#1  
قديم 01-03-2009, 10:24 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي ما هي الثقافة ، ومَن هو المثقّف ؟

 

ما هي الثقافة ، ومَن هو المثقّف ؟

نستعمل كلمة ( الثقافة ) ، ونقول : هذا شخص مثقّف ، وهذه ثقافة إسلامية .. فما الّذي نعني بالثقافة وبالمثقّف ..
إنّنا نقصد بالثقـافة ، مجمـوعة المعارف الانسـانية التي يكتسـبها الانسان وتؤثِّر في تفكيره وفي فهمه للأشياء ، وفي سلوكه وأخلاقه ، وعلاقته بالله وبالمجتمع والحياة .. مثل معارف العقيدة والتأريخ والفقه والآداب والقانون والسياسة والأخلاق وعلم النفس وعلم الاقتصاد والاجتماع ... إلخ .. والانسان المثقّف هو الانسان الّذي يكتسب نصيباً من هذه العلوم والمعارف وغيرها من المعارف الانسـانية ، وتؤثِّر في سلوكه تأثيراً إيجابياً ..
إنّ الانسان بحاجة إلى فهم الحياة الاجتماعية والسياسية ومعرفة التأريخ وأحكام العقيدة والشريعة والقانون والأعراف ... إلخ ; لكي يستطيع أن يتعامل مع المجتمع تعاملاً سليماً ، ويرسم خطّة حياته ، ومواقفه من الاُمور والحوادث والناس الآخرين بوضوح ونجاح .. وإذاً فالثقافة معرفة وسلوك ، أو هي معرفة تهذِّب السلوك الانساني .. والجاهل بالمعارف والعلوم لا يستطيع أن يفهم المواقف والوقائع فهماً صحيحاً ..
فمثلاً: نحنُ بحاجة إلى المعرفة لكي نحدِّد مواقنا من الوضع السياسي القائم في بلادنا ، أو النظام الاقتصادي الّذي تسير عليه الدولة ، أو المنهاج السياسي الّذي يتبنّاه حزب أو زعيم سياسي مرشّح للسّلطة أو مجلس الاُمّة .. أو مسألة دور المرأة في الحياة الاجتماعية .. أو مسألة حجاب المرأة ، أو السّفور .. أو مسألة الحرِّيّات وحقوق الانسان .. أو الموقف من مذهب اسلامي أو فكرة عقائدية ..
إنّ فهم هذه المسائل وأمثالها ، وتحديد موقفنا منها ، يحتاج إلى وعي ومعرفة ..
إنّ الانسان المثقّف هو الانسان الّذي يملك تحصيلاً علميّاً يمكِّنه من فهم الأشياء ووعيها ، وتحديد الموقف السّليم منها مباشرة ، أو عن طريق مُتابعة هذا الموضوع أو ذاك ، ودراسته وفهمه إذا واجهه ..
وحينما يكون الانسان قليل الثقافة ، أو إنساناً غير مُتعلِّم ، فلا يستطيع أن يُحدِّد موقفاً سليماً من هذه القضيّة أو تلك اعتماداً على فهمه ووعيه .. بل سيكون انساناً مقلداً أو تابعاً للآخرين .. وفي ذلك خطر على شخصيّته وموقفه .. وكثيراً ما يندفع الناس الّذين لا يملكون وعياً ولا ثقافة كافية لتأييد مواقف وقضايا خاطئة .. وبهذا الموقف يكون هذا الانسان أمّعة ، وتابعاً من غير وعي ، وكثيراً ما يتّخذ مواقف خاطئة ، ثمّ يندم بعد أن ينكشف له الموقف ..
والمثقّف ، هو إنسان حضاري ، يعرف معنى الانسانية ويحترمها ..
وهو إنسان متوازِن الشخصية ، يتعامل مع الأشياء بعقل علمي وموضوعيّة ..
والمثقّف ، هو مَنْ تؤثِّر المعرفة والثقافة في سلوكه وشخصيّته ، فتظهر ثقافته في كلامه وحديثه عندما يتحدّث مع الآخرين ، وتظهر ثقافته في سلوكه عندما يتعامل معهم ، أو يعيش في أوساطهم ..
إنّ الثقافة تظهر على شخصيّة الانسان .. تظهر في ألفاظه ولباسه ومظهره ونظام حياته في البيت ..
إنّ الانسان المثقّف ، هو الانسان المستقيم السلوك ، الّذي يختار أفعاله وسلوكه وعباراته التي ينطق بها على أساس الفهم والوعي السّليم ..
فمثلاً ، المثقّف هو مَنْ يُحدِّد موقفه السياسي من القضايا السياسية نتيجة لمعرفته بالقضايا السياسية ، ويُحدِّد علاقته بالناس الآخرين بطريقة اجتماعية مهتدية ، بعيدة عن الاساءة ، وسوء التعامل ..
والانسان المثقّف ، هو الّذي تكوِّن له الثقافة شخصيّة محترمة ومتوازِنة ، تتّسم بحُسن الخُلق والأدب الرّفيع ..
والانسان المثقّف ، هو الانسان الّذي تعلّم أُصول التعامل الاجتماعي الناجحة مع اُسرته .
والانسان المثقّف ، هو الانسان الّذي يحترم آراء الآخرين ، ويتعامل معهم باحترام .

