عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 07-12-2011, 08:46 PM
الصورة الرمزية زهرة الشمال
زهرة الشمال زهرة الشمال غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 110
افتراضي

 

بين التعاطف الاجتماعي وسلوك العنف والعدوان:
إن الدين الإسلامي، دين شمولي من حيث منهجه في الحياة ومن حيث تفسير وقائع وأحداث الحياة المختلفة، فهو شمولي في نظرته للكون وللإنسان، حيث لا يركز على جانب دون آخر، ،فهو شامل من حيث التحليل والتفسير للظواهر، وهو يضع الحلول للأزمات ويطرح الخبرات السابقة كأدلة علمية، ويدعو العقل إلى كشف الأمور واستخدام العاطفة بدلاً من العنف، كما يدعو إلى المحبة بين الشعوب والأفراد، والعيش بسلام بين الناس، ونبذ سلوك الكراهية والعدوانية؛ حيث قال النبي المصطفى (ص): (العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله) (7 :45)، وقال الإمام علي(ع) : (العاقل من وعظته التجارب) (7 :63)، فالتعاطف الاجتماعي وسلوك المودة والتقارب بين الناس هو سلوك الإسلام كدين، وهدف الأديان السماوية عموماً، والتي أنزلها الله لجعل الكائن البشري أكثر إنسانية، كما دعا العلماء بكل التخصصات الدينية والإنسانية والعلمية إلى تعظيم شأن الإنسان الذي يعد أفضل المخلوقات، والى نبذ العنف والعدوانية والتحكم في النفس والتعاطف مع الآخر بالمهارات البشرية قصد انضاجها، وهذه المهارات تسمو في قمتها المهارات الاجتماعية التي تجعل التعامل مع الآخرين فعلاً قوياً.

وذلك لأن العجز عن امتلاك هذه الكفاءة يؤدي إلى فشل أو عجز في الحياة الاجتماعية أو إلى تكرار النكبات التي تحدث بين الناس، والواقع أن النقص في هذه المهارات هو سبب فشل العلاقات المتبادلة بين الأشخاص والمجتمعات،وهذه القدرات الاجتماعية التي يتمتع بها الإنسان هي التي تجعله قادراً على مواجهة الآخرين وتحريكهم، وعلى إقامة العلاقات الحميمة الناجحة، وعلى إقناع الآخرين والتأثير فيهم (11 :165) لذا فالتعاطف مع الإنسان الآخر هو توضيح لمعنى وجود الحياة الإنسانية الخالية من العنف والقائمة على العدل والرحمة والمغفرة، وهي دعوة الجميع للعيش بأمان، وهذا يعني أن تطمئن القلوب وترتاح النفوس ويزول القلق ويسود الإحساس بالسكينة وراحة البال ولأن الخالق سبحانه وتعالى موجود فإنك لست وحدك وإنما تحفك العناية الإلهية وستشعر بالاستئناس والصحبة والأمان، فلا هجر ولا غدر ولا ضياع ولا وحشة ولا اكتئاب (12 :100) أما أسلوب العدوان والعنف فهو أيضاً يحظى بدرجة لا بأس بها لدى المتلقي بفعل تأثيرات الدعاية والصحافة والتلفزيون والإعلام الموجه نحو شعوب بعينها ومناطق تعد الأكثر سخونة في العالم، ومسألة إخضاعها لتجارب مسألة حتمية لا بد منها، لا سيما أن مصالح الدول المتنفذة هي الأكثر سيطرة على العالم، فهي تشكل نقطة أساسية في استمرار بقاء تلك المناطق متوترة وساخنة، لذا وجدت علاقة سبب ونتيجة بين الإعلام والعنف والجريمة، وفي أفضل الأحوال يمكن القول إن توصيفات وسائل الإعلام لا تتسبب في أن يصبح الجمهور عنيفاً لكنها قد تؤثر على بعض مستخدمي وسائل الإعلام الذين يمتلكون نزعات لا اجتماعية وقد نشر الشك والخوف بين الآخرين (6 :413).

لقد أثبتت الدراسات العلمية أن انتشار السلوك العدواني والعنف بين أفراد المجتمع هو كانتشار العدوى في حالة وجود مرض سريع التفشي، فالعدوى هي تعلم سلوكي بين الأفراد في المجتمع الواحد، وخاصة أولئك الذين لديهم تهيؤ لهذا الوضع، أو الذين أنهكتهم الحياة بمتاعبها واستنزفتهم الأيام، ويأتي الإعلام ليضيف إلى هذه المعاناة والتهيؤ قوة بالتوجيه السلبي مما يزيد في قسوة الترسيخ والتدعيم، وقد وجدت دراسات العنف والمؤثرات النفسية الإعلامية على العدوان من خلال تقمص شخصيات معينة أن لها أدواراً واضحة في إرعاب الناس الآمنين أو الشعوب المستقرة اجتماعياً.

