عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-01-2010, 12:44 AM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي القدوة وبناء الأجيال الصالحة

 

القدوة وبناء الأجيال الصالحة

دكتور/ وحيد حامد عبد الرشيد

خير ما أبدء به كلامي قول الله تعالى : \"قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ\" [يوسف:108]، وقال تعالى: \"لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً\" [الأحزاب:21]
عزيزي القارئ ترى ماذا تدعونا تلك الآيات الكريمة ؟ إنها تدعونا إلى القدوة الصالحة في كل شيء ، في القول والعمل ، وهذا موضوع حديثي اليوم .

القدوة في اللغة:
القدوة هي الاسم من الاقتداء، وكلاهما مأخوذ من مادة (ق د و) التي تدل على اقتباس بالشيء واهتداء، والقدوة بالكسر:الأسوة، يقال: فلان قدوة يقتدي به،وقد يضم فيقال:لي بك قدوة وقدوة.
والقدوة: أصل البناء الذي يتشعب منه تصريف الاقتداء، يقال: قدوة لمن يقتدي به، ويقال: القدوة التقدم، يقال: فلان لا يقاديه أحد، ولا يماديه أحد، ولا يباريه أحد، ولا يجاريه أحد، وذلك إذا برز في الخلال كلها.


القدوة في الاصطلاح:
تعرف القدوة اصطلاحا بأنها : الاقتداء بالغير ومتابعته والتأسي به.
وتعرف أيضا بأنها : إتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنة أو قبيحة.
إذن القدوة الحسنة هو: ذلك الشخص الذي اجتمعت لديه الصفات الحسنة كلها، لكن هذا لا يمنع من القول أن فلاناً قدوة في صفة معينة ويكون ممن ينقص حظه في أمور أخرى، فيقال - مثلاً -: فلان قدوة في البذل والتضحية ولكنه لا يتصف بالعلم مثلاً، ويقال: إن فلاناً قدوة في طلب العلم دون الشجاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يقال: إن هذه الأخت قدوة في الأدب واللباقة ولكنها ليست على قدر من العلم الشرعي، والموفق من ضرب من كل خير بسهم فيكون له باع في كل فضيلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وعكس ذلك القدوة السيئة التي تزين للناس الباطل ويتخذ مثلاً، وأشهر القدوات السيئة الشيطان.


أهمية وجود القدوة الصالحة في حياتنا:
إن وجود القدوة الحسنة الصالحة في حياتنا أمر ضروري لابد منه ليحتذي بها الإنسان ويقتدي بنهجها ويكتسب منها المعالم الايجابية لحركته في الحياة ، سواء مع الله تعالى في أداء العبادات والفرائض، أو مع النفس وتزكيتها وتدريبها على الأخلاق الفاضلة، أو مع الأهل والأبناء داخل الأسرة من أجل بناء أسرة متماسكة، أو مع المجتمع من حوله في أمور الدين والدينا، وهكذا.
فالقدوة هى ذلك التأثير الغامض الخفي الذي يمثله أفعال وأقوال ومواقف المثال الحي المرتقى في درجات الكمال، مما يثير في نفس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع الغيرة والتنافس المحمود، ويتولَّد لديهم حوافز قوية تحفزهم؛ لأن يعملوا مثله، وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر، كما أن القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل والاستقامة تعطي الآخرين قناعة بأنَّ بلوغ هذا المستوى من الأمور الممكنة، وأنها في متناول قدرات الإنسان، ولا سيما في زمننا هذا، كذلك الاعتدال في أمور الحياة ونهج منهج التوسط والاقتصاد، ومراعاة آداب الشريعة وتوجيهاتها في أمور الحياة والمعيشة، ولا سيما في اللباس والمظهر وهما الامتداد المادي لحقيقة الذات، والعاكس المهم لكثير من كوامن الشخصية وخصائصها.
وتؤكد الدراسات أن القدوة تلعب دورا مهما في مجال التربية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة للأبناء، والأسرة هي المعين الأول الذي تتشكل وتتحد فيه معالم شخصية الطفل فهي التي تغرس لديه المعايير والقيم الدينية والأخلاقية التي يحكم بها على الأمور، ومدى شرعيتها وصحتها، ومن هنا تأتي خطورة دور الأسرة ومن الضروري أن يكون النموذج الذي يقتدي به الطفل نموذجا صالحا يعبر عن تلك القيم والمعايير لا بالقول فقط أو بالدعوة والإرشاد إليها، بل يجب أن تتمثل تلك القيم في سلوك الوالدين، حيث يبدأ الطفل في سن الثالثة يدرك بوضوح أكثر أنه من الذكور، وأنه سيصبح يوماً ما رجلاً كأبيه، وهذا ما يحمله على الشعور بإعجاب خاص بأبيه وبغيره من الرجال والصبيان، إنه يراقبهم بدقة ويسعى جاهداً للتشبه بهم في مظهره وسلوكه ورغباته، بينما تدرك الطفلة بنت الثالثة أنها ستصبح امرأة فتندفع إلى التشبه بأمها وباقي النساء، إنها تركز اهتمامها على الأعمال المنزلية والعناية بالدمى على هيئة عناية أمها بالمواليد وتقتفي أسلوبها بالتحدث إليهم.
كما أن القدوة الحسنة هي أفضل وسيلة نستطيع بها أن نعلم أبناءنا السلوك الإيجابي، فقد يكون للآباء اعتقاد خاطئ بأن الابن ينمو بطريقة تلقائية جسدياً واجتماعياً ونفسياً، لكن الطفل تكون لديه مجموعة من السمات تؤهله لاستقبال كل سلوك إيجابي والعمل به وحين يشب وهو يرى سلوكيات الوالدين تدعو إلى البر والتقوى والإحسان والرحمة والتكافل، لن يتردد في تقليد هذا السلوك، وبالتالي لا تقتصر عملية تعليم السلوكيات والأخلاق الحميدة للأبناء على الأسرة بل إن المناهج الدراسية يجب أن تنمى ذلك داخل الطفل والقرآن والسنة النبوية والحياة العامة زاخرة بقصص التضحية والعطاء والبر والأمانة، والقصة أسرع وسيلة ننقل بها ما نريد إلى عقل الطفل.
وقد أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل، ومما يدل على أهميتها وجود تلك الغريزة الفطرية الملحة في كيان الإنسان التي تدفعه نحو التقليد والمحاكاة، ووجود القدوة الحسنة دعم لانتشار الخير؛ لأن الناس بفطرتهم يحبون محاسن الأخلاق ودرجات الكمال، وتعطيهم أملاً في الوصول للفضائل؛ ولذا كان من رحمة الله أن يوجد في الناس على مر العصور ـ حتى في أوقات ضعف الأمة ـ نماذج تبقى صامدة مجاهدة تتمثل الإسلام في أقوالها وأعمالها واعتقاداتها، ولكن قد يقل العدد أو يكثر بحسب قوة الأمة، ولكن لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة. وكثيرة هي القصص عن اهتداء كثير من الناس بمجرد رؤية صلاة خاشعة أو تصرف لبق في موقف صعب.

 

رد مع اقتباس