الهويّة الثقافيّة
تختلف الثقافة من عقيدة إلى عقيدة أخرى ، ومن شعب إلى شعب آخر ، ومن مرحلة زمنيّة إلى مرحلة زمنيّة أخرى ..
فالثقافة الأوربية الرأسمالية ، تختلف عن الثقافة الماركسية .. وهاتان الثقافتان تختلفان عن الثقافة الاسلامية ... إلخ .
ونقصد بالهويّة الثقافية : نوع الثقافة ، فللثقافة الاسلامية ، مثلاً ، هويّتها الخاصة بها ، أي نوعها الخاص ، فهي ثقافة تقوم على أساس الايمان بالله تعالى ، وبالوحي والنبوّات واليوم الآخر ... إلخ ..
والثقافة المادية هي ثقافة تقوم على أساس الإلحاد ، ونكران وجود الله تعالى والأديان وقيم الأخلاق ... إلخ ..
فالمثقّف المسلم ، هو الشخص الّذي تكوّنت لديه ثقافة ومعرفة على أُسس إسلامية .. وتظهر آثار ثقافته في سلوكه ، وكتابته إن كان كاتباً أو مؤلِّفاً ، وفي حديثه عندما يلقي محاضرة أو يدير ندوة ، أو يتحدّث في اجتماع ، أو يدخل في حوار ثقافي ..
فالمثقّف المسلم ، هو الشخص الّذي تكوّنت لديه معارف اسلامية من القرآن الكريم والسنّة والسيرة النبويّة المطهّرة والتأريخ والفقه والعقيدة والفكر الاسلامي . فصار يفهم المعرفة
الانسانية والحياة والمجتمع على أُسس اسلامية ، فهو يفهم ـ مثلاً ـ الحريّة والسياسة والأخلاق وعلاقات الرّجل بالمرأة والسلوك الاجتماعي ... إلخ ، على أُسس اسلامية ، ويفهم الاُمور ، ويفكِّر بطريقة اسلامية ، ويقيسها بمقياس الحلال والحرام ، والايمان بالله ، وتوافقها مع العقل العلمي السّليم ..

حماية الهويّة الاسلامية
ويتحمّل العلماء والمفكِّرون والاُدباء والفنّانون ورجال الصحافة والإعلام الاسلاميون ، مسؤولية حفظ الهويّة الاسلامية من خلال ما ينتجونه من كتابات ، ونتاجات فكرية وأدبية وفنية .. كما تتحمّل المدارس والجامعات والدولة هذه المسؤولية ..
وقد أنتج المفكِّرون والعلماء والاُدباء والفنّانون الاسلاميون نتاجات واسعة من الكتب والصحف والمجلّات والأعمال الفنية وبرامج الإذاعة والتلفزيون الثقافية ... إلخ ، من أجل تكوين ثقافة اسلامية ..
فكتبوا في العقيدة الاسلامية ، وفي الحرِّية ، وحقوق الانسان ، والمرأة في الاسلام ، وفلسفة العبادات ، وفي معارف القرآن والحديث النبوي ، وفي النظام السياسي والاجتماعي والتربوي والاقتصادي في الاسلام ، كما كتبوا في الفقه والسيرة النبوية والأخلاق والقصّة والمسرحيّة والشعر والفنون والآداب والتاريخ الاسلامي ... إلخ .
وقاموا بالدِّفاع عن الفكر الاسلامي ، وردّ الشّبهات التي يوجِّهها خصوم الاسلام ضدّه ، ونُسمِّي المحافظة على الهويّة الاسلامية ، بالالتزام الثقافي ; لذا فالمثقّف المسلم مثقّف مُلتزم .

