التفكير المثالي
الدكتور عامر حسن الشهري
(1) مقدمة
مرت الدول العربية بعد الاستعمار في الخمسين عام الأولى الماضية من القرن العشرين بحركة ابداعية وحرية في الفكر الأدبي والعلمي وكان هناك حرية علمية جيدة وصحوة علمية لدى العالم والنساء خاصة في ذلك الوقت ولكن ظهرت بعض الكتب السيئة والتي منعتها الحكومات العربية أمثال كتاب نجيب محفوظ"أولاد حارتنا" .
وسبب المنع أن هذا الكاتب وغيره تكلموا في الدين بما لا يجوز لذلك منعت كتبهم وانتقدتهم الهيئات الإسلامية والصحف والإذاعات ، وكان من الأفضل لهم أن يوجهوا علمهم وأفكارهم وإبداعهم الذي يريدون نشره إن أحسنا النية فيهم الى ما يرفع فكر الأمة وأدبها وتربية ناشئتها.
وكانت هذه الكتب الممنوعة تحارب دين الأمة وتاريخها وأدبها ولذلك منعت، وهذا يدلنا على فضل تعاون السلطات الدينية مع السلطات السياسية في الحفاظ على الشعب ومعتقداته والدين والخلاق.
ومعلوم أن هذه الكتب بنيت على المبدأ الذي يتبعه العلمانيون وهو فصل الدين عن السياسة وفصل الدين عن الحياة حيث يقولون: "الدين لله والوطن للجميع" وهذه كلمة حق أريد بها باطل فالدين لله والوطن لله ثم لأهله المسلمين الذين أمروا باعمار الأرض وجميع المسلمين يعملون تحت هذه الراية العظيمة .
قال تعالى (انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وءاتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) سورة التوبة آية 18
وقال تعالى (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون)سورة الأعراف آية 129
فالله سبحانه وتعالى انما خلف آدم عليه السلام وذريته ليستخلفه في الارض فيطبق شرع الله سبحانه كما يريده الله سبحانه.
في الحقيقة نحن نحتاج إلى أن نوسع فكرنا عندما نقرأ في ديننا الحنيف فلا نجعل الأهواء والشياطين تتحكم في أفكارنا بل نحن من يفكر ومن يتبع منهج الله سبحانه لتحقيقه والحصول على رضاه عنا.
(2) تقويم الفكر
انه لافصل في الدين بين العقل والفكر والدين لأن الله سبحانه هو الذي أعطانا الإمكانيات والفكر وشرع لنا الدين الإسلامي الحنيف لنتبعه لا لنهرب منه وننفر الناس منه بإتباع الأخلاق السيئة وقراءة الكتب الضالة أمثال كتاب نجيب محفوظ السابق.
إذا أردنا أن ننهض بفكرنا العلمي الخيالي فلابد أن ننهض من سباتنا العلمي فعملية التغيير ليست سهلة وكذلك فالهزيمة مرة والركود لا فائدة منه .
كثيرا ما نصطدم بأسئلة تخالجنا في نفوسنا عن الحياة حولنا وعن الضياع والمستقبل وعن الفوت وعن التأخر عن العلم وعن النفس وعن بناء عالم جديد يخلو من المتناقضات التي أثقلت كاهل الأمة الإسلامية.
إن علاج مثل هذه الأمور يكمن في أن نساءل أنفسنا هل نحن:
1. مؤمنون بقضاء الله عز وجل.
2. مطبقون لدين الله وشرعه العظيم ومجتنبين لحدوده.
3. نراقب الله في أنفسنا وفي ذاتنا وفي أهلينا وفي عملنا.
4. نقرأ القرآن يوميا ونفكر في إخراج هذه الإجابات من التفاسير المتوفرة لنا كتفسير القرآن العظيم لابن كثير رحمه الله.
5. لما لانطبق ما نقرأ من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبحث عن زيادة علمنا بهذا العلم الحصين ضد كل فكر سيء.
6. لماذا لا نتبع هدي الصحابة رضي الله عنهم عندما نقرأ في قصصهم العظيمة وكيف أنهم رضي الله عنهم كانوا قدوة للناس وطبقوا الدين كما جاء.
7. لماذا هذا الانهزام أمام الحضارات الوافدة ، لماذا نشغل أنفسنا بكتابات ومجلات وصحف لا تنفعنا كثيرا ولا تبني فينا الطموح .
8. لما لا نبدأ عملية التشييد والبناء لا نفسنا ولا ننسى أن نجعل وقتا من حياتنا غير أداء الصلوات المفروضة لأداء النوافل وقراءة حزب من القرآن ودراسة سيرة رسولنا الله صلى الله عليه وسلم واقتناء الكتب الإسلامية المفيدة وقرآنها.
9. لماذا لا نستفيد من المواقع الإسلامية في الانترنت التي تعطينا مواضيع مفيدة مثل موقع السلفيون في مصر .... وموقع صيد الفوائد...
10. لماذا لانحاول أن نغير نظرتنا للحياة إلى نظرة من منظور عالي القيم فمثلا نفسر ما حصل من زلزال مدمر(سونامي) في جزر اندونيسيا وسيريلانكا والهند عام 1425هـ ، لنأخذ العبرة من هذه الآية العظيمة فقد كان الصحابة رضي الله عنهم كما روي عن ابن عباس رصي الله عنه أنهم كانوا إذا أحسوا بزلزال أو رجفة هرعوا إلى الصلاة جماعات وأفرادا أو(وحدانا) ، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه سمع زلزالا بالمدينة المنورة فقام في الصحابة خطيبا وقال لئن تكررت هذه الرجفة أو الصيحة لأخرجن من بين أظهركم فما أصابتنا إلا بمعصية عملتموها ، فانظروا إخواني المسلمين والمسلمات كيف أن هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين يحذر أمته من العصيان ويستغل هذه الفرصة ليوجه انتباههم إلى عظمة الله عز وجلّ وكيف أنه سبحانه مسير الأكوان يستطيع جلّّ في علاه أن يعيد هذه الزلازل مرة أخرى فاعتبروا يا أولي الألباب.
11. لنعتبر كذلك بما يدور حولنا من أمور في الساحة السياسية وكيف أن الله سبحانه أزال دولا بأكملها لما طغت وتجبرت وبعدت عن دينها الإسلامي الحنيف ، وما بلاء هذه الأمة إلا من سفهائها كالعلمانيين وغيرهم فمنهجهم يناقض شريعة الله عز وجلّ وإنهم لا يهمهم الدين بقدر ما يهمهم جمع المال من أي طريق كان والله لا يهدي القوم الظالمين.
إن العلمانيين يقوم أصل مذهبهم على أن الدين لله أي لا علاقة للدين في شئون حياتهم والحياة عندهم مادة أي لا مانع من جمعها من أي مكان كان سواء كان من حلال أو من حرام أو من ربا أو من أكل لأموال الناس بالباطل فيقولون "الدين لله والحياة هي جمع المادة"
وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى في المنافقين (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) سورة التوبة 34
12. لماذا لا تضعين أو تضع لنفسك جدولا يوميا وتحاسبين فيه كم من الوقت في هذا الجدول فيه:
o اخلاص لله في العمل أو المدرسة أو الشارع.
o إتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
o عدم معصية الله وفعل ما يخالف شرع الله.
o كم جزءا حفظت من كتاب الله.
o هل تصلين الوتر وصلاة الضحى وقيام الليل والسنن الرواتب.
o هل تحبين الله وتقدمين طاعته على شهواتك.
o هل تطيعين والديك.
ثم انظري نسبة ما ذكر إلى الوقت الذي تضيعينه فيما لا فائدة فيه كمشاهدة التلفاز لأوقات طويلة واستعمال التلفون لأوقات طويلة كذلك ولعب برامج الكمبيوتر في الأمور التي لا تفيد صاحبها.
ثم اسألي نفسك هذا السؤال :ألن يحاسبك الله على هذا الوقت الكثير الضائع بالنسبة للنقاط السبع المذكورة.
ثم بعد ذلك ضعي خطة للرفع من النقاط السبع وتخفيض وقت الضياع وبعد أسبوعين أعيدي الحساب وانظري :
o كم نسبة الوقت الضائع.
o كم الفوائد التي جنيتيها مما ذكر.
وهكذا تستطيعين أن تحاسبين نفسك وتسيرين في طريق الأبرار وتتجنبين طريق الفجار قال تعالى (إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدينِ * وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدينِ * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدينِ * يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) سورة الانفطار19
13. ماهي العوامل المؤثرة التي تجعلنا نضيع أوقاتنا:
o قلة العلم بالدين والحديث والسنة .
o قلة قراءة القرآن الكريم .
o عدم اتباع واتخاذ صحبة جيدة تعينك على طاعة الله .
o كثرة مشاغل الحياة مع عدم ترتيب الوقت .
o قلة المادة والفقر أحيانا ؟
o المعاناة من مشاكل الحياة كأن تكونين أو أحد من أهلك يعاني مرضا معينا مما يؤثر على حياتك النفسية .
o المجتمع وتأثيره عليك ككل .
لو نظرنا إلى هذه الأسباب وعالجناها بالحكمة ووضعنا حلا لكل منها لاستطعنا بإذن الله أن نحقق السعادة في رضا الله التي هدفها الأساسي رضا الله سبحانه عنا ومحبته لنا .
حاولي أن تجلسي مع نفسك وتضيفي لهذه الأسباب أسبابا أخرى في حياتك ودونيها وحاولي علاجها .
وسنتطرق في هذه السلسلة إلى حل هذه النقاط .
14. إن محاولة التغيير من ضعف الهمة إلى علوها هو أساس العلاج لمشاكلنا وفتورنا في الأمور الدينية وحب الله عز وجل وهذا هو أكبر فرق بيننا وبين الصحابة رضي الله عنهم بعد الفرق الذي هو رؤيتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتصديقه ونصرته .
وتعرفين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:"ولم يروني"
إذا لنبدأ بتغيير ذواتنا قبل أن نخرج لتغيير وضع مجتمعنا .
أين الألفة والإيثار والمحبة في الله والبغض في الله وعيادة المريض والإحسان إلى الجار في حياتنا اليومية .
أين الصبر و تحمل الأذى من الناس في سبيل الله ، أين الابتسامة والعطف على اليتيم والفقير.
انها فعلا أمور عظيمة ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة البلد: (لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ) سورة البلد 19 جعلنا الله وإياكم ممن تنطبق عليهم هذه الصفات.
العقبة هي عقبة أو جبل في جهنم وبيّن في الآيه سبحانه كيف يكون تخطي هذه العقبة بسلوك هذه الطريق التي فيها الخير والنجاة فقال فك رقبة أي إعتاق عبد أو أمة لوجه الله تعالى.
وفي الحديث«من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب منها إرباً منه من النار حتى إنه ليعتق باليد اليد وبالرجل الرجل وبالفرج الفرج».
وفي الحديث الذي رواه أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من بنى مسجداً ليذكر الله فيه بنى الله له بيتاً في الجنة، ومن أعتق نفساً مسلمة كانت فديته من جهنم، ومن شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة».
وقوله تعالى (أو إطعام في يوم ذي مسغبة) قال ابن عباس يوم ذي مجاعة والسغب هو الجوع أي في يوم الطعام فيه عزيز ويشتهي أن يأكله، (يتيما) أي أطعم في مثل هذا اليوم يتيما (ذا مقربة) أي ذا مقربة منه ، وفي الحديث الذي رواه أحمد بسند صحيح عن سليمان بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة» وقد رواه الترمذي والنسائي وهذا إسناد صحيح كما ذكر ابن كثير رحمه الله
(أو مسكينا ذا متربة) أي فقيرا مدقعا لاصقا بالتراب أي المطروح بالتراب وقيل هو الغريب عن وطنه وقيل هو الفقير المدين المحتاج.
وقال ابن عباس :هو ذو العيال وكلها قريبة المعنى .
(ثم كان من الذين آمنوا) أي مؤمن بقلبه يحتسب ثواب ذلك عند الله عزّ وجلّ وكان من المؤمنين الذين تواصوا بالصبر أي المتواضعين بالصبر على أذى الناس وعلى الرحمة بهم كما جاء في الحديث عن عبدا لله بن عمرو يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا».