معاناة «التوحد» مستمرة والمبادرات على الورق!
العالم وقف «أمس» مع معاناتهم..«ساعدوني لأتواصل معكم»
أبها-الرياض، تحقيق- مريم الجابر، سحر السديري
يوم أمس الاثنين وقف العالم بجانب "مرضى التوحد" في اليوم السنوي المعتاد، وساهمت المراكز المتخصصة بتفعيل هذا اليوم بالعديد من الأنشطة والفعاليات؛ بهدف دمج هذه الفئة مع المجتمع، ودعم احتياجاتهم من صحة وتعليم ومراكز تأهيل وتنمية اجتماعية.
والتوحد اضطراب عقلي نمائي وليس إعاقة، ويختلف سلوكه عن سلوك الإعاقات الأخرى، ومعظم الباحثين لم يتمكنوا من معرفة الأسباب التي تؤدي للتوحد، وهو يصنف لدرجات بسيطة ومتوسطة وشديدة. والتوحديون لا يتشابهون إلاّ أنه يفرق بينهم بالبصمة؛ لذا يصعب علاجهم، وإعاقتهم معقدة وتستمر طوال الحياة، وتؤثر في طريقة أو تواصل الشخص وعلاقاته مع الناس من حوله، فالأطفال المصابون يتحدثون عن طريق الإشارة ويعانون من صعوبة الاختلاط بالآخرين، ودائماً يميلون للعبة الجري؛ لأنه يُعد شخصاً ذاتياً، إضافة لإصابة الطفل التوحدي بنوبات بكاء وغضب دون أسباب معروفة، وينزوي في مكان ولا يستمع لمن حوله إذا نُودي باسمه، ولا يحبون المعانقة، ولديهم نشاط حركي زائد، ولعبهم غير هادف أو موضوعي، ويصبح سلوكهم عدوانيا في شكل تخلّف إذا لم يخضعوا للعلاج أو تعرضوا للضرب من البيئة المحيطة بهم سواء الأسرة أو المركز.
يحتاجون إلى إنشاء مركز تشخيص وتأهيل وخدمات تعليمية وصحية وزيادة الإعانة السنوية..وتغيير نظرة المجتمع
ويتميز التوحديون بدرجة ذكاء عاليه، ويحتاجون لأسلوب تعليمي معين ومميز؛ لذا فإن سياسة الدمج في المدارس النظامية لا تنفع معهم، يقومون بإصدار حركات نمطية متكررة بالأيدي، مثل (الشخص عندما يسبح في الماء) في حالات الضيق والإثارة والفرح، وإصدار أصوات لا معنى لها، ويتضايقون من تغيير روتين ونظام حياتهم مثل الانتقال من مكان لآخر أو تغيير أثاث المنزل. "الرياض" سلطت الضوء على احتياجات هذه الفئة، والدعوة إلى المساهمة في إنشاء مراكز تأهيلية لهم. نظرة المجتمع
"هند منصور" أم لطفل مصاب بالتوحد، تقول:"إن نظرة المجتمع لأطفال التوحد تكون سلبية، وغير كريمة، خاصة في الشارع"، مشيرة إلى أن ابنها ولد طبيعياً، إلاّ أنه بعد مرور ثلاث سنوات بدأت تظهر عليه سمات التوحد، والمتمثلة في العزلة وعدم اللعب مع إخوانه وأقرانه، إضافة للصراخ المستمر بدون سبب، وعند عرضه على طبيب أطفال أكد لنا أنه مصاب بالتوحد أصبت بصدمة كبيرة، إلاّ أننا رضينا بقضاء اللَّه، وسافرنا خارج البلاد لعلاجه عن طريق سحب السموم من أنحاء جسمه وقد أصبح يتماثل للشفاء.
الأميرة سميرة: الخدمات المقدمة حالياً لا تخدم سوى1%
التثقيف أولاً
"أم عبدالرحمن" والدة طفل توحدي يبلغ 14 سنة، رحلة علاج ابنها كانت بالتأهيل والتدريب والحمية فقط، حيث تطهو غذاء ابنها الخاص بنفسها، ووصلت إلى نتائج مرضية جداً.
وقالت:"الأهم هو تثقيف الأم بأن تخرج طفلها للمجتمع، ولا تخجل من تصرفاته، وتثقيف المجتمع حتى يتقبل تصرفات الطفل التوحدي في الأماكن العامة"، مؤكدة على أن تدريب الطفل على الخروج يجعل تصرفاته تتحسن تدريجياً، أما حبس الطفل فيحرمه من فرصة التدريب.
وأضافت "لا أفضل المراكز الحكومية؛ لأن خدماتها لا ترقى للمستوى المطلوب، وارتفاع سعر المركز الخاص لا يعني تميزه، بل يعتمد الأمر على المدرس نفسه"، رافضة إرسال الطفل لمراكز تأهيل خارجية وحرمانهم من الحنان.