أُسس في الثقافة الاسلامية
ولكي توفِّر لنفسك أُسساً للثقافة الاسلامية ، ينبغي أن تبدأ بدراسة وتحصيل الاُسس الثقافية الاسلامية من خلال مجموعة من الكتب الاسلامية الأساسية ، والدروس والبرامج الاسلامية ..
ويمكن تلخيص المنهج الّذي يُكوِّن لدى المسلم الناشئ أُسساً ثقافية اسلامية ، بالآتي :
1 ـ إنّ الأساس الّذي تُبنى عليه الثقافة الاسلامية ، هو العقيدة الاسلامية ; وهناك كتب كثيرة توضِّح العقيدة الاسلامية ..
ولكي توفِّر لنفسك أُسساً ثقافية اسلامية مُلتزمة ، فعليك أن تبدأ بدراسة كتب العقيدة الاسلامية ، أو تحصل على دروس مسجّلة على الأشرطة الصوتية ، أو أشرطة الفيديو ، أو تحضر دروساً في العقيدة ، إذا كانت هناك دروس مُقامة في هذه المعرفة الاسلامية .
فمَن تتوفّر له معرفة بأُصول العقيدة عن يقين وبرهان علمي ، تترسّخ العقيدة في نفسه أوّلاً ، ثمّ يستطيع أن يرد الشّبهات المثارة ضدّ العقيدة الاسلامية ثانياً .

وثالثاً يتوفّر له الوضوح الكافي بقضايا العقيدة الاسلامية ، كالتوحيد والعدل الإلهي ، والقضاء والقدر ، والنبوّة والمعجزة والوحي ، والغيب والمعاد والجزاء ، والإمامة ... إلخ . ولكي تكون المعرفة العقيدية معرفة سليمة ، يجب على القارئ أن يختار الكتاب العقائدي الخالي من الأفكار الخرافية أو المحرّفة ، وأن يتّخذ القرآن الكريم مُقياساً للمفاهيم العقائدية الّتي يدرسها في هذه الكتب وغيرها ..
ويوجِّهنا الامام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) أحد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) العظماء ، يوجِّهنا الى أن نأخذ معارف العقيدة من القرآن الكريم وبوعي قرآني ، جاء هذا التوجيه بقوله :
«لا تجاوزوا ما في القرآن ، فتضلّوا بعد البيان» .

2 ـ الثقافة الفقهيّة : وعلم الفقه يوفِّر لنا المعرفة بأحكام الشريعة وقوانينها في مجالات الحياة كافّة ، قوانين الاُسرة والدولة والمال والأرض والتجارة والعبادات والأطعمة ... إلخ ، لا سيّما التكاليف الواجب علينا فعلها أو تركها ..
ولكي تتوفّر لديك ثقافة فقهيّة ، فعليك أن تقتني كتاباً في الفقه الاسلامي ، وتدرسه وتتعلّم أحكامه ..
وليس معنى الفقه في الدِّين هو معرفة الأحكام الفقهية فحسب ، بل ويعني الوعي والفهم للعقيدة والنظم والمفاهيم والأحكام ، والقدرة على الاستنباط .

3 ـ ولكي توسِّع ثقافتك الاسلامية ، وتتكوّن لديك أُسساً ثقافية اسلامية ، فعليك أن تقتني كتباً ميسّرة ، واحداً في أُصول الفقه ، وآخر في علوم القرآن ، وثالثاً في علوم الحديث ..
فإنّ دراسة هذه الكتب يوفِّر لك معرفة أساسية ، وإن كانت أوّلية ، بأهم أُسس الثقافة الاسلامية الخاصة بالاجتهاد وكيفيّة استنباط الأحكام الشرعية ، وبعلوم القرآن والحديث .

4 ـ ولا تكتمل ثقافتك الاسلامية إلّا بالاطِّلاع على سيرة الرسول الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ودراسة حياته وشخصيّته الكريمة ، والتعّرف على سيرة عظماء الاسلام ، وفي مقدّمتهم أهل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فهذه الدراسة تؤفِّر لك أغنى ثقافة اسلامية في الحياة ; سواء في السلوك الأخلاقي ، أو في القوانين ونظام الحياة ، أو في فهم الشريعة الاسلامية ، كما توفِّر لك أعظم العبر والمواعظ ، وتوضِّح لك معنى الاسلام بصورة عمليّة ، وهناك كتب كثيرة تتحدّث عن السيرة النبوية ، فاقتن واحداً منها ، مستوعباً لأحداث السيرة وفصولها .
ويجب أن تحذر من الكتب التي تحوي الدّسّ والخرافات والمعلومات الخاطئة عن سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الناصعة النيِّرة وأهل بيته (عليهم السلام) .

5 ـ الأخلاق : وتشكِّل الأخلاق والثقافة الأخلاقية ركناً أساساً من أركان الثقافة الاسلامية ، وقد أ لّف علماء الاسلام والمفكِّرون الاسلاميون كتباً كثيرة في علم الاخلاق والآداب ، ولكي
تتوفّر لديك ثقافة أخلاقية ، فمن الضروري أن تدرس كتاباً في علم الأخلاق ، وتتعرّف على الأخلاق الاسلامية من خلال القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطّهرة .

6 ـ التأريخ الاسلامي : التاريخ معلِّم الانسان ، وفيه من المواعظ والتجارب والعبر ما لا يستغني الانسان عنه ، وهو مصدر غنيّ بالثقافة والمعرفة ..
والتاريخ يُعرِّفنا على أُمّتنا وعظمتها الحضارية والعلمية وموقعها بين الاُمم ، وما قام به آباؤنا وأجدادنا العظام من الفتوحات ، وتحرير الشعوب ، ومقاومة الظّلم والفساد والاستعمار وسيرة الطّواغيت .. كما يُعرِّفنا حقائق كثيرة عن الناس الّذين سبقونا ..
لذا فانّ دراسة التأريخ ومعرفته يمنحنا ثقافة واسعة ويكمِّل ثقافتنا ، وذلك يتطلّب منك اختيار كتاب في التأريخ وقراءات في التأريخ .

7 ـ اللّغة والأدب : اللّغة العربية هي لغة الاسلام ، لغة القرآن والسنّة النبوية المطهّرة . وهي لغة العلوم والمعارف الاسلامية كلّها .. الفقه والعقيدة وأُصول الفقه وعلوم الحديث الشريف والفلسفة والأخلاق ... إلخ ، ومعرفتها أساس ثقافي مهم ..
ويُعتبر علم النحو من أهم علوم اللّغة العربية للشخص المثقّف ، وانّ دراسة النحو والصّرف مسألة ضرورية لتحقيق النطق الصحيح وصيانته من الخطأ ..
فمَن يجهل النحو ، ولا يُميِّز بين ما هو مرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم ، فيكثر عنده الغلط عند النطق بالجملة العربية ، وذلك عيب ونقص ثقافي ، تنبغي معالجته . إضافة إلى أنّ الغلط في نطق الكلمة من النحو والصرف ، يُغيِّر معنى الكلام في كثير من الأحيان ..
إنّ الثقافة اللّغوية هي مقياس لشخصيّة الانسان الثقافية ، وذلك لأنّ النطق والتعبير اللّغوي يدلّ على مستوى الانسان الثقافي ..
فمَن لايُحسِن التعبير والحديث ، أو يُخطِئ في اللّغة ، يوحي للآخرين بضعف ثقافته ، لذا ينبغي معرفة معاني الألفاظ اللّغوية والقواعد النحوية والصرفية ، والاطِّلاع على أساليب التعبير ، وتنمية القدرة الأدبية عن طريق القراءة والدراسة والاستماع إلى البرامج والندوات الأدبية ، ودراسة كتاب مختصر في علم النحو .

8 ـ الفكر الاسلامي : ومن المعارف الثقافية الأساسية هي معارف الفكر الاسلامي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها ..
فلكي توفِّر لنفسك أُسساً ثقافية في هذا المجال ، لا بدّ من قراءة مجموعة من كتب الثقافة الاسلامية التي كتبها الكتّاب والمفكِّرون الاسلاميون في مجال الاقتصاد الاسلامي ، ونظام الحكم والسياسة في الاسلام ، والنظام الاجتماعي ، ونظام الاُسرة والتربية والحريّة وحقوق الانسان في الاسلام ، والعلم والحضارة ... إلخ .
إنّ قراءة هذه المجموعة من الكتب ، ومتابعة البرامج التلفزيونية والإذاعية في الفكر والعلوم والثقافة الاسلامية ، توفِّر لك أُسساً ومعلومات ثقافية اسلامية ، وتفتح أمامك طريق
الثقافة والمعرفة الاسلامية ، وتكوِّن لديك أُسساً وضوابط ثقافية ، تحفظ تفكيرك وثقافتك من الارتباك والفوضى ..
وإذاً عليكَ أن تبدأ بتكوين ثقافتك الاسلامية أوّلاً ، ثمّ تتّجه لدراسة الكتب الثقافية غير الاسلامية ثانياً ، لتنطلق من أُسس صحيحة في تكوين ثقافتك الاسلامية .
أمّا الشّاب المسلم الّذي يبدأ بتناول الثقافة غير الاسلامية ، وتتكوّن أُسس ثقافته بعيداً عن الفهم الاسلامي ، يعيش حالة من الفوضى والشّبهات وعدم الوضوح للفكر الاسلامي .. بل وتسبّبت هذه الطريقة بحرف الكثيرين ، وبلبلة أفكارهم .

