«وأد» البنات الحديث
زينب غاصب الحياة - 25/10/08//
مسلسل درامي طويل، مبكٍ، ومخزٍ، لن ينتهي... بداية من الطفلة غصون، وريهام، وأريج، ومروراً بشرعاء، وليس نهاية بليلى التي ترقد الآن في مستشفى الملك عبدالعزيز التخصصي بالطائف عقب تعرضها لأقسى حالة تعذيب، وعنف أسري على يد أب انتزعت الرحمة من قلبه، وغاب معنى الأبوة عن عاطفته، ولولا لطف الله لبترت ساقيها من جراء الغرغرينا التي نهشتهما مفترسة جسدها مع فقر في الدم، وآثار أخرى جسدية ونفسية تعاني منها الصغيرة التي أهداها الوالد هذه العاهات بالجملة بدلاً من هدايا العيد!
قلت في مقالات سابقة في هذا الشأن: يظهر أن هؤلاء الآباء لن يرتدعوا حتى مع علمهم بعاقبة أفعالهم والتي كان الإعدام فيها لوالد الطفلة غصون، ولكن يظهر أنهم يرون أن شرعيتهم فوق الشرع، وفوق القانون، وفوق العقاب، فلا يمر علينا يوم إلا وقرأنا وسمعنا عن حالات تدمي القلوب من ممارسة هذا السلوك الإجرامي الظالم بأيدي الآباء الجناة عن سبق إصرار وتعمد! ما الذنوب التي اقترفها هؤلاء الصغيرات سوى البراءة التي اغتالتها القسوة البشعة، إما انتقاماً من الأم، وإما ضحية لزوجة الأب، وإما هواية للقتل والتلذذ بأجساد الصغيرات حرقاً، وضرباً، وحبساً؟
لم يقتصر هذا الإرهاب الأسري على هؤلاء الصغيرات البريئات، بل جاوزهن إلى الإناث من النساء والزوجات على وجه الخصوص، خصوصاً ضحايا العادات والتقاليد، فهل من قوانين لحماية أولئك النساء المعلقات بأظافر الزوج الذي تزوج بأخرى وهجر الأولى، لم يطلق سراحها كما أمر الله تعالى، ولم يراعِ حقوقها بحجة أن الطلاق مرفوض في عرف الأسرة وتقاليدها، وعليها أن تبقى هكذا حتى تموت؟ ومن يحمي أولئك اللاتي هرب أزواجهن وتركوهن مع الأبناء يكابدن العناء والمصير المجهول؟ ومن يضبط بعض الرجال الذين كلما سافروا إلى بلد تزوجوا ثم هربوا متنصلين من الزوجة والأبناء، وجلبوا للبلاد سمعة سيئة بعدم تحمل المسؤولية حتى لقد أفزعتني تلك الإحصائية التي ذكرها أحد أعضاء مجلس الشورى قبل أشهر من جراء تلك الزيجات السريعة المطبوعة بغرائز المتعة دون التفكير في النتائج والضحايا من الأطفال؟
من يحمي أولئك النساء اللاتي أعضلن بأيدي الأوصياء من الآباء والإخوان والأعمام فمنعن من الزواج، ومنعن من التعليم، ومنعن من العمل، وسلبت أموال من لهن أموال ودخول، وتركن عرضة للذل والتسول؟ لقد أصبح التنصل من الصغار، والتعمد في إضاعتهم سمة جديدة من سمات التلاعب بقوانين الأسرة، كما حدث مع الطفل «وحيد» قبل سنتين، أو مع الطفلين اللذين تركتهما والدتهما في أحد مطاعم جدة العام الماضي، أو مع الطفلة الحالية «الهنوف» قبل أسبوعين التي تعرضت للضياع مرتين، مرة على كورنيش جدة، والمرة الأخرى في المطار!
لقد فاق مسلسل العنف أو الإجرام الأسري لدينا جميع المسلسلات الدرامية الرمضانية جملة في كل الفضائيات العربية، ومازال مستمراً وحاضراً في العرض على مسرح الأيام المقبلة التي لم تتأخر كثيراً، إذ فاجأتنا هذه الصحيفة الاثنين الماضي في صفحتها الأولى بخبر وفاة الطفلة «بيان» من مدينة تبوك، على يد أبيها المريض النفسي، الذي لم يستطع المجتمع أن يحمي منه هذه الطفلة، وربما يكون المرض النفسي تبريراً مزعوماً لإنقاذ الأب من العقاب، ثم أين المحيطون به من الأقارب والجيران؟ ولماذا لم يتدخلوا لحماية هذه الصغيرة وإخوتها؟ ولا نعلم من ستكون الضحية المقبلة في هذا المسلسل المرعب؟!
هنالك أيضاً بعض الأسر تعاني مع آباء من نوع آخر، أدمنوا المخدرات والمسكرات، وتعريض الأم والصغار للخطر، وحتى مع وصول بعض هذه القضايا إلى المحاكم، إلا أن الوضع ظل كما هو عليه، رضوخاً لهذه الوصاية، التي وصل أذاها إلى البيوت العامرة وتقويضها، عن طريق التفريق بما يسمى عدم تكافؤ النسب، وتشريد الأسر والصغار، وقوانين الدين واضحة في هذا الخصوص، ولكن لا تطبيق!
إذا كان الأبناء الشرعيون من زيجات شرعية يجدون هذا المصير، فكيف بالأبناء من تلك الزيجات المشكوك في أمرها كزواج المسيار، والمسفار، والفرند، والوناسة، وربما أنواع أخرى لم تصل إلى مسامعي بعد؟ القضية لن تنتهي، وقوانين الحماية لن تردع إلا ما ظهر منها، وربما لا تتمكن من الإنقاذ، إلا بعد فوات الأوان... القضية خطيرة جداً وتتطلب جهوداً مكثفة دينياً وتربوياً وإعلامياً، بل إني أطالب بإدراج قانون الأحوال الشخصية الإسلامي في المناهج الدراسية، ثم ما مواقف العلماء، والوعاظ، والخطباء، من هذه القضية، إذ لم نرهم أو نسمعهم يبكون على هؤلاء الضحايا من الصغيرات، كما يتباكون على أطفال أفغانستان، والشيشان في المساجد؟