الإطار النظرى:
أولاً : الضغوط النفسية : Psychological Stress
o مفهوم الضغوط النفسية :
تعد الضغوط النفسية ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية يخبرها الفرد فى مواقف وأوقات مختلفة من حياته اليومية، وهذا يتطلب منه توافقا مع البيئة التى يعيش فيها.
وتشير شوقية السمادونى (1993) إلى أن بعض الباحثين يرون أن قدراً من الضغوط النفسية يكاد يكون ضرورياً لمجابهة متطلبات الحياة اليومية ِ، وهذا هو الجانب الإيجابى للضغوط ، وهناك البعض الآخر ممن يرون أن التعرض المتكـرر للمواقـف الضاغطة يترتب عليه تأثيرات سلبية فى الحياة ، وهذا هو الجانب السلبى للضغوط.
(شوقية السمادونى ، 1993: 39)
ولقد اهتم بعض الباحثين بتعريف الضغوط النفسية ، فنجد فولكمان وآخرون Folkman, et al (1979) يعرفون الضغوط بأنها حالة ناشئة من عدم حدوث توازن بين المتطلبات المفروضة على الفرد وقدرته على الاستجابة لتلك المتطلبات.
(In: Calderon & Greenberg, 1999:8)
وتذهب فيولا الببلاوى (1988) إلى أن الضغوط هى تلك الحالة التى يتعرض فيهـا الفرد لظروف أو مطالـب تفرض عليه نوعاً من التوافق ، وتزداد تلك الحالة إلى درجة الخطر كلما ازدادت شدة الظروف أو المطالب أو استمرت لفترات طويلة. (فيولا الببلاوى، 1988: 4)
وتذكر شوقية السمادونى (1993) أن الضغوط النفسية حالة نفسية تنعكس فى ردود الفعل الداخلية (الجسمية) والسلوكية ، والناشئة عن التهديد الذى يدركه الفرد عندما يتعرض للمواقف أو الأحداث الضاغطة فى البيئة المحيطة. (شوقية السمادونى ، 1993: 45)
ويعرف موسى جبريل (1995) الضغط النفسى بأنه تلك الحالة الوجدانية التى يخبرها الفرد ، والناتجة عن أحداث وأمور تتضمن تهديداً لإحساسه بالحياة الهانئة ، وتشعره بالقلق فيما يتعلق بمواجهتها. (موسى جبريل ، 1995: 1471)
ويشير لوثانسLuthans (1998) إلى الضغوط بأنها استجابة تكيفية للمواقف الخارجية التى تؤدى إلى مجموعة من الاختلالات البدنية والنفسية والسلوكية لدى الأفراد. (Luthans, 1998: 330)
ويرى كل من زيدان السرطاوى وعبد العزيز الشخص (1998) أن الضغط النفسى يعبر عما يحدث للفرد عندما يتعرض لمواقف تتضمن مؤثرات يصعب عليه مواجهة متطلباتها وبالتالى يتعرض لردود فعل انفعالية، وعضوية ، وعقلية ، تتضمن مشاعر سلبية ، وأعراضا فسيولوجية تدل على تعرضه للضغوط. (زيدان السرطاوى ، عبد العزيز الشخص ، 1998: 15)
ويذكر والكر Walker (2001) أن مصطلح الضغط النفسى يشير إلى تعرض الشخص لصعوبات ومشكلات ترهقه وتفوق طاقته على التحمل. والضغط النفسى قد يهدد صحة الإنسان وسلامته ذلك أنه قد يولد ردود فعل جسمية أو سيكولوجية على المدى القصير أو المدى الطويل. وهو يستخدم أحياناً كمرادف للقلق إلا أنه يشمل أبعاداً إضافية مهمة. (فى: جمال الخطيب،2001 : 188)
ومما لاشك فيه أن وجود الطفل المعاق -بما قد يحمل من خصائص غير مرغوبة- يعد بمثابة مصدر دائم للضغط ، حيث تتطلب رعايته جهداً كبيراً من الوالدين يصعـب عليهما تحمله فيتعرضان لمشاعر سلبية ، ومشاكل أسرية ، فضلاً عن المظاهر العامة – عضوية و نفسية – المصاحبة للضغط. (زيدان السرطاوى ، عبد العزيز الشخص ، 1998: 16)
ومن هنا فإن مصطلح الضغوط النفسية لدى أولياء أمور المعاقين يشير إلى التأثير السيئ الذى يحدثه وجود طفل معاق (وما يتسم به من خصائص سلبية) لدى الوالدين فيثير ردود فعل عقلية وانفعالية أوعضوية غير مرغوبة، تعرضهم للتوتر والضيق ، والقلق ، والحزن ، والأسى ، كما قد يعانون من بعض الأعراض النفسية الجسيمة التى تستنفذ طاقتهم وتحول دون قدرتهم على التركيز فيما يقومون به من أعمال. (عبد العزيز الشخص وزيدان السرطاوى"ب" ، 1998: 6)
o إعاقة الطفل كمصدر للضغوط النفسية لدى الوالدين :
يذكر هينجلر وآخرون Henggeler, et al (1995) إن اكتشاف الإعاقة السمعية لدى الطفل يعد بمثابة صدمة للوالدين وما يترتب على ذلك من ردود فعل انفعالية من قبيل الاكتئاب والقلق والغضب والشعور بالذنب والعجز وتتزايد هذه الانفعالات مع نمو الطفل ، وعلاوة على هذه الضغوط الانفعالية فلدى الوالدين ضغوطاً أخرى ذات أهمية أيضاً فالعناية بالطفل المعاق سمعياً ربما تتطلب إشرافاً مكثفاً ، واهتماماً طبياً خاصاً ، وتكاليف مالية باهظة، واندماجا قويا فى تعليم الطفل . والوالدان لا يمتلكان سوى وقت وطاقة قليلة يكرسانها من أجل حاجاتهما وحاجات أفراد أسرتهما الآخرين. (Henggeler, et al,1995: 211)
كما يشير كل من كالدرون وجرينبرج Calderon & Greenberg (1999) إلى أن اكتشاف الإعاقة السمعية لدى الطفل يجلب كثيرا من الضغوط والتحديات النفسية والبيئية لوالديه وأسرته. فيواجه الوالدان ضغوطاً وتحديات عديدة منها تعلم طرق جديدة للتواصل ، والاندماج بشكل أكبر فى صنع القرارات التعليمية ، وزيادة الاتصال بالأخصائيين فى مجالات عديدة ، وشراء واستخدام وسائل دعم تكنولوجية ، وعندما ينضج الطفل ، فإن الأسر لا تستمر فقط فى جهودها من أجل تحقيقق الحاجات المناسبة لطفلها ، بل أيضاً تواجهها مواقف جديدة تتناولها وتضع لها حلولاً . (Calderon & Greenberg, 1999: 7)
معنى هذا أن إعاقة الطفل أو اكتشافها فى الأسرة يعد بمثابة موقف (حدث) ضاغط يؤدى إلى تغيير فى الأدوار والتوقعات الأسرية، وما يصاحب ذلك من ردود فعل انفعالية لفقدان الوالدين لآمال وطموحات مرتبطة بميلاد الطفل.
تأثير الضغوط النفسية للوالدين على توافق الطفل ضعيف السمع:
يذكر كارفرCarver (1988) أن الضغوط التى تتعرض لها أم الطفل المعاق سمعياً تؤدى إلى تمزق وضعف العلاقة ما بين الأم والطفل ، فالأم تجاهد لتخفى مشاعرها السالبة للتعايش مع طفلها المعاق وإدراك الطفل لهذه المشاعر ينعكس بالسلب على سلوكه المستقبلى. (Carver,1988: 73)
ويشير كل من كالدرون وجرينبرج Calderon & Greenberg (1999) إلى أن وجود طفل معاق سمعياً فى الأسرة يعد مصدرا مستمرا للضغوط ، وأن تغلب الوالدين على هذه الضغوط يؤثر بشكل إيجاببى علـى كل من التوافق الأسرى ونضج الطفل المعاق.
(Calderon & Greenberg, 1999:8)
كما تؤكد نتائج دراسة كل من جرينبرج Greenberg (1983) ، وواطسن Watson (1986) ، بريور وآخرونPrior, et al (1988) على أن المشكلات السلوكية وسوء التوافق لدى المعاقين سمعياً ترجع إلى حدة انفعالات الوالدين والضغوط النفسية التى يتعرضان لها.
وهكذا يتضح أن الضغوط النفسية للوالدين تؤثر بشكل سلبى على توافق طفلهما المعاق سمعياً.
أساليب التغلب على الضغوط النفسية لوالدى الطفل ضعيف السمع:
يذكر فولكمان وآخرون Folkman, et al (1979) أنه يمكن التغلب على المواقف المحدثة للضغوط النفسية من خلال تنمية استراتيجيات التعايش Coping Strategies ، وتشمل هذه الاستراتيجيات كل ما من شأنه مساعدة الوالدين على إحداث التغيرات اللازمة لخفض مستوى التعرض للضغوط النفسية مثل الصحة العامة لأفراد الأسرة ، والطاقة الكامنة لديهم ، ومهارات حل المشكلات ، وإدراك أفراد الأسرة لوضعهم الأسرى ، والعلاقات الأسرية السائدة ، ومصادر الدعم الاجتماعى المتوافرة. (فى: منى الحديدى وآخرون ، 1994: 10)
ويشير كل من ولكنسون وآخرون Wilkinson, et al (1997) إلى أن بعض الباحثين قاموا بوضع استراتيجيات للتوافق مع الضغوط تنقسم إلى التوافق المتمركز حول المشكلة والتوافق المتمركز حول الانفعال ، فالتوافق المتمركز حول المشكلة فيه يقيم الفرد الموقف الضاغط ويفعل أى شئ حياله ، أما التوافق المتمركز حول الانفعال فيه يركز الفرد على الاستجابة الانفعالية للمشكلة فيحاول تخفيف القلق حيال المشكلة بدون التعامل الحقيقى مع الموقف . ومعظم الناس يستخدمون استراتيجية التوافق المتمركز حول المشكلة عندما يدركون أنهم يستطيعون السيطرة على الموقف ، ويستخدمون استراتيجية التوافق المتمركز حول الانفعال عندما لا يكون هناك حل للمشكلة من قبيل مواجهة مرض قاتل أو موت عزيز. (Wilkinson, et al, 1997: 205)
ويؤكد أيز وهيرول Ayes & Herol (1996) أنه يجب على آباء الأطفال المعاقين سميعاً التوافق مع تحديات إعاقة الطفل ، مع ملاحظة أنهم يواجهون متطلبات إضافية ناجمة عن فقد أطفالهم لحاسة السمع . (Ayes & Herol , 1996: 232)
وتوضح دراسة كل من عبد العزيز الشخص وزيدان السرطاوى (1998) أن الدعم المادى والمجتمعى والاجتماعى وإشباع الاحتياجات المعرفية من شأنه أن يخفف من حدة الضغوط النفسية للوالدين والناجمة عن إعاقة طفلهما.
وهكذا يخلص الباحث إلى أنه يمكن التغلب على الضغوط النفسية لوالدى الطفل المعاق سمعياً من خلال مساعدة الوالدين على تبنى بعض استراتيجيات التعايش والتوافق مع إعاقة الطفل ، بهدف تقبله كما هو بغض النظر عن إعاقته ، ومعاملته مثل أقرانه العاديين فى الأسرة وتبصير الوالدين بالهيئات المتخصصة والتى تقدم خدمات تعليمية أو طبية أو تأهيلية لطفلهما ضعيف السمع خاصة ، وتشجيع الوالدين على إقامة علاقات اجتماعية مع أطفالهما فى ضوء قدراتهم وإمكاناتهم فضلاً عن تعديل بعض الاتجاهات والتوقعات السلبية للوالدين نحو طفلهما المعاق سمعياً.