سوزان المشهدي الحياة - 28/10/08//
في وقت يتزايد فيه عدد المواليد التي تُلقى بلا رحمة في كرتون ورقي، أو بجوار حاوية القمامة، أو حتى بجوار مسجد، وفي وقت قرأنا في الصحف المحلية عن رضيع نهشته القطط الضالة حتى قضى نحبه، وهو الذي جاء الى الدنيا من أبوين ضنا عليه بالحياة فتركاه في الشارع بعد أن تم لفه بقطعة قماش وألقياه في الظلام دون أن يطرف لهما جفن، ودون أن تصرخ الرحمة الفطرية في قلبيهما!
نجد قلوباً أخرى أودع الله فيها حناناً جماً تبحث عن هذه الزهور، وتخطط تخطيطاً علمياً مدروساً لتوفر لهم قدر المستطاع بيئة طبيعية أساسها الحب والرعاية المتكاملة، والتخطيط لمستقبل مشرق، قلوب يدفعها حب الخير الذي يسبقه حب الله والفهم الحقيقي لمعنى خدمة المجتمع، والعمل على رعاية زهور جاءت الى الدنيا من دون رابط شرعي، فآثر صاحباه ان يكون الشارع - على رغم قسوته - حضنه الأول... لقد فرحت بالكتيب الصغير الذي وضع له عنوان جميل يحوي آلاف المعاني وهو اسم «جمعية الوداد» الذي يدل محتواه على الكثير من الخير.
تنقلت بعيني بين أهداف هذه الجمعية التي بدأت اولى خطواتها، بتوفير أمهات بديلات أخترن بعناية فائقة ضمن معايير محددة، وعن طريق لجنة لها باع طويلة في هذا المجال، ثم وفرت لهن التدريب العملي بعد التدريب النظري، وبعد موافقتهن على ان يكن امهات بديلات يحللن مكان الأمهات الحقيقيات اللاتي تهربن من المسؤولية الكبيرة.
إن البدء بمشروع يخدم المجتمع، ويوفر مستقبلاً زاهراً لأطفال لا ذنب لهم هو في الأصل مشروع ديني وإنساني ومجتمعي له أهداف نبيلة بجانب الأهداف الأولية المعروفة، التي من أهمها توفير بيئة منزلية طبيعية، ربما يميزها عن غيرها سعيها لخلق «بيت» وليس منزلاً وليس مأوى، والفرق بين المنزل والبيت فرقٌ شاسع كالفرق بين السماء والأرض، ولذلك تعمل الجمعية على أسس مدروسة ومتكاملة، من أهم أهدافها المآخاة بالرضاعة حتى تستمر الصلة الوثيقة بين الأم وطفلها، وبين الطفل وأخوانه نتيجه لارتباطهم بمرضعة واحدة، إضافه الى قيمة الانتماء، وهي قيمة مهمة لم يغفلها القائمون والقائمات على الجمعية مثل وجود من يلقبونها بماما، ووجود نموذج للرجل، والأخ أو الأخت بالرضاعة، والعيش في بيت يخصهم، وربما أسهمت زيارات القائمين على المشروع للمشاريع المشابهة في الدول المختلفة، واختيار النماذج المتكاملة، والعمل على تلافي السلبيات باختيار هذا النموذج القابل دائماً للتطوير والتبديل كلما كان ذلك في مصلحه أسرة «الأطفال والأم البديلة».
إن مشروع الجمعية الجميل، مشروع ضخم دفعني فضولي وحبي الشديد لمثل هذه الأعمال الخيرة الى مقابلة القائمين عليه، وخرجت منهم والفرح يملؤني بعد ان حصلت على وعد بأن أتواجد يوم استكمال المشروع لأرى البيوت التي جهزت لتكون انطلاقة ناجحة نحو حياة كريمة لزهور بريئة قدر الله لها أن تأتي الى الدنيا، ووفر لها أناساً تملأ قلوبهم وقلوبهن الرحمة.