الأطفال الموهوبين والنمو غير المتوازن [1]
د. محمد السعيد أبو حلاوة
مدرس الصحة النفسية وعلم نفس الأطفال غير العاديين
كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية
يعاني الأطفال الموهوبين من العديد من صور الاضطرابات النفسية. والسؤال المطروح في هذا الصدد هل أسباب هذه الاضطرابات ذات أصول تكوينية جينية أو مكتسبة مرتبطة بتفوقهم العقلي الراقي منذ صغرهم؟ اختلفت في واقع الأمر الإجابات عن هذا السؤال وبغض النظر عن هذه الاختلافات من المتفق عليه أن معاناة الأطفال الموهوبين من الاضطرابات النفسية منذ فترة مبكرة من حياتهم تخنق، تخفي، أو تعوق نمو قدراتهم ومواهبهم. ويمكن عزو الكثير من أسباب الاضطرابات النفسية التي قد يعاني منها الأطفال الموهوبون إلي ما يعرف بظاهرة النمو غير المتوازن ويؤكد ذلك ما كشفت عنه نتائج تطبيق الاختبارات السيكومترية الخاصة بمعامل الذكاء والتي تحدد معامل الذكاء الفارق بين الموهوبين وغيرهم ب 140 والاختبارات الخاصة بقياس الابتكار التي تركز على قياس القدرة على الأصالة والتخيل والإبداع، والاختبارات التي تقيس العوامل الوجدانية والانفعالية إذ اتضح أن الأطفال الموهوبين الذين تتسع لديهم الفجوة بين النمو العقلي كما يعبر عنه باختبارات الذكاء واختبارات الابتكار والنمو الوجداني أو الانفعالي كما يقاس باختبارات المهارات الانفعالية أكثر معاناة من الاضطرابات النفسية والسلوكية مقارنة بالأطفال العاديين وبالتالي يترتب على عدم التوازن أو عدم الاتساق بين نمو الذكاء، ونمو المهارات الوجدانية فيما يعرف بمصطلح أو عبارة النمو غير المتوازن أو غير المتطابقUneven Development يمكن أن يؤدي إلي معاناة الأطفال الموهوبين من اضطرابات القلق، السلوك القهري، واضطرابات الشخصية. ويبدو أن الأطفال ذوي المستويات غير العادية من معامل الذكاء والموهبة أكثر عرضة لما يصح تسمية بالانكسار النفسي Psychological Fragility ولهذا الانكسار النفسي مؤشرات كثيرة منها الضيق والكدر الانفعالي العام واضطرابات القلق بأشكالها المختلفة وتنتفي حال معاناة الأطفال الموهوبين منهم أية قدرة على الإنجاز أو التميز. وبناء على مثل هذه النتائج يجب أن يركز تعليم الأطفال الموهوبين على تنمية: الإبداع والتفكير التأملي؛ النمو الانفعالي في إطار تجنب التعلم المؤسس على الذاكرة والاكتساب الآلي للمهارات. كما يوصي بالتدخل المبكر في حالة ظهور أية مؤشرات للاضطرابات النفسية والسلوكية لمحاولة منع مخاطر تكوين الأمراض النفسية الخطيرة لدي هؤلاء الأطفال فيما بعد.
وهنا قد يصح بناء على ما ورد في هذه الدراسة التساؤل عن مشروعية دراسة العلاقة بين تنمية الذكاء الانفعالي باعتباره مجسدًا لمؤشرات النمو الانفعالي وتحسين جودة الحياة النفسية لدي الأطفال الموهوبين. على اعتبار ما أشارت إليه هذه الدراسة من أن ما يعرف بالنمو غير المتوازن يسهم بوزن نسبي كبير في معاناة الأطفال الموهوبين من الاضطرابات النفسية والسلوكية.