صادقا في الإقرار فورث شبهة في ظهور الحد والحدود لا تستوفى عند الشبهة.
2- قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن تبع ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه الذي جاء معترفا بالزنا وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمه . فهرب فتبعوه حتى قتلوه :"هلا تركتموه , لعله أن يتوب فيتوب الله عليه".
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه , يدل على أن لرجوعه تأثيرا على إسقاط الحد , وإنه لو لم يكن لرجوعه تأثير لم يندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تركه بعد الأمر برجمه .
3- روي أن رجلا أقر عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالزنا ثم رجع عنه فتركه وقال عمر : لأن أترك حدا بالشبهة أولى من أن أقيم حدا بالشبهة .
4- الإجماع السكوتي : لقد أفتى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وحكما بأن رجوع المقر عن إقراره مسقط الحد , ولا يوجد مخالف لهما من الصحابة رضوان الله عليهم فكان ذلك إجماعا .
القول الثاني:إن الرجوع عن الإقرار بالزنا لا يسقط الحد وإذا تراجع أثناء إقامة الحد يكمل الحد سواء كان جلدا أو رجما .
قال بهذا القول الحسن البصري وسعيد بن جبير ومالك في إحدى الروايتين عنه وداود بن علي.
أدلة أصحاب هذا القول:
1- واستدل هؤلاء بقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله , فإنه من يبدي لنا صفحته نقم حد الله عليه ".
فهذا الحديث يدل على الحد إذا ثبت عند الحاكم وجب إقامته ولا يقبل رجوعه عن إقراره , إذ لا تأثير للرجوع عن إقامة الحد .
2- وقالوا أيضا : الحد حق لله تبارك وتعالى ثبت بإقرار الجاني فوجب ألا يسقط برجوعه قياسا على حقوق الآدميين , فلو أقر المدين بدين لدائن عليه ثم رجع عن إقرار فلا أثر لرجوعه على إقراره , ويبقى الدين في ذمته حتى يؤديه , وكذلك الإقرار بالزنا فلو رجع المقر لا يسقط الحد ووجب إقامته .
3- واستدلوا أيضا بحديث ماعز بن مالك رضي الله عنه , فقد صح أنه رضي الله عنه أثناء رجمه هرب من الصحابة الذين كانوا يرجمونه , فلم يتركوه , بل لاحقوه ورموه حتى قتلوه , ولو كان رجوعه عن إقراره يسقط الحد ويلغيه ويوقف تطبيقه لما أقدم الصحابة على رجمه بعد هروبه ورجوعه .
فقد قال رضي الله عنه وهو هارب : }ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن قومي غروني من نفسي , وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي { , فلم ينزعوا عنه حتى قتلوه.
الحكم بشهادة أربع شهود :
ولا تثبت جريمة الزنا ولا يحكم القاضي بالعقوبة المنصوص عليها في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى لله عليه وسلم إلا بشهادة أربع شهود , وهي الجريمة الوحيدة التي أوجب الشرع في إثباتها أربعة شهود تغليظا على المدعي وسترا على العباد , ويشترط في الشهادة ما يلي .
1- أن تتوافق شهادة الشهود الأربعة , فإذا اختلفت أحدهم عن الآخرين لم تكن بينة كاملة توجب على الحاكم أن يحكم بالعقوبة وهي الحد , بل يعتبر الشهود قذفة , يحدون حد القذف كما فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حادثة المغيرة بن شعبه رضي الله عنه.
2- أن تكون الشهادة تصريحا بالزنا الموجب للحد بأنهم رأوه يدخل فرجه في الفرج المحرم , وذكر الرجل في فرج المرأة كالميل في المكحلة أو كالدلو في البئر , وغير ذلك من ألفاظ الصريحة في الإيلاج , بل على القاضي أن يسأل الشهود بالإضافة المقصود بالزنا الذي يشهدون لاحتمال وجود فعل غير الزنا الذي يستوجب الحد , وكيف هو , لاحتمال الجماع دون الفرج , ومتى زنا فان التقادم يسقط الحد , وأين زنا فان كان في دار الحرب سقط الحد لوجود شبهة الجهالة , وبمن زنا فقد تكون ممن لا يجب الحد على وطئها.
3- يكون الشهود عدولا : فإن كانوا فسقة أو كفارا أو مقذوفين فلا تقبل شهادتهم , فالقاذف لا تقبل شهادته بنص القران الكريم : ( وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا)والكافر لا تقبل شهادته وبخاصة على المسلم , لأن الشهاده يترتب عليها قتل المسلم المشهود عليه أو جلده وإيذاؤه معنويا وحسيا والله عز وجل يقول ):وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ),ونتيجة الشهادة على دم المسلم وعرضه , والعدالة شرط في قبول شهادة الشاهد فان كان فاسقا فلا تقبل شهادته , والعدالة عكسها الفسق والعدل غير المتهم في دينه وتقواه.
4- أن يكون الشهود أحرارا لأن العبد لا ولاية له على نفسه , والشهادة نوع من الولاية نتيجتها هنا قتل المشهود عليه أو جلده , وفي شهادته شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
5- أن يكون الشهود بالغين عاقلين : فلا تجوز شهادة الصغير ولا المجنون.
6- أن تؤدى الشهادة في مجلس واحد وهناك من يرى شهادة الشهود في مجالس متفرقة.
7- أن يكون الشهود ذكورا فلا تقبل شهادة النساء , قال تعالى : ( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ), والعدد كما هو معلوم يخالف المعدود فإذا كان المعدود مذكرا أنث العدد وإذا كان المعدود مؤنثا ذكر العدد , وقوله أربعة منكم , يدل على أن المعدود ذكور , والآية نص في ذكورية الشهود , وقال تعالى : ( وَالَّذِينَيَرْمُونَالْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءفَاجْلِدُوهُمْثَمَانِينَ جَلْدَةً ), فالشهود في الآية ذكور لمخالفة العدد والمعدود , وقيل إن في شهادة النساء شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
8- أن يكون المشهود عليه بالزنا مما يتصور منه الوطء , فلو شهد أربعة شهود على رجل بالزنا وهو مبوب فشهادتهم مردودة وهم قذفة قد كذبهم الواقع , واقع الحال.
