الإسلام ضمن للمعاقين حقوقهم قبل المنظمات الدولية
لا يختلف اثنان حول الحقوق الخاصة اليوم بالمعاقين، والذين يشكلون جزءاً هاماً في المجتمع، يحتاجون لرعاية واهتمام خاصين، ويحق لهم العيش كأي إنسان آخر، يتمتعون بحقوقهم التي كفلها لهم الإسلام قبل المنظمات الدولية بسنوات طويلة. والمرأة التي تعد نصف المجتمع، وحجز زاوية فيه، لها حقوقها أيضاً بحال كانت معاقة، تشمل حقوق المعاقين وحقوق المرأة المسلمة، التي ضمنها لها الدين الحنيف.
ولإلقاء مزيد من الضوء على حقوق المعاقين في الدين الإسلامي وفي القوانين والمعاهدات العالمية، وخاصة حقوق المرأة المعاقة، كان لموقع (وفاء) لقاء مع الأستاذة منال الدمخ، الأخصائية في مجال التربية الخاصة، والتي تدرس الدكتوراه في جامعة برمنغهام في بريطانيا، حيث تشمل دراستها على عدة محاور منها حقوق المعاقين، إعداد التشريعات والقوانين الدولية والمحلية لدمج المعاقين، والمنظور الإسلامي للمعاقين.
دكتورة منال.. رغم أن فئة المعاقين تعدّ أحد الفئات المهملة إلى حد ما في بعض المجتمعات، إلا أنك تخصصت في دراسة حقوقهم من منظور إسلامي ومنظور دولي.. ما الذي دعاك إلى هذا التخصص.؟
اهتمامي بالمعاقين يعود إلى عملي في مجال التربية والتعليم, فرأيت على أرض الواقع معاناتهم مما دفعني إلى البحث عن الحلول التي قد تخفف عنهم وتحسن من أوضاعهم, لذا أكملت دراستي في المملكة المتحدة, وبحكم وجودي بهذا البلد اطلعت على أحدث ما توصل له العلم من تعليم وخدمات لهذه الفئة, فتخصصت أكثر في دمج المعاقين في المجتمعات المحلية مما تطلب مني دراسة البيئة العربية والشريعة الإسلامية لأتمكن من تحديد العوائق التي تواجه المعاقين في العالم العربي والإسلامي.
ما هي برأيك أهم نقاط الاختلاف والالتقاء بين حقوق المعاقين في الشريعة الإسلامية وفي القوانين الدولية بشكل مختصر ومبسط؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من عرض أهم الاتفاقيات الدولية التي تنص على حقوق المعاقين, "اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" في 13 من شهر ديسمبر 2006 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك, بالإضافة إلى " العقد العربي للمعاقين" ( ٢٠٠٣ – ٢٠١٢ م ), وأهم ما تشمل عليه هذه الاتفاقيات من محاور بشكل مبسط هي ضمان حقوق المعاق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية, بالإضافة إلى توفير الرعاية الصحية والتأهيلية وتذليل جميع الصعوبات البيئة التي تمنع الاندماج في مجتمعاتهم المحلية.
جميع هذه الحقوق تتطابق مع حقوق المعاق في الشريعة الإسلامية, بل يتغلب الإسلام في التطبيق العملي لهذه الحقوق وقد سبق المسلمون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم والعصور الذهبية في توفير الرعاية والمساواة واحترام المعاق ودمجه في المجتمع, على سبيل المثال وليس الحصر في القرآن الكريم الآيات تحمل معاني عظيمة في احترام ذوي الاحتياجات الخاصة كأفراد لهم الأهلية الكاملة كغيرهم من أفراد المجتمع، ومن أروع الأمثلة على ذلك ماورد في سورة عبس، والتي حكى القرآن فيها انشغال النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة أحد سادة وأغنياء قريش للدخول في الإسلام وما يترتب على ذلك في تأثير على باقي أهل مكة للتصديق بالدعوة المحمدية الجديدة، إذ دخل على النبي رجل فقير ضرير هو الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم (رضى الله عنه) سائلاً عن الآيات التي نزلت في غيبته، فلم يجبه الرسول وعبس بوجهه وأعرض عنه، فكانت هذه الحادثة سبباً في نزول هذه الآيات (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)( عبس)
في هذا العتاب الإلهي الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم إثبات لعظمة منزلة هذه الفئة في المجتمع وهو إثبات في الوقت نفسه لحقوقهم في الحصول على التعليم والاندماج في المجتمع، كما أن هذه الآيات ترسم سلوكًا إسلاميا عظيمًا لاحترام وتقدير أفراد المجتمع ككل دون تفرقة جسدية أو مالية أو اجتماعية، فلم يكن معيار التفاضل في الإسلام راجع لعوامل ترجيح الغني والسيادة والقوة والسلطة بالرغم من حاجة الدعوة الإسلامية لهذه العوامل في بدايتها لكن الإسلام هو دين المساواة والعدل بين البشر ويؤكد هذا قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (سوره الحجرات: 13) وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : "إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (رواه مسلم في صحيحه,كتاب البر وصله-حديث1887
هل يوجد تمايز في الشريعة الإسلامية أو في القوانين الدولية بين حقوق المعاقين وحقوق المعاقات؟ أم ينظر إليهما على أنهما شيء واحد؟
التمايز بين حقوق المعاقين والمعاقات هو امتداد للتمايز بين حقوق المرأة والرجل بشكل عام، وهذا التمايز يصب في صالح المرأة, المرأة المعاقة لها نفس حقوق الرجل مع التأكيد على حقوقها في المساواة بالرجل كفرص العمل والحقوق الاقتصادية. حيث نجد أن جميع الاتفاقات تحوى بنود خاصة للمراة المعاقة والطفل المعاق لحمايتهم من الاستغلال والتمميز ضدهم.
أما في الشريعة الإسلامية فحقوق المرأة المعاقة تندرج تحت حقوق المرأة المسلمة الغير معاقة, حيث أنها تتمتع بكثير من المزايا عن الرجل, وأبسط مثال هو قوامة الرجل الذى تلزمه برعاية المرأة والانفاق عليها, وضمان حقوقها الاقتصادية (المهر -النفقة الشرعية - الوقف -الوصية ) بالإضافة إلى حقها بالزواج وتكوين أسرة والتعليم والعمل وهذا ما أقرت به المذاهب الفقهية الأربعة.
ما هو الرد الذي يمكن الركون إليه فيما يتعلق بحقوق المرأة المعوقة في الإسلام في ظل اتهامات الغرب للعالم الإسلامي بانتهاك حقوق المرأة؟
للإجابة على هذا السؤال بموضوعية لابد أن نفرق ما بين العالم الإسلامي والشريعة الإسلامية, ومن جهة أخرى إلى الدوافع الحقيقة خلف هذه الاتهامات.
أولا, لا بد أن نقر ونعترف بالوضع المتردي للمرأة المسلمة والمرأة المعاقة بشكل خاص في بعض الدول الإسلامية, وهذه أول خطوة لتحسين وضع المرأة المعاقة بالاعتراف بالمشكلة, فوضعها يسير من سىء إلى أسوء بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية والتي تكون أشد وطأة على المرأة والطفل, فإعداد المعاقين في البلدان المسلمة يزداد بأعداد كبيرة بسبب الحروب مثل العراق وفلسطين وافغانستان, مع سوء الرعاية الصحية والتأهيلية والخدماتية. بالإضافة إلى العادات والثقافات المحلية التي تروج نظرة سلبية للمعاق وبالأخص المرأة المعاقة مما يحرمها من ممارسة حقوقها في التعليم والعمل والزواج وتكوين أسرة.
ثانيا, محاولة فهم الدوافع خلف هذه الاتهامات التي قد تكون ناتجة عن قلة المعرفة بالثقافات والأوضاع المحلية للدول الإسلامية والخلط بينها وبين الشريعة الإسلامية, وهذا الخطأ الذى يقع به أغلب الباحثين من الغرب بعدم قدرتهم على التفريق ما بين ما هو نتاج عن معتقدات وتقاليد محلية وما بين ما هو منبثق من الشريعة الإسلامية, بالإضافة إلى تغلغل الفكرة النمطية عن الإسلام فما هو سلبي دائماً ينظر إليه على أنه هو القاعدة وليس استثناء, على سبيل المثال, حقوق المعاقين تنتهك في كل دول العالم لكن حدوثها في الغرب استثناء وحدوثها في العالم الإسلامي هو القاعدة العامة, لذا دائما ما ألتمس العذر للغرب في جهلهم بالشريعة الإسلامية, لكن ما هو صعب هو تقبل هذه الاتهامات من باحثين للأسف مسلمين في محاولة تقليدهم للغرب بنشر هذه الخرافات عن الشريعة الإسلامية, لذا علينا إزالة التعتيم المتعمد والغير متعمد عن موقف الشريعة من حقوق المعاقين وبالذات المرأة المعاقة ليس فقط لتحسين صورة الإسلام وإزالة هذه الصورة النمطية من أذهان الغرب, بل من أجل تغيير واقع المعاقين بداخل العالم الإسلامي ومحاولة إزالة النظرة السلبية تجاهه المعاقين, وبمناسبة الحديث عن هذا الموضوع, أحب أن أذكر حادثة لأحد الباحثين الغربيين والذي قضى فترة طويلة في أحد البلدان المسلمة للعمل في برامج رعاية المعاقين وكان دائماً يواجه العزلة والصد من السكان المحليين، وفي إحدى المناسبات صارحهم بما يعاني، فكان ردهم بأنهم يرون أن هدفه هو التنصير ونشر النصرانية، فكان رده لهم بأن هذا ليس هدفه وأنه يتمنى لو كانوا أكثر وعياً بالدين الإسلامي لتحسن حال المعاقين, فهذا الباحث الغربي والذي تعامل مع الدين الإسلامي بكل موضعية قد نشر العديد من الأبحاث والتي تأكد على النظرة الإيجابية للإسلام تجاه المعاقين, يقابله باحث عربي مسلم وللأسف هذا الباحث خلط أوضاع المعيشية السيئة للبلدان المسلمة بالإسلام وألقى باللائمة على الدين الإسلامي لتردى الأوضاع المرأة المعاقة.
تتهم بعض الجهات الغربية الدول العربية والإسلامية بانتهاك حقوق المرأة المسلمة، وأنت تعيشين في بريطانيا، كيف تنظرين إلى هذا الأمر.؟ هل هو حقيقي أم لا؟
للأسف كما ذكرت سابقاُ هذه الاتهامات حقيقة لكن التعاطي الإعلامي والسياسي معها يتم بشكل خاطىء مما يؤدى للأسف إلى تشويه الإسلام وتعزيز الصورة النمطية السلبية ضد الإسلام, وبالمقابل هناك تعتيم على الجانب الإيجابي والذي تتمتع به المرأة المسلمة في بلدانها فليس هناك قاعدة عامة, بحكم وجودي في المملكة المتحدة أواجه هذه التساؤلات, وكان الاعتقاد السائد عني بأنني امرأة تحدت المجتمع لإكمال دراستها, وأرى نظرات التعجب بأني لم أكمل دراستي من خلال المواجهة والتصادم مع مجتمعي المسلم العربي، إنما بالعكس أكملت دراستى بسبب دعم مجتمعي على المستوى الحكومى والشخصي, ومن الغريب والتناقض أن أوضاع المرأة الغربية لا يقل سوءاً عن باقي دول العالم فما زالت تطالب بالمساواة بالعمل والرواتب، وفي بريطانيا وحدها بمعدل وفاة 6 سيدات شهرياً بسبب العنف المنزلي, ولكن كما ذكرت سابقاً تعاطي الإعلام مع هذه الحالات بأنها حالات استثنائية.
كيف يمكن رفع وعي المجتمع بحقوق المرأة المعوّقة وأحقيتها في العيش مثلها مثل أي إنسان آخر؟
تغيير النظرة السلبية تجاه المرأة المعاقة يتطلب تضافر الجهود الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني, في رأي هذا هو السبيل إلى حملة فعالة لرفع التوعية بحقوق المعاقين, فالقوانين والتشريعات لحماية حقوقهم موجودة لكن وللأسف لم تفعل على أرض الواقع, وذلك برأيي يعود إلى الجهل على مستوى البيئة المحلية بالمنظور الإسلامي لهذه الفئة, هذه التوعية هي المفتاح السحري لإقناع وتغيير نظرة المجتمع لهم, لذا لابد من تفعيل دور الإعلام والتعليم لتسهيل دمج المعاقين بمجتمعاتهم والحصول على حقوقهم كاملة.