التحرُّش الجنسي بالأطفال .. قضايا مُرعبة تسترها "ثقافة العيب"
خلود غنام- سبق- الرياض: التحرُّش الجنسي بالأطفال قضية مقلقة أخذت في البروز بعد عددٍ من حوادث التحرُّش الأخيرة؛ كفتاة المصعد وغيرها من الجرائم الأخلاقية المُرعبة التي تُرتَكب ضدّ الأطفال من قِبل متحرِّشين يفتقدون الإنسانية، التي لا بُدَّ من مواجهتها بحزمٍ قانوني وتوعيةٍ اجتماعية، وأن نجتهد في حماية الأطفال من خلال رفع مستوى وعي الأسرة، والمجتمع بخطورة هذا الانحراف وتجاوزاته الخطيرة.. "سبق" سلّطت الضوء على أسباب التحرُّش بالأطفال ونتائجه النفسية والاجتماعية:
لا تخدش براءتهم
حول هذه الانحرافات التقت "سبق" المستشارة الأسرية الأستاذة "هند خليفة"، وهي مؤلفة أول كتاب توعوي موجّه للأطفال، قائلة: "كتاب (لا تلمسني) جاء بسبب فقر المكتبة العربية لكتب تهتم بالأطفال، فمعظم الكتب تعلِّم القراءة والكتابة، ولا تهتم بطرق توجيه الطفل لكيفية حماية جسده، من هنا جاءت فكرة تأليفي الكتاب، وانتهينا من الطبعة الأولى، وسننهي الطبعة الثانية وسيكون بمتناول الأطفال بعد الإجازة بإذن الله. وبخصوص ظاهرة التحرُّش الجنسي للأطفال، قالت "خليفة": مع الأسف أصبحت ظاهرةً متفشية، وأكاد أقول إن هناك ذئاباً بشرية في كل حي تنتظر أن تفترس ضحيتها، ولكن نتيجة لمجتمعاتنا المحافظة المصحوبة بالخجل المذموم، ولولا ظهور فيديو "فتاة المصعد" الذي أثار القضية من جديد لم يكن ليتحدث أحدٌ عن تلك الظاهرة.
وعن الأثر النفسي الذي يتعرّض له الطفل بعد التحرُّش به؟ أجابت "خليفة" تختلف الآثار حسب طبيعة الشخصية، فهناك أطفالٌ قادرون على التعايش والتأقلم، وأطفالٌ آخرون عندما يتحدثون عن قصتهم يرتاحون، ومنهم مَن تؤثر في نفسيتهم، مثل "الحرق" تماماً، فهناك مَن يتأقلم معه وآخر مَن يسبّب له اكتئاباً أو شراهةً في الأكل، والانقلاب الحاد في المزاج، وبعض المشكلات النفسية، مثل الخوف والاضطراب وقلة النوم والانطواء والصمت.
وأردفت: لوقاية الأطفال من التحرُّش، هناك أمور عدة يجب أخذها بعين الاعتبار من شأنها تجنيب الأطفال التحرُّش، وأن "درهم وقاية خير من قنطار علاج" لا بد من توعية الطفل قبل أن يحصل له التحرُّش كي تحصنه العمر كله، من خلال نقل المعلومات له بصدقٍ وتبسيطها والتدرُّج بها حسب عمر الطفل، وان نتحرّى الصدق في الإجابة، وأن يعرف حدود جسمه وما المناطق التي يجب أن يحافظ عليها، ومعرفة كلمة متحرِّش بأن نشرح له إن هناك "حرامي" يتعدّى على الأملاك وهناك "متحرِّش" يعتدي على الجسم، ويجب أن أمنعه بكل قوى ولا أسمح له بالاقتراب من جسمي، وأدافع عن نفسي إذا حصل أي اعتداء عليَّ، ومن حقي أن أصرخ وأقاوم، وأنا مسؤول عن نفسي، أدخل للحمام بنفسي لا أسمح لأحد أن يدخل معي أو يقوم بلمسي وأمنعه مهما كانت صلة القرابة. وأن أشتكي الشخص الذي حاول الاعتداء، ويجب أن نقوم بالإبلاغ عنه مهما كانت درجة القرابة أو المعرفة.
هذه جرعات كافية لا تأخذ من وقت الأم ربع ساعة، لكنها كفيلة بتحصين طفلها من التحرُّش والتعامل معه.
وأضافت إن عرض مقاطع الفيديو أو نشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون له تأثير سلبي في الطفل المتحرَّش به، ولكنها أيضاً قد توقظ ملايين من الناس، فحادثة "مصعد الدمام" أثارت القضية من جديد وجعلت كل أسرة تُعيد حساباتها بالتعامل مع أطفالها، وتابعت "خليفة" يجب أن نتفق على أمر "بأننا جميعاً لا نحب الفضيحة، بل نسعى إلى الابتعاد عنها، ولكن لجوء بعض الأهل إلى كتمان أمر التحرُّش الجنسي بأولادهم تذرعاً بعدم الرغبة بتعرُّضهم لفضح الأمر أو نزولاً عند ضغط العادات والتقاليد، هذا من شانه أن يؤثر سلباً في نفسية الطفل، لذا لا بد أن يعاقب المتحرِّش أمام المُتحرَّش به من أجل أن يحس بالأمان، وأن هذا الفعل منافٍ للأخلاق ومعيب، حتى لا يقوم هو بالتحرُّش بأحد الأطفال ويُولد لديه شعور بالانتقام. وأطالب بأن نقوم بتدريس الثقافة الجنسية في المدارس بطرق لا تخدش الحياء لتوعيتهم.
