هل تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصةقاصر على ذوي «الإمكانات» الخاصة؟!
يجب التوصل لمعايير تضمن نوعيةالبرامج ومعقولية الأسعار
تحقيق عبدالله الرشيد:
تشهد المملكة تطورا ونموا واضحا في مجال خدمة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، هذا الاهتمام جاء نتيجة تزايد أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي أدى الى ظهور مراكز القطاع الخاص المهتمة برعاية هذه الفئة لكي تساهم في البرامج الحكومية ذات الصلة.
من هذا المنطلق حاولنا التعرف على الخدمات المقدمة في بعض مراكز القطاع الخاص نظرا لتزايدها الملحوظ ولارتفاع أسعار الاشتراك في بعض هذه المراكز، فالأسرة عندما ترزق بطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة تجدها تسلك كل طريق متاح يمكن ان يؤدي بها الى برنامج يلبي احتياجات هذا الطفل سواء كان هذا البرنامج برنامجا حكوميا أو أهليا إلا ان بعض الأسر تفضل البرامج الأهلية إما بسبب الخدمات المقدمة في هذه البرامج أو لاعتقاد الأسرة بأن برامج القطاع الحكومي لا تقدم خدمات متكاملة مما أدى الى ظهور العديد من المراكز التأهيلية الخاصة «الأهلية» التي تقدم برامج لرعاية هذه الفئة العزيزة على نفوسنا من أبنائنا واخواننا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبدخول هذا العمل الانساني المهني والمتخصص في معادلات التمويل والاستثمار بقيت هناك فئات حافظت على التزامها الانساني في تقديم هذه الخدمة فيما يشتكي البعض من النظرة الربحية لدى البعض الآخر والذين لا يستهدفون الربح كما يبدو، بقدر سعيهم لطرح خدمات عالية ومتقدمة تكون تكلفتها أكثر بطبيعة الحال.
الطفل أو الشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة شريحة تنتظر فرصتها في التأهيل والعمل عبر العديد من المراكز الحكومية والأهلية ولكن هل تقف ربحية النشاط وراء ارتفاع عدد مراكز التأهيل الأهلية؟ ثم ما هو المتوسط العالمي لتكلفة رعاية طفل ذي احتياج خاص؟ هل هذه الأسعار مرتفعة؟ وهل تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة قاصر على ذوي الامكانات الخاصة أيضا؟ أين هو الدور الرقابي لتحديد رسوم الاشتراك في هذه المراكز؟.
عدد المراكز الأهلية الخاصة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في تزايد مستمر، ترى ما أسباب ظهورها وهل للخدمات المقدمة في البرامج الحكومية علاقة بهذا الشيء؟ هناك اختلاف واضح في أسعار رسوم الاشتراك ما سبب هذا الاختلاف؟.
هذه الأسئلة وغيرها نناقشها في التحقيق التالي فالى التفاصيل:
بداية التقينا الأستاذة فايزة عثمان أبا الخيل مديرة مركز الوليد للتأهيل التربوي اضافة الى كونها والدة طفل ذي احتياج خاص لتحدثنا عن دور الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية في مجال خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة حيث أكدت على ان دور الجمعيات دور مهم جدا وأضافت ان عدد المعاهد قليل لا يفي بنسبة الاعاقة الموجودة لذلك وجود القطاع الخاص يخفف العبء على البرامج أو المعاهد الحكومية.
فالجمعيات دورها قائم على جهة التبرع فهي أوسع مجال من المراكز الخاصة على أساس أن يكون هناك مصداقية في الجمعية نفسها ويفترض ان الجمعيات لا تقتصر على عدد بسيط من ذوي الاحتياجات الخاصة وبصراحة أطالبهم بقبول عدد كبير من هذه الفئة وعدم تعقيد قبولهم.
* يلاحظ في تعليم القطاع الخاص قلة الحوافز أو التشجيع مما ينتج عن ذلك قلة المتقدمين على وظائف هذا القطاع؟
أنا عملت في القطاع الخاص كما عملت قبله أيضا في القطاع الحكومي عن طريق المعاهد، صعب جدا ان نحصل على مميزات السابق، أبناء الوطن تتعلق آمالهم على أساس ان الوظيفة الحكومية أثبت وأضمن بينما لم يعطوا الثقة في القطاع الخاص مع العلم ان هناك عقوداً تنص على زيادة الرواتب بالاضافة الى وجود الحوافز والمكافآت.
