القدرات المكونة للتفكير الإبداعي:
في ضوء تعدد مجالات التفكير الإبداعي وتشعبها عمد الباحثون في مجال الإبداع إلى الاعتماد على التحليل العاملي لاستخراج المكونات والعوامل التي تتكون منها الظاهرة الإبداعية, ويعرف منهج التحليل العاملي : ( Factor Analysis ) :بأنه مفهوم إحصائي نفسي يقوم على المعالجات الإحصائية المختلفة في تحليل الظاهرة النفسية و الاجتماعية للوصول إلى عناصرها و عواملها الأساسية ،والعامل العام بهذا المعنى مفهوم يحدده الباحث لكي يعطي ويفسر الاتساق والترابط الموجود في مجموعة من المقاييس دون غيرها .و هذا المنهج حدد قدرات التفكير الإبداعي كما يلي :
أولا ً : الطلاقة : ( Fluency ) :
و هي القدرة على إنتاج اكبر عدد ممكن من الأفكار الإبداعية . و تقاس هذه القدرة بحساب عدد الأفكار التي يقدمها الفرد عن موضوع معين في وحدة زمنية ثابتة مقارنة مع أداء الأقران .
لذلك فان مقاييس قدرة الطلاقة تتنوع في تركيزها على جوانب هذه القدرة و منها:
1. سرعة التفكير بذكر ألفاظ.
2. التصنيف السريع للكلمات في فئات خاصة , أو تصنيف الأفكار حسب متطلبات معينة و ذكر عدد من الأسماء, أو اكبر عدد من الاستعمالات للأشياء.
3. إعطاء كلمات ترتبط بكلمة أو بمفردة معينة.
4. ذكر عدد من الجمل ذات معنى تستعمل فيها كلمات أو أسماء محددة.
أنواع الطلاقة :
يذكر مجموعة من الباحثين أشكالا أو أنواعا للطلاقة نجملها فيما يلي:
1. طلاقة الأشكال ( Figural Fluency ) : كأن يعطي الفرد رسما على شكل دائرة و يطلب منه إجراء إضافات بسيطة بحيث يصل إلى أشكال متعددة و حقيقية .
2. طلاقة الرموز أو طلاقة الكلمات ( Word Fluency ): و هي قدرة الفرد على توليد كلمات تنتهي أو تبدأ بحرف معين أو مقطع معين أو تقديم كلمات على وزن معين باعتبار الكلمات تكوينات أبجدية ، مثل : اذكر أكبر عدد ممكن من الكلمات على وزن كلمة " حصان " .
3. طلاقة المعاني و الأفكار ( Ideational Fluency ): و تتمثل في قدرة الفرد على إعطاء أكبر عدد ممكن من الأفكار المرتبطة بموقف معين و مدرك بالنسبة إليه ، كأن نطلب من الفرد إعطاء إجابات صحيحة للسؤال الآتي : ماذا يحدث لو وقعت حرب نووية ؟
4. الطلاقة التعبيرية ( Expressional Fluency ): و تتمثل في قدرة الفرد على سرعة صياغة الأفكار الصحيحة أو إصدار أفكار متعددة في موقف محدد شريطة أن تتصف هذه الأفكار بالثراء و التنوع و الغزارة و الندرة .
5. طلاقة التداعي ( Association Fluency ): و تتجسد في قدرة الفرد على توليد عدد كبير من الألفاظ تتوافر فيها شروط معينة من حيث المعنى و يحدد فيها الزمن أحيانا .
ثانيا ً : المرونة : ( Flexibility ):
يصنف أبو حطب (1986) المرونة على إنها إحدى قدرات العمليات المعرفية و يصنفها بأنها تفكير تباعدي ويفترض أنها نمط من التفكير يعتمد في جوهره على الفئات وفق نموذج غيلفورد أو مستوى المعلومات من ناحية وعلى الوجهة التباعدية من ناحية أخرى. و هي القدرة على تغيير الحالة الذهنية بتغير الموقف ، و عكسها الجمود أو الصلابة ( Rigidity ) أي التمسك بالموقف أو الرأي أو التعصب .
و يمكن تحديد نوعين من قدرات المرونة :
1. المرونة التلقائية : ( Spontaneous Flexibility )
سرعة الفرد في إصدار أكبر عدد ممكن من الأفكار المتنوعة و المرتبطة بمشكلة أو موقف مثير و يميل الفرد وفق هذه القدرة إلى المبادرة التلقائية في المواقف و لا يكتفي بمجرد الاستجابة .
2. المرونة التكيفية : ( Adaptive Flexibility )
قدرة الفرد على تغيير الوجهة الذهنية في معالجة المشكلة و مواجهتها ، و يكون بذلك قد تكيف مع أوضاع المشكلة و مع الصور التي تأخذها أو تظهر بها المشكلة . كما تتحقق المرونة التكيفية كذلك إذا تطورت لدى الفرد قدرة التعديل المقصود في السلوك ليتفق مع الموقف.
و تؤكد الأبحاث انه يمكن تطوير المرونة لدى الطلبة إذا ارتبطت هذه القدرة بالتدرب على عادات نفسية حركية أو ذهنية جديدة في معالجة متطلبات الحياة .
ثالثا ً : الأصالة : ( Originality ):
يقصد غيلفورد بالأصالة : بأنها الإنتاج غير المألوف الذي لم يسبق إليه أحد ،ويرى عاقل بان الفكرة الجديدة تكون جديدة بالنسبة لصاحبها وهذا يتطلب معرفة تاريخ الشخص صاحب ثم ان الفكرة يجب ان تكون غير عادية وبعيدة المدى وذات ارتباطات بعيدة و ذكية وان تكون نافعة للمجتمع الفكرة .
و تسمى الفكرة أصيلة إذا كانت لا تخضع للأفكار الشائعة و تتصف بالتميز . و الشخص صاحب الفكر الأصيل هو الذي يمل من استخدام الأفكار المتكررة و الحلول التقليدية للمشكلات .
وتوصف أفكار الأفراد الذين يطرحون أفكاراً أصيلة بأنها:
· لا تكرر أفكار الأفراد الآخرين.
· خارجة عن المألوف والشائع من الأفكار.
· غير تقليدية.
· لا تخضع لتقويم الذات وفق عناصر بيئية محدودة.
· منطلقة دون ضوابط.
· ليس بالضرورة أن تنتهي الفكرة بالعمل أو بإنتاج قصيدة أو لوحة حتى توصف بالأصالة.
· تتطلب تضافر قدرات أخرى للوصول إلى الفكرة الأصيلة الكلية, وأحياناً تتطلب تعاون أكثر من مفكر.
و ترتبط الأصالة ايجابيا بالثقة في النفس للفرد , وممارسة التفكير التأملي وتحمل الغموض والتسامح معه , وترتبط سلباً بالالتزام بالمعايير السائدة المكبلة لانطلاق التفكير.
رابعا ً : الحساسية للمشكلات : ( Sensitivity of Problems )
يعرفها نشواتي بأنها القدرة على إدراك مواطن الضعف أو النقص في الموقف المثير ، فالشخص المبدع يستطيع رؤية الكثير من المشكلات في الموقف الواحد فهو يعي نواحي النقص و القصور بسبب نظرته للمشكلة نظرة غير مألوفة ، فلديه حساسية أكثر للمشكلة أو الموقف المثير من المعتاد .
و الأفراد حينما يتدربون على معاودة النظر في الأشياء المألوفة فان هذا يتطلب منهم استعمال قنوات تعلم مختلفة , وتغيير أساليب التعلم و الهمل بالأدوات المرتبطة الوظيفية وان نجاحهم في ممارسة هذا التفكير يتطلب منهم تغيير مواقعهم , من حيث التجريب بالنظر للمشكلة من الداخل , ثم الخروج من المجموعة والنظر إليها بأعين مختلفة عن الزملاء في المجموعة.
خامسا ً : إدراك التفاصيل : ( Elaboration ):
يرى غيلفورد بان هذه القدرة الإبداعية تقوم على تقديم تفصيلات متعددة لأشياء محدودة و توسيع فكرة ملخصة أو تفصيل موضوع غامض .
و تنتمي هذه القدرة إلى قدرات التفكير التفريقي (Divergent Thinking ) التي يطلب فيها من المفحوص توليد أجوبة مبتدئاً بالمعلومات المقدمة إليه.
سادسا ً : المحافظة على الاتجاه و مواصلته : ( Maintaining Direction ):
المحافظة على الاتجاه يضمن قدرة استمرار الفرد على التفكير في المشكلة لفترة زمنية طويلة حتى يتم الوصول إلى حلول جديدة .
ويتضمن كذلك تحديد الهدف و مواصلة العمل والنشاط , حتى يتحقق الهدف , دون اعتبار للمشتتات و المعيقات التي تعترض الفرد , وتحليه بالعزم و المثابرة لتحقيق الهدف وان لايثنيه عن مواصلة عوامل مثل صعوبة المهمة , أو متغيرات البيئة , أو معيقات بشرية أو معيقات في الوقت نفسه..
وقد حدد احد الباحثين أشكال مواصلة اتجاه التفكير الإبداعي و هي:
1. المواصلة الزمنية التاريخية : المحافظة على استمرار التتابع الزمني و التاريخي في وصف الحدث ، ملتزما ً بخط سير متتابع متدرج للفترة الزمنية التي يحدث وفقها الحدث .
2. المواصلة الذهنية : قدرة الفرد على تركيز ذهنه ضمن نفس السياق منذ بداية المشكلة أو الموقف المثير و حتى الوصول إلى حل .
3. المواصلة الخيالية : القدرة على متابعة سير المشكلة ذهنيا ً و توضيح العلاقة بين عناصرها .
4. المواصلة المنطقية : المحافظة على المنطق في خطوات السير و المراحل .
المصادر:
1. صبحي ، تيسير ، ( 1992 ) ، الموهبة و الإبداع : طرائق التشخيص و أدواته المحوسبة ، دار التنوير العلمي ، عمان .
2. نشواتي ، عبد المجيد ، ( 1985 ) ، علم النفس التربوي ، دار الفرقان ، عمان .
3. عاقل ، فاخر ، ( 1975 ) ، التربية و الإبداع ، دار العلم للملايين ، بيروت .
4. قطامي ، يوسف و نايفة ، ( 2000 ) ، سيكولوجية التعلم الصفي ، دار الشرق ، نابلس.
5. قطامي , نايفة , (2009) , ( تفكير وذكاء الطفل ) , الطبعة الأولى , دار المسيرة , عمّان, الأردن.