فبقدر ما يوجد من تعاطف ومحبة بين الناس وتواد وتآلف، توجد بنفس المقدار دوافع العدوان وأساليب العنف والكراهية والرعب، حتى لنكاد نعترف بشكل أو بآخر بأن الناس والشعوب باتت حقول تجارب لسياسات لم تتحقق من فرضياتها بعد، وبما أنها قد فرغت من إخضاع الحيوان قديماً (الفأر، القرد، الكلب) للتجارب، فقد حان الوقت الآن لإخضاع الشعوب للتجارب، ولكن يبقى قول الإمام علي (ع) حكماً ونبراساً في دقة الرأي بقوله(ع): (ليس كل من رمى أصاب) (7 :63).


● الخـــاتمـــة:
استعرضنا خلال بحوث سابقة موضوعات تتعلق بالعدوان والعدوانية والسلوك العدواني والعنف والعدوانية الفردية (الشخصية المضادة للمجتمع) وكلها تتمحور حول هذه المضامين الحساسة في حياة الإنسان مع اختلاف في أحد المتغيرات الأساسية مثل الشخص في موضوع (العدوانية الفردية) والنفس في موضوع (النفس والعدوان) والإعلام في موضوع (الإعلام والعنف والسلوك العدواني)، عندما نتطرق لهذه المفاهيم إنما نعني بها القتل والتشريد والتهجير والتصفية الجسدية، وكل أنواع القسوة التي يمتلكها الإنسان ضد أخيه الإنسان... وهو محورنا الأساس، أي الإنسان، فكل تلك الموضوعات تستهدف الإنسان في وجوده السوي والمرضي، وجوده المنحرف والصحيح؛ فالسلوك العدواني هو سلوك منحرف عن الشخصية السوية، لا يرقى إلى السلوك الإنساني.

فالإنسان هو محور هذا الموضوع (الدراسة) في صحته ومرضه وانحرافه، وفي عظمته ودونيته، قوته (جبروته) وضعفه (انهياره).. هو هو، كما خلقه الله، وهو هو في قدرته على القسوة، وقدرته على العطاء بإنسانيته، وقد أثبتت الدراسات المتخصصة بأن الإنسان يتكون من خلايا تتحكم فيها دورات داخلية منظمة ومنتظمة، فإذا اختل هذا الانتظام مرض الجسم واضطربت النفس..

إن هناك إيقاعاً داخلياً بالجسم يتحكم في كافة ردود الفعل العقلية والجسدية، وإن الإنسان يتكون من نفس تكوينة الأرض، أي سوائل، أملاح، ومعادن، 80% سوائل، 20% مواد عضوية وغير عضوية، وإن تدفق السوائل في الخلايا يتغير بتغير القمر، وهذا يؤثر على منظمات الجسم الداخلية، فتغير أشياء مثل الطاقة، والتكيف، والاحتمال، والقدرة على الحكم الصحيح (12 :78) إنما هي قدرة ذاتية لديه، ويبقى أن نقول (ولله في خلقه شؤون).


المـصـــادر
(1) الأطفال والإدمان التلفزيوني: ماري وين، ترجمة عبد الفتاح الصبحي، عالم المعرفة، الكويت، يوليو/تموز (1999).
(2) الاجتماع ج1: السيد محمد الحسيني الشيرازي، دار العلوم، بيروت، (1992).
(3) قصف العقول: فيليب تايلور، ترجمة سامي خشبة، عالم المعرفة، الكويت، نيسان (2000).
(4) أفلام العنف والسلوك العدواني: محمد حمدي الحجار، مجلة الثقافة النفسية، بيروت، العدد (38)، شباط (1999).
(5) مآسي الحروب والعنف والتاريخ المهدد: جريدة السفير اللبنانية، الأحد 11/5/1997.
(6) سلطة وسائل الإعلام في السياسة: دوريس إيه جريبر، ترجمة أسعد أبو لبدة، دار البشير، عمان، (1999).
(7) العناية بالعقل والنفس: ديانا هيلز، وروبرت هيلز، ترجمة عبد العلي الجسماني، الدار العربية للعلوم، بيروت، (1999).
(8) فلسفة الكراهية: راشد المبارك، مجلة العربي، الكويت، العدد (494)، يناير (2000).
(9) عوامل السلوك الإجرامي: حيدر البصري، مجلة النبأ، العدد (52)، ك1 (2000).
(10) الذكاء العاطفي: دانييل جولمان، ترجمة ليلى الجبالي، عالم المعرفة، الكويت، تشرين الأول (2000).
(11) علم نفس قرآني جديد: مصطفى محمود، مجلة الثقافة النفسية، العدد (37)، ك2 (1999).
(12) مائة شاهد وشاهد: عبد الزهراء الحسيني الخطيب، (1992).

 

رد مع اقتباس