عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-29-2009, 03:07 AM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 

إنما الأذن هي التي تقــوم بهذه المهمة. حيث إن اللغة تنتقــل من المتحدث إلى المستمع عن طريق الصوت وإن الأذن هي التي تنقله إلى الدماغ/ العقل، حيث تتم عملية حــل شفرة الرســالة المتلقـاة، وبما أن القرآن يهدف إلى غرس المعرفة المفهومية في الإنسان لذا وقع الاختيار على الأذن لتلعب دور الوسيط بين الْمُخاطِب (الله) ـ جل جلاله ـ والْمُخاطَب (الإنسان). ولهذا السبب تلعب الأذن دورًا مهمٌّا في القيام بدور الوسيط بين الرسالة (المحتوى القرآني) وعقل الإنسان (المتلقي). ولهذا فقد كانت الأذن هي العضو الأساسي الذي اهتم به القرآن بوصفه أداة التعلم. ومع ذلك تظل الأذن جهازًا مهمٌّا للغاية في نقــل المحتوى اللساني إلى العقل الذي يقوم بفك شفرات الوحدات الصوتية إلى كيان مفهوم وسيمي (رموزي). والعين تعجز عن القيام بهذا الدور كما أنها لم تخلق له ولكنها تستخدم أداة لنقل المعلومات البصرية في التعلم البشري، وتستطيع القيام بنقل أو عكس الصور التي يمكن تحويلها إلى رموز
خيالية. فالإنسان ـ على سبيل المثال ـ يستطيع رؤية آيات الله الكبرى بالنظر إلى الطبيعة أو حتى إلى نفسه (بوسائل الاستبطان واسترجاع الأحداث).

والله ـ سبحانه وتعالى ـ يحث الإنسان على استخدام بصره لفهم العالم الذي يحيا فيه ليقر في نهاية الأمر أن الله بقوته وحكمته هو خالق البشر ومانح الحياة. إن حقيقة ورود كلمتي (السمع) و(البصر) بهذا التتابع يجعل المرء يفكر في السؤال الذي يطرح دومًا:

(لماذا يكون الأمر على هذه الشاكلة؟)

فإذا كان القرآن قد ميز السمع والبصر على ما عداهما من حواس فإنه كذلك قد ميز السمع على البصر تقريبًا في كل آية ذكرا فيها معًا، ولا بد من وجود سبب مقنع لذلك. وبينما يتوجب علينا اعتبار الاثنين هبتين وهبهما الله ـ سبحانه وتعالى ـ للإنسان، فإن علينا أن نؤكد بأنَّا لسنا قادرين على المبالغة في تقويم مزية السمع والبصر في التعلم.

فإذا كان القـرآن الكريم قد ألقى الضوء على هبة نعمتي السمع والبصر اللتين أنعـم الله بهمـا على البشـر ـ فلا بد أن للترتيب الذي ورد بهما في القرآن الكريم مدلولات نظرية وعملية. فقد دعا القرآن البشر للإيمان بالمنظـور من الأشـياء وغير المنظور منها. وأمـر القـرآن البشر بالتأمل في آيات الله الكبرى وبالنظر في الطبيعة وفي أنفسهم بوسائل الاستبطان والاسترجاع.

ولهذا لا بد من التفكير فيما توصل إليه علم النفس التجريبي في مجال إدراك الكلام المتعلق بالمعلومات السمعية والبصرية وذلك للبحث عن بعض من المدلولات النظرية والعملية في هذا الخصوص.

تطور السمع والبصر:

رغم أن الجهاز السمعي والجهاز البصري لدى الإنسان تنشأ بدايتهما في ذات الوقت وذلك في الأسبوع الثالث بعد حضانة الخلايا الأولى للجنين في بطان الرحم، إلا أن جهاز السمع يصبح فاعلاً وظيفيٌّا أثناء فترة الحمل. وتبدأ مُقلتا العين في التحرك فقط مع بداية الأسبوع الثاني عشر بينما تفتقد حركات العين إلى الإدراك، في حين أن الأذن قادرة على ممارسة وظيفتها السمعية طول أثناء المرحلة الحملية رغم امتلائها بالسوائل التي تجعلها صماء جزئيٌّا.

وهذا الصمم الجزئي يقوم في واقع الأمر بحماية الجنين من التعرض للإزعاج من الأصوات الخارجية غير أن هذه الحماية لا تشمل الأصوات العالية بجوار بطن الأم (Moore, 1983). ويوضح لنا هذا أن جهاز السمع يبدأ في القيام بوظيفته قبل الجهاز البصري، في مراحل مبكرة فضلاً عن جزئية هذه الوظيفة. حاسة السمع، من منظور تفاعل اجتماعي، هي أول ما يستخدمه الرضيع للتواصل مع العالم الخارجي خلال المرحلة الجنينية. ولهذا فإن هذه الحقيقة لا بد أن تعلي من شأن حاسة السمع وتمنحها مزايا واضحة على ما عداها من حواس.

يكون الطفل مهيئًا عند وقت الولادة بجهاز سمعي مكتمل نسبيٌّا وجهاز بصري أقل اكتمالاً. وهذا يعني أن حساسية شبكية العين تجاه مختلف أنواع الضوء ضعيفة. بينما الأذن قادرة على التجاوب مع الصوت فهي تحدد بداية مقدرة الطفل على تحديد اتجاه الصوت (As-Sayid, 1968: 108). إضافة لهذا فإن الأبحاث في علم النفس التجريبي تشير إلى أن (زمن الارتداد السمعي Auditory Time-Back) أقصر من (زمن الارتداد البصري Visual Time-Back) مما يعني أن السمع يلعب دورًا حاسمًا في المواقف الحرجة بينما البصر غالبًا ما يكون أقل أهمية من ناحية تسلسل الأهمية (Voss, 1972: 40).

وللحواس الإدراكية خاصية مهمة تكمن في المقدرة على التوقع والتبصر والسبق، غير أن حاسة السمع، مثلها مثل عدد من الحواس الأخرى، هي الأقل اعتمادًا على العالم المادي المباشر وذلك يعود لاستخدامها كثيرًا من الرموز المجردة والإشارات السيمية. إن الرموز التي تنحو لأن تكون أكثر تحررًا من الارتباط مع الموضوع الفيزيائي هي الرموز اللسانية وما وراء اللسانية وهي التي تلعب فيها حاسة السمع دورًا هامٌّا في تطور الملكات اللغوية عند البشر (As Sayid1968:206).

وتقع منطقة التفسير اللغوي داخل قشرة الدماغ بجوار منطقة السمع وهي الأكثر ارتباطًا بها من منطقة البصر، وهذا التقارب في المواقع يساعد منطقة التفسير اللغوي على النمو وعلى اكتمال وظائفها قبل زمن طويل من نظيرها البصري، وهذا ما يفسر السبب الذي يتيح للأطفال اكتساب اللغة المنطوقة وفهمها قبل فهمهم للأشياء المرئية (Guyton, 1981: 688). وهنا يتضح الإعجاز القرآني في تقديم السمع على البصر وبهذا التتابع.

 

رد مع اقتباس