فوزية الطاسان: نسدد رسوم علاج المصابين في الخارج دون أن ندعم إنشاء مراكز جديدة!
تكاليف عالية
وقالت "وداد أحمد" -أم لطفلة تعاني من توحد تبلغ من العمر ست سنوات- "إن المجتمع لا يرحم ونحتاج للتوعية لنوع الإعاقة في حق الطفل، وضرورة سعي الحكومة لدمجه في المجتمع والمدارس عموماً"، مبينة أن أكثر ما يؤلمها هو أن تكون ابنتها محتاجة لشيء ولا تستطيع التعبير عنه، أو تكون مريضة وتظل تصرخ باستمرار دون معرفة ما بداخلها، مؤكدة على أن تكاليف علاج الطفل التوحدي كبيرة وفوق مقدرة واستطاعة الأسر، مطالبة بإيجاد مراكز تشخيصية، وأطباء متخصصين في علاج مثل هذه الإعاقات التي تستدعي السفر لخارج البلاد.
خدمات متواضعة!
"أم عبدالعزيز" والدة طفل توحدي تعاني من تواضع الخدمات التي تقدم لهذه الفئة، وتقول:"أتوجه بالسؤال لكل شخص مسؤول هل تعلم ما هو التوحد؟..ماذا يحتاج؟، وكيف يتم تشخيصه؟، وما هو علاجه؟، وهل تعلم أن كل عائلة لديها طفل توحدي تعيش صراعاً مع المرض؛ ليس لأنه مرض مجهول، بل لأنكم تجهلون الإجابة عن تلك الأسئلة!.
وأضافت" التحاليل تكلف ثلاثة آلاف كل أربعة أشهر، ولا توجد مراكز متخصصة للعلاج السلوكي، ومكان يؤمن الأدوية اللازمة، وجلسات الأوكسجين"، مشيرة إلى أن مراكز التوحد أُعلن عنها منذ سنوات ولم تنفذ، ووزارة الصحة -على حد قولها- لم تقدم لنا مختبرا للتحاليل اللازمة، أو حتى تتكفل بإرسال العينات على حسابها الخاص، ووزارة الشؤون الاجتماعية لا تقدم سوى 800 ريال شهرياً لا تكفي ثمن المكملات لمدة أسبوعين.
التدخل المبكر
وكشفت "د.عبير محمد الحربي" -استشارية النمو وسلوكيات الأطفال وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود- عن أنواع اضطراب طيف التوحد، وهي: التوحد التقليدي، ومتلازمة إسبرجر (غالبية المصابين بها أذكياء جداً ولديهم ملكات)، ومتلازمة ريت (تصيب الفتيات أكثر)، ال PDD، والتوحد الانتكاسي (يكون فيه الطفل طبيعيا حتى سن 4 أو5 سنوات ثم ينتكس ويفقد مهاراته).
وقالت:"إن العلاج الرئيس للتوحد يتم بالتدخل المبكر في السنوات الأولى بالتأهيل والتعليم"، مشيرة إلى أن ثلث الأطفال المصابين قد لا يتحسنون، وثلثهم يتحسن ويعتمد على نفسه، وثلث يتحسن بشكل كبير وتصبح لديه مهارات تقارب للطبيعي، وقد يلجأ الأهل لطرق أخرى كجلسات العلاج بالأوكسجين، مؤكدة على أن هناك نقصا كبيرا لعدد المراكز التي تؤهل الطفل التوحدي، وكذلك البالغين، مطالبة برفع شعار الطفل التوحدي في الأماكن العامة (ساعدوني لأتواصل معكم).