* ما هي المهارات التي يكتسبها المتدرب في برنامج التأهيل المهني وماذا يحدث لو بقي الفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة غير منتج؟
قبل البدء بتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة يتم التعرف أولا على نقاط القوة والضعف لدى الفرد ثم نقوم بتوجيه نقاط القوة بغض النظر عن الاعاقة الموجودة لدى الفرد، الابداع موجود في كل انسان وهذا ما يسمى بالتهيئة المهنية. وضع مركز الوليد برنامج للتأهيل تكون مدته ثلاثة سنوات يتكون من جانب نظري وعملي وتكون السنة الأخيرة ميدانيا. المهارات التي يتعلمها المتدرب كثيرة منها على سبيل المثال: استخدام الكمبيوتر واستخدام الهاتف أو الفاكس وتعلم فنون الزخرفة، هذا ما يقدم للطلاب الذين تتراوح أعمارهم من 15 سنة فما فوق في الفترة المسائية. أما الطالبات يتم تعليمهن الخياطة والتطريز وتعليم نسيج الصوف.
بقاء الفرد غير منتج معناه ان البيئة أو المجتمع الذي يعيش فيه لم يعطه حقوقه ولم يعطه ثقة بأن لديه القدرة على العطاء. لدينا أسر أعطت الثقة لابنها مع العلم ان الاعاقة كانت شديدة. أعطي الابن ثقة وتم تأهيله عندها أصبح انسانا منتجا.
* ما هي فرص العمل المتاحة وهل هناك تعاون بينكم وبين القطاعات الحكومية أو الأهلية في مجال التوظيف؟
فرص العمل متاحة في القطاعين الحكومي أو الخاص فعلى سبيل المثال: الأمانة العامة للتربية الخاصة أبدت استعدادها في توظيف بعض الشباب من ذوي الاحتياجات الخاصة وبالفعل تم توظيف البعض والبعض الآخر يتم التنسيق مع أسرته، كذلك القطاع الخاص إذا فهم وضع ذوي الاحتياجات الخاصة يكون هناك قبول في مجال التوظيف.
طبعاً أنا أتكلم عن مركز الوليد، المصانع والشركات يريدون معرفة كيفية الأسلوب والتعامل مع هذه الفئات.
* بالنسبة لمنتجات العمل. ريع هذه المنتجات فيما يستخدم وهل هناك اعانات مالية أو مساعدات تعطى لذوي الاحتياجات الخاصة لكي يبدؤوا حياتهم العملية باستقلال؟
نحن لنا قطاع حكومي من أجل ان نقدم اعانات مالية. بالنسبة للدولة تقوم باعطاء اعانات مالية سواء كانت شهرية أو سنوية فالفرص التي تقدمها لذوي الاحتياجات الخاصة أكثر من غيرهم. وضع مركز الوليد استراتيجية لاستغلال ريع منتجات العمل وهي ان نصف المبلغ يذهب للطالب نفسه والنصف الآخر يذهب للطلاب الذين يحتاجون مساعدة أو من هم على قائمة الانتظار من أجل تقديم الخدمات المناسبة لهم.
* عدد المراكز الأهلية الخاصة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في تزايد ما أسباب ظهورها؟
أسباب ظهورها وتزايدها يرجع الى تزايد نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة ويرجع هذا الى التدخل الطبي وتدخل الأجهزة الطبية الحديثة وعدم الوعي الكافي بالنسبة للأمهات أثناء الحمل، ومشاكل عدم مصداقية بعض الجهات الطبية ولا يعني وجود مراكز القطاع الخاص بأن المعاهد أو البرامج الحكومية لا تفي بالغرض بل على العكس وجود مراكز القطاع الخاص يخفف العبء على هذه المراكز.
