الضحية دون علاج تكبر لتصبح جلاداً.. والعمالة الوافدة في قفص الاتهام
"التحرش الجنسي بالأطفال"
وحش يتربص بهم ويقتل طفولتهم مع سبق الإصرار والترصد
رولا المسحال – سبق – الرياض:
وحش وهاجس يطارد الأمهات يومياً وهن يودِّعن أطفالهن للذهاب إلى المدرسة صباحاً أو عند استقبالهم مساء؛ فأسئلتهن ونظرات الشك في كل غريب يقترب تكون بمنزلة جدار حماية يعتقدن أنه يكفي لأن يحمي أطفالهن من "التحرش الجنسي".. ولكن الحقيقة التي لا تدركها الكثيرات منهن أن هذا الوحش قد يتربص بأطفالهن بين جدران المنازل وأحياناً في أماكن لا يمكن توقعها.
ويعتبر الكثير من الأهالي أن الخطر الأكبر الذي يقع على أطفالهم يكون مصدره العمالة الوافدة، وهو قلق مبرَّر؛ فالمتابع للواقع ولأخبار الصحف يجد أن العديد من جرائم "التحرش الجنسي" مصدرها بعض العمالة التي تتربص بالأطفال في أماكن عدة، قد تبدأ بـ"البقالة" المجاورة للمنزل ولا تنتهي بالأسواق التجارية الكبرى.
العمالة الوافدة
وكانت الشرطة في وقت سابق قد ألقت القبض على عامل من الجنسية البنجلاديشية في مدينة عنيزة لتحرشه بطفل لا يتجاوز الثامنة من عمره بعد أن اختطفه وقام باقتياده لإحدى دورات المياه. تلك الأخبار وغيرها ما دفع أم سعد، وهي أم لثلاثة أطفال، إلى رفض خروج أبنائها لأي مكان إلا برفقة والدهم أو برفقتها.
وتقول: "أرفض أن يذهب أبنائي مع السائق إلى المركز التجاري وحدهم، بل وصل بي الأمر إلى أن أرفض أن يذهب ابني إلى المسجد دون مرافقة والده". مشيرة إلى أنها لا تنفك تسأل أطفالها كل يوم بعد عودتهم من المدرسة عمن تعرَّض لهم أو لاطفهم بشكل غير لائق.
فيما يروي فهد العنزي قصة ابنه مع "التحرش"، وأشار إلى أنه فوجئ بعامل في أحد المجمعات الشهيرة بمدينة الرياض يحاول إغراء ابنه ذي الأعوام الخمسة في مكان منزوٍ. وقال: "لا أدري بما انشغلت؛ حيث فقدت ابني؛ لأجد عاملاً يُمسك بيده في مكان منزوٍ محاولاً تبرير فعلته بأنه يبحث عن عائلته".
وأضاف "عشت لحظات عصيبة رغم أنها لم تتجاوز الدقائق الخمس، إلا أنني أحسست بأن طفلي تعرض للأذى، ومما زاد شكي في العامل أنه كان مع ابني في مكان بعيد غير ظاهر".
ومن جانبها تعتبر الدكتورة غادة الطريف، الأستاذ المساعد في علم الاجتماع الجنائي في جامعة الأميرة نورة، أن التحرُّش من قِبل العمالة أمر خطير، ويقع، ولكنه في الوقت نفسه مسكوت عنه من قِبل بعض الأهالي.
وأشارت الطريف في حديثها مع "سبق" إلى أن غياب الوعي أو الإهمال من قِبل الأهل قد يجعلان من الطفل فريسة سهلة. مشيرة إلى أن ترك الأطفال دون رقابة في بعض الأحيان أو خروجهم مع السائق سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً دون وجود شخص آخر قد يعرضهم لذلك.
وقالت: "نرى بعض الممارسات كأن تترك الأم أطفالها يذهبون إلى المركز التجاري مع السائق، أو يقوم بتوصيل أحدهم وحده؛ ما يعطيه الفرصة، خاصة إذا كان صاحب سلوك منحرف". مشيرة إلى أنها رأت بعض الأهالي يتركون أطفالهم في "حضن" السائق في السيارة أثناء قيامهم بالتسوق تحت ستار من الثقة العمياء!
يُشار إلى أن غياب الإحصائيات الحقيقية والواقعية يُصعِّب على الباحث في هذا المجال العثور على أرقام حقيقية، إلا أن آخر الإحصائيات المنشورة أظهرت أن نسبة التحرش والاغتصاب للأطفال في السعودية تأتي في أغلبها من الأقارب وبنسبة 70% من الحالات، بينما تصل نسبة تحرش الخدم والغرباء إلى 30% تقريباً.
الخادمات مصدر للخطر
ولا تعتبر العمالة "الخشنة" أو الرجالية مصدر التهديد الوحيد، بل إن العمالة "الناعمة"، أي الخادمات، يُعتبرن مصدر تهديد أيضاً؛ فعدد من الأمهات أشرن إلى أنهن إما تعرضن لمواقف مع الخادمات أو أنهن يرين "الخادمة" مصدراً للخطر يُهدِّد الأطفال.
