التوافق الإجتماعي والتكيف الإجتماعي وجهان لعملتين مختلفتين
لبنى الجادري
كثير ما نذكر في أحاديثنا مصطلحي التوافق والتكيف على أنهما وجهان لعملة واحدة ، وهو أمر لا يتفق مع الحقيقة العلمية لهذين المصطلحين ، فالتوافق هو رضا الشخص عن ذاته ، وقناعته نحو الشيء المنجز عن رغبة وقصد مسبقين .. وهو تطابق مع الذات الإنسانية بشكل كبير ن وفيه يكون الفرد صادقا مع نفسه والآخرين في تصرفاته وسلوكه ، ويعيش بتناسق مع المجتمع الذي يكون فيه .
أما التكيف ، فهو اندماج الفرد ضمن بيئة ( مادية أو نفسية أو معنوية ) مختلفة عن بيئته الأصلية ، ويطلب منه التقيد والتكيف مع هذه البيئة ، سواء بعامل خارجي ، كالأفراد والقوانين والأنظمة ، أو بعامل داخلي ، وهو دافعية الفرد الى الاندماج والتأقلم مع الوضع الجديد كأمر واقع . والتوافق يسير دائما باتجاه إيجابي واحد موحد نحو الأمام وشدته تختلف من فرد لآخر ، إلا أن التكيف قد يسير باتجاه إيجابي أو سلبي ، ولكي تكون عملية التكيف ناجحة ، تحددت بعدد من العوامل التي قد تسهم في زيادة التكيف لدى الأفراد ، منها :
· العوامل البيئية الفيزيائية ( الطبيعية )
ونقصد بها عوامل الطبيعة المشابهة للبيئة الجغرافية والمناخية التي أتى منها الفرد ،حيث يشعر الفرد بمدى التقارب في عناصر البيئة السابقة والبيئة الحالية ، مما يزيد من توافقه مع البيئة الجديدة. ونجد كثير من الأفراد ، بحكم الظروف المختلفة ، ممن يعيشون في بيئات غير بيئاتهم ، يعانون من أمراض نفسية خفية وعضوية ظاهرية ، كشعور الفرد بآلام في الأمعاء أو المفاصل أو غيرها ، .. إذ أن الحالة النفسية تثير هرمونات الجسم وتساعدها على الإفراز ، مما يحدث خللا بيولوجيا يظهر على الجسم ، فكلما كانت البيئة الجديدة مشابهة للبيئة القديمة ، كانت عملية التكيف أسهل وذات ضرر قليل على تكيف الفرد .
** الحالة الاقتصادية
تعد الحالة الاقتصادية سببا مهما في زيادة التكيف الاجتماعي أو نقصه ، فالأشخاص المقتدرون ماديا وذوي الدخل الثابت المؤمّن ،يزداد لديهم التكيف مع البيئة الجديدة ، ويقل عند الأشخاص الذين يعانون من الضائقة المالية . ويلعب عامل المقارنة بين الماضي والحاضر دورا مهما في توسيع فجوة التكيف الاجتماعي ، فقد يكون لشخص قد عاش في زمن ماضي ن بأحوال مادية جيدة، وانقلب الوضع الحالي ، بضياع هذا الركن المهم من أركان التكيف الاجتماعي .
*** الحالة العلمية والثقافية
من الطبيعي أن تؤثر ثقافة الشخص على مستوى تكيفه ، وذلك لعدة عوامل منها
1- إستخدام التفكير المنطقي ووضع الحلول المناسبة لزيادة التكيف وزيادة دافع التوافق ، بزيادة النجاحات التي يحرزها في البيئة الجديدة .
2- إلا أننا نجد في بعض الحالات ، تفوق المستويات التعليمية الأدنى في التكيف وقد يرجع السبب في ذلك الى أن عملية التعليم صعبة وشاقة وتحتاج الى الجهد والمال والتركيز المتواصل ، كما أن الشخص المتعلم تعليما عاليا ،لا يرضى بأقل من العمل في مجال تخصصه ، وقد لا يتناسب ذلك في ظل بيئات جديدة ، سواء كانت هذه البيئات متقدمة أو متدنية ، ففي الحالتين يصعب عليه الأندماج في مثل هذه المجتمعات ، إذ أن نسبة اندماج الفرد المتعلم مع البيئة الجديدة تكون أكثر من الفرد غير المتعلم أو قليل التعليم .
**** الرغبات والميول تلعب الرغبات والميول دورا مهما في تكيف الفرد اجتماعيا ، فالشخص الذي يميل الى الموسيقى ، يستمتع بها في كل مكان وفي كل زمان ، وعلى مختلف أنواعها ، كما أن الرغبة في العيش والتقدم والنظرة نحو الأمام ، دافع داخلي يساعد في تنمية الرغبة وتحقيقها .
***** العادات والتقاليد كثيرا ما تلعب العوامل الاجتماعية والموروث الاجتماعي للفرد دورا مهما في زيادة تكيفه نحو المجتمع الجديد الذي ينتمي اليه ، فالفرد لا يخرج من مجتمع لأخر ، دون ان يحمل هذه العادات والتقاليد بشكل مباشر او غير مباشر معه ، وهي أدوات مهمة تساعد الفرد أو تحطمه أثناء تكيفه في البيئة الجديدة ، فالأشخاص المتطرفون في أفكارهم ، يصعب عليهم الاندماج في مجتمع يرونه مثالا سيئا ، فهم لا يرون الجيد منه بل يركزون على الجانب السيء منه ، وهذا الشخص يكون في باطنه شخص ضعيف متشائم ، لا توجد لديه رغبة في المعرفة والمحاولة الحقة لاكتساب الخبرات الاجتماعية المختلفة .
لذا فأن التكيف الاجتماعي عملية صعبة وسهلة في نفس الوقت وتحتاج لإنجازها الى خطة عمل وقناعة عالية ورغبة في التغيير وتوافق مع الذات والنفس ، فالشخص الذي لديه رضا وقناعة نحو نفسه وذاته ، يستطيع أن يقهر التكيف الاجتماعي السلبي له وتكون لديه القدرة على تكوين بدايات عديدة جديدة في حياته المستمرة .
الحوار المتمدن - العدد: 1865