أطفال التوحد.. لهم الحق في الحياة
د. هتون أجواد الفاسي
لمن لم يسمع عن التوحد، فهو حالة مرضية نفسية خاصة، فوفق الجمعية الوطنية للأطفال التوحديين NSAC، التوحد هو “اضطراب نفسي اجتماعي يشمل مجموعة من جوانب الشخصية على شكل متلازمة تتضمن عدداً من الاضطرابات وهي: اضطراب في سرعة النمو، اضطراب في الاستجابة للمثيرات الحسية، اضطراب في التخاطب وفي اللغة وفي البنية المعرفية، اضطراب في التعلق والانتماء والتفاعل الاجتماعي الطبيعي مع أفراد الأسرة وغيرهم، نقص في الأنماط الحركية التي يتم ممارستها، تكرار النمط الحركي الواحد مع التحديق المستمر مرات عديدة، تكرار اللفظ الواحد أو العبارة القصيرة الواحدة مرات عديدة”.
يُستغرب له أن هناك دولاً مجاورة إمكاناتها الاقتصادية محدودة إلا أنها تملك معاهد متقدمة في رعاية فئة التوحديين يدرس فيها 850 طفلا وطفلة سعوديين، ما جعل الأردن مقصداً للأسر السعودية بشكل يثير الشفقة أن نكون بكل إمكاناتنا الاقتصادية عاجزين عن أن نوفر تعليماً كريماً لأبنائنا من ذوي التوحد
وهذا هو التعريف المستخدم في التشخيص منذ عام 1978، لكن مع بعض التعديلات والإضافات الدورية مع المزيد من الاكتشافات والبحث العلمي في العلوم النفسية والعصبية كل يوم. ويتم الكشف عن هذا الاضطراب خلال الشهور الثلاثين الأولى من حياة الطفل. وتتفاوت حدة الاضطراب قوة وضعفاً كما تتفاوت وفق درجة استدراك الأهل ومدى بكور اكتشافهم لحال ابنهم، (ثلاثة من أربع حالات توحد يُصاب بها الأطفال من الذكور)، وبالتالي قيامهم بالبدء في تعلم التعاطي والتعامل مع ابنهم وإن أمكن إدخاله مركزا متخصصا حيث يمكن أن يلقى العناية اللازمة التي تؤهله للتأقلم مع محيطه لاسيما لغوياً، وتؤهله شيئاً فشيئاً للاعتماد على نفسه واكتشاف مواطن القدرات لديه. مع ملاحظة أن هناك الكثير من التوحديين ممن تظهر لديهم قدرات إبداعية لا تخضع للتعلم أو للملاحظة حتى نؤمن بهؤلاء الأبناء واحتياجهم لرعاية من نوع خاص.
والعلاج المتوفر للتوحد يختلف وفق تشخيص كل طفل، فهناك علاج غذائي وعلاج دوائي كيميائي، وعلاج تأهيلي وتدريبي، لكن ليس هناك علاج يقضي على المرض نهائياً وتبقى المحاولات والدراسات قائمة للبحث عن هذا العلاج الناجع.
ولا يعرف عدد الأطفال المصابين بالتوحد في المملكة العربية السعودية فلا يوجد إحصاء رسمي لهذه الفئة، وهي أحد الإشكالات التي تعاني منها الفئات الخاصة بشكل عام، لكنها حالات في ازدياد، ربما مع اكتشاف الأهالي لمسماها ولحالة أبنائهم.
لكن هناك ملاحظة واضحة أن الإصابات بالتوحد تزيد بشكل كبير في المنطقة الشرقية على غيرها من مناطق المملكة، ومن غير المعروف سبب ذلك، ما إذا كان يعود إلى زواج الأقارب أو إلى التلوث النفطي أو التلوث بعد حرب الخليج، هناك نقص شديد في الأبحاث.
وتشكو مناطق المملكة من محدودية مراكز علاج وتأهيل أطفال التوحد ودراستهم، حيث لا تتجاوز 5 مراكز في المملكة وعدد متواضع من المراكز الصغيرة غير المتخصصة تهتم بالتربية الفكرية أكثر من التوحد وفرط الحركة، وفق السيدة سميرة الفيصل، مديرة جمعية التوحد الخيرية.
والدراسة في هذه المراكز نهارية ومحدودة لا تتجاوز خمس ساعات يومياً وتتوقف في الإجازات والصيف وحتى سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة فيعود الطفل بعدها إلى البيت دون مهارة تؤهله للعمل ودون تمكينه من تجاوز المرحلة الابتدائية. وهناك بعض المراكز الخاصة المحدودة ذات التكلفة العالية.
