صالح" و"فرج" يقهرانالإعاقة ويتحملان مهنة "الأجساد السليمة"
حائل - أحمد القطب:
على الرغم من اعاقتهماالجسدية، إلا انهما يمتلكان عزيمة فولاذية، استطاعت أن تحفر الصخر لتضع لهما موطءقدم بيد العمالقة، وذلك في أعمال ربما عجز الأصحاء عن أدائها، فصالح ذو العشرينربيعاً، وفرج الذي يبلغ من العمر ستة عشر عاماً هما اخوان يعملان ومنذ نعومةاظفارهما في مجال ميكانيكا وتشليح السيارات والمعدات الثقيلة والخفيفة وبيع الخردواتفي المنطقة الصناعية بمدينة حائل، فصالح الذي ولد بدون أطراف علوية، عدا اصبعين فيكتفه اليسرى، وفرج الذي تعرض لحادث منذ كان رضيعاً فقد على اثره يده اليسرىبالكامل، قد عقدا العزم على مواصلة العمل في مهنة والدهما الذي اعتاش منها، ووفرلعائلته حياة كريمة بعيدة عن ذل السؤال، واستجداء لقمة العيش. ومطبقين بذلك نظامالسعودة بحذافيره، حيث إن الورشة التي يعملون بها لم تستقدم أي عمالة وافدة منذتأسيسها، وذلك ليقينهم المطلق بأن ابن الوطن قادر على العطاء، في كل وقت وتحت أيظرف، متى ما توفرت لديه الإرادة الصادقة في العمل. حينها فقط سيهزم المستحيل،ويكون معدلاً صلباً يشق طريقه نحو المشاركة الحقيقية في مسيرة بناء هذا الوطنوازدهاره على أكثر من صعيد، مثبتين بذلك بأن فرص العمل لا تأتي على طبق من ذهبوانما هي مرهونة بالبحث والتنقيب عن هذه الفرص بعد التأهيل الجيد لذلك، وبالتاليالانخراط في العمل بكل جدية ودون وهن أو إحساس بالدونية.
ولنتعرف على هذه الحالةالفريدة من نوعها في العالم أجمع، فقد زارت "الرياض" الورشة التي يعمل فيها صالح وفرج بإشراف والدهما محمد النومسي فكان الحوار التالي:
*بداية توجهنا بالسؤال للأب محمد عن المدة التي قضاها في العمل بميكانيكا السيارات وبيع الخردوات والتشليح؟
-- فقال بانه يعمل في هذه المهنة منذ سنوات طويلة لأكثر من أربعين عاماً.
* ماذا عن ظروف إعاقة صالح وفرج؟
- صالح ولد بهذا الشكل بدون أطراف علوية تقريباً، أما فرج فقد تعرض لحادث مروري أفقده يده اليسرى بشكل كامل منذ كان رضيعاً.
* كيف استطعت أن تدربهما على هذه الأعمال الشاقة؟
- بدأت منذ أن كانوا أطفالاً فانا مقتنع تماماً من انهما سيشقان طريقهما بنفسيهما، ولكنني مع ذلك واجهت صعوبات كبيرة فيتدريبهما وتأهيلهما بمفردي، حيث كنت أملك بعض الخردوات والسكراب في الصحراء على بعد 20ك/م عن مدينة حائل وكنت اصطحبهما بشكل يومي منذ الصباح وحتى غروب الشمس حتى أصبحا كما ترى.
* وكيف كنتم تبيعون هذه المواد خارج نطاق المدينة؟
- لم نكن نملك ورشة فاضطررنا للعمل في الصحراء وتسويق الخردوات من موقع العمل وذلك بواسطة بعض الأصدقاء وممن يعرفوننا من أهالي مدينة حائل، لكن المبيعات كانت بالكاد تغطي مصاريف المنزل من إيجار ومستلزمات المعيشة اليومية، كما تعرف.
* وهل تملكون هذه الورشة؟
- بالطبع لا.. فهذا الموقع يعود لأحد المحسنين من أبناء مدينة حائل الذي علم بأنني أعمل في الصحراء وقد منيت بخسارة كبيرة نتيجة السلب الذي يتعرض له المكان الذي كنا نعمل فيه والعبث إضافة إلى الأمطار وحرارة الشمس التي كانت تتلف الموادالمعدنية التي نجمعها بهدف بيعها ولكن كما تعلم فهي في الصحراء بدون ظل أو وسائل حماية مما يعرضها للتلف في غالب الأحيان، فقام هذا المحسن - جزاه الله خيراً - بإعارة هذا الموقع لنا في المنطقة الصناعية مدة عامين بدون مقابل.
* وكم مضى من السنتين حتى الآن؟
- لم يتبق منها سوى أيام قلائل لا نعرف بعدها ماذا نفعل ربمانعود لنفس المكان، حيث إن صاحب الموقع قد اجره على مستثمر وطلب منا اخلاء الموقع،وليس لدينا خيار سوى العودة للصحراء للعمل فيها مجدداً.
* كم تبلغ من العمرالآن، وكم عدد أفراد أسرتك، وهل لديك حالات مشابهة لحالة ابنك صالح؟
- عمري ستون عاماً وأفراد أسرتي ثماني عشرة نفساً غالبيتهم من الإناث، ولدي طفلان معاقان إعاقة جسدية ونفسية وهما بسام 6سنوات وياسر 13سنة، كما انني متزوج من اثنتين ولله الحمد والمنة.
* كيف هي ظروفكم المعيشية وهل تقدمت بطلب المساعدة من الجهات المعنية؟
- إن ظروفنا صعبة للغاية فالمنزل بالإيجار ولدي أسرة كبيرة بحاجة إلى ملبس ومأكل ومسكن ومصاريف يومية ودخل هذا العمل لا يكاد يفي بأبسط متطلبات الحياة اليومية ولكننا نحمد الله على كل حال. أما بالنسبة لطلب المساعدة فلي أكثر من خمسةعشر عاماً وأنا اراجع بلدية حائل املاً في الحصول على قطعة أرض ارتزق منها وأعيش أطفالي من الكسب الحلال ولكن دون جدوى.
* توجهنا بسؤال صالح وفرج عن كيفية تأقلمهما مع هذه المهنة الشاقة؟
- لقد وجدنا في هذه المهنة ما نستطيع من خلاله أن نساعد والدنا الذي غمرنا برعايته وانفق علينا كل ما يقع تحت يده خوفاً من أن نمديدنا لأحد في يوم من الأيام وهذا أقل ما يستحقه ولو استطعنا بذل المزيد فإننا لننتخاذل أبدا. والعمل ليس عيباً وبحكم أننا لم نتمكن من مواصلة دراستنا فإننا حرصناعلى العمل بكل طاقتنا لنعلم اخواننا الصغار ما فاتنا وأن نوفر لعائلتنا حياة كريمة،أما مسألة التأقلم فالإنسان قادر على العطاء متى ما توفرت لديه الرغبة الصادقة فيالعمل والكسب الحلال فإن الله سيعينه حتماً ويسخر له طريق النجاح بإذنه تعالى.
* كيف تؤدون أعمالكم اليومية؟
- نحن نتعاون في فك وتركيب المعدات ونتقن تركيب المضخات ونجيد أعمال التشليح، من فك وتركيب وقص باللحام وبعض أعمال الميكانيكا،ولكننا متخصصون في مجال فك المعدات الخفيفة والثقيلة والمضخات، ولكي نؤدي عملنا بشكل متقن فإننا نتعاون فيما بيننا بشكل كبير، فأخي - والحديث لصالح - لديه يده اليمنى سليمة فيقوم بواسطتها بتحريك الرافعات، بينما أتولى أنا أعمال الفك الدقيقة بواسطة اصابعي - كما ترى -.
* ما هي طموحاتكم؟ وماذا تقولون في ختام هذه الزيارة؟
- المستقبل غامض في ظل هذه الظروف التي نعانيها ولكن أملنا كبير في أن نملك قطعة أرض نقيم عليها ورشة مستقلة للسكراب والأعمال التي نجيدها، وهذه الدولة - ونحن متأكدون من ذلك - بانها لن تقصر في دعمنا ونتمنى أن ينظر إلينا المجتمع على أننا شباب منتجون فقد حرمنا الله من شيء لكنه سبحانه - قد وهبنا أشياء كثيرة نستطيع من خلالها أن نعمل ونكون مصدر فخر لأهلنا ولوطننا، المهم أن لدينا العزيمة والتصميم على النجاح ونحن واثقون من أن ذلك سيتحقق بمشيئة الله، كما نود أن نتقدم بالشكرالجزيل لهذه الجريدة الغراء جريدة "الرياض" التي كانت وما زالت سباقة لنقل كل ما منشأنه أن يوصل صوت المواطن إلى المسؤولين في أي بقعة من بقاع مملكتنا الغالية.