عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 06-09-2009, 01:18 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 

اكتساب اللغة:
يتعلق اكتساب اللغة الثانية بدراسة الطريقة التي يصبح فيها الفرد قادراً على تعلّم لغةٍ أو أكثر، غير لغته الأولى. ويمكن أن يحصل ذلك بمخاطبة أهل اللغة. كما أنّ التحصيل اللغوي أمرٌ خاضعٌ للنقاش، قد يبدأ من الطفولة أو بعد سنّ البلوغ، والفرد الماهر في تعلّم لغتين ويستطيع أن يتحدّث بسجيةٍ وتلقائيةٍ يمكن اعتباره ثنائي اللغة(Bilingual).
ويمكن تقسيم الدراسات حول موضوع اكتساب اللغة إلى قسمين: القسم الأول ويتعلق بدراسات اللغة الأم(L1) أي اللغة الأولى، والقسم الثاني يتعلّق باللغة الثانية(L2) أي اللغة المستهدفة. وتتعلق معظم الدراسات في القسم الأول حول اللغة الأم بالأطفال وتتعلق الدراسات المتعلقة بالقسم الثاني بالبالغين، لكن الأغلب أن النظريات المتعلقة باكتساب اللغة الأولى ملائمة لاكتساب اللغة الثانية. فودر (Fodor 1974).
حاول علماء الاجتماع الأمركيين أمثال روبرت سيرز (Robert Seare) وجون دولارد (John Dollard) ونيل ميللر (Neal Miller) إبان عقدي الثلاثينيات والأربعينيات أن يوحدوا التحليل النفسي مع مفاهيم التعلم لتحقيق فائدة أكبر في سبيل تطوير الإنسان. وقد أصبحت هذه الطريقة شائعة لعدد من السنوات، لكن تفسيرات التحليل النفسي بقيت مسألة عسيرة بحيث يصعب تفسيرها أو فحصها، وكانت نتائج البحوث غامضة ومتداخلة في أغلب الأحوال. شابلن وكرويك( 1979 Chaplin and Krawiec) وبقيت الحال كما هي من دون إحراز أيِّ تقدم حتى جاء سكنر (Skinner) وأحدث انقلاباً في مجال التعلم وطبقت نظريته في مجال التعليم الصفي، واستعمال " اللغة والفكر". جلفاند وآخرون(Gelfand &Others,1982).
يقول بيرت ودوليه (Burt &Dulay,p.55):
ما نعلمه الآن أن الكبار والأطفال سيّان، يبدو أن لديهم القدرة على اكتساب اللغة في أيّ سن. ولكن إذا وجد شخصٌ لم يستطع اكتساب اللغة، فيرجع ذلك لأسبابٍ طارئةٍ أو مؤثرٍ خارجي وليس بسبب تواضع قدراته الفطرية.
وفي الحقيقة فإن عدم اكتساب اللغة لا يتوقف على مدى قدرات الفرد الفطرية فقط، بل هناك أسباب كثيرة جداً. منها أن بعض الدراسات تشير إلى أنّ فشل الطلاب الأجانب في إتقان اللغة الثانية، يعتمد على السن الذي بُدِئ فيه بدراسة تلك اللغة، وعلى الزمن الذي يمضونه بصحبة أبناء اللغة المستهدفة. ففي إسبانيا أجريت دراسة على عينة من الطلاب البولنديين والمغاربة الذين يعيشون هناك، فكانت نتيجة الدراسة أن إتقان البولنديين للإسبانية لا يواجه أي مشكلة، وذلك لاندماجهم في الجو المدرسي، بينما يواجه الطلبة المغاربة مصاعب جمة، نظراً لانعزالهم عن الآخرين وبقائهم مع بعضهم بعضاً في أغلب الأحيان. (Santos, 1999).
والمعروف أن اللغة تنمو وتتطور باستمرار، كلما زاد اتصال الفرد بالآخرين، وبسبب ذلك تزداد الثروة اللغوية وتتسع، بينما كلما مال الفرد إلى العزلة ضاقت مساحة اللغة التي يمتلكها. لقد أُجريت كثير من الدراسات في موضوع اكتساب الطفل اللغة الأولى، ويوجد كمٌّ هائلٌ من هذه الدراسات مما أعطى الفرصة للمدرسين والباحثين أن يضعوا خلاصة لهذه البحوث ومناقشة نتائجها ومقارنتها مع الدراسات التي أُجريت حول موضوع اكتساب اللغة الثانية.
ويرى كمنز(Cummins, 1984) أن العلاقة بين اللغة الأم واللغة الثانية (L2) كبيرة وقد أجريت دراسات كثيرة في هذا الصدد بيّنت أهمية التطور المعرفي في اللغة الأم(L1) وتأثيرها في تعلم اللغة الثانية(L2). أشار كل من فارش وكاسبر(Faerch&Kasper) إلى أهمية المساهمة الأساسية التي تقوم بها اللغة الأولى في تدريس اللغة الثانية(L2) أو استعمالها.



وأجرى بيكر(Baker, 1988) دراسة على عيِّنة من الأطفال من الجنسيتين العربية والتركية والمقيمين في هولندا، ممن يدرسون في المرحلة الابتدائية في المدراس الحكومية.
فقد تلقى الأطفال التعليمات في السنوات الثلاث الأولى بلغتهم الأم وفي السنة الرابعة تلقوا التعليمات بلغتهم الأم وباللغة الهولندية، وبعد السنة الخامسة تلقوا التعليمات باللغة الهولندية فقط.
وقد دلت بعض الدراسات على "أن إتقان الفرد للغته الأولى يسهل عليه تعلم اللغة الثانية، لأنه يكتسب خبرةً في تعلم اللغة بشكلٍ عام. ولقد تبين أن الأطفال الذين يتعلمون اللغة الثانية قبل إتقان اللغة الأولى يعانون من ضعفٍ في اللغة الأولى واللغة الثانية على السواء. ولهذا فإن تعليم اللغة الثانية بعد إتقان الأولى يعتبر قراراً في صالح اللغتين في آنٍ واحد".(Alkholi,1988) .
وخلص الباحثون المشاركون في هذه الدراسة إلى أنّ الأطفال حققوا مستوىً مقبولاً في لغتهم الأم وفي اللغة الهولندية، وذلك مقارنة مع الأطفال الذين يدرسون في المدارس الهولندية الأخرى، والذين لم تجر عليهم الدراسة. ومن هنا فقد حازت فكرة تعليم اللغة الهولندية بهذه الطريقة على أرضية معقولة، وأقرت الحكومة الهولندية عام 1991م الدور المهم الذي تقوم به لغة الطفل الأولى في تسهيل دراسة اللغة الهولندية. وعلاوة على ما سبق فقد تم التركيز على ثقافة الطفل الأصلية واستعمال المزيد من لغته الأم في المراحل الأولى، أما في المراحل الدراسية العليا فالواجب استعمال لغة البلد الذي يقيمون فيه (Driessen,1997).
ومن الدراسات الحديثة دراسة أجراها انتوان وديكاميلا (Anto’n and Dicamilla,1998) كانت نتيجتها أن استعمال اللغة الأولى (Mother Language) مفيد في تعلم اللغة المستهدفة(Target Language).




وأحدث الآراء المؤيدة لاستخدام اللغة الأولى في تدريس اللغة الثانية جاءت من دراسة قام بها البنك الدولي، وأجراها دوتشر بالتعاون مع تكر Dutcher and Tuker,1997)) وفي هذه الدراسة المكثفة راجعا بها جميع الدراسات السابقة ذات العلاقة، وكانت النتيجة الأهم التي توصلوا إليها هي: عندما يكون التعلم هو الهدف بما في ذلك تعلم اللغة الثانية، يجب استعمال لغة الطفل الأولى أو اللغة الأم كوسيطٍ في التعليمات وذلك في السنوات الأولى من المدرسة. إن استعمال اللغة الأولى أساسي عند بداية تدريس القراءة أو الاستيعاب في المادة موضوع الدراسة. إنها خطوة ضرورية تساعد في تطور المعرفة، التي يقوم عليها اكتساب اللغة الثانية.
وهناك المزيد من الدراسات التي تؤيد وجهة النظر هذه، وللعلم فإن جميع التجارب أجريت على الحيوانات وليس على الإنسان لأنه ليس سهلاً إجراء هذا النوع من الدراسة على الإنسان.(Elman et al.,1997).
وأكد علماء النفس والتربية بأن النمو العقلي للإنسان منوط بنموّه اللغوي، وأنه كلما تطورت واتسعت لغته ارتقت قدراته العقلية ونما ذكاؤه وقوي تفكيره وإدراكه، والعكس بالعكس.(Akel,340).
لذا يمكننا القول إن استعمال اللغة الأم عند تدريس اللغات الأجنبية أمر مشجع عند تعلم اللغة الثانية، على أن يكون ذلك للمبتدئين. ويؤيد الباحث استعمال اللغة الأم في المراحل الأولى خاصة، وضمن نطاق محدد، وذلك في تفسير الأسئلة أو التدريبات، وذلك لعدم امتلاك الطفل القدرة على القراءة ومعرفة المطلوب منه.



وربما يواجه هذا الرأي بالاعتراض، بدعوى أنه ليس من المصلحة أن تدخل اللغة الأجنبية في التدريس إلى جانب العربية، نقول لهؤلاء الغيورين على لغتهم، إن وجهة النظر هذه صحيحة إذا تم تدريس اللغة الثانية جنباً إلى جنب مع اللغة الأم. ويجب ألاَّ يحدث ذلك إلا بعد أن يمتلك الطفل أساسيات لغته ويستوعب نظامها، وإلا فسيتعرّض إلى الضرر نفسياً وذهنياً.
ونذكر في هذا المقام أننا نواجه ازدواجاً لغوياً(Diglossia) وصراعاً داخلياً من نوعٍ آخر، ألا وهو الصراع بين اللهجات العامية والفصحى. ومعلوم اليوم أن شيوع العامية واكبه انحدار اللغة الفصحى. لذلك وجب علينا أن نحرص على لغتنا ونحافظ عليها من الأخطار الداخلية والخارجية، لأن الاستقلال اللغوي يعادل الاستقلال السياسي.
ويؤيد وجهة نظر الحريصين أو المتخوفين من استعمال اللغة الثانية، ما يقوله كلوس(kloss.1969) بأنّ " اللغات لا يمكن أن يترك بعضها بعضاً وشأنها، فاللغة دائماً تحاول أن تزيح الأخرى جغرافياً واقتصادياً".
ومن هنا على الدولة ألاَّ تقف موقف المتفرج، فعليها تبنِّي قرارات تخدم السياسة التربوية عامة والسياسة اللغوية خاصة، وذلك باستصدار قوانين تحقق أهدافها وتحفظ هيبة لغتها.
ومع تقدم العلم وتوفر المختبرات والأجهزة أتيحت الفرصة لخدمة اللغة وإعطائها دفعة قوية إلى الأمام، وذلك بدراسة الأعصاب وعلاقتها باكتساب اللغة. وأجريت دراسات ميدانية عديدة، لمعرفة وظائف الدماغ وعلاقته باللغة. ومن بعض هذه الأبحاث، أبحاث باولا طلال (Paula Talal,1999,p.23) اختصاصية الأعصاب في جامعة دنفر. ترى الباحثة أن الارتباطات اللغوية تبدأ في التشكل بدماغ الجنين وهو في بطن أمّه. وأن بعض المشكلات اللغوية تعود بجذورها إلى الإجهاد والضغط النفسي للأم في فترة الحمل، حيث يعمل الإجهاد على إخفاق هرمون الجنس ووضع هرمونات الإجهاد والضغط إلى مستوياتٍ صحيّةٍٍ.
ومن المعروف منذ زمن بعيد أن هناك مناطق مختلفة بالدماغ لها وظائف محددة، فالأجزاء الأمامية عملها متعلق بالتفكير المنطقي والتخطيط، بينما الأجزاء الخلفية تتعلق بالنظر ومنذ عهد قريب كان الاعتقاد سائداً أن هذه الأجزاء المتخصصة تطورت عن مخطط وراثي هو المسؤول عن عمل هذه الأجزاء في الدماغ.(Sotillo, 2002).
أما ما ثبت بعد إجراء هذه الدراسات الحديثة، هو أن الدماغ أكثر مرونة مما كان يعتقد سابقاً. فنتيجة الدراسات تشير بأن الأعمال المحددة التي تقوم بها بعض أجزاء الدماغ لم يكن عملها محدداً منذ الولادة، ولكنها تشكلت فيما بعد نتيجة الخبرة والتعلم.
وهناك مزيدٌ من البحوث التي أجريت على الدماغ أثبتت أن النصف الأيسر من الدماغ يتدخل في معظم وظائف اللغة، واستدلّ على ذلك من أن أي إصابةٍ أو عطل لدى البالغين في هذا الجانب يؤدّي إلى مشكلة تتعلق باللغة ويلازمه عاهة مستديمة. ومهما يكن من أمر، فإن 10% من الأفراد الذين يكتبون باليد اليمنى/ يصابون بحالات من التأخر الدراسي، ويكون لأجزاء الدماغ اليسرى أو اليمنى أو كليهما تأثيرٌ مهم في تعلم اللغة.(Banich,1997).
ويرى (Bigler,1992): أن هناك اختلافاً بين الذكور والإناث إلى حدّ ما من حيث طبيعة وعمل الدماغ، فالأجزاء الأمامية من الدماغ تتدخل في تعلم اللغة في المراحل الأولى من التعلم، ولكنها تقل في المراحل المتأخرة.
وأجرى كلٌّ من ألبرت وأولفر( Albert and Oliver,1978) دراسة تتعلق بالأعصاب، وخلصا إلى أن من يعرف أكثر من لغةٍ واحدة، يستعمل دماغه أكثر من أحادي اللغة، ومع أن التجارب والدراسات ما زالت محدودة، ولكن تبين أن الجزء المتعلق بوظائف اللغة في الدماغ عند أحادي اللغة ما زال على حاله. وأجرى الباحثان مراجعة للعديد من الدراسات والبحوث لمتعددي اللغات من ثلاث لغات إلى ست وعشرين لغة، فوجدوا أن مناطق محددة في الدماغ قد تطورت وكذلك برزت تفاصيلها بشكل ملحوظ..
نستخلص من هذه الدراسة أن مناطق محددة في الدماغ تسيطر على اللغة، وهذه الأجزاء يمكن أن تتغير وتتطور مع الخبرة الحياتية.

 

رد مع اقتباس