الثقافة والتطوّر المدنيّ
تتأثّر ثقافة الانسان وأفكاره بوسائل الحياة المدنيّة التي يستخدمها في الانتاج وتقديم الخدمات ..
كما تتأثّر حياته بالتطوّر الصناعي والعلمي الكبير الّذي وصلته البشرية من وسـائط النقـل ، وأجهـزة نقل المعـلومات ، كالرّاديو والتلفزيون والكومبيوتر والفيديو والسينما ، وآلات الانتاج الزراعي والطباعة ، ووسائل العلاج الطبِّي ، والمصانع المختلفة التي تنتج للانسان ما يحتاجه في حياته اليومية ، وطريقة السّكن في المدن من أبنية ضخمة ، واسلوب تنظيم المدن والأسواق ... إلخ ..
لقد غيّرت هذه الوسائل والمصانع اسلوب الحياة والعلاقات الاجتماعية بين الناس في المجتمع ، فأثّرت في تكوين الشخصية وطريقة تفكير الانسان .. فكان لها تأثير سلبي على الحياة الاجتماعية ، كما كان لها تأثير ايجابي في توفير الرّاحة والتقدّم للإنسان ..
إنّ التطّور الصناعي ، وطريقة الحياة الناتجة عنه ، أضرّت بالعلاقات الاجتماعية ، فعلاقات الجوار والقرابة لم تكن تلك العلاقات المتينة ، فقد نجد عائلة تعيش في شقّة أو بيت سنين عديدة ، ولم تتكوّن لها علاقة صداقة أو جوار مع جيرانها ..
لقد كان الجيران والأقرباء قبل ذلك يتزاورون ، ويقضون ساعات طويلة في الحديث ، فتتفاعل مشاعرهم ، ويتواصل بعضهم مع بعض .. وبعد دخول التلفزيون الى البيوت ، أصبح الناس قليلو الاختلاط والتزاور ، فانّهم يقضون ساعات من اليوم حول التلفزيون . وكان الناس قبل تعقيدات الحياة المادية والعمل المتواصل ، يجدون وقتاً كافياً للعلاقات الاجتماعية ، وللضيافة وزيارة الأصدقاء والأقرباء ، أمّا بعدما طرأ على الحياة من تعقيدات ومشاكل ، تضاءلت هذه العلاقات الحسنة ، وخسر الانسان تلك الروح الاجتماعية البنّاءة ..
ولكي نتغلّب على هذه الظاهرة السلبية في الحياة المادية ، لا بدّ من أن نوسِّع علاقاتنا مع الأصدقاء والأهل والأقرباء والجيران ، عن طريق تكوين الجمعية الخيرية في المنطقة ، وحضور صلاة الجماعة في المسجد ، وزيارة الأصدقاء والجيران في الأعياد والمناسبات
والعطل ، وتبادل الهدايا والرسائل والاتصالات التلفونية ، وتخصيص وقت للعلاقات الاجتماعية ، فانّها ضرورة حياتيّة ..
فانّ الإنسان المثقّف ، هو إنسان اجتماعي ، يعرف كيف يعيش مع المجتمع ويتعامل بإيجابية مع الآخرين ..
ولأهمية العلاقات الاجتماعية في الحياة ، أكّدت المبادئ الاسلامية على توسيع وتعميق تلك الروابط وتنميتها بين الأقرباء والأصدقاء والجيران والناس الّذين نعيش معهم في حياتنا اليومية ، قال تعالى :
(يا أيّها الناسُ إنّا خَلَقْناكُم من ذَكَر وأُنْثى وجَعَلْناكُم شُعُوباً وقَبائِلَ لِتَعارَفوا إنّ أكْرَمَكُم عِنْدَ اللهِ أتقاكُم ) . ( الحجرات / 13 )