وحول هذه النقطة التقينا بالدكتور عبدالله ابراهيم الحمدان مدير أكاديمية التربية الخاصة، شهد بدايات التربية الخاصة في المملكة من خلال رئاسته لقسم التربية الخاصة كأول رئيس لقسم التربية الخاصة وواضع الأسس الأكاديمية للتربية الخاصة في المملكة حيث أضاف قائلا: على الرغم من التطور والنمو الواضح في مجال خدمة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المملكة فما زال المجال واسعا جدا للمزيد من الخدمات حيث ان نسبة الأعداد غير المخدومة من ذوي الاحتياجات الخاصة لازالت كبيرة، وهذا من ناحية الكم، كما ان الناحية النوعية للبرامج في حاجة للغربلة والتطوير وهذا في نظري هو التحدي الأكبر إذ أنه يتطلب تطوير مهارات القوى العاملة وتطوير البرامج المقدمة لنتمكن من تنمية قدرات وطاقات ذوي الاحتياجات الخاصة الى أقصى حدودها.
ولذلك فإن الزيادة المضطردة في أعداد المراكز الأهلية التي تقدم خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة تعتبر أمرا طبيعيا. لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تشجيع الدولة للقطاع الخاص للدخول في هذا المجال، والتحول التدريجي في نظرة الأهالي واتجاهاتهم نحو أطفالهم المعوقين حيث أصبحوا أكثر انفتاحا عن ذي قبل ولم يعد الآباء والأمهات يتسترون على طفلهم المعوق بل تجدهم يسلكون كل طريق يمكن ان يؤدي بهم الى برنامج يلبي احتياجات طفلهم ذي الاحتياجات الخاصة. أما العلاقة بين البرامج الحكومية وبرامج القطاع الخاص فأعتقد أنها علاقة تكاملية وفي هذه المرحلة لابد ان تدعم البرامج الحكومية بحكم أقدميتها البرامج الأهلية الناشئة وتقدم لها المشورة لتتمكن من الانطلاق في توفير برامج ذات نوعية جيدة لاحدى فئات ذوي الاحتياجات الخاصة.
* هناك اختلاف واضح ومتفاوت بين المراكز الأهلية الخاصة برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في رسوم الاشتراك ما سبب هذا الاختلاف؟
أعتقد ان السبب في تفاوت رسوم الالتحاق بمراكز الرعاية الأهلية يعود مجمله الى تفاوت النظرة من قبل أصحاب المراكز. فالذين يطمحون في تحقيق مكسب مادي مجزٍ من عملهم في هذا المجال سوف تكون رسومهم مرتفعة جدا لاسيما البرامج التي تعنى بفئات تكون نسبة عدد الأطفال للعاملين منخفضة أو تلك التي تتطلب تجهيزات وكوادر بشرية نادرة مثل فئات التوحد، أو الاعاقات الشديدة المتعددة، والسبب ان تكلفة برامج خدمة هذه الفئات تكون عالية، أعتقد ان من واجب الجهات الحكومية المشرفة دراسة هذا الموضوع والتوصل الى معايير تضمن أولا ان تكون نوعية البرامج ذات مستوى جيد، وكذلك تحول دون ارتفاع الرسوم بشكل مبالغ فيه وأظن ان الوقت مناسب حيث ان الأمر لا يزال في بدايته ويمكن وضع أسس تنظيم عمل هذه المراكز.
* بصفتك مديراً لأكاديمية التربية الخاصة ما هي المعايير التي تم من خلالها تحديد رسوم الاشتراك والالتحاق بالأكاديمية؟.
تختلف أكاديمية التربية الخاصة عن غيرها من مراكز تقديم الخدمة لذوي الاحتياجات الخاصة في كونها لا تهدف الى تحقيق ربح مادي، كما ان الأكاديمية تنهج منهجا شموليا كونها تتعامل مع الاعاقة كقضية متشعبة ولذلك فإن عمل الأكاديمية لا يقتصر على تقديم الخدمة للأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد بل يتعدى ذلك ليشمل مجالات الترجمة والتأليف ونشر البحوث والدراسات وكذلك مجالات التدريب وتطوير مهارات العاملين في مجالات التربية الخاصة المختلفة وتوعية شرائح المجتمع بقضية الاعاقة بشكل عام.