9- أن يكون المشهود عليه قادرا على دفع الدعوى : إذ لم يكن قادرا على دفع الدعوى كالأخرس فإن شهادة لشهود عليه لا توجب حده بحد الزنا وهذا شرط اشترطه الحنفية وذكره صاحب بدائع الصنائع قال رحمه الله
} ومنها أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يقدر على رد دعوى الشبهة , فإن كان مما لا يقدر كالأخرس لا قبل شهادتهم لأن من الجائز لو كان قادرا لادعى شبهة{.
في حمل المرأة من غير زوج :
لقد اختلف الفقهاء في ثبوت الزنا بحمل المرأة التي لا زوج لها سواء كانت بكرا أم مطلقة طلقة بائنة بينونة صغرى أو كبرى إلى الأقوال التالية :
القول الأول : حمل المرأة التي لا زوج لها زنا يستوجب العقوبة , فإن كانت بكرا جلدت مائة جلده بعد أن تضع جنينها وإن كانت متزوجة مات عنها زوجها أو طلقها وتفرقا بعد ذلك رجمت بعد أن تضع جنينها , قال بهذا القول الإمام مالك وأصحابه , وهذا مروي في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن العباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من حديث طويل : }والرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء وإذا قامت البينة أو كن الحبل أو الاعتراف{ .
هذا وبوّب البخاري لهذا الحديث بقوله : } باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت{ , ومن المعلوم أن فقه الإمام البخاري يظهر في تبويبه لصحيحه , وهذا التبويب يفيد أن الإمام البخاري يرى الحبل من غير زوج أو سيد يثبت به الزنا وتعاقب الحامل بالرجم.
القول الثاني : الحبل لا يثبت الزنا , ولا تجلد البكر الحامل كما لا تجلد المرأة الثيب التي ليس لها زوج , قال بهذا الحنابلة والحنفية والشافعية, فقد حصر هؤلاء إثبات الزنا بالشهادة والإقرار , ولم يشترطوا الحبل , ومستند هؤلاء أن في حملها بلا زوج لا يتحتم ليه وجود الزنا منها , فقط تحمل دون جماع أو إيلاج , إما بمفاخذة فينزل الرجل منيه وتثار شهوتها فيدخل الحيوان المنوي إلى فرجها ويلقح بويضتها ويحدث الحمل, ولقد أثبت العلم الحديث أنه يمكن أن يحدث هناك حمل دون إيلاج فرج الرجل في قبل المرأة , وكم من النساء حملن دون زنا , وقالوا أيضا ترد الشبهة على الحمل بأنه كان نتيجة زنا , إذ هو مشكوك فيه والحدود تدرأ بالشبهات , وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن العباس رضي الله عنهم أجمعين أنه إذا كان في الحد لعل وعسى فهو معطل , ولا خلاف أن الحد يدرأ بالشبهات وهي متحققة.
وعموما إن الحمل لا يلزم أن يكون نتيجة زن صحيح , فهناك كثير من وقائع الحمل تمت بلا إيلاج فرج في فرج محرم , وبخاصة في زماننا هذا وقد تقدم العلم وبخاصة في الحمل والإنجاب وتسرب ماء الرجل إلى رحم المرأة قد يكون عن طريق غير طريق الجماع والإيلاج كنقله من طرف آخر في أنبوب أو غيره.
حكم الحاكم بعلم في الزنا :
هذه المسألة صورتها أن يرى القاضي مسلما بالغا عاقلا رجلا مع امرأة وأولج فرجه في فرجها وهي محرمة عليه ليست زوجة له , ولم يرهما أحد غيره فهل يحكم القاضي بعلمه ويعاقب الزانيين عقوبة الزنا سواء كانت عقوبة البكر وهي الجلد أو عقوبة الثيب وهي الرجم ؟
للفقهاء في هذه المسالة قولين :
القول الأول : يجوز أن يحكم القاضي بعلمه , قال بهذا القول الإمام أبو يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة وهو قول في مذهب الشافعي وقول أبي ثور من الشافعية أيضا والإمام أحمد في قول له أو رواية عن كما أخبر بذلك ابن القيم الجوزية في الطرق الحكمية في السياسة الشرعية وجزم به ابن حزم الظاهري .
اشترط بعض أصحاب هذا القول أن يكون الحاكم أو القاضي مشهورا بالصلاح ولعفاف والصدق ولم يعرف بكبير زلة , ولم يؤخذ عليه خربة بحيث تكون أسباب التقى فيه موجودة وأسباب التهم مفقودة.
ومستند هؤلاء :
1- إذا جاز للقاضي أو الحاكم أن يقيم حد الزنا بالبينة , وهي شهادة الشهود والاعتراف من الزاني وهما يفيدان الظن ولا يفيدان العلم اليقيني , ومشاهدته تفيد العلم اليقيني , فالحكم بعلمه أولى من الحكم بالبينة والاعتراف , لأن العلم اليقيني مقدم على العلم الظني .
2- إذا جاز للقاضي أن يحكم بعلمه في تعديل الشهود وفي الحقوق غير الحدود فيجوز له أن يقضي بعلمه في الحدود , والتفريق بين حقوق الآدميين وحقوق الله كالزنا لا دليل عليه من الكتاب والسنة فيحكم القاضي بعلمه في كل شيء حتى الحدود .
3- الحاكم مأمور إذا رأى منكرا أن يغيره و إذا رأى محرما عاقبه على جريمته , وعدم معاقبة المجرم ظلم وحرام , والواجب أن يقضي بعلمه في عقوبة الجاني بالزنا .
القول الثاني : لا يحكم الحاكم بعلمه في إقامة حد الزنا , قال بهذا القول أبو بكر الصديق رضي الله عنه , وبه قال الإمام مالك رحمه الله والإمام أبو حنيفة والإمام أحمد وأصحابه وأصحاب الرأي رحمهم الله جميعا.
مستند هؤلاء:
1- قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لو كنت راجما أحد بغير بينة لرجمتها " والبينة هنا الشهادة من أربعة شهود أو الإقرار .
