بأي ذنبٍ ينبذون؟! عندما يكون طفلك مصاباً بمتلازمة داون
صحيفة فلسطين/سمر العرعير:
من وجوه الغرابة في هذا الكون أن تزور امرأةً وضعت وليدها فتخفيه عنك، بينما تشتهي رؤية مظهرٍ من مظاهر الفرحة على وجهها.. لكن وكما يقولون (إن عرف السبب.. بطل العجب) وليدها كان مصاباً بمتلازمة داون فحجبت بينه وبين نور الشمس وقتاً طويلاً حتى تعرفت إلى إحدى الجمعيات التي ساعدتها في تعليمه الاعتماد على نفسه بدلاً من أن يبقى عالةً على غيره.
جمعية الحق في الحياة كانت خير شاهدٍ ومعين للأطفال الذين كتب عليهم القدر أن يعيشوا تحت مظلة اللقب المنغولي فكانت لـ (فلسطين) جولة قصيرة بين جنباتها للتعرف على أهم الخدمات التي تقدمها لهم من خلال التقرير التالي:
هواجس
التقينا بداية الجولة بالأم (ر) البالغة من العمر 41عاماً والتي أكدت أنها "لم تشعر بأي اقتناع" بطفلتها المنغولية عندما أنجبتها وكذلك الحال بالنسبة لوالدها، قائلةً: "غالباً ما يشعرني زوجي بالذنب لأنني قررت أن أنجب في الوقت الذي كان هو فيه يرفض ذلك".
وتضيف:"لم نكن نهتم بها سواءً أنا أو زوجي بغير المأكل أو المشرب ولا أذكر أن والدها حملها في يومٍ من الأيام بل كان كثير التأنيب لي كلما وقعت عينه عليها"، مشيرةً إلى أن فكرتها وزوجها حول هذا المرض تغيرت بشكلٍ كلي بعد أن قدمت إلى جمعية الحق في الحياة عن ذلك: تتابع: "لقد أصبح لدي تقبل وإدراك بإمكانية تعلمها الاعتماد على ذاتها ورغم اعتقادي بأنني ألحقتها متأخرة إلا أنني آمل بأن يكون مستقبلها أفضل".
أما الأم (س) فهي أيضا لديها طفل مصاب بـ(متلازمة داون) يبلغ من العمر شهراً واحداً ولديه أخٌ آخر معافى.. حدثتنا عن هاجس يلاحقها باستمرار يتعلق بمعرفة المحيطين بها، قصة إنجابها لطفلٍ معاق، وتقول: "لا أتقبل كلمة مبروك، أنا منعزلة تماماً عن العالم والمحيطين بي".
صورة مشرقة..
قد لا تجد الكثير من المصابين بمتلازمة داون استطاعوا أن يخوضوا مجال الحياة ويتحدوا صنوف القوة فيها إلا أن الطفلة شهرزاد ذات الأعوام الأربعة عشر حدثتنا بكلمات استطعنا فهمها حيث لم تنس الجمعية التي خرّجتها وجعلتها قوةً عاملة بمستشفى الوفاء الطبي، إذ تؤدي هناك وظيفة عاملة نظافة وتقول :"الحمد لله اشتغل واكسب من عرق جبيني وأساعد إخوتي وأخواتي وأمي سواء بالمصروف أو بنظافة البيت، الأمر الذي يجعلني اشعر بقيمتي في هذا المجتمع وإنني لست عالة على أحد"، مشيرةً إلى أنها تعيش في سجنٍ تقول إنها لا تخرج منه سوى على مكان عملها "أمي لا تأخذني لزيارة أقربائي كما تفعل مع بقية إخوتي لا أعرف لماذا؟".
من يشاهد الجمعية من الخارج قد لا يتوقع أنها تحتوي على ورشةٍ كبيرة لصنع السجاد تخرج من خلالها إبداعات فنية متناسقة يؤديها المعاقون أنفسهم.. تراهم وبكل حزم وإصرار على العمل يقفون خلف (الأنوال) يتعاونون كخلية نحل ليثبتوا للجميع بأنهم قادرون على الاعتماد على أنفسهم.
الإرشاد النفسي
الاختصاصية النفسية في الجمعية (اعتماد الخطيب) بينت أهمية برنامج الإرشاد النفسي في استقبال الأم وتهيئتها نفسياً خاصةً بعد أن تصاب بصدمة إثر ولادة طفلٍ مصابٍ بمتلازمة داون قائلةً: "تعزيز الوازع الديني لدى الأم هو أول الخطوات، وذلك كفيل بدفعها لتقبل الطفل على اعتبار الحكمة الربانية في الابتلاء"، لافتةً النظر إلى أن الجمعية تبدأ بتقديم الدعم النفسي للأطفال المنتسبين إليها فتنمي قدراتهم من خلال برنامج العلاج الطبيعي والتدخل المبكر "وتكون لكل طفل جلسة واحدة في الأسبوع يتم من خلالها تعليمه حتى يصل إلى سن أربع سنوات فيُحوَّل إلى الروضة مروراً بالمدرسة، ومن ثم التأهيل ما قبل المهني والمهني بحيث يصبح قوةً عاملة في المجتمع.
تدريب وتأهيل
على الصعيد ذاته توجهنا إلى المشرف الموجود في الجمعية أ.نبيل جنيد، والذي حدثنا عن أهم الحرف التي يتم تعليمها للمصابين قائلاً:"السجاد والخيزران والزراعة والنظافة هي الأساسيات، كما نقوم بتدريبهم خارج الجمعية في مشاتل الوزارات والمستشفيات والكليات لقاء راتب في معظم الأحيان"، موضحاً ارتياح وتقبل الموجودين لأي توجيه أو تدريب، وخير مثال على ذلك زيادة عددهم في كل عام عن العام الذي يسبقه.
أما عن أهم الصعوبات التي تواجه الجمعية في تأهيل هذه الفئة مع بداية انتقالهم إلى مرحلة التدريب المهني أكد جنيد أن ضعف التركيز الذي يعانون منه هي العقبة الأولى "إلا أننا نتابع تأهيلهم أولاً بأول كي يكونوا متميزين ومبدعين في ما يصنعونه"، منوهاً إلى أن منتجاتهم تُسوَّق من خلال معرض الجمعية الدائم إلى جانب المعارض التي تقام خارجها في محافظة غزة.