إذ إن فئة التوحديين من الفئات التي تعتبر تكلفة تعليمها عالية لأن جزءاً من المرض وتوصيف الحالة هو عدم إمكانية الطفل على التكيف مع المجتمع ومحيطه، فهو ليس اجتماعياً ولا يمكنه أن يتعلم وسط مجموعة من الأطفال وتعليمه يجب أن يكون فردياً مع مدرس أو مدرسة، ما يعني احتياجه لمعلمة خاصة بحيث لا يزيد عدد الأطفال في الفصل الواحد على أربعة أو خمسة لكن ما يتوفر لهم على أرض الواقع محدود جداً ويقتصر في محدوديته على المدن وعلى فترة زمنية لا تتجاوز السادسة عشرة بعدها يهمل الطفل الذي أصبح بالغاً أو كاد، دون أن يُمكّن من الوصول إلى التعليم العالي أو إلى التعليم المهني الذي يمكنه من استكمال اعتماده على نفسه.
ومما يُستغرب له أن هناك دولاً مجاورة إمكاناتها الاقتصادية محدودة إلا أنها تملك معاهد متقدمة في رعاية فئة التوحديين يدرس فيها 850 طفلا وطفلة سعوديين، ما جعل الأردن مقصداً للأسر السعودية بشكل يثير الشفقة أن نكون بكل إمكاناتنا الاقتصادية عاجزين عن أن نوفر تعليماً كريماً لأبنائنا من ذوي التوحد.
مثلهم مثل الفئات الخاصة من كافة الأحوال، فإن المراكز المتوفرة في المدن الكبرى محدودة بقائمة انتظار طويلة، والمعاهد الخاصة مكلفة وليس من دونها مفر، وفي النهاية فإن الأسرة تصرف على هؤلاء الأطفال بما هو فوق طاقتها. ففي حين أن الإعانة الشهرية تبلغ 800 ريال للطفل من وزارة الشؤون الاجتماعية، فإن تكلفة علاج وتأهيل الطفل التوحدي تبلغ ما يقارب المائة ألف ريال في السنة الواحدة.
وفي حين أن التعليم المجاني مكفول ومن حق كل مواطن ومواطنة وأطفالهما، فإن أطفال الفئات الخاصة لا تسري عليهم هذه الحقوق ويعيشون في ضيق تربوي ومحدودية تعليمية لا تفي بما تنادي به قيادة الدولة من ضرورة توفير كل المعاهد المتخصصة لكافة الفئات.
واستجابة لجزء من هذه الاحتياجات الماسة أعلن خادم الحرمين الشريفين منذ ستة أشهر (14 جمادى الأولى / 24 أبريل 2013) عن تخصيص 15 مليارا ومائة مليون ريال لعدد من المشروعات الصحية الضخمة تبلغ 22 مشروعاً منها ثلاثة مراكز تخصصية لمرضى التوحد وفرط الحركة في مكة المكرمة والرياض والشرقية يطلق عليها، “مركز اضطرابات النمو والسلوك”، وما زالت خطة هذه المشاريع التنفيذية لم يُعلن عنها رغم اعتماد مبالغها.
لقد وصلت هذه الخطوة المهمة في وقت تتنادى فيه كل الأسر اتخاذ الخطوات العملية باتجاه إنقاذ أطفالها من ركنهم في بيوتهم رهن اليأس والإحباط، وأصبح التنادي الآن بالإسراع في إنجاز هذه المشاريع الحيوية، وإلى المناداة بالمزيد من المراكز في المناطق النائية، وإلى ضمان أن هذه المراكز سوف تعمل على مدار الساعة وعلى مدار السنة، وإلى تخريج كوادر تدريبية متخصصة لتولي ملء النقص المستمر في هذه المراكز على الأقل في جزء من الجامعات الثلاثين التي تنتشر في أنحاء المملكة.
وحتى ذلك الحين فإن كل أهالي أطفال التوحد بحاجة إلى دعم مادي يعوض ما يُنفق على هؤلاء الأطفال في مراحلهم الدراسية المختلفة.
وأخيراً مراقبة ومحاسبة المسؤولين المقصرين في واجبهم تجاه هذه الفئة الغالية من أبنائنا، فالزمن ليس في صالح أي أحد سواء أكان الأطفال الذين غدوا مراهقين وكباراً دون مهارات وتدريب يؤهلهم للعمل أم للأهالي الذين أنفقوا ما يملكون ليؤمنوا فرصة الحياة الكريمة لأبنائهم في غياب المساواة في الحقوق بين الفئات الخاصة بأجمعها والأطفال الآخرين..
———————-
نقلاً عن الرياض
***************
الكاتب: