عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 06-09-2009, 01:30 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي النظريات الفطرية:

 

النظريات الفطرية:



يعتقد أصحاب المذهب السلوكي بأن اكتساب اللغة يتحقق عن طريق البيئة الاجتماعية، وأن عقل الطفل صفحة بيضاء نقية تستقبل ما يرد عليها من الصيغ والعبارات، وأن اللغة هي المخزن الذي يلجأ إليه الطفل عند الضرورة لكي يختار العبارات والكلمات، إلا أن النقلة النوعية والتطور الذي يحصل على اللغة على يد تشومسكي، كان مخالفاً لما تعارف عليه السلوكيون نحو اللغة.
ولذلك فإن تفسيرات أصحاب النظريات السلوكية لكيفية اكتساب اللغة الثانية، وعدم دقتها ووضوحها، قادت الباحثين إلى إيجاد أُنموذج بديل، حيث وجه الباحثون انتباههم صوب العوامل الفعلية التي تشكل التعلم. إنهم لم يذهبوا بعيداً، حيث شهدوا نقلةً في التفكير في مجال علم النفس واللغويات، فرأوا أن الطبيعة تشكل العوامل البيئية للتعلّم. وركّزوا انتباهم ليس على الطبيعة فحسب وإنما على العوامل الفطرية التي تشكل التعلّم، وأطلق على هذه النظرية نظرية العقليين أو الفطريين. وركزوا على الطبيعة(Nature) أي كيف أن القدرات النظرية التي يملكها العقل البشري تشكل التعلم. وهذا الأُنموذج أطلق عليه النظرية الفطرية.
وهذا يعني أن اللغة ليست سلوكاً يكتسب بالتعلم والتدرب والممارسة فحسب، كما يرى السلوكيون، بل هناك حقائق عقلية وراء كل فعل سلوكي، أي أن اللغة تعد تنظيماً عقلياً معقداً لأنها أداة تعبير وتفكير في آنٍ واحد. (Chomsky, 1981).

يشير لينبرغ (Lennberg,1962 ) إلى أهمية الجوانب البيولوجية في نمو اللغة؛ فهو يخالف السلوكيين وينكر مبدأ التعزيز المسيطر على النمو. ويستشهد لينبرغ على ذلك بقوله: إن القدرة على الكلام والفهم لدى الطفل ليست نتيجة التعزيزات الخاصة التي يتلقاها الطفل بعد الكلام، وذلك لأن الطفل إذا ما وصل إلى سن النضج فإنه يستطيع الكلام بالتعزيز أو من دونه.
وأنصار هذه النظرية يعتقدون أن تعلم بعض أوجه اللغة أمر فطري. وهم فريقان: فريق يطلق عليه((General Nativism والفريق الآخر ويطلق عليه(Special Nativism).
يرى الفريق الأول أنه لا توجد آلية لتعلم اللغة، ولكن توجد مبادئ عامة لكنها ليست خاصة باللغة وحدها، بل يمكن استخدامها في أنماط التعلم الأخرى ((Eckman, 1996 .
أما الفريق الثاني فيفترضون أن هناك نظريات خاصة متعلقة بتعلم اللغة، وهناك مبادئ أو أسس خاصة ومحددة تحكم تعلم اللغة، وليس لها أي علاقة بأي معرفة غيرها.
إن الفريقين يريان بأن شيئاً فطرياً يتعلق باللغة موجود في داخلنا ولكن السؤال يدور حول طبيعة هذا الجهاز! سوزان قاص ((Gass,2001وبالنسبة لهذه النظرية فإن:
1-الإنسان هو المخلوق الوحيد القادر على تعلم اللغة.
2-العقل البشري مزود بقدرات لتعلم اللغة، يطلق عليها جهاز اكتساب اللغةLanguage Acquistion Device)).
3-هذه القدرات هي العوامل الأولى في اكتساب اللغة.
4-هذه القدرات ضرورية، ولكن فقط من أجل تشغيل عمليات جهاز اكتساب اللغة وتحريكه.
ورأى تشومسكي (Chomsky,1959) أن الأداء اللغوي (Language Performance) هو ممارسة اللغة والتدرب عليها، وأن هدف الدراسة اللغوية هو معرفة الكفاية اللغوية (Language Competence) بالواقع العملي. ولا يمكننا الوصول إلى هذه القواعد أو الأسس إلا عن طريق الكلام الخارجي المحسوس. كما أن لكل بنية لغوية أو قالب لغوي بنيتين إحداهما تحتية، والأخرى فوقية، ولا يمكن الوصول إلى البنية التحتية إلا بوساطة الفوقية.
ويعلق جفري سامسون(Samson, 1998) على رأي تشومسكي بقوله: "ومن أكثر سمات منهج تشومسكي في دراسة اللغة تأثيراً هو التمييز الذي يقيمه بين القدرة اللغوية والأداء اللغوي أو الممارسة، وهو استرجاعٌ للتمييز بين المقدرة والكلام عند سوسير، وتشومسكي نفسه لا يفرق بين المقدرة عنده والمقدرة التي تحدّثَ عنها سوسير. وأجابت هذه النظرية عن بعض الأسئلة المتعلقة باكتساب اللغة، وأطلق عليها اسم((Natives Approach. وهذا المصطلح مشتقٌّ من قاعدة أساسيةٍ هي أن اكتساب اللغة أمرٌ حاصلٌ فطرياً، حيث نولد ولدينا الميلُ لاكتساب اللغة المحيطة بنا.
وبالمناسبة فإن مصطلح " الكفاية اللغوية" الذي ورد ضمن نظرية تشومسكي، عرفه ابن خلدون قبله بمئات السنين تحت مسمى" ملكة اللسان". ومعلوم أن علماء اللغة العرب لم يحاولوا أو يتنبهوا " لتأسيس المصطلح وتقعيده"، ولكنه ليس غريباً عنهم.
ويقول دوجلاس براون(Douglas Brown, 1987):
" إنّ الأطفال يولدون ولديهم الفطرة لتعلم اللغة، وهذه القدرات الفطرية موجودة لدى جميع أفراد النوع البشري" (LAD ).
لذلك نلاحظ السرعة الزمنية التي يكتسب فيها الطفل لغته الأم بشكل لافت للنظر. ففي زمن قصيرٍ يتقن الطفل لغته الأم من دون أن يبذل جهداً متعمداً يذكر في التعرض لها. ففي أغلب الأحوال يلم الطفل -أيُّ طفل-ٍ بالبنى الأساسية للغته، وإدراك العلاقات الوظيفية الأساسية القائمة بين الكلمات في الجمل، وامتلاك القدرة على الكلام وهو في سن لا تتجاوز السادسة وهذا يدعونا إلى التسليم بأن الأطفال يولدون وهم مزودون بأسس بيولوجية خاصة بالجنس البشري تضبط عملية اكتساب اللغة.
إن كل الجهود التي يقوم بها اللغويون أو العاملون في مجال تعليم اللغة تذهب سدىً إذا لم نعرّض الطفل بما فيه الكفاية للغة المستهدفة (Target Language). وهذا ما نفتقده ونحن بأشد الحاجة إليه عند تعليمنا لغتنا العربية الفصحى. فنحن نتعرض يومياً وفي كل لحظةٍ إلى لهجاتنا المحلية، وهي قد تبتعد عن اللغة الفصحى أو تقترب منها حسب المكان الذي نعيش فيه لذلك فجهودنا التي نمضيها في المدرسة لتعلُّم اللغة المكتوبة أي الفصحى على مدار سنوات الدراسة لا تشفع للدارس بأن يتكلم عدداً محدوداً من الجمل بلغته الفصحى، وذلك لقصور معجمه السمعي، نظراً لسيطرة اللهجة المحلية وحيازتها القسط الأكبر من معجمه. ويؤيد هذه الفرضية الفطرية من جوانب متعددة لينبرغ Lenneberg, 1967)) حيث يرى: " أنّ اللغة نوعٌ من سلوكٍ محدودٍ " Species-Specific ) وأنّ هناك أنواعاً من الملاحظة الحسية، تصنّف القدرات والأدوات الأخرى المتعلقة باللغة وهي محددة بداخلنا سلفاً".
أمّا نعوم تشومسكي (Chomsky, 1965) فيرى أنّ: " القوة المركزية التي تقود إلى اكتساب اللغة، هي جهازٌ محدد موجودٌ بداخل دماغ الإنسان"، أي أن تشومسكي يرى أن المبادئ الأساسية الفطرية الموجودة في الدماغ تحكم جميع اللغات البشرية وتقرر ما يمكن أن يُؤخذ منها عند الحاجة. ومن هنا فإن تشومسكي يرفض رفضاً قاطعاً النظرية السلوكية القائمة على مبدأ التقليد، لأن هذه النظرية من وجهة نظره تسوي بين السلوك الحيواني والسلوك الإنساني الذي امتاز عن سائر الكائنات بامتلاك اللغة.
وقبل أن يصل أصحاب النظرية التوليدية إلى سلّم الشهرة خلصت جين بيركو Berko, 1958) Jean) من تجربتها إلى أنّ الطفل يتعلم اللغة ليس على شكل وحداتٍ غير مترابطةٍ ولكن يتعلمها كلاً موحداً. بمعنى أن الإنسان مزوّد فطرياً بالقدرة على تعلّم اللغة بغض النظر عن العوامل البيئية والخلفية اللغوية والبيولوجية وغيرها من العوامل الأخرى. وهو ما يؤكده أنصار هذه النظرية بأن جميع البشر لديهم القدرة ذاتها على اكتساب اللغة ويمتلكون عموميات اللغة (القواعد النحوية): ويطلق على ذلك النحو الكوني " Universal Language".
وهذه العموميات تقع تحت نظرية تسمى: فرضية الرتبة الوظيفية (The Natural Order Hypothesis) وهي إحدى فرضيات اكتساب اللغة الثانية عند كراشنKrashen)). الذي يرى أن اكتساب اللغة يُكتسب ويمكن التنبؤ به وهو متشابهٌ في اللغة الأم(L1) وفي اللغة الثانية(L2) . وأثبتت الدراسات أن دارسي اللغة الإنجليزية كلغةٍ ثانيةٍ على اختلاف لغاتهم، وقعوا بالأخطاء نفسها بغض النظر عن خلفياتهم اللغوية التي يمتلكونها. إن بعض هذه الأخطاء تشابه الأخطاء التي يقع فيها الأطفال عند تعلمهم لغتهم الأم((L1. وعلى أية حالٍ فإن النقد الموجّه لهذه النظرية، هو أن الدراسات التي أجريت بصددها محدودة، فهناك عدد قليلٌ من الأخطاء النحوية التي تم رصدها ودراستها وتحليلها. والمشكلة الأخرى هي أن الباحثين وعلماء اللغة بشكلٍ عام لا يحيطون بجميع اللغات في العالم لكثرتها لذلك نجد أن نسبة ضئيلة منها تم بحثها ودراستها. كريستينا كونراد(Christina Conrad, 1978) .


 

رد مع اقتباس