2- ما رواه الإمام أحمد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : } لو رأيت رجلا على حد من حدود الله ما أخذته ولا دعوت له أحدا معي غيري ــ صحح إسناده ابن حجر في الفتح .
3- روى ابن حزم عن عمر بن الخطاب قال لعبد الرحمن بن عوف : أرأيت لو رأيت رجلا قتل أو شرب زنا ؟ قال : } شهادتك شهادة رجل من المسلمين , فقال له عمر : صدقت { .
4- ومن طريق الضحاك أن عمر اختصم إليه في شيء يعرفه , فقال للطالب : إن شئت شهدت ولم أقض , وإن شئت قضيت ولم أشهد .
5- لو رمى القاضي أو الحاكم أحدا بالزنا لكان قاذفا وجب حده بحد لقذف وتفسيقه ورد شهادته أبدا , فيحرم عليه ذلك .
6- حصر الشارع إقامة حد العقوبة في الزنا بشهادة أربع شهود أو اعتراف الزاني بزناه وقضاء القاضي بعلمه في الزنا غير هذين الطريقين وزيادة عليهما غير مقبولة .
7- إذا حرم الشارع على المسلم أن ينطق باتهام غيره بالزنا فمن باب أولى أن يحرم عليه أن يحكم عليه بالزنا ويرجمه إن كان محصنا ويجلده إن كان غير محصن .
8- لا يقتضي القاضي بعلمه لأن الحدود تدرأ بالشبهات , وتستوفى إذا قامت بالبينة أو الإقرار , والبينة التي تستوجب الحد لابد من توافر صورتها وحقيقتها أما الصورة فهي شهادة الشهود وأما الحقيقة فهي حصول العلم الذي يدل على الحادثة وعلم القاضي بينة ناقصة , إذ تحققت حقيقة البينة ولم تتوفر صورتها وفوات الصورة يورث الشبهة والحدود تدرأ بالشبهات.
9- وردت أقوال من الفقهاء والتابعين بعدم جواز قضاء القاضي بعلمه في الزنا , فقد روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله : } لا يحكم الحاكم بعلمه في الزنا{ .
الفصل الخامس
ما يلحق بالزنا
المبحث الأول : اللواط .
المطلب الأول : تعريف اللواط وحكمه .
المطلب الثاني : عقوبة مقترف جريمة اللواط .
المبحث الثاني : السحاق.
اللواط تعريفه وحكمه :
- تعريفه : إيلاج فرج في دبر محرم سواء أكان هذا الدبر دبر رجل أم دبر امرأة أجنبية.
- حكم الشرع فيه : واللواط محرم في كتاب الله تبارك وتعالى وهو محرم كالزنا أو أشد حرمة ولقد وصف الله اللواط بالفاحشة , قال تعالى : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ).
ولقد جاءت السنة تؤكد تحريم اللواط , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من عمل عمل قوم لوط ".
وتعذيب قوم لوط بهذا العذاب الأليم الشديد بأن جعل عالي الأرض سافلها وخسف بهم الأرض فاعلين ومفعولا بهم رجال ونساء يدل على تحريم هذه الجريمة البشعة النكراء , قال تعالى :( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ).
هذا ولقد اتفق الفقهاء على حرمة اللواط وأجمعت الأمة على ذلك , ولكن الفقهاء اختلفوا في عقوبة اللوطي .
عقوبة مقترف جريمة اللواط :
للفقهاء في هذه المسألة الأقوال التالية :
القول الأول : حكم الذي يرتكب جريمة اللواط حكم الزاني , فإن كان بكرا يجلد مائة جلدة ويغرب وإن كان محصنا رجم بالحجارة , قال بهذا القول الإمام أحمد وهو المذهب وفي أحد قولي الشافعي وقال به أيضا صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- اللواط هو زنا وعقوبته عقوبة زنا : ذلك لأن الزنا إيلاج فرج في فرج محرم والقبل فرج محرم , وعقوبة المتزوج اللوطي الرجم وعقوبة الرجل البكر الذي يعمل عمل لوط جلد مائة وتغريب عام , لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " البكر بالبكر...الخ " .
2- روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إتيان الرجل الرجل زنا ".
3- وصفه القرآن بالفاحشة كما وصف الزنا بالفاحشة فدل ذلك على أن اللواط زنا ومن عقوبته عقوبة الزنا قال تعالى عنه : ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ).
القول الثاني : يقتل على كل حال سواء كان محصنا أو بكرا , وقال بهذا القول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجماعة من الصحابة والإمام مالك ورواية عن الإمام أحمد وأحد قولي الإمام الشافعي , وقال به أيضا الإمام إبراهيم النخعي والزهري وجابر بن زيد, وقد اختلفوا في صورة القتل , فمن قائل يقتل بالسيف ومن قائل يرمى من مكان شاهق ومن قائل يهدم عليه الحائط , ومن قائل يقتل بالحجارة رجما , ومن قائل يحرق بالنار ومن قائل يرمى من أعلى مكان بالمدينة .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ", قال الترمذي :} وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وإنما يعرف هذا الحديث عن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوجه {.
2- وقال صلى الله عليه وسلم : " لعن من عمل عمل قوم لوط , لعن الله من عمل عمل قوم لوط , لعن من عمل عمل قوم لوط " , قال المحقق في الحاشية ,} رواه الإمام احمد في المسند وقال أحم شاكر : إسناده صحيح{ , قال ابن القيم رحمه الله : } ولم يجيء عنه صلى الله عليه وسلم لعنة الزاني ثلاث مرات في حديث واحد , وقد لعن جماعة من أهل الكبائر , فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة , وقد لعن جماعة من أهل الكبائر , فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة , وكرر لعن اللوطية , وأكده ثلاث مرات {.
3- أطبق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله , ولم يختلف فيه منهم رجلان وإنما اختلفوا في صفة قتله وهذا هو إجماع من الصحابة .
4- اللواط جامع لمعاني اسم الفاحشة وهي الزنا بل وزيادة فالمتأمل في قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) , وقوله تعالى : في اللواط ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ) , يدرك بأن اللواط أشد فحشا من الزنا فاستحق مرتكبه القتل على كل حال .
5- تنفر منه الطباع أشد من نفرتها من الزنا فهو موقع قذارة ونجاسة ونتن تأبى النفوس المفطورة على فطرة الله أن تتلذذ بهذه القذارات والنجاسات والنتن .
6- عاقب الله قوم لوط الذين ارتكست فطرتهم وانتكست بغشيان الذكور دون الإناث بالقتل والتدمير والهلاك مع التقبيح والتشنيع عليهم بسبب هذه النتيجة النكراء , وهذا التجاوز للفطرة ولحكم الشرع .
قال تعالى : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ).
القول الثالث : لا يحد الذي عمل عمل قوم لوط حد الزنا ولا يقتل لا بالسيف ولا بالرجم ولا بإلقائه من مكان شاهق بل يعزر , والتعزير متروك لتقدير القاضي أو الحاكم قال بهذا الإمام أبو حنيفة رحمه الله .
أدلة أصحاب هذا القول :
1- إن اللواط معصية من المعاصي التي لم يقدر الله ولا رسوله حدا مقدرا فكان فيه التعزير كأكل الميتة والدم ولحم الخنزير .
2- إن اللواط وطء في محل لا تشتهيه الطباع بل ركبها الله تعالى على النفرة منه , حتى الحيوان البهيم لم يكن فيه حد كوطء الحمار وغيره .
3- أن اللواط لا يسمى زنا ولا يسمى الذي يعمل اللواط زانيا لغة ولا شرعا فلا يدخل في النصوص الدالة على حد الزانيين , ولهذا لا يحل رجم اللوطي , أو قتله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة ".
4- إن في قواعد الشريعة أن المعصية إذا كان الوازع فيها طبيعيا اكتفى بذلك الوازع من الحد وإذا كان في الطباع تقاضيها جعل فيها الحد بحسب اقتضاء الطباع لها , ولهذا جعل الحد في الزنا والسرقة وشرب الخمر دون أكل الميتة والدم ولحم الخنزير .
5- اختلاف اجتهاد الصحابة دليل على أن الواجب بهذا الفصل هو التعزير لوجهين : أحدهما : أن التعزير هو الذي يحتمل الاختلاف ي القدر والصفة لا الحد , والثاني أنه لا مجال للاجتهاد في الحد , بل لا يعرف إلا بالتوقيف وللاجتهاد مجال في التعزير
مما يجدر ذكره أن المقصود باختلاف الصحابة في اجتهادهم هو من قائل يحرق اللوطي كأبي بكر وعلي رضي الله عنهما , ومن قائل يلقى من أعلى بناء في القرية ويتبع بالحجارة كعبد الله بن عباس رضي الله عنهما , وقال بالحرق عبد الله بن الزبير وحكم به في خلافته .
6- اللواط ليس كالزنا وهناك فروق كثيرة بينهما , فالزنا مرغوب فيه بين الفاعل والمفعول به واللواط ليس كذالك , وفي الزنا إضاعة للنسب واللواط ليس كذلك والحد كالبدل عن المهر فلما لم يتعلق باللواط المهر فكذا الحد .
السحاق :
السحاق مباشرة فرج امرأة فرج امرأة أخرى بقصد الاستمتاع والتلذذ وهذا حرام شرعا لعدة أمور :
1- فيه تمس المرأة عورة المرأة المغلظة وهو الفرج وهذا حرام , فإن العورة يحرم إظهارها والنظر إليها ومسها .
2- وهو اعتداء على حكم الشرع لأن اللذة والاستمتاع للرجال محصوران بالزواج وملك اليمين وما سواهما حرام وعدوان , قال تعالى :
( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَإِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ )وأما الاستمتاع والتلذذ لنساء فهو محصور بالزواج دون غيره , وعليه فإن السحاق ابتغاء ما وراء الزواج فهو حرام وعدوان على حكم الشرع يستحق صاحبه العقوبة .
3- روى الإمام الطبراني عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السحاق بين النساء زنا بينهن " حسن , قال المناوي في فيض القدير : } إي مثل الزنا في لحوق مطلق الأثم , وإن تفاوت المقدار في الأغلظية ولا يوجد فيه , بل التعزير فقط لعد الإيلاج كإطلاق الزنا العام على زنا العين والرجل واليد والفم مجازا {.
وخلاصة القول أن السحاق حرام ولكنه لا يوجب الحد , حد الزنا ولكن يجب فيه التعزير وهذا تقديره منوط للإمام أو الحاكم أو القاضي.
الفصل السادس
إقامة الحد
المبحث الأول : الشفاعة في الحدود .
المبحث الثاني : الذي يتولى إقامة الحد .
المطلب الأول : إذا كان المحدود حرا ( في إقامة الحدود على الأحرار )
المطلب الثاني : إذا كان المحدود غير حرا ( إقامة الحد على غير الأحرار )
المبحث الثالث : جلد البكر .
المطلب الأول : جلد الذكر .
المطلب الثاني : جلد المرأة .
المبحث الرابع : رجم المحصن .
المطلب الأول : رجم الذكر .
المطلب الثاني : رجم المرأة .
المبحث الخامس : إقامة الرجم والجلد على المريض وأقوال الفقهاء في ذلك .
المبحث السابع : حضور إقامة حد الزنا .
المبحث الثامن : مسائل في الزنا ( تكرار الزنا – أقر بالزنا وكذبته المرأة – اجتماع حد الزنا مع غيره – وقت إقامة حد الزنا على السكران )
الشفاعة في الحدود :
إن الشفاعة عند الحاكم بعد أن وصلت إليه الجريمة وثبتت إما بالإقرار أو الشهادة حرا , ولا يحل لمسلم أن يقترف ذلك , لأن الشفاعة تعني الطلب من الحاكم ألا يعاقب الجاني بعقوبة الحد , وهذا مناداة بتعطيل شرع الله وأحكام الله وهذا حرام بين , يهلك صاحبه وقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أرسلته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع في المخزومية التي ثبتت عليها جريمة السرقة واستوجبت حد القطع قائلا : أتشفع في حد من حدود الله وفي لفظ : لا أراك تشفع في حد من حدود الله.
أما الشفاعة قبل أن تصل القضية إلى القاضي فيجوز الشفاعة بها , بل يستحب ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب " , وفي حديث صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لصفوان بن أمية لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع له : "هلا كان قبل أن تأتيني به ".
وأخرج الدارقطني من حديث الزبير مرفوعا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فلا عفا الله عنه , والموقوف أصح.
هذا وذهب الفقهاء إلى حرمة الشفاعة في الحدود بعد أن تصل إلى الإمام أو الحاكم وجوازها قبل إن تصل الإمام ومستند هذا الفقه ما سقناه من الأدلة.
الذي يتولى إقامة الحد :
لقد أصبح من المعلوم أن الزاني المحصن يرجم والزاني البكر غير المحصن يجلد مائة جلدة ويغرب عاما هذا ذا كان الزاني حرا , أما إذا كان عبدا أو أمة فيجلد كل واحد منهما خمسين جلدة ويستوي في ذلك البكر والثيب لقوله تعالى : ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ), وهذا في الجلد لأنه ينقسم وليس في الرجم لأنه قتل والقتل لا ينقسم ولا يتبعض .
مما تقدم نجد أن لإقامة الحد حالتين :
- من يتولى إقامة الحد على الأحرار:
إن المتفق عليه عند الفقهاء أن يقوم الإمام أو الحاكم أو القاضي بإقامة الحد ويجوز له أن يفوض عنه غيره , فقد فوض الرسول صلى الله عليه وسلم أنيس أن يرجم امرأة الرجل إن اعترفت بالزنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ؛ فاعترفت فرجمها , والخطاب في قوله تعالى : ( فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ) للحكام ومن قام مقامهم وقيل للمسلمين والإمام ينوب عنهم.
وأوجب فريق من الفقهاء حضور الحاكم أو نائبه عند إقامة حد الرجم فإن ثبت الرجم بالإقرار بدأ الإمام بالرجم ثم يرجم الناس ، وإن ثبت بالشهادة فيرجم الشهود ثم الحاكم ثم الناس وبهذا القول قال الحنفية.
وذهب جمهور من الفقهاء إلى أنه لا يجب على الإمام أو نائبه أن يحضر الرجم وإقامة الحد , لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحضر رجم ماعز , قال بهذا الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك .
إلا أن فريق من هؤلاء استحبوا حضور الحاكم أو الإمام والشهود بدء الرجم .
قال الإمام الشافعي في الأم 6/119 وما علمت إمام حظر رجم مرجوم .
إذا كان المحدود غير حر للفقهاء في هذه الحالة قولان :
القول الأول : يقيم السيد على عبده الحد وهذا قول أكثر العلماء وروى نحو ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي حميد وأبي أسعد الساعديين وفاطمة بنت النبي صلى اله عليه وسلم وعلقمة والأسود والحسن والزهري ومالك والشافعي وابن المنذر وابن أبي ليلى والإمام أحمد.
واستدل هؤلاء بما يلي:
1- روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال : " إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير " والضفير هو الحبل .
2- عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " .
3- فعل الصحابة والتابعين : فقد حدث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية لها زنت وكان علقمة والأسود يقيمان الحدود على من زنا من خدم شعائرهم.
4- أن للسيد تأديب أمته وتزويجها فحق له أن يؤدبها بإقامة الحد عليها بجلدها .
5- أن السلطان يملك إقامة الحد على الرعية لتسلطه عليها وتسلط المولى على مملوكه فوق تسلط السلطان على رعيته , فلما ثبت للسلطان فالمولى أولى ولهذا ملك التعزير كذا الحد .
القول الثاني : لا يقيم السيد الحد على غير الحر وإنما يقيمه الإمام وللسيد أن يعزر عبده إذا زنا وقال بهذا القول الحنفية.
ما استدل به أصاب هذا القول :
1- بقوله سبحانه وتعالى : ( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ )واستيفاء ما على المحصنات للإمام خاصة فكذلك ما على الإماء نصف ما على المحصنات وبناء على ذلك فإن ولاية إقامة الحدود ثابتة للإمام بطريق التعيين والمولى لا يساويه فيما شرع لهذه الولاية .
2- عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهم موقوفا ومرفوعا ضمن الإمام أربعة وفي رواية أربعة إلى الولاة : الحدود والصدقات والجمع والفيء والمعنى فيه وهو أن هذا حق الله يستوفيه الإمام بولاية شرعية فلا يشاركه غيره في استيفائه كالخراج والجزية والصدقات .
3- أن الأمام متعين النيابة عن الشرع في إقامة هذا الحد والمولى بولاية الملك , أي السيد ليس نائبا عن الشرع بل هو كأجنبي آخر في استيفائه .
4- قولة صلى لله عليه وسلم : " أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم " طاب للأمة وليس للموالي الذين يملكون العبيد .
5- إن ولاية إقامة الحد إنما تثبتت للإمام لمصلحة العباد , وهي صيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم , لأن الولاة يمتنعون عن التعريض خوفا من أقامة الحد عليهم , والمولى لا يساوي الإمام في هذا المعنى لأن ذلك يقف على الإمامة , والإمام قادر على الإمامة لشوكته وانقياد الرعية له قدرا وجبرا ولا يخاف تبعة الجناة وأتباعهم لانعدام المعارضة بينهم وبين الإمام وتهمة الميل والمحاباة والتواني عن الإقامة منتفية في حقه فيقيم العقوبة على وجهها فيحصل الغرض المشروع له الولاية باليقين , أما المولى فربما يقدر على الإقامة نفسها وربما لا يقدر على الإقامة وكذا المولى يخاف على نفسه وماله من العبد الشرير لو قصد إقامة الحد عليه ولو قدر المولى على الإقامة فقد يقيم العقوبة وقد لا يقيم لما في الإقامة من نقصان قيمته بسبب عيب الزنا , والمرء مجبول على حب المال .
كيفية إقامة الجلد :
أولا : جلد الذكر الزاني :
يجلد الزاني الذكر مائة جلدة بسوط متوسط فلا هو بالخلق الذي لا يؤلم ولا هو بالجديد الذي يجرح ويدمي .
ويجلد الذكر في الغالب واقفا لا يقيد ولا يربط ولا يمد على الأرض ويتجنب الوجه والرأس والقبل وكل ما هو مقتل , لأن الغاية من الجلد التأديب والزجر والإيلام لا الإهلاك و لا القتل , ويجلد بثياب عادية , وتنزع عنه الثياب الثقيلة كالفرو وغيره مما يمنع اللم من الجلد والأصل في الجلد أن يكون مؤلما حتى يتحقق المقصود منه .
ولا يركز في الضرب على مكان واحد أو عضو واحد بل يوزع الضرب على جميع الأعضاء والجلد هو ما مس الجلد وأوقع الألم فيه , لأن موضع الإحساس والألم هو الجلد ومن الفقهاء من رأى تركيز الضرب على الظهر أخذا بظاهر قول الرسول صلى الله عليه وسلم " البينة أو حد في ظهرك " .
ثانيا : جلد المرأة :
تجلد المرأة بالسوط المعتدل الذي لا هو بالخلق الذي لا يؤلم ولا بالجديد الذي يجرح ويدمي والغالب أن تجلد المرأة وهي جالسة وتشد عليها ثيابها حتى لا تنكشف عورتها كما تضرب في ثيابها العادية التي تصل ألم الجلد إلى جلدها , وينزع عنها كل ثوب ثقيل كالمعطف أو الفرو يمنع وصول الألم ألم الضرب إلى الجسم .
ويوزع الجلد على الجسم دون المقاتل لا على الأيام .
قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه } اضرب وأوجع واتق الرأس والوجه والفرج { , وذهب مالك إلى وجوب الجلد في الظهر فقط أخذا بظاهر الحديث " البينة أو حد في ظهرك " مع إن المقصود يلزمك حد القذف إذا لم تثبت ما اتهمت به امرأتك من الفاحشة .
كيفية إقامة الرجم :
أولا : كيفية رجم الذكر:
يرجم الذكر واقفا ولا يكبل ولا يربط بشيء ول تحفر له حفرة , ويرجم بحجارة ملء الكف أو ما يقرب من ذلك ولا يرضخ رأسه بصخرة عظيمة .
ولقد أمر سول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز بن مالك رضي الله عنه ولم يكبله ولم يربطه , ولو كان شيئا من هذا كالربط والتثبيت له لما استطاع أن يهرب من شدة الحجارة , عن أبي سعيد الخدري قال : } لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرجم ماعز بن مالك رضي الله عنه خرجنا إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف , فاشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة فرميناه بجلاميد الجندل حتى سكت {.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم اليهوديين الذين زنيا ولم يربطهما بل جاء في بض ألفاظ الحديث أن الزاني كان يحنو عليها ويتلقى عنها الحجارة.
ثانيا : كيفية رجم الأنثى :
وترجم المرأة الزانية بالحجارة أو بغيرها من كل ما يقتل كالمدر والعظام والخزف والخشب ويحفر لها حفرة في الأرض إلى وسطها ويشد عليها وتثبت حتى لا تنكشف عورتها , ولقد رجم المسلمون بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الغامدية بعد أن حفر لها حفرة .
جاء في صحيح مسلم ثم أمر بها فحفر إلى صدرها وأمر الناس فرجموها , ولما اعترفت شراحة بالزنا عند الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمر بحفر حفرة لها ثم رجمها يوم الجمعة.
إقامة الرجم والجلد على المريض :
أولا : إقامة حد الرجم على المريض :
في المسألة الأقوال التالية :
القول الأول : لا يؤجل حد الرجم على المريض أيا كان مرضه سواء كان يرجى زواله أو لا يرجى زواله , ذلك لن الرجم يفضي إلى القتل وهو المراد , أما وقد استوفت الجريمة أركانها وشرائطها فلا تؤخر , وهذا تعجيل بتظهيره وتوبته , قال بهذا الإمام الشافعي وأحمد ومالك وأبو حنيفة , بل هذا القول هو الظاهر في مذهب الشافعي.
القول الثاني : يؤجل الرجم عن المريض حتى يبرأ سواء , أكان ثبوت الجريمة بالإقرار أم بشهادة أربع شهود لأنه يحتمل أن يرجع عن إقراره في حالة مرضه أو الشهود عن شهادتهم , فلا نقيم عليه الحد ونمنع قتله لعدم ثبوت الجريمة بعد أن نفاها بالرجوع عن الإقرار أو الشهادة .
ذكر صاحب الحاوي هذا القول كأحد ثلاثة وجوه في مذهب الشافعي حكاها ابن أبي هريرة .
القول الثالث : يؤجل الرجم إذا ثبت الحد بالإقرار ولا يؤجل بل يعجل إذا كان الرجم ثبت بالشهادة , ومستند هذا القول أن الرجوع عن الإقرار مقبول ومشروع ومستحب , ويدفع عنه الحد بالرجوع عن إقراره , بخلاف ثبوت الجريمة بالشهود بهذا العدد وبهذا التوافق في الشهادة , والتطابق في معاينة الجريمة ووقوعه بدقة كالميل في المكحلة , وهذا وجه في مذهب الشافعي.
والرجوع عن الإقرار يحتمل وقوعه أكثر من رجوع الشهود , لأن الشهود - كما علمت- تكون شهادتهم دقيقة من الصعب بل من التعذر أن يتوافقوا على هذه الشهادة بهذه الدقة المتناهية , وإن مآل تراجع الشهود نتيجته وخيمة عليهم , فهم قذفة يجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة ويفسق مدى حياته ولا تقبل شهادته , : قال تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
ثانيا : إقامة الجلد على المريض :
في المسألة الأقوال التالية :
القول الأول : إذا كان الزاني بكرا أو مريضا وكان مرضه يرجى زواله وبرؤه , أو لا يرجى برؤه فإنه لا يؤخر , بل يستوفى في كل الظروف والأحوال باستثناء الحمل .
ولكن يخفف الجلد من حيث شدة الضرب لا من حيث عدد الجلدات , وهي مائة جلدة , ويكون ذلك بجمع حزمة من العيدان الخفيفة والأغصان الرفيعة عددها مائة ويجلد بها الزاني المريض مرة واحدة وإذا كانت الأغصان والعيدان خمسين جلد مرتين , وفي السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بجلد المريض بعثكال فيه مائة شمراخ , والعثكال عنقود التمر , وهذا العنقود فيه عيدان تحمل حبات التمر وهو الشمراخ وهذا مذهب الشافعي الحنابلة وقول في مذهب الشافعي.
القول الثاني : إذا كان المحدود مريضا مرضا يرجى زواله كالحمى والصداع وغيرهما مما يؤثر على حياة المريض إذا جلد فإن الجلد يؤخر حتى يبرأ المريض من مرضه ؛ لأن جلده يفضي إلى هلاك المجلود .
وإذا شفاه الله من مرضه فيجلد جلدا موجعا ومؤلما وعلى مستوى من الشدة أكثر مما لو جلد أثناء مرضه كما في القول الأول , ويجلد مائة جلده , ويقام عليه حد الأصحاء , وهذا القول قال به الحنفية والشافعية والمالكية .
القول الثالث : إذا كان مريضا لا يرجى برؤه من مرضه لا يؤجل استيفاء الحد هنا وهو الجلد , بل يعجل , باستثناء إذا كان المحدود امرأة حاملا .
ويستوفى الجلد , فيجلد جلد المرضى وذلك بتخفيف شدة الضرب وإبقاء عدد الجلدات مائة جلد دون إنقاص , وهذا قول في مذهب الشافعي.
القول الرابع : يؤجل إذا كن الزمان أو الحال عند إقامة الحد وهو الجلد يؤثر على حياة المحدود , كأن يكون الجو شديد الحرارة أو شديد البرودة في مكان استيفاء الجلد , مما يؤدي إلى تلف المجلود بنزف أو تجمد وبرد يمرضه أو يتلفه , وهو مشهور عند الحنفية والمالكية والشافعية.
حضور إقامة حد الزنا :
حضور إقامة حد الزنا سواء كان جلدا أو رجما واجب شرعا , لقوله تعالى : ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
وفعل وليشهد فعل مضارع مقترن بلام الأمر وهو من صيغ الوجوب , فدل على أن حضور طائفة إقامة الحد واجب , هذا هو ظاهر النص في دلالته.
والطائفة الجماعة من الناس القليلة والكثيرة التي يحصل بها التشهير والزجر والحكمة في إيجاب الحضور إيقاع عقوبة معنوية بالإضافة إلى العقوبة الحسية المؤلمة سواء كانت جلدا أو رجما وهذه العقوبة المعنوية تكون بفضح هذا الإنسان الزاني وكشف ستره وتقريعه وتوبيخه على هذه الجريمة , بل وإهانته وهذه العقوبة المعنوية أشد إيلاما من ألم الجلد وأدوم منه فكلما ذكر الزاني هذه الحالة وهذا الجمع من الناس كلما غض حلقه وتألم في حين أن الم الجلد يزول بعد ساعات أو أيام قليلة .
ومن حكم الحضور أيضا أن يعرف الناس ما ارتكب الزاني من زنا فيحذروه ولا يطمئنوا على أعراضهم منه ويتشددوا في التعامل معه وبخاصة في مخالطته والجلوس معه , سواء كان رجلا أم امرأة دفعا لفاحشة تمتد على بيوتهم .
ومن حكم الحضور أيضا أن يزجر كل من تسول له نفسه بارتكاب هذه الجريمة فتقع عليه هذه العقوبة الحسية المؤلمة والتي قد تودي بحياته على هذا النحو من القسوة , وبخاصة الرجم وتقع له أيضا بالإضافة إلى العقوبة الحسية هذه العقوبة المعنوية المؤلمة المستديمة كلما ذكرها تجرعت نفسه آلاما أشد وأنكى من آلام الجلد .
مسائل في الزنا :
أولا : تكرار الزنا :
وصورة المسألة أن رجلا زنا بامرأة ثم كرر الزنا ثانية وثالثة فإن كان بكرا هل يجلد بكل زنية مائة جلدة ويغرب ؟ عند من يجمع بين الجلد والتغريب أو يجلد مائة جلدة عن جرائم الزنا التي ارتكبها كلها , وإن كان ثيبا محصنا هل يرجم مرة واحدة ؟ .
وإن زنا وهو بكر ثم زنا وهو محصن هل يكتفي بالرجم أم يجمع الجلد والرجم له ؟
إن ما يجدر ذكره هنا أن الزاني إذا وصلت جريمته إلى الحاكم وثبتت فإنه يجب على الحاكم أن يعاقبه ثم إذا قام بعد إقامة الحد عليه بالزنا ثانية عاقبه الحاكم عقوبة أخرى بإقامة الحد عليه , بجلد مائة جلدة , وكلما قام بالزنا ووصل الأمر إلى الحاكم عاقبه .
لكن الجاني أحيانا يزني أكثر من مرة ولا يصل ذلك إلى القاضي إلا بعد ارتكاب الجريمة أكثر من مرة , فيأتي ويعترف للقاضي أو الحاكم بأنه زنا ثلاث مرات أو أربع وجاء تائبا , أو يأتي شهودا أربعة يشهدون عليه أنهم رأوه يزني في بلدة غيرها كذا يوم كذا ثم يأتي أربعة آخرون يشهدون عليه أنهم رأوه يزني في بلدة يوم غيره , وهكذا وقد ثبت على الجاني ارتكاب جريمة الزنا مرتين أو ثلاث مرات فما الحكم في ذلك ؟
هناك اتفاق بين الفقهاء في جلد الزاني غير المحصن جلد مائة ولو زنا أكثر من مرة , واتفقوا أيضا على أن المحصن الذي ارتكب جريمة الزنا مرتين أو ثلاث أو أكثر فيعاقب برجمه مرة واحدة حتى الموت .
ثانيا : أقر بالزنا من امرأة فكذبته :
وصورة المسألة أن رجلا بالغا عاقلا مسلما أقر بالزنا في امرأة أربع مرات , فسئلت عن ذلك فأنكرت وكذبت الرجل في إقراره بالزنا فيها فما حكمه وما حكمها ؟
والجواب أن يحد الرجل المقر بالزنا دون المرأة .
ومستند ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقيم الحد على المقر دون المرأة , ولا يصدق الزاني في دعواه بالزنا منها , بل في قصة ماعز بن مالك الأسلمي لم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة التي أقر بالزنا فيها .
وفي قصة العسيف حكم الرسول صلى الله عليه وسلم على العسيف بجلده مائة جلده لإقراره بالزنا , وكان بكرا غير متزوج , ولم يحكم على المرأة بالرجم بإقرار العسيف , بل أرسل إليها أنيس ليسألها فإن اعترفت بالزنا أقام عليها الحد , تأمل قوله صلى الله عليه وسلم واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ,فسألها فاعترفت فرجمها .
وذهب الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف إلى أن إنكار المرأة يسقط الحد عن المقر بالزنا ولا تحد أيضا لأنها لم تعترف وقد صدقناها فصار محكوما بكذبه .
أقول هذا القول مرجوح والأدلة كما رأيت .
ومن المعلوم إن الإقرار حجة قاصرة على المقر لا تتعدى إلى غيره , والقول بأننا صدقناها ليس بصحيح , بل إننا لم نصدقها ولم نقل إنها صادقة ولكن انتفاء الحد عنها أنما وقع لأنها لم تقر ولم تقم عليها بينة فعدم حدها لانتفاء مقتضيه إلا أنها صادقة.
ثالثا : اجتماع الحدود:
وصورة المسألة أن يقوم رجلا بسرقة نصاب من حرز المثل وان يشرب الخمر وأن يقوم بالزنا وهو محصن ويرفع أمره إلى القاضي ويقر بهذه الجرائم .
فما العقوبة التي يحكم بها ؟
وهل يجمع بين هذه العقوبات ؟
للفقهاء في هذه المسألة قولان :
القول الأول : يختار العقوبة الأشد هنا وهي الرجم ولا يقطع ولا يجلد.
القول الثاني : تجمع له عقوبات هذه الحدود يجلد من شرب الخمر ثم يقطع ثم يرجم.
وقالوا : إذا اجتمعت حقوق الآدميين مع حقوق الله في الحدود بدئ بحقوق الآدميين ثم بحقوق الله , فإذا زنا وشرب الخمر وقذف وقطع يدا جمعت له هذه العقوبات ويبدأ أولا بقطع يده قصاصا ثم جلدا لشرب الخمر ثم جلد مائة عن كان غير محصن أو رجم إن كان محصنا .
هذا وهناك تفصيلات لحالات كثيرة في كتب الفقه آثرنا أن نذكر المسألة موجزة لأن المقام يقتضي هذا .
رابعا : وقت إقامة الحد على السكران:
يقام عليه الحد بعد صحوه حتى يذوق ألم الحد من جلد وغيره , فإن جلد وهو سكران ولم يتألم من الجلد لعدم صحوه فيجب استئناف الجلد.
الخاتمة
عرفنا مما سبق أن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حرموا الزنا وبينا قبحه وفساده وحذرا العباد من الوقوع فيه، ولشناعته فإن الله تعالى لم ينهى عنالوقوع فيه فحسب، بل نهى عن القرب منه فقال عز من قائل: ( وَلاَ تَقْرَبُواْالزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلا ) .
والزنا يعتبر من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل، وهو رجس وفاحشة مهلكة وجريمةموبقة تنفر منها الطبائع السليمة، وهو فساد لا تقف جرائمه عند حد ولا تنتهي آثارهونتائجه إلى غاية، وهو ضلال في الدين وفساد في الأخلاق، وانتهاك للحرمات والأعراضواستهتار بالشرف والمروءة، وداعية للبغضاء والعداوة.
وفي الآخر كلمة أود أن أوجهها إلى كل من تسول له نفسه في ارتكاب جريمة الزنا :
اعلموا يا من ابتليتم بالزنا رجالاً ونساءً أن الله يراكم، فاحذروا أن تجعلوهأهون الناظرين إليكم وأحقر المطلعين عليكم وتجعلون هذه الشهوة الحيوانية وهذه اللذةالفانية تنسيكم عظمة مولاكم وإطلاعه عليكم، إنكم لا تستطيعون أن تفعلوا هذه الفاحشةالقبيحة أمام أي إنسان حتى ولو كان طفلاً صغيراً ولكنكم مع الأسف الشديد ترتكبونهاأمام العلي الكبير جبار السموات والأرض، فأين تعظيم الله في قلوبكم؟ أين صدقالإيمان؟ أين الاستجابة للرحمن؟ أما استشعرتم عظمة الجبار؟ أما تخافون غضب القهار؟
وهل نسيتم الموت وسكراته والقبر والصراط وزلته والحساب وشدته هل نسيتم النار ومافيها من العذاب إن أمامكم أهوال عظيمة لا يعلم عظمها إلا الله لا طاقة لكم فيها ولنتتحملوها، فلا تجعلوا هذه الشهوة الفانية تنسيكم كل هذه الأهوال التي أمامكموتنسيكم عظمة ربكم وتنسيكم مصيركم ومآلكم، ووالله إنكم لأضعف من أن تتحملوا شيئاًمن عذاب الله فلا تتمادوا في معصيته، ووالله إن شهوات الدنيا كلها لا تساوي ضمة منضمات القبر فكيف بما بعده من العذاب، ولا خير والله في شهوة بعدها النار والدمارفتوبوا إلى الله قبل أن لا تستطيعوا أن تتوبوا وقبل أن تندموا في وقت لا ينفع فيهالندم.
اللهم انفعني بهذا البحث في الدارين, واجعل عملي فيه خالصا لوجهك الكريم, وصلى الله على نبينا, وعلى آله وصحبه, والحمد لله رب العالمين .