التقليد الثقافي
الناس صنفان في تلقِّيهم للثقافة والمفاهيم الحضارية والمدنية ، من الأفكار والسلوك واللِّباس والطّعام والتعامل ، واسلوب العيش ، وطريقة العلاقات الاجتماعية ..
فصنف يتلقّى عن فهم ووعي وقناعة ، ويدري لماذا يؤمن بهذه الفكرة ، ولماذا يرفض غيرها .. وهو يدري لماذا يعمل هذا الشيء ، ولماذا يتركه .
وصنف آخر مُقلِّد ليس لديه فهم ولا وعي للأشياء ، فهو تابع يقتنع بما توصله إليه وسائل الإعلام والدعاية للأفكار والأزياء والمواقف والشخصيات ونوع السلوك ... إلخ .
يتلقّى الأشـياء من غير وعي ، ولا تفهّم ، وهذا الانسان هو انسان ضعيف الشخصية ، لا يملك إرادته ، ولا يُقرِّر موقفه .. ومثل هذا الانسان لا نسمِّيه مثقّفاً ، وإن ادّعى أ نّه انسان مثقّف ..
إنّ كثيراً من الناس ينظر إلى شاشة التلفزيون ، أو ما تنشره المجلّات والصّحف ، أو أفلام السينما ، أو يشاهد ما يفعله الآخرون ، فيتأثّر بهم ، كالببغاء ، في أزيائه وطعامه وسلوكه وتبعيّته للأشخاص والأفكار ..
إنّ المشكلة التي يواجهها كثير من الناس في عالمنا الاسلامي هو التقليد الثقافي للغرب ..
فالبعض يتناول الأفكار الغربية في مجال الاُسرة والحرِّية والجنس والمرأة والأزياء والمجتمع والعادات والتقاليد .. يتناولها ويقتنع بها عن طريق التقليد للانسان الغربي من غير أن يُناقشها، أو ينظر إلى سيِّئاتها التطبيقية في المجتمع الأوربي والأمريكي وأمثالهما ..
ويتلقّى البعض من الناس بعض المفاهيم الخاطئة عن الدِّين ، وهي تحمل التخلّف والخرافات والأساطير .. ويظلّ هذا الانسان يؤمن بذلك الفهم الخاطئ ويُدافع عنه ، ولا يعمل على التخلّص منه أو تغييره .
إنّ الانسان المثقّف يكوِّن قناعته ويخـتار موقفه من الأشـياء والأشخاص والأفكار عن طريق الفهم والوعي والمعرفة الذاتية ، وحتى ما يتلقّاه من الآخرين ، فانّه لا يتقبّله إلّا بعد حصول الثقة بالّذين ينقلون إليه هذه المعلومات ، وفهمه الواضح لهم .

أخلاقيّة المثقّف
من الحالات المرضيّة التي تصيب الانسان ، هي الأمراض الأخلاقية ، كالغرور والتكبّر والإعجاب بالنّفس والغشّ والإحتيال والأنانية ، وسوء التعامل مع الناس ... إلخ .
لذا فانّ من أُولى صفات الانسان المثقّف ، هو التخلّص من الصفات الذميمة ، والأمراض الخلقية ..
ولعلّ من أبرز ما يُصاب به بعض المثقّفين من أمراض أخلاقية ونفسية ، هو الذاتية المفرطة «النرجسية» ، والعزلة والتعالي على الآخرين ..
فالبعض يشعر أ نّه أصبح أكبر من الآخرين ، وأ نّهم دونه لا يستحقّون اهتمامه ; لذا يتعامل معهم بجفوة واستعلاء ..
إنّ الحالة المرضية هذه تعبِّر عن نقص في ثقافة هذا الانسان ، وإحساس مرضي في تكوينه النفسي الباطني ، تحول دون تعامله مع المجتمع ، كما تفقده احترام الآخرين ، وتُعرِّضه لغضب الله سبحانه وعقابه ..
إنّ المثقّف الذي يفهم معنى الثقافة والمعرفة ، يجب أن تشكِّل الثقافة الأخلاقية أهم عناصر ثقافته .. ومَن لم يكتمل الجانب الأخلاقي في شخصيته ، فليس هو إنسان مكتمل الثقافة ، بل لا نسمِّيه إنساناً مثقّفاً بالمعنى الحقيقي ; ذلك لأنّ إنسانية الانسان تتمثّل بأخلاقيّته ، وهي دليل معرفته ، وتكامل شخصيّته ; لذلك تجد البيان النبويّ يؤكِّد هذا المبدأ بقوله الكريم :
«إنّما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مكارم الأخلاق» .
و «أكمل المؤمنين إيماناً ، أحسنهم خُلُقاً» .
إنّ المثقّف إنسان متواضع يحترم الآخرين ، ويعرف قيمة ثقافته ، ويتعامل مع الناس على قدر مستوياتهم الفكرية والثقافية ، فإذا كان يعرف قدراً من المعرفة الثقافية ، فانّه يجهل أشياء كثيرة ، فكما أنّ غيره يجهل بعض ثقافته واختصاصه ، فهو أيضاً يجهل بعض ثقافة الآخرين واختصـاصهم . وتلك حقيقة يدركها الجمـيع ، وهي مصدر تواضع الانسان . والقرآن الكريم يثبِّتها فيقول :
(نَرْفَعُ دَرَجات مَن نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْم عَليم ) . ( يوسف / 76 )


برنامج عمل
لكي تكون مثقّفاً .. يجب أن تكوِّن لنفسك ثقافة ..
ولكي تكوِّن لنفسك ثقافة .. يجب أن ترسم لنفسك منهجاً لتحصيل الثقافة ..
هناك وسائل عديدة للحصول على الثقافة .. منها الكتاب والمجلّة والصحيفة والإذاعة والتفزيون والندوات والمحاضرات والأسئلة والأجوبة وشريط الفيديو والشريط الصوتي والانترنيت ... إلخ ..
عليك أن تستفيد من الوقت للحصـول على الثقافة بشكل يوفق بين عملك وواجبك الأساس ..
وفيما يلي تعليمات حاول أن تستفيد منها للحصول على الثقافة :
عند النهوض صباحاً ، اقرأ شيئاً من القرآن الكريم ، وكذا قبل النوم ، وحاول أن تحفظ آية كلّ يوم ، وأن تستعيد حفظ ما قرأت ، وأن تحفظ حديثين نبويّين في كل اسبوع ..
حاوِل أن تجعل من وقتك ساعة في كل يوم لقراءة الكتب الثقافية .. اقرأ صحيفة يومية ، واسـتمع إلى نشرة اخـبارية وتحليل سياسي ، وتابع الندوات والبرامج الثقافية في الإذاعة والتلفزيون ..
حاول أن تتفق مع عدد من أصدقائك لتكوِّن حلقة دراسة أو ندوة اسبوعية أو نصف شهرية ، تجتمعون فيها ، وتقرؤون في أحد الكتب الثقافية ، ومن ثمّ تقومون بالمناقشة والحوار ، وطرح الأسئلة والإجابة عليها ..
ساهم في المواسم والدورات الثقافية ..
ضع كتاباً فقهيّاً على منضدتك الدراسية ، واقرأ مسألة فقهية في كلّ يوم ، وافهم معناها ..
احمل معك كتاباً أو مجلّة عند السّفر أو التنقّل في السيّارة أو القطار .. واستثمر الوقت حين الانتظار في المحطّة ، أو وأنت راكب في السيّارة أو القطار ، واقرأ الكتاب أو المجلّة أو الصحيفة التي معك ..
عند استراحتك بعد الظّهر ، تناوَل كتاباً أو مجلّة ، واقرأ صفحات منه قبل أن تنام ..
اجعل لك دفتراً لتدوين المعلومات العامّة ، والتي تحتاج اليها عندما تحصل على هذه المعلومات من الكتاب ، أو تستمع إليها من الإذاعة أو التلفزيون ، ودوِّن اسم المصدر الّذي حصلتَ على المعلومة منه والصفحة وتأريخ تحصيل المعلومة .


موقفنا من ثقافة الآخرين
يتميّز عالمنا المعاصر بتوفّر وسائل الثقافة والمعرفة ، وتراكم الانتاج الثقافي ..
فالكتاب والمجلّة والصحيفة والراديو والتلفزيون والانترنيت والفيديو والفاكس وغيرها من وسائل نقل الثقافة والمعلومات .. إنّ كلّ هذه الوسائل وفّرت للإنسان مادّة ثقافية واسعة ، وبسرعة هائلة ، يصله بعضها بسرعة الضوء والصوت ، ولم يعد هناك من حاجز بين الشعوب والاُمم ، يحجز هذا اللّون من الثقافة أو ذاك عن الآخرين ، كما كان قبل عشرين عاماً مثلاً .
ووسائل الاعلام المتطوِّرة ، المسموعة المرئيّة والمقروءة ، تنقل لنا ألواناً مختلفة من الثقافات والأفكار ..
بعضها يُشكِّل ثقافة بنّاءة وصالحة ، تُساهم في هداية الانسان وتوثيق علاقته بالله سبحانه ، وإصلاح المجتمع ، وتنمية الوعي ، وبناء الشخصية ، ومكافحة الفساد والجريمة والعادات السيِّئة ..
وبعضها يعمل على نشر الإلحاد والإنحطاط الأخلاقي ، وإبعاد الانسان عن الارتباط بالله سبحانه خالق الوجود ، ويُشجِّع على التربية المنحرفة ، وفصل شخصيّتنا وثقافتنا عن حضارتنا وعقيدتنا وتأريخنا الاسلامي، أو نشر الخرافة والأساطير باسم الاسلام ، فتسيء إلى الثقافة الاسلامية ، وتُشوِّه الفكر الاسلامي ..
فكثير من الكتب والمقالات والأفكار تطعن بفكرنا الاسلامي ، وتحاول هدمه ، وإثارة الشبهات في أذهاننا ، والتشكيك بعظمة الفكر الاسلامي النيِّر الّذي أخرج البشرية من الظّلمات إلى النّور ، أو تعرض الاسلام عرضاً خرافيّاً ، أو متخلِّفاً مشوّهاً ..
إنّنا نلتقي بألوان مختلفة من الثقافة ، ولا نتقبّلها جميعاً ..
إنّ لدينا أُسس ثقافية ومقاييس ثقافية .. إنّنا نقيس صحّة الثقافة بالعقيدة والأحكام والأخلاق الاسلامية ، وبما توصّل إليه العلم والعقل السّليم .. فما وافق هذه المبادئ ، فهو ثقافة سليمة نؤمن بها ونتلقّاها ، وما خالف هذه المقاييس فنحن نرفضه ولا نتقبّله .
وإذاً ، فنحن نتعامل مع ثقافة الآخرين وهم غير الاسلاميين .. نتعامل مع الثقافة غير الاسلامية تعاملاً انتقائيّاً ، أي نأخذ منها ما هو نافع وسليم ومتوافق مع أُصولنا الاسلامية ، ونرفض ما يُخالف عقيدتنا وشريعتنا ، ويضرّ بشخصيّة أُمّتنا ..

الموقف من أصحاب الرّأي الآخر :
إنّنا نعيش في مجتمع بشري واسع ، تكثر فيه الآراء المذهبية والسياسية والفلسفية والثقافية والاجتماعية المختلفة ..
والناس الّذين نعيش معهم ينتمون إلى مذاهب اسلامية مختلفة .. وآراء سياسية وثقافية متعدِّدة ، وديانات أخرى ..
والعلاقة مع هذا التعدّد في العقيدة والرأي ، ومع هؤلاء الناس وفيما بينهم ينبغي أن يقوم على أساس التفاهم والحوار ، والصّواب يُحدّد من خلال الوسائل العلمية والفكرية ..
وعلينا أن نطّلع على آراء الآخرين ، ونتعرّف عليها إذا أردنا أن نكوِّن موقفاً منها ، ولا يصحّ أن نحدِّد موقفنا من أحد إلّا بعد الاطِّلاع على رأيه ومناقشته ونقده نقداً علميّاً ..
وإنّ من الخطأ أن يتحوّل الخلاف في الرّأي بين أفراد المجتمع الاسلامي إلى عداوة وصراع ومقاطعة ، ونحن كمسلمين نؤمن بحرِّية الرأي في الاطار الاسلامي ، ونتقبّل النّقد ، ونفسح المجال للإجتهاد وتعدّد الآراء .. وأن يكون الحوار العلمي هو الطريق لاثبات الصّواب ، ورفض الباطل .

 

رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 المكتبة العلمية | المنتدى | دليل المواقع المقالات | ندوات ومؤتمرات | المجلات | دليل الخدمات | الصلب المشقوق وعيوب العمود الفقري | التوحد وطيف التوحد  | متلازمة داون | العوق الفكري | الشلل الدماغي | الصرع والتشنج | السمع والتخاطب | الاستشارات | صحة الوليد | صحة الطفل | أمراض الأطفال | سلوكيات الطفل | مشاكل النوم | الـربـو | الحساسية | أمراض الدم | التدخل المبكر | الشفة الارنبية وشق الحنك | السكري لدى الأطفال | فرط الحركة وقلة النشاط | التبول الليلي اللاإرادي | صعوبات التعلم | العوق الحركي | العوق البصري | الدمج التربوي | المتلازمات | الإرشاد الأسري | امراض الروماتيزم | الصلب المشقوق | القدم السكرية



الساعة الآن 05:47 PM.