ان تحديد رسوم الالتحاق بالأكاديمية بني على أساس أهمية مشاركة أهل الطفل في تحمل مسؤولية تربية وتأهيل طفلهم المعوق، وهي مشاركة رمزية إذ أن التكلفة الفعلية لخدمات الأكاديمية أكثر من ضعف المبلغ الذي تتقاضاه والذي يعتبر مبلغا رمزيا، وفي هذا الخصوص لابد من الاشارة الى ان توجه أكاديمية التربية الخاصة الذي لا يهدف الى تحقيق الربح المادي يعود الفضل فيه بعد توفيق الله الى الرعاية الكريمة والدعم السخي المتواصل الذي تلقاه الأكاديمية من صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز الذي لولاه لما تمكنت الأكاديمية من الاستمرار في تقديم خدماتها الشمولية المتميزة نسأل الله ان يكثر من أمثاله وأن يجعل ذلك في موازين حسنات سموه.
كما كان لنا هذا الحوار مع الدكتور خالد طيبة استشاري الأنف والأذن والحنجرة بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض بالاضافة الى كونه والد شاب ذي احتياج خاص حيث يعاني من شلل دماغي في النصف الأيمن من جسمه وقد تم تأهيله جيدا منذ الطفولة الأمر الذي أدى به الى اكتساح الاعاقة وهذا بفضل الله ثم بفضل اهتمام ورعاية أسرته، ولديه قدرة على التعامل مع الكمبيوتر ويحتاج فقط الى توجيه كما يستطيع العمل على الفاكس وآلة التصوير وسوف يعمل بإذن الله في الأمانة العامة للتربية الخاصة، حيث بدأ الدكتور حديثه عن تكلفة ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة قائلا: تكلفة ذوي الاحتياجات الخاصة في جميع دول العالم تكون عالية لأنها تحتاج الى مناهج مخصصة واخصائيين مدربين تدريباً عالياً على كيفية التعامل من الناحية النفسية والتعليمية والتأهيلية. فالبرامج عادة تكون مكلفة ولكن يجب على القطاع الخاص ان يقوم بواجبه الوطني تجاه هذه الفئة كما ان كل اعاقة لها تكلفتها ولها ظروفها الخاصة.
* ما رأيك بأسعار رسوم مراكز الرعاية كمستفيد بشكل عام؟
هذا يعتمد على دخل الفرد ولكن التكلفة عالية حسب مستوى الدخل المتوسط للفرد، لكن لا ننسى التجهيزات البشرية والآلات المستخدمة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة، ويجب ان توضح ان هناك عدة مؤسسات وجمعيات سواء كانت حكومية أو أهلية وهي تختلف وتتفاوت في أسعارها وهذا يرجع الى اختلاف وجهات نظرها وبصفة عامة أسعار هذه المراكز أعلى من المستوى الطبيعي.
* يساهم العمل في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ما رأيكم في فرص العمل المتاحة؟
يوجد في التربية الخاصة برامج لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة مهنيا من أجل العمل والاعتماد على النفس ومن أجل ان يكونوا أعضاء منتجين ولكن للأسف كما رأيت من تجارب في الدول الغربية ما يزال الوضع قاصراً لدينا مقارنة بهم.
وأريد الاشارة الى ان المراقب يكفيه انتاج عمل فرد معاق وان كان هذا الانتاج محدود إلا أنه كبير مقارنة باعاقة هذا الانسان ومجرد ان تدفع مرتبا شهريا له يشعر هذا الشخص بفرح لكونه أصبح كغيره في المجتمع وكثير من الناس لا يدرك أحاسيس ذوي الاحتياجات الخاصة.
* بصفتك طبيب تعمل في مجال التأهيل الطبي والتأهيل الحسي ماذا تقول للقطاع الخاص برعاية ذوي الاحتياجات الخاصة؟
أقول لهم ان أهم ما في القضية هو الاحساس بالمسؤولية لدى الفرد ولدى المجموعة وهذا يشمل الأسرة والمدرسة ومكان الوظيفة والمجتمع ككل فالقضية هي مجتمع وفرد وفرد ومجتمع وهذا يعني أهمية وجود ترابط بين المجتمع ومؤسساته الحكومية أو الخاصة لكي يقدموا أفضل الخدمات بأسعار غير مبالغ فيها ولا أنسى في هذا الصدد مسؤولية وسائل الاعلام فلابد ان يكون في الوسط الاعلامي طرح ومتابعة لقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة.