عندما تكون الإعاقة إلهاماً (5 -5)
(أطلس الموهبة) من ذوي الاحتياجات الخاصة
د. زيد المحيميد
وصلتني عبر البريد الإلكتروني رسائل كثيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة بعد نشر المقالات السابقة، وخاصة من أخواتنا المعوقات الموهوبات واللاتي تحدّين إعاقتهن ونجحن في أعمالهن سواء الخاصة أو الحكومية وفي مختلف المجالات، وأصبحن رافدات من روافد التنمية التي
تشهدها المملكة، وهذا يدعو للفخر والاعتزاز بتلك الكفاءات الوطنية. تقودنا القراءات السريعة لتاريخ إنجازات الأشخاص المعوقين والمعوقات من أصحاب الكفاءات، سواء في المملكة أو على مستوى الوطن العربي، إلى أنّ إجراءات التأهيل والعناية بهم من قِبل الجهات والوزارات ذات العلاقة محلياً وإقليمياً ودولياً، قد تطورت خلال السنوات الماضية، إلاّ أنّ ذلك التطوير قد تم بشكل تدريجي وبطيء، مما يجعلنا نقول بأنّ (الطلبة والأفراد الموهوبين من ذوي الاحتياجات الخاصة في خطر) في البيئات المدرسية والمهنية، لأنّ قدراتهم بالنسبة إلى معلميهم ورؤسائهم غير ملحوظة، ما لم تكن هناك إستراتيجية واضحة لتعزيز ثقافة العناية بالموهوبين، ويتطلب هذا الاهتمام بنوعية حياتهم عن طريق تحسين الخدمات المقدمة لهم ولمعلميهم ورؤسائهم وتأهيلهم تأهيلاً نوعياً، والتركيز على مهاراتهم وقدراتهم، وتوثيق إنجازاتهم المختلفة عبر الجهات المختصة كوزارة الإعلام من خلال أجهزتها المختلفة، ودمجهم في البرامج التنموية القائمة في المجتمع مع ضمان العدالة في حصولهم على الفرص التعليمية والوظيفية الملائمة وحماية حقوقهم. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأنّه يوجد في المملكة وغيرها من الدول موهوبين وموهوبات من المعاقين في مختلف المجالات الأدبية والعلمية والفنية وهم يستحقون منا الكثير، وقد نلمس بعض الجوانب في مواهبهم عبر وسائل الإعلام، وبعض الملتقيات والندوات.
ونتيجة لما سبق طرحه في المقالات السابقة أرى تنفيذ مشروع وطني للموهوبين والموهوبات من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو عبارة عن دليل يسمى (أطلس الموهبة لذوي الاحتياجات الخاصة) يتم تبنِّيه من الوزارات ذات العلاقة، وفيه أسماء الكفاءات الوطنية من المعاقين والمعاقات في كل منطقة من مناطق مملكتنا الحبيبة - ولا مانع من دخول أسماء من الدول العربية - من خلال معايير دقيقة يتم بلورتها من قِبل مختصين وأكاديميين بذوي الاحتياجات الخاصة، ومن تلك المعايير:
* من وصل أداؤهم إلى مستوى أعلى من مستوى المعاقين العاديين، وذوي قدرة على الإبداع، ويتصفوا بالامتياز المستمر في أي ميدان هام ومجال له قيمة.
* مؤشر التفوق هو المنجزات الفعلية التي قام بها المعاق أو المعاقة في مجاله الدراسي والعملي.
* مستوى مرتفع في التحصيل الأكاديمي، أو في المهارات، وموهبة ممتازة في الفن، أو الآداب ... أو إحدى الحرف اليدوية.
إضافة إلى ذلك يتم تحديد مكان الموهوب أو الموهوبة وإضافته في الدليل الذي تنتمي إليه تلك الفئة، فالهدف من هذا الدليل تنمية وتبنِّي قدرات المعاقين والمعاقات في مختلف المناطق، والذي يدرج اسمه في هذا الدليل من الممكن أن يشارك في برنامج تلفزيوني خاص بذلك، وسبب المطالبة بذلك البرنامج هو محدودية الموضوعات والبرامج التلفزيونية المطروحة والتي لها صلة بالمعاقين، مع أهمية الإبداع بوضع برامج جديدة ومبتكرة، وأقترح تسميته باسم برنامج (أطلس الموهبة) ليتم عرض موهبته وقدراته واختراعاته على لجنة تحكيمية مختصة، كل ذلك من خلال ماراثون تصفيات وفرز مبدئي وتقييم لجميع المشاركين، وفي آخر التصفيات يتم تصفيتهم إلى خمسة متسابقين من الأول إلى الخامس ويعلن عن صاحب المركز الأول، والحاصل على جائزة (أطلس الموهبة)، ويتم تسليم الجائزة من قِبل كبار المسئولين ...
مما شجعني على طرح فكرة الدليل والبرنامج، ما وجدته من كثرة المبدعين والموهوبين من تلك الفئة ذكوراً وإناثاً، ونجاح معظمهم في بيئتهم التي ينتمون لها بكل جدارة واستحقاق، فهم - أي المبدعون منهم - أعظم الناس بعقولهم ... وبتطوير تلك البرامج والرؤى سوف يتحول نسبة كبيرة من المعاقين والمعاقات إلى جزء متكامل من القوى العاملة والمبدعة في المجتمع، لأنهم قادرون على إنجاز عمليات بدرجة متميزة وباستخدام التقنية المعقدة والأفكار المتقدمة، وغير ذلك من المجالات الفنية والأدبية إذا ما توفرت لهم العناية والتدريب المستمر المناسب. أخيراً يقول الشاعر ميخائيل نعيمة:
إذا سماؤك يوما
تحجبت بالغيوم
أغمض جفونك تبصر
خلف الغيوم نجوم!
والأرض حولك إذ ما
توشحت بالثلوج
أغمض جفونك تبصر
تحت الثلوج مروج!
وإن بليت بداء
وقيل داء عياء
أغمض جفونك تبصر
في الداء كل الدواء!