معاناة مستمرة
وأكدت الأستاذة "فوزية عبد الرحمن الطاسان" -مديرة الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة- على أن هناك نقصا حادا في العديد من الخدمات الحكومية التي يحتاجها المصابون بالتوحد، وبسبب هذا النقص اضطر العديد من الأهالي اللجوء إلى بعض الدول العربية التي تقدم خدمات مراكز إيوائية، وللأسف بدعم مالي من الحكومة، وكان من الأولى أن تضمن من هذه المبالغ إنشاء مراكز متطورة. وقالت:"بعد صدور القرارات الواضحة بزيادة أعداد المراكز الخاصة بالتوحد، إلاّ أنه مازال هناك نقص في الخدمات المقدمة لذوي التوحد على الصعيد التربوي، والتدخل المبكر، والتأهيل والعلاج الوظيفي والحسي، والصحي، فالمراكز التي وعد بها أهالي وأسر الأطفال ذوي التوحد لم تشيد حتى يومنا هذا، أما المراكز الحالية التي تقدم الخدمات جميعها أهلية باستثناء البرامج المقدمة من قبل الأمانة العامة للتربية الخاصة في مراكز التربية الفكرية، والتي ينقصها الكثير من المتخصصين والإمكانات اللازمة لخدمة المصابين بالتوحد، إضافة إلى مركز التوحد للبنات بمدينة جدة". وأضافت أن أهم الخدمات التي يحتاجها الأهالي، هي: عيادات تشخيصية متخصصة، وخدمات التدريب والتعليم، والخدمات الصحية الشاملة، وبرامج التدريب والتعليم المتخصص في الجامعات والكليات لمسار التوحد، إلى جانب توفير الأندية الرياضية والترفيهية للشباب من المصابين بالتوحد فوق سن 16 سنة، وتوفير فرص عمل ملائمة ضمن بيئة ملائمة لظروفهم وطبيعة احتياجاتهم الخاصة، موضحة أن ما يتطلب العمل مع المصابين بالتوحد ما يعرف (one to one) معلم لكل طالب، وفي بعض الحالات يمكن أن يضم الفصل الواحد من 3-4 طلاب بوجود معلم ومساعد معلم على أن تكون الحالات من خفيفة إلى متوسطة. وأشارت إلى أن المصاريف التشغيلية، وتحديداً رواتب المختصين هي أهم احتياجات هذه المراكز، إلى جانب صعوبة إيجاد التخصصات الملائمة للعمل مع التوحد، موضحة أن الأسر الفقيرة يعانون من ارتفاع تكلفة الرسوم للمراكز الأهلية، بما فيها الجمعية السعودية للتوحد، وتتفاوت بين 15000 ريال و30000 ريال سنوياً، علماً أن هناك أسرا لديها طفلان من ذوي التوحد أو ثلاثة أو أربعة!، مشيرة إلى أن قوائم الانتظار قد تصل إلى 70 طفلاً لدى بعض المراكز.
معونات لا تكفي
وقالت الأميرة "سميرة بنت عبدالله الفيصل" -رئيسة جمعية التوحد بالمملكة-ان المؤسسات المتخصصة بتقديم الرعاية لأطفال التوحد لا تفي بالغرض المطلوب إلى الآن، مشيرة إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية تصرف لمصاب التوحد مع إعاقة مزدوجة 20 ألف ريال فقط، بينما تكلفة تدريب وتأهيل المصاب بالتوحد لا تقل عن 100 ألف ريال سنوياً، إضافة إلى ندرة المتخصصين، وعدم إيجاد بيئة مناسبة في المجتمع، مشيرة إلى أن المعونات التي يتم تقديمها لأسر التوحديين لا تكفي. وأضافت أن الجهود المبذولة في مكافحة التوحد والوقاية منه لا توازي المشكلة نفسها؛ كون الخدمات المقدمة لا تخدم سوى1%، مطالبة أن يتم صرف الإعانات من الحكومة للمراكز التي تخدم الأطفال على حسب إمكاناتها؛ لتكون هناك منافسة بين المراكز لتقديم أفضل الخدمات، وتشرف وزارة الشؤون الاجتماعية على هذه المراكز كما هو معمول به في الكويت وقطر.
وأشارت إلى أن عدد المصابين بالتوحد الذين يتلقون العلاج والتأهيل خارج الوطن 8400 مصاب، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من المصابين فوق سن 15 عاماً، والذين لم يتم تدريبهم ولا تأهيلهم، ومن بينهم أحد أبنائها الذي يتلقى التأهيل بالكويت، معتبرة إصابته بالتوحد دافعاً لقيامها بإنشاء جمعية التوحد حتى يتوفر لهذه الفئة من أبناء المملكة جهة رسمية تهتم بهم، وتساعدهم وتشخص حالتهم المرضية.
مبادرات خيرية
وأوضح "د.طلعت الوزنة" -مدير الخدمات الطبية بوزارة الشؤون الاجتماعية- ان المراكز الحكومية لا تستطيع استيعاب أعداد المعوقين الموجودين في المملكة، داعياً إلى مبادرات لإنشاء مراكز خيرية وأهلية لمساندة المراكز الحكومية لاستيعاب أكبر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة.
وقال:"إن وزارة الشؤون الاجتماعية تدعم مراكز الرعاية النهارية المصرح لها بدفع 50% من قيمة الإعانة، وحريصة على دراسة كل ما يُرفع لها بخصوص تحسين أوضاع المعوقين، ويتم دراستها من قبل اللجنة الوزارية لتنسيق الخدمات"، معلناً عن انتهاء التصاميم الإنشائية اللازمة لمركزي التوحد في جدة والدمام، وجار العمل حالياً على طرح عطاءات إنشائهما.