يمكن أن ألخص تجربتي الشخصية في مراحل ثلاث أعتبرها مراحل مفصلية في حياتي.
المرحلة الأولى: تتمثل في المرحلة الابتدائية، فمنذ سن السابعة فطنت لإعاقتي وما كانت تسببه لي من مواقف محرجة، لم أكن أهتم لهذه المواقف لأنني كنت فتاة صغيرة، وكل ما كان يهمني في هذه المرحلة أن أثبت للمحيطين لي أنني قادرة على مواصلة التعلم، إذ كان المحيطون بي يتوقعون فشلي.
سعيت جاهدة إلى أن أبرهن للجميع أنني قادرة على مواصلة تعليمي، لكن هناك ما كان يحول دون ذلك، فبالإضافة إلى إعاقتي، فإن خوف أمي وقلقها الشديدين عليّ كانا يضيعان عليّ الكثير من أيام دراستي، فقد كانت تصطحبني معها إلى المستشفى أملاً للوصول إلى علاج لي، وكنت أعتصر حينها ألماً تحسراً على ما يفوتني من الأيام الدراسية.
وثالث العقبات التي كانت تعوقني عن تلقي التعليم بصورة صحيحة هي عدم تقبل المدرسة لوضعي، وعدم تعاون المدرسات معي مما أدى إلى تأخر تحصيلي الدراسي، لكنني بالتحدي والإصرار وحبي للتعلم وبمساعدة أحد أقربائي استطعت اجتياز المرحلة الابتدائية بنجاح.
أما المرحلة الثانية من مراحل حياتي فتمثلها المرحلتان الإعدادية والثانوية، فقد كنت في هاتين المرحلتين أكثر حماساً لتلقي العلم، والذي شجعني في ذلك نجاحي في المرحلة الابتدائية، فتناسيت إعاقتي ورحت أعكف على المذاكرة والتحصيل معتمدة على نفسي في فهم المواد الدراسية خاصة المواد العلمية كالرياضيات والعلوم، فقد كنت أجمع كراسات زميلاتي في كل يوم دراسي لأنقل منها ما فاتني، وكانت هذه الطريقة ترهقني إلا أنني صبرت وتحملت حتى حققت النجاح في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
وشكلت المرحلة الجامعية المرحلة الثالثة من حياتي وهي من أصعب وأعقد المراحل، فمنذ أن تخرجت من المرحلة الثانوية وحلم الدراسة في الجامعة يراودني، على الرغم من أنني لم ألقَ الدعم والتشجيع من المحيطين بي لمواصلة دراستي الجامعية، لكن مع ذلك تقدمت للتسجيل في الجامعة ولم يتم قبولي إلا بعد سنوات ليست بقليلة، لم أضيعها فقد درست في معهد ديني لمدة أربع سنوات وحصلت على دبلوم شريعة، كما التحقت لمدة عام بدورة خياطة وأعمال يدوية في مركز الهلال الأحمر، والتحقتُ بالعديد من الدورات في مجال الحاسوب.
بعد ست سنوات تحقق حلمي والتحقت بجامعة البحرين، لكن فرحتي بالالتحاق لم تكتمل، إذ قُبلت في تخصص يتطلب رسوماً مرتفعة، إذ تبلغ رسوم المادة الواحدة 120 ديناراً، وأدنى معدل للتسجيل في الفصل الواحد ثلاث مواد مما يعني أنه كان يجب عليّ أن أدفع مبلغاً مالياً كبيراً، ولصعوبة الوضع المالي لأسرتي اضطررت إلى إعطاء دروس خصوصية في المنزل، كما كونت مع صديقاتي جمعية مالية استلمت أول دفعة منها لأسدد الرسوم الجامعية للفصل الدراسي الأول، ولم أستطع أن أسدد رسوم الفصل الدراسي الثاني فقابلت مدير التسجيل والقبول ليمهلني في دفع الرسوم حتى نهاية الفصل.
لكن عجزي المادي حال دون مواصلتي للدراسة الجامعية، فانسحبت من الجامعة، بعدها فُصلت من الجامعة مما يعني عدم قدرتي على الرجوع ثانية لأروقة الجامعة، لكن أملي في الحصول على الشهادة الجامعية لم يجعلني أيأس فكررت المحاولة وقدمت مرة أخرى للالتحاق بالجامعة وتحديداً الالتحاق في كلية القانون وقبلت بفضل الله واستمررت في الدراسة لمدة عامين متحدية إعاقتي البصرية.
والذي حال هذه المرة دون مواصلة دراستي الجامعية زواجي ومن ثم حملي، إذ عانيت كثيراً من آلام الحمل، وأنجبت ابني في الشهر السابع، وبعد الولادة شعرت أنني دخلت في مرحلة جديدة من حياتي، إذ إن ابني غيّر لدي الكثير من أولوياتي، فقد كرست وقتي وجهدي لتربية ابني والحرص على أن ينال التعليم، وأعوض فيه ما لم أستطع تحقيقه.
صار همي الأول الآن هو أن أوفر لابني حياة سعيدة، فما كان مني إلا أن سعيت للحصول على وظيفة، فعملت في الكثير من الوظائف، أولها عملي في قرطاسية تابعة لمعهد البحرين، إلا أن ضعف بصري لم يمكنني من مواصلة العمل، بعدها عملت في شركة تسويق، وكانت الإعاقة مرة أخرى عائقاً دون مواصلة عملي.
وفي الوقت الراهن احتضنتني جمعية الصداقة للمكفوفين، ومكنتني من العمل لديها في الروضة التابعة لها كمتطوعة، وأنا الآن بفضل الله أشعر بالارتياح في وظيفتي الحالية.
لا أعرف ما تخبئه الأيام لي لكن كل ما أعرفه أنني سأسعى وسأتحدى كل ما يواجهني من صعاب لأنني اعتدت على حياة الشقاء والتعب. وأعدّ كل مراحل حياتي متعة وسعادة على ما فيها من بلاء وشقاء. فالمؤمن مبتلى والصبر على البلاء عبادة.