يُشار إلى أنه في نهاية العام المنصرم شعرت عدد من الأُسَر بالخطر بعد نشر خبر عن قيام خادمة من الجنسية الآسيوية بالتحرش بطفل لم يتجاوز الثامنة من عمره، والقيام معه بممارسات سبَّبت له آلاماً استدعت دخلوه المستشفى.
فيما قالت البندري عبد الرحمن إنها وزوجها كان لهما قصة مع الخادمة، بعد أن لاحظا أن طفلهما الذي لم يتجاوز الرابعة يقوم بحركات "جنسية" بطريقة مريبة لا تتناسب مع سنه. مشيرة إلى أنها بسبب عملها كانت تضطر لترك طفلها ساعات طويلة مع الخادمة، التي - فيما يبدو - استغلت فترة غيابهما للقيام بأعمال مشينة مع طفلهما. وذكرت أنها قامت بتسفير الخادمة دون الإبلاغ عنها، وقررت الاعتناء بطفلها بنفسها.
من جانبها أكدت الدكتورة غادة الطريف أن بقاء الخادمة مع الأطفال فترة طويلة دون رقابة من الأم يجعلهم عرضة لـ"التحرش الجنسي"، خاصة لو كانت الخادمة هي التي تهتم بشؤون الطفل الخاصة بأكملها. مشيرة إلى ضرورة وجود حدود يضعها الوالدان لتعامل الأطفال من الجنسين مع الخادمة.
وقالت: "التعامل السلبي مع مثل هذه الحالات يُعتبر أمراً ضاراً، خاصة عندما يقوم الأهل بتسفير المعتدي دون تسجيل شكوى ضده؛ ما يعني أنه قد يعود مرة أخرى ويمارس فعلته مع طفل آخر". مطالبة الأمهات والآباء بمعالجة أطفالهم في حال تعرضهم للتحرش في أي سن، وألا يتركوا العلاج للنسيان كما يعتقد البعض؛ لأن الأمر قد يتفاقم عند الطفل في المستقبل. وأضافت "إحدى الدراسات أكدت أن أكثر من نصف العينة من الأطفال الأحداث في مدينة الرياض كان سبب انحرافهم الخادمة".
وتشير إحدى الإحصائيات المنشورة قبل سنوات عدة إلى أن أكثر الأطفال عرضة لـ"التحرش الجنسي" دون العاشرة، ويبرر ذلك المختصون بأن الطفل في هذه السن يكون أقل وعياً وخبرة؛ ما يجعله فريسة سهلة لضعاف النفوس.
.. وحتى الأقارب
ولا يتوقف الخطر عند العمالة الوافدة أو تحرش الأطفال الأكبر سناً في المدرسة؛ حيث تروي إحدى الأمهات حادثة حصلت لطفلها في السادسة من عمره؛ حيث وقع ضحية لابن عمه الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، وتصف اكتشافها للأمر بقولها: "كنت أشعر بالأمان على ابني مع ابن عمه، ولم أتوقع يوماً أن يكون معتدياً".
وأشارت إلى أنها لاحظت أن طفلها يعاني اضطراباً في النوم وفي تناول الطعام، ويبكي دون سبب، وذكر لها في ساعة صفاء منه بما يقوم به ابن عمه معه، قائلة: "لم أعرف كيف أتصرف سوى أني أبعدت ابني عن ابن عمه بشكل تام، ولم أخبر والده خوفاً من المشاكل".
هذا التصرف هو الذي ترفضه الدكتورة غادة الطريف، أستاذ علم الاجتماع الجنائي، قائلة: "المعتدي في بعض الحالات كهذه يكون لديه مشاكل، ويتوجب أن يعالَج منها، والسكوت عن الموضوع خوفاً من الفضيحة أو من المشاكل قد يفاقمها".
وأضافت "عندما يكون المعتدي من الأقارب أو العائلة يصبح الطفل عرضة أكثر للمشاكل، خاصة إن لم يكُنْ هناك علاج، والعلاج في مثل هذه الحالات لا يكون بوصفة سحرية، بل بمراحل متعددة يشرف عليها المختصون".
وذكرت أنه في حال تجاهل الأهل علاج الطفل قد يتحول إلى مُعتَدٍ عندما يكبر كنوع من الانتقام من المجتمع. مطالبة وزارة التربية والتعليم بعمل دورات تدريبية للمعلمين والمرشدين والطلبة للتوعية من التحرش الجنسي بما يتناسب مع أعمار الأطفال.
وقالت: "مما نرى أن الرقابة في مدارس الأطفال الذكور لا تكون كافية؛ فبعضها يكون شكلياً؛ فعند وقت الخروج يُسمح للطلبة جميعاً بالخروج دون معرفة من يكون في انتظارهم أو مع من يذهبون؛ وهو ما يجعلهم عرضة لخطر التحرش".