تثقيف الأطفال
أخصائية العلاج والإرشاد النفسي معالجة في التحرُّشات الجنسية للأطفال "هيا السويلم"، قالت لـ "سبق": من أسباب التحرُّش عدم تثقيف الطفل بهوية جسمه والأماكن المحظورة، يجعله غير مدرك الخطورة، وفي حال تعرُّض الطفل للتحرُّش ويجب على الأسرة عدم إظهار انفعالاتها وخوفها، والحقيقة أن قليلاً من الأطفال يأتي ويتكلم بما يعانيه لعائلته، ومن أهم أعراض الطفل الذي تعرَّض للتحرُّش الخوف المفاجئ، واضطرابات النوم والتبول اللا إرادي أو التغوط، وحركات اكتسبها يحاول تطبيقها على المحيطين به، لذلك يجب ملاحظة أبنائنا بشكلٍ سليم.
وتضيف: مع الأسف التعرُّض للتحرُّش يخلق آثاراً قوية جداً، منها الخوف من المستقبل، وضعف الثقة بالنفس، وصراع داخلي قد يؤدي إلى اكتئابٍ أو وسواسٍ قهري للطفل، واضطراب الرغبات والشهوات لديه، إلى جانب اضطراب جنسي.
وأردفت "سويلم": إن نسبه التحرُّش الجنسي بالأطفال ومن المحارم نسبة كبيرة جداً جداً. القصص كثيرة .. لكن احترام خصوصية الحالات يمنعنا ذكرها، وفي النهاية لكي نحمي الطفل لا بد من زرع القيم والمبادئ الحقيقية، والتدريب على الحياء والمحافظة على حشمة اللباس، ويجب عدم مبيت الأطفال خارج المنزل دون وجود الأب والأم إلا للضرورة القصوى، وتثقيف الطفل عن خصوصية جسده، إضافة للحب والاحتواء وبناء علاقة قوية مع الطفل.
أرقام وإحصائيات
لا توجد إحصاءات محدّدة لقضايا التحرُّش الجنسي في السعودية، إذ تعتبر قضية التحرُّش من القضايا المستترة؛ لأن المجتمع يخضع لثقافة العيب، فلا أحد يتحدث عن الموضوع.
مستشارات قانونيات
المستشارة "نوف بنت عبد الله الشويعر" التي أوضحت قائلة: إن الإسلام وضع المبادئ الأساسية التي يمكن الارتكاز عليها ابتداءً للحد من هذه المشكلة كضمانة وقائية والمتمثلة في قوله صلى الله عليه وسلم.. وفرّقوا بينهم في المضاجع)، ولم يقف الأمر عند هذا المبدأ، بل ترك لولي الأمر سلطة تقديرية لفرض عقوبات تعزيرية على كل مَن تسوّل له نفسه الإخلال أو التعدّي على خصوصيات الآخرين وسلب أمانهم واطمئنانهم، وساندها في ذلك التقنين من خلال سن الأنظمة، كنظام الحماية من الإيذاء الذي صدر أخيراً، على الرغم من خلوه من أي ألفاظٍ مخصّصة لجريمة التحرُّش، بل جاء التجريم بشكلٍ عام في المادة الأولى منه لكل شكلٍ من أشكال الاعتداء أو الإساءة والتهديد، وذكر منها الإساءة الجنسية، وتراوح العقوبات فيها ما بين السَجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن ٥ آلاف ولا تزيد على ٥٠ ألفاً، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكذلك صدر نظام مكافحة جرائم الاتجار بالبشر عام ١٤٣٠ هـ، الذي بيّنت المادة الأولى منه أن الطفل هو مَن لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، بينما شملت مادته الثانية الاعتداء الجنسي من ضمن الأفعال المجرمّة نظاماً، وعاقب هذا النظام كل مَن يخالف أحكامه بالسجن مدة لا تزيد على (خمس عشرة) سنة، أو بغرامة لا تزيد على (مليون) ريال، أو بهما معاً، وهذا يبين أنه ليس هناك نظامٌ خاص يتعلق بالتحرُّش الجنسي بشكل عام ويتضمن نصوصاً خاصّة بالاعتداء على الأطفال.
من جهة أخرى، دعت المستشارة "إيمان بنت زيد المعطش" إلى ضرورة إفراد نظامٍ خاص بالتحرُّش الجنسي، إلى جانب الأنظمة التي تم إصدارها، يكون مجرّماً لهذا الفعل "ارتكاباً ومساهمةً وتحريضاً" مروراً بالجوانب الوقائية والإجرائية التي تبدأ من تقديم الشكوى وانتهاءً بصدور الحكم، مع تقرير الضمانات التي تحمي حق المعتدى عليهم وذويهم ومقرراً للعقوبات الرادعة بحق مرتكبيه، ونعني بذلك وجود آلية واضحة لفرض العقوبات، إذ إن خضوعها لسلطة القاضي التقديرية المبنية على اجتهاده لا يحقق ما نسعى إليه من ردع كل متعدٍ ومرتكبٍ لهذا الجرم، باعتبار أن وقوع هذا الفعل يمسُّ المجتمع، كما يمسُّ الفرد ذاته.