* من وجهة نظركم: ما هي أسباب العنف الأسري؟
- يرجع العنف الأسري إلى جملة من الأساليب لعل من أهمها:
دواعي التأديب والتربية: ووسيلتهم غالباً الضرب الذي تتفاوت درجاته من المبرح إلى الخفيف·
الوضع الاقتصادي الصعب لبعض الأسر؛ الأمر الذي يترتب عليه عدم مقدرة الأسرة أو نقص إمكاناتها في توفير حاجات أفرادها، وغالباً ما ينشأ صراع بين الزوج والزوجة لتوفير احتياجات المنزل، وقد يتطور الصراع إلى نوع من الشجار والضرب وقد يسقط أحد الأبوين غضبه على أحد أبنائه·
الوضع السكني: حيث تبيَّن أن الظروف السكنية الصعبة كضيق المنزل، وكثرة عدد أفراد العائلة تقود إلى حدوث نوع من الخلاف حول بعض المرافق، الأمر الذي يترتب عليه الكثير من مظاهر العنف العائلي ضد الزوجة والأبناء·
نقص الوعي الاجتماعي: بحقوق الإنسان وبخطورة الممارسات العائلية العنيفة على الجو العائلي ودور الأسرة في التنشئة الاجتماعية وغيرها·
انخفاض المستوى التعليمي والأمية: التي تؤدي إلى افتقار الأبوين إلى الإلمام بوسائل التربية الحديثة ولجوئهم إلى الضرب والتعنيف في التعامل مع أبنائهم عندما يخطئون·
بعض عناصر الثقافة السائدة التي تميِّز بين الذكور والإناث: وتؤيِّد فكرة الضرب والتعنيف·
عدم التحكم في مشاعر الغضب وسرعة الانفعال·
وجود نوع من صراع القيم بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة: حيث يتبنى الآباء قيماً محافظة، في حين يميل الأبناء إلى تبني قيم متحررة، ومن ثم يميلون إلى التمرد ورفض قيم الآباء؛ الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الكثير من الخلافات التي قد ينجم عنها ممارسات عنيفة ضد الأبناء في الأسرة·
يتسبب تعاطي الأبوين الخمور والمخدرات وإدمانها في الكثير من المشاجرات العنيفة والاعتداء بالضرب نتيجة لتأثير المادة المسكرة والمخدرة·
وهناك أسباب أخرى للعنف الأسري منها:
شخصية الوالدين وخلفيتهما النفسية، ودرجة الحرمان الاجتماعي الذي يعانونه، والخبرات السابقة المرتبطة بإساءة معاملتهم من جانب والديهم أو من قام على رعايتهم·
نظرة الوالدين إلى الابن، وخيبة أملهم فيه وفي قدراته نتيجة توقعاتهم غير الصحيحة وغير المنطقية عن سلوكه، وقدراته العقلية·
المشكلات الأسرية كالطلاق أو الانفصال أو الخلافات الزوجية: أو موت أحد أفراد الأسرة·
عدم توافر برامج المساعدات والخدمات الإرشادية التي يمكن أن تلجأ إليها الأسر وقت الأزمات·
* هل تؤثر إساءة معاملة الأبناء في شخصياتهم وسلوكياتهم المستقبلية؟
- نعم، إن سوء معاملة الأبناء وإهمالهم يؤثِّر تأثيراً كبيراً في شخصياتهم المستقبلية من خلال:
ضعف الثقة بالنفس: إن ثقة الفرد بنفسه وقدراته عامل مهم يؤثِّر في شخصيته وفي تحصيله وإنجازاته، وقد أشارت كثير من الدراسات إلى أن هناك ارتباطاً كبيراً بين مفهوم الذات والتحصيل الدراسي؛ فالطفل الذي لم تتم لديه الثقة بنفسه يخاف من المبادرة في القيام بأي عمل أو إنجاز لأنه يخاف الفشل والتأنيب؛ لذا تراه متردداً في القيام بأي عمل·
الشعور بالإحباط: يشعر الأبناء بالإحباط إذا ما تهدد أمنهم وسلامتهم، ويرى ماسلو أن الإحباط الناشئ عن التهديد واستخدام كلمات التحقير أمام الزملاء والاستهزاء بقدراتهم وعدم إشباع حاجاتهم السيكولوجية يؤثِّر تأثيراً كبيراً في سلوك الطفل·
العدوان: إن العقاب الذي يوقعه الوالدان على الطفل يزيد عدوانيته وشراسته، وقد يكون رد فعل الطفل الإمعان في سلوك العدوان على الآخرين·
الشعور القلق: وعدم الاستقرار النفسي والتوتر والخوف من العقاب، فضلاً عن الشعور بالعجز والنقص والصراع الداخلي·
المشكلات النفسية والسلوكيات الطويلة الأمد: مثل: الخوف الشديد، والهلع، والسلوك المضطرب أو غير المستقر، ووجود صور ذهنية أو أفكار أو إدراكات أو ذكريات متكررة وملحة عن الصدمة، والأحلام المزعجة (الكوابيس) أثناء النوم، والسلوك الانسحابي، والاستثارة الزائدة، وصعوبة التركيز، وصعوبات النوم·
سلوكيات شاذة وغريبة: وتشمل عادات غريبة في الأكل والشرب والنوم والسلوك الاجتماعي واضطراب في النمو الذهني، كما يظهر لدى هؤلاء الأطفال أعراض انفعالية تتضمن الغضب والإنكار والكبت والخوف ولوم الذات والشك والشعور بالعجز وانخفاض تقدير الذات والشسعور بالذنب والبلادة·
* هل لك أن تحدثنا عن نماذج من نتائج الدراسات التي تناولت العلاقة بين العنف الأسري تجاه الأبناء والسلوك العدواني لديهم؟
- أجريت دراسة عن العلاقة بين نمط تربية الوالدين في الأسرة المصرية كما يدركها الأبناء والعدوان وتكيّفهم الشخصي والاجتماعي·
وقد انتهت نتائج هذه الدراسة إلى وجود ارتباط موجب بين نبذ الوالدين والعدوان لدى الأبناء، وتوصلت أيضاً إلى وجود ارتباط موجب بين التنشئة الاستقلالية المتطرفة وممارسة العدوان لدى الذكور من الأبناء·
كما أظهرت نتائج دراسة عبدالغني 3891م على عينة من 505 منهم 863 طالباً و732 طالبة – من طلاب المرحلة الثانوية، أن أساليب التنشئة الوالدية غير المناسبة ترتبط إيجابياً بزيادة السلوك العدواني عند الأبناء في حين أن الأساليب المناسبة ترتبط سلبياً بالسلوك العدواني، كما توصلت الدراسة إلى أن الأسلوب الوالدي في التنشئة الذي يقوم على التقبل يرتبط ارتباطاً سالباً بالعدوان، أي كلما قل التقبل من الوالدين زاد العدوان عند الأبناء، كما يرتبط التسلط والتفرقة في المعاملة، ارتباطاً موجباً بالعدوان، أي كلما زاد التسلط الوالدي زاد عدوان الأبناء وكلما زادت التفرقة في تعامل الآباء مع الأبناء زاد عدوانهم·
وقد أوضحت نتائج الدراسة التي قام بها سحين وآخرون أن السلوك العدواني والاتجاه التسلطي تبرزان في أقصى درجاتهما في مناخ التنشئة المتسم بالتشدد وغير المتسق، وينحسران في مناخ التنشئة المتسم بالتسامح·
ومن ناحية أخرى، كما بينت الدراسة التي أعدها جبريل وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين عدوانية الأم وعدوانية أبنائها من الذكور·
كما تبيّن من نتائج الدراسة التي قامت بها خليل أن أهم العوامل الكامنة وراء ظاهرة السلوك العدواني لدى الأطفال تتلخص في انهيار الجو الأسري واضطراب الروابط الأسرية وانتشار أساليب التربية الخاطئة في الأسرة مثل التسلط، والإهمال، والتذبذب والحرمان من الرعاية الأسرية وعدم إشباع معظم حاجات الطفل الأساسية؛ مما يؤدي إلى الإحباط الشديد الذي يؤدي إلى السلوك العدواني وكذلك وجود الأب والأم العدوانيين واللذين يفرطان في استخدام أساليب القسوة والعقاب للأطفال·
أيضاً قام مونمان بدراسة ميدانية استمرت ست سنوات على عينة من 06 امرأة في بريطانيا يقمن في ملجأ لحماية النساء من عنف الأزواج، وخلصت الدراسة إلى نتائج كثيرة منها: أن هناك علاقة بين كل من انخفاض نسبة التعليم لدى الأزواج وتعاطي المخدرات وشرب المسكر وعدد الأبناء وبين سلوك العنف – كما وجد أن 57% من الرجال في العينة عاطلون عن العمل؛ مما يؤكد أن هناك علاقة بين البطالة وسلوك العنف الأسري·
في دراسة أخرى أجراها كل من “بلاسك” و”بوردن” و”هنجلر” و”مان” تناولت الخصائص الأسرية وصفات الأصدقاء المراهقين الذين يقومون بالعدوان الجنسي والعدوان اللفظي أو الإهانات· أظهرت أن التنشئة الأسرية للمراهقين العدوانيين كانت تتصف بالقسوة والتشدد وعدم الانسجام·
وفي دراسة أخرى قام بها “هيرام” وزملاؤه توصلوا من خلالها إلى أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين السلوك العدواني الذي يعامل به الوالدان أبناءهم والسلوك العدواني لدى هؤلاء الأطفال·
كما توصل “جيري ودانا” في دراسة مماثلة إلى عدد من النتائج من أهمها: أن أساليب المعاملة الوالدية الخاطئة التي تتمثل في الرفض والإهمال وعدم المبالاة ترتبط بعلاقة موجبة مع كل من القلق والاكتئاب والسلوك العدواني لدى الأطفال·
وفي دراسة قام بها سرحان بينت نتائجها أن تعرض الأطفال للإساءة من قبل والديهم يؤدي إلى العنف لديهم، كما يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي والثقة بالنفس·
وتشير نتائج دراسة “ديفيد” إلى أن الآباء والأمهات المسيئين لأبنائهم قد تعرضوا بدورهم للإساءة من آبائهم وأمهاتهم أثناء طفولتهم، وهم من ثم يكررون نمطاً من الإساءة سبق أن تعرضوا له·
وقد توصل عزب عند مراجعته نتائج مجموعة من الدراسات العربية والأجنبية التي تناولت العنف من زاوية السلوك العدواني إلى أن سلوك العدوان لدى الأطفال والمراهقين يرتبط ارتباطاً موجباً بما يمارسه الآباء أثناء عملية التنشئة الاجتماعية من ممارسات عنيفة تنمي سلوك العدوان لدى الأبناء، وأن المدرسة هي المرتع الخصب لاستشراء هذا السلوك العدواني، حيث يرتبط العدوان داخل الفصل وتخريب محتوياته بمستوى التعرض للعقوبات وأشكال الزجر والإيذاء وسوء المعاملة المنزلية من جانب الآباء ارتباطاً موجباً، فكلما ساءت المعاملة الوالدية ساء السلوك في المدرسة·
أوضحت دراسة استطلاعية قام بها الدويبي حول الأحداث الجانحين في مؤسسات الإصلاح الليبية أن نسبة مرتفعة من هؤلاء الأحداث يأتون من أسر يسود العلاقات بين الآباء والأبناء فيها طابع العنف، حيث يميل آباء هذه المجموعة إلى معاقبتهم بالضرب المبرح والتوبيخ اللاذع، كما أن نسبة منهم أشارت إلى أن العلاقات بين الآباء والأمهات علاقة مضطربة يسودها النزاع والخلافات وغالباً ما يلجأ هؤلاء الآباء إلى ضرب زوجاتهم حتى بحضور أبنائهم·
وفي دراسة علمية أخرى للزهراني توصل إلى أن من أسباب إيذاء الأطفال وإهمالهم: مستوى دخل الوالدين المنخفض، كبر حجم الأسرة، صغر سن الآباء، مستوى تعليم الوالدين المنخفض· كما وجد أن الآباء هم أكثر من يؤذي الأبناء جسدياً ونفسياً يليهم الإخوة ثم الأقارب ثم الأمهات وأخيراً المعلمون على التوالي·
ويشير العطيان إلى أن من يمارس سلوك العنف قد عاش طفولة فيها عنف منزلي إما من خلال مشاهدة والده وهو يضرب والدته أو ضربه شخصياً في طفولته· لذلك كان هناك علاقة بين العنف داخل المنزل وتقليد الابن والده، حيث وجد أن 65% من الأزواج قد شاهد والده وهو يمارس سلوك العنف (ضرب) مع والدته·
* هل بالإمكان تسليط الضوء على نتائج الدراسة التي قمتم بها حول هذا الموضوع؟
- نعم، الدراسة التي قمت بها تهدف إلى: الكشف عن العلاقة بين العنف الأسري تجاه الأبناء والسلوك العدواني لديهم في مدارسهم الثانوية، وكذلك الكشف عن العلاقة بين المتغيِّرات الديموغرافية والعنف الأسري تجاه الأبناء، وإذا ما كانت هناك فروق ذات دلالة إحصائية بين الطلبة العدوانيين وغير العدوانيين تبعاً لمستوى العنف الأسري·
وقد تكونت عينة الدراسة من 023 طالباً سعودياً من طلاب المرحلة الثانوية الذكور (المستويات الثلاثة: الأول، والثاني، والثالث) في مدينة الرياض، منهم 851 طالباً ممن صنفهم المرشدون الطلابيون والمعلمون على أنهم عدوانيون، والباقون 261 طالباً من الطلبة العاديين اختيروا عشوائياً·
