ذوو الاحتياجات الخاصة.. أمِن فقر نعجز عن رعايتهم؟
صدمني زميل بإجابة غير معقولة عندما سألته عن قريبه الذي تعرض لحادث دهس: السائق الذي دهسه كان مختلا عقليا. ويعترف أهله بذلك ويرفضون كفالته، وأنها ليست المرة الأولى! أن نجد مريضا نفسيا أو مختلا عقليا يمكن أن يؤذي نفسه أو يهدد حياة الآخرين طليقا فذلك ممكن جدا، ولكن أن نجده يقود سيارة فتلك مصيبة تحتاج إلى إسماع المعنيين بها.
مازال كثير من الخدمات التي تقدمها الحكومة أو القطاع الخاص تبنى على فرضيات عفى عليها الزمن، ومن ذلك أننا مجتمع متكافل وأن الأبناء لايمكن أن يودعوا والديهم دور العجزة، وأن الأسر لن تتوجه لإيواء أبنائها من ذوي الاحتياجات الخاصة في مراكز الإيواء والعلاج المتخصصة. وهذا إن كان صحيحا بالأمس فإنه اليوم غير صحيح على إطلاقه. فهناك عقوق مطرد، وأسر تخجل من أبنائها الذين اختارهم الله لتلك الإعاقات، وفي الوقت نفسه هناك أسر تبحث عن رعاية صحية واجتماعية لذويها في مراكز متخصصة ولا يعني ذلك عقوقا أو تنكرا لأقرب الناس لهم.
لايمكن لأحد منا أن يتصور حال أسرة لديها طفل يعاني من تخلف عقلي أو اضطراب نفسي أو توحد أو أي من المتلازمات التي ظهرت في حياتنا المعاصرة، آباء يتعذبون لعذاب فلذات أكبادهم، وعندما يرى تحسنا طفيفا في حالة ابنه لاتسعه الأرض من الفرحة، وبقدر ذلك يكون الحزن فيما لو وقف أمامه عاجزا عن مساعدته.
أذكر عندما كنت ملحقا ثقافيا في الإمارات أنني زرت بعض المراكز المتخصصة لتفقد أبنائنا السعوديين فيها، ووجدتهم في وضع يتفطر له القلب، وعندما يحتضنني بعضهم أشعر بألم كبير أنهم بعيدون عن أجواء أسرهم، وطلبت من المركز أن يزودني بأسماء الأسر التي تودع أطفالها ثم تنساهم. ولدينا في الأردن مئات وفي الكويت، ولدينا في الداخل مأساة حقيقية لمن خصهم الله بهذه الهدية التي تعتبر امتحانا لصبرهم وتمحيصا لذنوبهم إن شاء الله. مأساة لأنه لاتوجد مراكز متخصصة، وإن وجدت فإنها باهظة الثمن، ولا يتناسب حجمها ولا مستواها مع مستوى الطلب وجودة الخدمات المرجوة، ما يضطر الأسر إلى الهجرة إلى بلدان أرخص وإن كانت خدماتها متدنية في كفاءتها.
يمكن لي أن أبرر وأدافع وألتمس العذر وأحسن الظن وأتحمل في سبيل ذلك من يصفني بأنني "مطبل" لكنني في هذه الحالة لا أجد مبررا منطقيا لما يحدث من تهاون في خدمة هذه الفئة الغالية.
أذلك تقصير بسبب قلة المال؟ لا والله، فبخدمتهم تزيد بركة ما لدينا، هل هو بسبب قلة الكوادر؟ لا والله فلدينا كوادر محبة وقادرة على العطاء. مشكلتنا هو في مماحكات الأجهزة الحكومية في الصلاحيات والرغبة في الاستحواذ، وإذا لم تقم به جهة حكومية ما، فإنها تستكثر على غيرها القيام به، وتمارس الجهتان أو الجهات أساليب التسويف البيروقراطي التي تقتل أي مشروع طموح لهذه الفئة.
أتمنى مخلصاً أن تكون لدينا مدينة متكاملة للخدمات الإنسانية التي تضم مراكز متخصصة في هذا المجال توفر لها الخبرات العالمية وتبنى الكوادر الوطنية، ويكون فيها العلاج والتدريب والتعليم والإيواء لمن يريد، وتتسع خدماتها عبر المملكة، فذلك استثمار إنساني حقيقي لايعدله استثمار. القطاع الخاص لن يقدم على هذا النوع من الاستثمارات ما لم تضمن له الدولة الدعم لأنها خدمات مكلفة، وإذا قامت على أساس استثماري بحت فلن يتمكن معظم المستفيدين من دفع رسومها.
إن الوقت لم يحن، ولن يحين، وإنما حان منذ أمد بعيد لتطوير خدمات الرعاية والإيواء لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، رعاية تليق بكرامتهم وإنسانيتهم وتساعد أسرهم على برهم وتأهيلهم للحياة أو تيسير ما تبقى لهم في هذه الحياة. رعاية تتناسب مع ثروات هذا الوطن الكبيرة، ومع حب قيادته في كل ما من شأنه خدمة الإنسانية، وهؤلاء أحق وأقرب ولابد من قرار سريع يتجاوز حبال البيروقراطية الطويلة.
وصلة الموضوع: