الموضوع: التفكك الأسري
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-17-2011, 07:42 PM
الصورة الرمزية زهرة الشمال
زهرة الشمال زهرة الشمال غير متواجد حالياً
عضو مميز
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 110
افتراضي

 


* تنظيم الحقوق والواجبات:

الأسرة أصغر وحدة اجتماعية، وهي تبدأ بالزوجين، ثم يكثر أفرادها بالإنجاب، ولكي تستقر حياة هذه الوحدة، ويسود هذه الحياة الترابط الحميم، كان لا بد من وضع دستور ينظم الحقوق والواجبات في الأسرة، وقد قرر هذا الدستور قوامة الرجال على النساء، قال الله تعالى: (الرجال قوّمون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم )(النساء: 34) وقال الله عز وجل : (ولهن مثل الذين عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة )(البقرة: 228)، وهي درجة القوامة والرئاسة البيتية الناشئة عن عهد الزوجية، وضرورة الاجتماع، وقد كلفها الرجل لأنه أقدر على القيام بها بسبب ما أودع الله فيه من قوة في البدن والعز والعمل.

إن هذه القوامة، ليست محاباة للرجل أو إلغاء لشخصية المرأة، وليست كذلك سبيلاً للاستبداد والسيطرة من قبل الرجل، إنها تعني المسؤولية، مسؤولية الرجل عن الأسرة من حيث الإنفاق والرعاية والحماية وحسن العشرة، وكان من أولويات حسن العشرة أن يتشاور الزوجان في كل ما يهم الأسرة، وأن يكون بينهما الاحترام المتبادل لكل الآراء مع مناقشتها في هدوء وسماحة نفس وسعة صدر.

وعلى المرأة في مقابل ما فرض الإسلام على الرجال من التزامات وواجبات أن تطيع زوجها فيما لا معصية فيه، وأن تنهض برسالتها المقدسة وهي الأمومة ورعاية البيت على أحسن وجه، ولهذا كان قرارها في البيت بمقتضى عقد الزواج حقاً للرجل عليها.

ويقتضي حق القوامة ومسؤولية الرجل عن الأسرة زجر المنحرفين، وتوجيه من تسول له نفسه إثماً ومنكراً إلى سبيل الرشاد والفلاح.

وفضلاً عن الحقوق والواجبات بين الزوجين، تعبر بعض آيات القرآن الكريم عن العلاقة الزوجية أروع تعبير، في مثل قوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) (البقرة:187)، فهي علاقة الامتزاج الكامل والستر المشترك، ولن تكون كذلك إلا إذا عبرة أصدق تعبير عن المودة والرحمة والإحسان ليسود جو الأسرة الوئام والحبور، قال تعالى: (ومن ءايته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) (الروم: 21).

وكما نظم الإسلام العلاقة بين الزوجين، نظم هذه العلاقة بين الآباء والأبناء، فجعل على الآباء أن يحسنوا تربية أبنائهم، والعدل بينهم في المعاملة والعطاء حتى لا ينزغ الشيطان بينهم بالفساد والأحقاد .. كذلك فرض على الأبناء أن يحسنوا إلى آبائهم وبخاصة عند امتداد العمر بهؤلاء، لأنهم يصبحون في حاجة إلى مزيد من الرعاية والحماية، قال الله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلآ إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهمآ أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهم وقل لهما قولاً كريماً(23) واخفض لهما جناح الذُّل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ) (الإسراء:23 ـ 24).

ولا شك في أن الأمر بالإحسان إلى الوالدين، وفي توجيه الآباء نحو ما يجب عليهم قبل أبنائهم، وفي بيان طبيعة العلاقة الزوجية وأنها علاقة امتزاج كامل، وسكن مشترك، في أن هذا كله يدل على أن الأسرة المسلمة أسره متراحمة مترابطة، لا تعرف التفكك أو الشقاق، ما دامت معتصمة بذلك المنهج الذي يحمي الأسرة من غوائل الانحراف أو الصراع.

تلك أهم الملامح العامة للمنهج الإسلامي التي جعلت من الأسرة المسلمة أسرة متميزة بقيمها ومبادئها، أسرة تحكمها دائما خلال التعاطف والتراحم والإحسان، فإذا انحرفت عن ذلك المنهج عانت من التمزق والتفكك والعقوق، ولذا كانت ظاهرة التفكك الأسري المعاصرة تعبيراً عن الانحراف عن ذلك المنهج، بالإضافة إلى بعض العوامل المساعدة التي تضافرت فعملت على خلخلة كيان الأسرة المسلمة، وخططت منذ نحو قرن لغربتها وتغريبها وتوهين الروابط بين أفرادها.

وفيما يلي تفصيل لأهم الأسباب التي كانت من وراء هذا التفكك وآثاره.

ثانياً: أسباب التفكك الأسري:

أومأت في مستهل هذه الدراسة الموجزة إلى أن الأسرة المسلمة في العصر الحاضر تعاني من الضعف والتفكك، وأن الروابط التي ظلت تميز هذه الأسرة عبر تاريخها الطويل، وكذلك التقاليد الطيبة التي تضفي عليها هالة من التوقير والتقدير والعطف والحنان والمشاعر القلبية الصادقة، لم تعد كما كانت قوية وحية، ولها دورها وتأثيرها في حياة الأسرة.

وقد تتفاوت ظاهرة التفكك الأسري في المجتمعات المسلمة، من حيث حدتها ودرجة خطورتها، ولكن الذي لا مراء فيه أن هذه الظاهرة لا يكاد يخلو منها مجتمع مسلم في الوقت الحاضر.

وأما أسباب هذا التفكك فعديدة . . من أهمها ما يلي:

* عدم الالتزام بالضوابط الشرعية في الزواج:

لقد فرضت التقاليد والأعراف في بعض المجتمعات الإسلامية أنماطاً متنوعة في الزواج، تخالف بعض ما دعا إليه الإسلام حتى يثمر الزواج بين الرجل والمرأة ثمرته في السكن والمودة والرحمة، ويكون تعبيراً صادقاً عن الرغبة المشتركة في حياة زوجية سعيدة، من ذلك إجبار الفتى أو الفتاة على الاقتران بمن لا يأنس إليه ولا يرغب في العيش معه، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا الزواج، وبيّن أن من حق المرأة أن تعترض على زواجها إذا زوجها أبوها أو وليها دون رضاها، فقد روي أن بِكراً جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ((أن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته . . فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر إليها إن شاءت أقرت الزواج وإن شاءت أبطلته، فقالت: فإني قد أجزت ما فعل أبي، ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء ))(1).

كذلك يدخل في باب عدم الالتزام بالضوابط الشرعية والخضوع للأعراف أن يتم الزواج دون الرؤية التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم قبل العقد، وتفاجأ المرأة أو الرجل بعد العقد أو الدخول أنه تزوج بمن لا يسره أن ينظر إليه، أو يجد الراحة النفسية حين لقائه والحديث معه.

ومن صور الزواج الذي لا تلتزم بالآداب والضوابط الشرعية، ألا يرغب الرجل في المرأة لذاتها، وإنما يسعى إليها لغرض زائل ومتعة فانية كالحسب والمال والجمال،وقد أوردت سابقاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض ما روي عنه أن الاهتمام بأعراض الحياة الدنيا في الزواج مجلبة للشقاء والتعاسة.

إن مثل هذه الصورة وسواها مما يدور في فلكها وتحكمها الأعراف والتقاليد، أو الحرص على المتاع الزائل أكثر من الحرص على القيم الثابتة، لا تجعل من الزواج علاقة طاهرة مقدسة تبني الأسرة على مبادئ الدين والخلق والاختيار المطلق والرضا الكامل . . والأسرة التي لا تؤسس على هذه المبادئ لا تعرف الاستقرار والاستمرار، وتهب عليها غالباً رياح الشقاء والتمزق والتفرق.

* الأمية الدينية في فهم الحياة الزوجية:

إن عقد الزواج ينشئ بين الرجل والمرأة علاقة خاصة متميزة لا تتحقق بين الرجل وأقرب الناس إليه رحماً، كما لا يمكن أن تكون بين المرأة وأقرب الناس إليها أيضاً.

وقد اقتضى هذا العقد الذي يقوم على التأبيد أن تكون هناك حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين، وقوام كل هذه الحقوق والواجبات المادية والنفسية على السواء، والذي يتجاوز عن بعض الهنات ويتخذ المواقف العملية لكسب الود، والاستعلاء فوق مشاعر الكراهية والنفور أو الإعراض والنشوز.

ولكن عدم فهم الزوجين لطبيعة الحياة الزوجية وإدراكهما لما يجب عليهما، حفاظاً على هذه الحياة واستمرارها وعدم انتهائها إلا بوفاة أحد الزوجين أو كليهما، وأيضاً عدم فهم الزوجين لما يجب على كل منهما نحو الآخر من الحقوق والواجبات، وأن كلا منهما راع ومسؤول عن رعيته . . . إن عدم ذلك الفهم أو الأمية الدينية في فهم الحياة الزوجية يهدد الأسرة بالقلق الذي ينتهي بها إلى التفكك أو التفرق.

وتتجلى الأمية الدينية في موضوع الحياة الزوجية في صور متعددة، منها:

أ- إهمال الأم لرسالتها الأولى:

اقتضت حكمة الله في خلقه أن يقوم الاجتماع البشري على أساس من التقاء الزوجين، الذكر والأنثى، فلكل منهما خصائص ينفرد بها إلى جانب ما بينهما من الخصائص المشتركة، وتلك الخصائص يكمل بها أحدهما الآخر، وهو تكامل نفسي وبدني واجتماعي، وبدونه لا تقوم الحياة، وباستقلال أحد الزوجين بنفسه أوترك اختصاصه إلى الآخر يحدث الفساد وتتعطل الحياة (1).

ولخصائص الفطرة التي انفردت بها المرأة، كانت رسالتها الأولى في الحياة، والتي خلقت لها، هي أن تكون أماً وربة بيت، وهي لن تنهض بهذه الرسالة على أحسن وجه إلا إذا تفرغت لها، ولم يشغلها عنها أمر آخر.

والخطأ الفادح هو أن تهجر المرأة بيتها وتهمل رسالتها السامية، وتحرص على العمل خارج البيت(1)، معتقدة أن هذا العمل ضرورة لمشاركتها الإيجابية في الحياة، وذلك لأن عمل المرأة في البيت هو الأصل، وهو عمل له خطورته وأهميته، أما عملها خارج البيت فهو استثناء من هذا الأصل، والإسلام لا يمنعها منه ما دام لا يطغى على عملها في البيت أو يكون على حسابه.

إن الأمية الدينية كادت أن تلغي من عقل المرأة أهمية عملها في بيتها ورعايتها لزوجها وأولادها، وأصبح نزولها إلى ميادين الأعمال العامة وميادين الإنتاج ينطوي على كثير من الأضرار البالغة من الناحيتين الخلقية والاجتماعية، فهو يؤدي إلى إهمالها لشؤون بيتها وأولادها . . ويترتب على هذا الإهمال الاضطراب في حياة الأسرة، وتقويض لأهم مقوماتها ودعائمها، وإضعاف لروح الترابط العائلي(2).

ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك تخطيطاً دولياً(3) يتغيا أن تتخلى المرأة عن رسالتها الأولى، بحجة حقها في مشاركة الرجل في معترك الحياة، وأن تخرج من بيتها إلى عمل لا يتفق مع فطرتها وطبيعتها، الأمر الذي نشأت عنه ظاهرة الحيرة والتمزق التي تواجه الأسرة المسلمة الآن.

وما زالت المؤتمرات الدولية وبعض الندوات التي تعقد في العالم الإسلامي، وقد تبنى القائمون عليها أهداف تلك المؤتمرات، تنشر مفاهيمها وتروج لأفكارها. والمرأة لأميتها الدينية، وعدم وعيها بأهمية وجودها في بيتها، تستقبل هذه الأفكار والمفاهيم دون فقه لأبعادها، أو معرفة بما تسعى إليه، وفي هذا خطر فادح على استقرار الأسرة، وسلامة كيانها . . فلهذه الأفكار الهدامة تأثيرها في العديد من النساء، وبخاصة بعض المعلمات اللاتي عشن مناخاً، دون نقد أو تمحيص، من قضايا تحرير المرأة وتأكيد استقلالها وحقها في العمل حتى ولو لم يرغب زوجها(1) أو وليها.

على أن إهمال الأم لرسالتها الأولى ليس مقصوراً على حرصها على العمل خارج البيت، وإنما قد يكون هذا الإهمال بسبب بعض التقاليد الضارة، كالإسراف في العلاقات الاجتماعية مثل الزيارات التي تمتد فترة طويلة دون فائدة من ورائها، فهي لقاءات تضيع الوقت في ثرثرة فارغة وأحاديث تافهة.

ويترتب على هذه الزيارات أن تهم المرأة في رعاية أبنائها، وتجعل من بيتها مجلساً للزيارات، وتنسى أنه مقر للراحة والسعادة للزوج والأولاد. كما تدع مهمة الرعاية والعناية بالبيت والزوج والأبناء إلى الخدم . . وهؤلاء أصبح لهم في الأسرة الخليجية حضور مستمر، جعل منهم ركائز أساسية لهذه الأسر، وكانوا من ثم من عوامل ضعف العلاقات بين أفراد الأسرة.

فالخادمة هي التي تقوم بما يطلبه الأطفال من الأم يطلبه الأبناء من الأب، أو ما يطلبه الأب من الزوجة من رعاية واهتمام.

ولوظيفة الخدم المهمة للأسرة، كاد يختفي غالباً الأسلوب المباشر بين أفرادها، وهذا الأسلوب هو الذي يعزز الرابطة العائلية بين هؤلاء الأفراد، وإذا ظل للخدم ذلك الدور اهتزت العلاقة بين أفراد الأسرة، وأصابها الوهن، وتعرضت للقطيعة أو التنافر(1).

ب- تقصير الرجل في القيام بواجباته:

إن واجب الرجل نحو أسرته ليس مقصوراً على الإنفاق المادي . . وقد ذكرت من قبل أن القوامة التي منحها الله للرجل تعني المسؤولية بمفهومها الشامل، ولكي يقوم الرجل بهذه المسؤولية كما ينبغي أن تكون كان عليه أن يكون له حضور بين أفراد أسرته، وأن يشعر الجميع بقربه منهم، وأنه معهم يشاركهم فيما يهتمون به ويتعرف على ما يرغبون فيه، ويصحبهم أحياناً خارج البيت في نزهات أو زيارات، ولا تشغله أعماله، مهما تكن، عن الرعاية التي فرضت عليه لكل أفراد أسرته، وليكن قدوته في ذلك الأب والزوج الكريم النبي محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

والرجل إذا قام بمسؤوليته كاملة حمى أسرته من أسباب التفرق والتقاطع، ونشأ، الأبناء نشأة سوية في ظل أب يغدق الحنان والعطف إلى جانب الشدة والقسوة إذا اقتضى الأمر ذلك.

ولكن إذا قصر الرجل في القيام بواجباته المادية والمعنوية، أو ظن أن مهمته لا تخرج عن توفير الحاجات الضرورية من طعام وشراب وما إليهما لأسرته، ثم يهمل بيته وشؤون أولاده لانشغاله بمجالسة أصدقائه وخروجه معهم في نزهات ورحلات متكررة، أو يسرف أو يبذر في الحفلات التي لا مبرر لها، أو يغيب عن أسرته شهراً أو عدة شهور بحجة عمله التجاري أو الدعوة إلى الله فإنه بذلك السلوك يعرض أسرته للضياع لأنها فقدت الراعي، ويسرت للذين يتلقفون الأبناء من أصدقاء السوء أن يزينوا لهم وسائل الفساد.

كما أن غياب الرجل كثيراً عن بيته يضاعف من خطورة الخدم، لأنهم يفتقدون الحارس الذي يأخذ على أيديهم أو يعاقبهم إذا انحرفوا.

إن عدم فهم الزوج لدرجة القوامة يجعله يقصر في واجباته نحو زوجته وأولاده، وقد يعتقد بمقتضى هذه القوامة أن له الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء دون أن يراجعه أحد من أفراد أسرته، وهذا السلوك من الزوج يرتد على الأسرة بالاضطراب وفتور العلاقة الزوجية، وقد يصل الأمر إلى الشك الذي يدمر هذه العلاقة.

وقد يكون تقصير الرجل في القيام بواجباته وغيابه كثيراً عن بيته مندوحة للزوجة في أن تثأر لنفسها من تصرفات زوجها، فتخرج كثيراً من بيتها، وتختلط مع الجارات والقريبات في لقاءات قد تسهم في تدمير العلاقة الزوجية، وزيادة حدة المشكلات الأسرية.

إن مسؤولية الرجل في الأسرة كمسؤولية ربان السفينة، عليه أن يقودها نحو شاطئ الأمان والسلامة ويجنبها الأخطار والأضرار، فإذا أهمل في مسؤوليته كان الغرق هو المصير المحتوم للسفينة . . وكذلك الأسرة، إذا لم يكن الرجل يقضاً وعلى وعي بما يجب عليه نحو أسرته فإنها تغرق في دوامة الخلل، ويكون مصيرها التفكك والفرقة.

(جـ) كثرة الطلاق لأوهى الأسباب:

وهذه ظاهرة خطيرة لها آثارها المدمرة للأبناء والأخلاق واستقرار الحياة بوجه عام، وهي في الواقع تعكس عدم الوعي الديني بما أباحه الله من التفريق بين الزوجين، وبعد استنفاد كل وسائل الإصلاح، وذلك لأن الناس يسارعون إلى الطلاق لأوهى الأسباب، ولا يأخذون أنفسهم بما أمر الله به من المعاشرة بالمعروف وعدم الاستجابة لمشاعر الكراهية والنفور، وتحري الوقت الصحيح لإيقاع الطلاق.

إن الأمية الدينية في أحكام الطلاق من أسباب كثرة وقوعه وبالتالي كانت من أسباب تفكك الأسرة وتمزقها.

على أن ظاهرة كثرة الطلاق مع هذه تعد ثمرة طبيعية للزواج الذي لم يستوف شروطه المشروعة، وأيضاً للأمية الدينية في فهم العلاقة الزوجية، وعدم وجود أهل الإصلاح للتوفيق بين الزوجين عند خوف الشقاق.

(د) الفارق الكبير في السن:

من المسلم به أن الأصل جواز النكاح وصحته مهما يكن الاختلاف في السن بين الزوجين، إذا تحققت شروط صحة العقد وانتفت الموانع.

ومع هذا، يخضع الفارق الكبير في السن إلى بعض القواعد الشرعية، في أنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وقد بينت الدراسات الطبية والاجتماعية والنفسية أن الفارق الكبير في السن بين الزوجين يترتب عليه التباين الشديد في القدرة الجنسية.

ولا شك في أن الاهتمام بتربية الأولاد لن يكون كافياً إذا كان الزوج هرماً، فضلاً عن الفارق الكبير بين الزوجين سينعكس سلباً على معاملة الأبناء.

والفارق الكبير في السن يجعل بين الزوجين هوة عميقة نفسية واجتماعية وعقلية، مما يحول دون تفاهمهما وانسجامهما معاً في حياتهما الخاصة وفي تربية الأولاد، مما يؤثر على علاقتهما الزوجية، ويكون من عوامل الاضطراب والتفكك والحياة غير الطبيعية في الأسرة(1).

(هـ) البث الإعلامي:

ويشمل كل وسائل الاتصال المعاصرة من صحافة وإذاعة وخيالة وأقمار صناعية وفضائيات وشبكة الإنترنت . . . إلخ.

وأخطر هذه الوسائل الغزو الفضائي الذي يمثله ذلك الكم الهائل من القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت، فهي وسيلة جديدة وسريعة لاختراق حدودنا وهويتنا وضمائرنا، إنها تسعى لاقتلاع القيم الإسلامية الأصيلة من جذورها، وإحلال القيم الغربية مكانها.

والقنوات الفضائية الغربية تملك من الإمكانات ووسائل الإبهار والجذب والمغريات ما يمكنها من الدخول إلى نفوس أكبر عدد من المشاهدين الذين يكونون عرضة لبث قيم وأفكار تشكل تهديداً كاسحاً للهوية والثقافة الإسلامية، فالأطفال والشباب أياً كانت أعمارهم يتعرضون عن طريق البث الفضائي الغربي لمؤثرات خطيرة تحدث هزة عنيفة في القيم والمفاهيم الإسلامية لديهم.

وتعد شبكة الإنترنت من أخطر الوسائل التي تفتق عنه الفكر الغربي لنشر ثقافته وعادته، وتقديم المعلومات التي كثيراً ما تفتقر إلى الصدق والموضوعية والأمانة العلمية، كما تنشر القيم والمفاهيم التي تؤثر على المسلم بصورة سلبية في ظل وجود منظمات إباحية تدعو إلى الانحلال والرذيلة.

ولأن القنوات الفضائية في الدول الإسلامية تجد نفسها في منافسة غير متكافئة مع القنوات الأجنبية، فإن هذه القنوات الأجنبية تبث سمومها دون أن نستطيع أن نغلق دونها النوافذ والأبواب، أو تقديم البديل الذي يحول دون تأثيرها.

وإذا عرفنا أن البث الإعلامي الغربي وبخاصة القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت تهتم بالأسرة المسلمة وبخاصة الأم لأن في إفسادها إفساد لكل أفراد الأسرة، أدركنا أن هذه القنوات تعد خطراً مدمراً للأسرة المسلمة التي تعتبر من أواخر الحصون الإسلامية التي لما تسقط بعد سواء على المستوى الثقافي أو الاجتماعي أو القانوني.

لذلك لا يقدم البث الإعلامي الغربي إلا كل ما يؤدي إلى إغراق هذه الأسرة في الفلسفات والممارسات التي تردت فيها الأسرة في الحضارة والثقافة الغربية، حتى يتم إحكام السيطرة على هذا الحصن الأخير (1).

إن البث الإعلامي الغربي سلاح عصري مؤثر يقتحم البيت لتدمير القيم الإسلامية، وتمزيق الروابط الأسرية ودفع الجيل الصاعد إلى سبل الضياع والحياة التي لا تعرف طموحاً نحو معالي الأمور وإنما ترضى بسفاسفها.

(و) الظروف الاقتصادية:

ويراد بها ما يتعلق بالمستوى المادي للزوج، وبالنسبة لزوجته، كما يراد بها انخفاض دخل الأسرة، وذلك أن الفارق الاقتصادي بين الزوجين، كما يرى علماء الاجتماع، يوجد الصراعات داخل الأسرة، حيث سيرغب الطرف الأقوى في فرض سيطرته على الطرف الأقل من الناحية المادية.

إن المكانة الاقتصادية المتواضعة للزوج تجعل مكانته الاجتماعية والزوجية أقل في نظر زوجته، وقد روي عن الإمام أبي حنيفة في اعتبار الكفاءة المادية قوله: من كانت لها ولأبيها ثروة عظيمة، لا يكافؤها إلا القادر على المهر والنفقة، لأن الناس يتفاخرون بالغنى ويتعيرون بالفقر (1).

وقد استشارت فاطمة بنت قيس النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة معاوية رضي الله عنه لها: فقال: ((أما معاوية فصعلوك لا مال له ))(2).

إن كون الزوجة أغنى من الرجل قد يخل بممارسة الرجل لحق القوامة، وهذا قد يؤثر على بناء الأسرة واستقرارها، كما يؤثر على نظرة الأبناء لأبيهم وسلوكهم نحوه.

وإذا كان العامل الاقتصادي من أهم العوامل المؤثرة في بناء الأسرة أو في قدرتها على أداء وظائفها ومواجهة مشكلاتها، فإن قلة دخل الأسرة أو فقرها لا يتيح لها القدرة على إشباع الاحتياجات الأساسية لأفرادها، كما سيؤدي إلى انخفاض مستوى تعليم الأبناء، وإلى انخفاض مكانة الأسرة ومكانة أبنائها.

ولعل خطورة الفقر لا تكمن في تأثيراته السيئة على الأسرة وعلى قدرتها على إشباع احتياجاتها الأساسية والضرورية فحسب، ولكن تأثيره السيئ يمتد إلى شعور الأبناء بالحرمان وإحساسهم بالدونية، وفقدهم للثقة في أنفسهم، وبهذا يؤدي الفقر إلى العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية والأخلاقية للأسرة، وفي مقدمة هذه المشكلات التفكك وعدم الاستقرار.

 

رد مع اقتباس