وكان ممن أهم النتائج وجود علاقة ارتباطية موجبة ذات دلالة إحصائية بين العنف الأسري والسلوك العدواني لدى الأبناء في مدارسهم، كما وجدت فروق ذات دلالة إحصائية بين الأبناء العدوانيين وغير العدوانيين في العنف الأسري لصالح الأبناء العدوانيين، وبيَّنت الدراسة وجود علاقة ارتباطية سالبة بين بعض المتغيَّرات الديموغرافية والعنف الأسري وهي: تعليم الأب ودخله، إلا أن الدراسة لم تجد علاقة ارتباطية بين كل من مستوى تعليم الأم ودخلها، عمل الأبوين (الأب والأم) والعنف الأسري تجاه الأبناء·
* أخيراً: هل من توصيات أو مقترحات ترون أهمية الإشارة إليها نتيجة لقيامكم بهذه الدراسة؟
- نعم، خرجنا بمجموعة من التوصيات التي نرى أهمية تفعيلها من أجل التقليل من آثار العنف الأسري في سلوك الأبناء وشخصياتهم المستقبلية ومنها:
أولاً – في مجال الأسرة ومنها:
تصميم برامج تدريبية للآباء تساعدهم على كيفية السيطرة على الغضب ونوبات العنف مع بيان أهم أساليب التربية الصحيحة غير العنيفة حتى تتقلص احتمالات اعتدائهم على أبنائهم جسدياً أو لفظياً أو نفسياً·
على الأبوين أن يتذكروا أن هؤلاء الأبناء أمانة في أعناقهم ومسؤولون عنهم يوم القيامة وهم فلذة أكبادهم ولا ينسوا الحديث الذي رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنما يحرم على النار كل هين لين قريب سهل”·
إذا كان أحد أفراد الأسرة يعاني مشكلات زوجية أو أي مشكلات أخرى فإننا ننصحه بالتوجه مباشرة إلى عيادة العلاج النفسي أو استشاري العلاقات الزوجية لمساعدته على حل مشكلته قبل أن تستفحل ويصل ضررها إلى أبنائه·
ثانياً – في مجال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية:
على المدرسة أن تنسق مع مراكز العلاج النفسي من أجل المساعدة في معالجة الآثار النفسية والسلوكية العميقة لدى الطلاب الضحايا التي خلفها العنف الأسري عليهم من خلال إكسابهم مهارة السيطرة على القلق، وكذا إعداد برامج رعاية نفسية قائمة على اللعب تتيح لهم فرصة التعبير عن مشاعرهم للتخلص من آلامهم الناتجة من العنف الأسري الذي تعرضوا له·
دمج الطلاب الذين يعانون عنفاً أسرياً تسبب في انطوائهم أو عدوانيتهم مع طلاب يتمتعون بمهارات اجتماعية قوية لجذبهم إلى المشاركة في نشاطات مسلية وإيجابية بغية أن يتعلم منهم هؤلاء كيفية إقامة العلاقات والتفاعل الإيجابي مع الآخرين·
على المعلمين والمرشدين تزويد الطلاب بالمهارات والخبرات التي تزيد من قوة تحملهم حتى يستطيعوا مواجهة مواقف الغضب والإحباط في حياتهم المستقبلية·
توعية الأسرة والمجتمع من خلال المناهج ومجالس الآباء والأمهات ووسائل الإعلام المختلفة بخطورة العنف الأسري على الصحة النفسية للأبناء مع بيان حقوق الطفل في الإسلام، وكذا شرح بنود اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 9891م·
الإشراف المكثف على الطلاب في أوقات الفسح والصلاة والأنشطة غير الصفية وحثهم على التعاون والإيثار والتسامح·
دعوة الجهات الرسمية المعنية إلى وضع البرامج الوقائية والعلاجية لمشكلة العنف الأسري مع السرعة في إقرار الأنظمة والإجراءات الضرورية لحماية ضحايا العنف الأسري من الأبناء·
إنشاء مراكز أو دور للبنين والبنات يوجد بها فريق يتكون من اختصاصي نفسي واجتماعي وأطباء يتولى استقبال ضحايا العنف الأسري من الأبناء وعلاجهم بدنياً ونفسياً·
إجراء دراسات رصينة وموسعة حول حجم مشكلة العنف الأسري ومدى انتشارها وأسبابها وآثارها في الجنسين على المدى القريب والبعيد وفي مختلف الأعمار·